عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15 ذو الحجة 1431هـ/21-11-2010م, 04:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي الآية الأولى: البسملة

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}


تفسير قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه.
فأوّل ذلك اجتماع القرّاء, وكتّاب المصاحف على حذف الألف من «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في قوله: {فسبّح باسم ربّك العظيم}؛ لأنها وقعت في موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، ولا يحتاج إلى قراءته، فاستخفّ طرحها لأن من شأن العرب الإيجاز وتقليل الكثير إذا عرف معناه, وأثبتت في قوله: {فسبّح باسم ربّك}؛ لأنها لا تلزم هذا الاسم، ولا تكثر معه ككثرتها مع اللّه تبارك وتعالى, ألا ترى أنك تقول: «بسم اللّه» عند ابتداء كلّ فعل تأخذ فيه: من مأكل, أو مشرب, أو ذبيحة, فخفّ عليهم الحذف لمعرفتهم به.
وقد رأيت بعض الكتّاب تدعوه معرفته بهذا الموضع إلى أن يحذف الألف والسين من «اسم» لمعرفته بذلك، ولعلمه بأن القارئ لا يحتاج إلى علم ذلك, فلا تحذفنّ ألف «اسم» إذا أضفته إلى غير اللّه تبارك وتعالى، ولا تحذفنّها مع غير الباء من الصفات, وإن كانت تلك الصفة حرفاً واحداً, مثل اللام والكاف, فتقول: لاسم اللّه حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم اللّه, فتثبت الألف في اللام وفي الكاف؛ لأنهما لم يستعملا كما استعملت الباء في اسم اللّه, ومما كثر في كلام العرب, فحذفوا منه أكثر من ذا قولهم: أيش عندك, فحذفوا إعراب «أيّ», وإحدى ياءيه، وحذفت الهمزة من «شيء»، وكسرت الشين, وكانت مفتوحة في كثير من الكلام لا أحصيه.
فإن قال قائل: إنما حذفنا الألف من «بسم اللّه»؛ لأن الباء لا يسكت عليها، فيجوز ابتداء الاسم بعدها, قيل له: فقد كتبت العرب في المصاحف, واضرب لهم مثلًا بالألف والواو, لا يسكت عليها في كثير من أشباهه, فهذا يبطل ما ادّعى). [معاني القرآن: 1/1-2]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( فمجاز تفسير قوله {بسم الله} مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم الله قبل كل شيء، وأول كل شيء، ونحو ذلك، قال عبد الله بن رواحة:

بسم الإله وبه بدينا= ولو عبدنا غيره شقينا
يقال: بدأت وبديت، وبعضهم يقول: بدينا لغة.
{الرّحمن} مجازه: ذو الرحمة، و{الرّحيم} مجازه : الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد، والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، قال برج بن مسهر الطائيّ -جاهلي- :

وندمانٍ يزيد الكأس طيباً = سقيت وقد تغوّرت النجوم
وقال النعمان بن نضلة -عدويّ من عدي قريش- :

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني = ولا تسقني بالأصغر المتثلم
وقال بريق الهذليّ -عدويّ من عدي قريش- :

رزينا أبا زيدٍ ولا حيّ مثله = وكان أبو زيد أخي ونديمي
وقال حسّان بن ثابت:
لا أخدش الخدش ولا = يخشى نديمي إذا انتشيت يدي).
[مجاز القرآن: 1/20-22]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({بسم الله الرّحمن الرّحيم* الحمد للّه ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم}
{بسم الله الرّحمن الرّحيم}: "اسم" في التسمية، صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرّك، لأن أصل الكلام "بالله"، وحذفت الألف من "بسم" من الخط؛ تخفيفاً لكثرة الاستعمال، واستغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط، فلو كتبت "باسم الرحمن"، و"باسم القادر"، أو "باسم القاهر" لم تحذف الألف.
والألف في "اسم" ألف وصل، لأنك تقول: "سميّ"، وحذفت؛ لأنها ليست من اللفظ. اسمٌ، لأنك تقول إذا صغّرته: "سميّ"، فتذهب الألف. وقوله: {وامرأته حمّالة الحطب}، وقوله: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً}، فهذا موصول؛ لأنك تقول: "مريّة" و"ثنيّا عشر"، وقوله: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً} موصول؛ لأنك تقول: "ثنيّتا عشرة"، وقال: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما}، وقال: {ما كان أبوك امرأ سوءٍ}، لأنك تقول في "اثنين": "ثنيّيّن"، وفي "امْرِئٍ": "مُرَئٌ" فتسقط الألف، وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه، فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام بها، فإذا اتصل الكلام بشيء قبله استغنى عن هذه الألف، وكذلك كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر، وكان "يَفعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة، فتلك ألف وصل نحو قوله: {وإيّاك نستعين}،{اهدنا}؛ لأنك تقول: "يَهدي" فالياء مفتوحة، وقوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة}، وقوله: {يا هامان ابن لي صرحاً}، وقوله: {عذابٌ * اركض برجلك}، وأشباه هذا في القرآن كثيرة، والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و"اثنين" وما أشبهه، لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه الألف؛ ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا، وكل هذه الألفات اللواتي في الفعل إذا استأنفتهنّ مكسورات، فإذا استأنفت قلت: {اهدنا الصّراط}، {ابن لي}، {اشتروا الضّلالة}، إلا ما كان منه ثالث حروفه مضموماً، فإنك تضم أوله إذا استأنفت، تقول: {اركض برجلك}، وتقول:{اذكروا اللّه كثيراً}، وإنما ضمت هذه الألف إذا كان الحرف الثالث مضموماً؛ لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا، فثقل عليهم أن يكونوا في كسر، ثم يصيروا إلى الضم، فأرادوا أن يكونا جميعاً مضمومين إذا كان ذلك لا يغير المعنى.
وقالوا في بعض الكلام في "المنتن": "مِنـتِن"، وإنما هي من"انتن" فهو "منتن"، مثل "أكرم" فهو "مكرم"؛ فكسروا الميم لكسرة التاء، وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنـتُن" لضمة الميم.
وقد قالوا في "النقد": "النِقِد" فكسروا النون لكسرة القاف، وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه أحد الحروف الستة نحو "شعير"، والحروف الستة: الخاء، والحاء، والعين، والغين، والهمزة، والهاء.
وما كان على "فعل" مما في أوله هذه الألف الزائدة، فاستئنافه أيضاً مضموم نحو: {اجتثّت من فوق الأرض}؛ لأن أول "فعل" أبداً مضموم، والثالث من حروفها أيضاً مضموم.
وما كان على "أفعل أنا": فهو مقطوع الألف، وإن كان من الوصل، لأن "أفعل" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يفعل"، وفي كتاب الله عز وجل: {ادعوني أستجب لكم}، و{أنا آتيك به}، و{وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي}.
وما كان من نحو الألفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير، فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: {هذا أخي له تسعٌ}، وقوله: {يا أبانا}، وقوله: {إنها لإحدى الكبر}، و{قالت إحداهما}، {حتّى إذا جاء أحدهم}، لأنها إذا صغرت ثبتت الألف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أحيدى"، و"أحد": "أحيد"، و"أبانا": "أبيّنا" وكذلك "أبيّان" و"أبيّون".
وكذلك الألف في قوله: {من المهاجرين والأنصار}، و{أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}، لأنك تقول في "الأنصار": "أنيصار"، وفي "الأنباء": "أبيناء" و"أبينون".
وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يُفعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة، فتلك الألف مقطوعة، تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {بما أنزل إليك}، لأنك تقول: "يُنزل"، فالياء مضمومة، و{ربّنا آتنا} تقطع لأن الياء مضمومة، لأنك تقول: " يُؤتى"، وقال: {وبالوالدين إحساناً}، و {وإيتاء ذي القربى}؛ لأنك تقول: " يُؤتي"، و" يُحسن"، وقوله: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي}، و{وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحرٍ عليمٍ}، فهذه موصولة لأنك تقول: "يَأتي"، فالياء مفتوحة، وإنما الهمزة التي في قوله: {وقال الملك ائتوني به} همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل، ألا ترى إنها ثابتة في "أتيت"، وفي "أتى" لا تسقط، وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله: {آتنا} يكون من "آتى"، و"آتاه الله"، كما تقول: "ذهب" و"أذهبه الله"، ويكون على "أعطنا"، قال: {فآتهم عذاباً} على "فعل"و "أفعله غيره".
وأما قوله: {الرحمن الرّحيم * الحمد} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ، وذلك لأن كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها، وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبداً لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام، ولأن هذه الألف واللام هما جميعاً حرف واحد كـ"قد" و"بل"، وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفاً ولاماً أخريين تدخلهما عليهما، فإن لم تصل إلى ذلك عرفت أنهما زائدتان ألا ترى أن قولك "الحمد للّه"، وقولك "العالمين"، وقولك "التي"، و"الذي"، "و الله" لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الألف، إلا أن توصل بألف الاستفهام، فتترك مخففة، و لا يخفف فيها الهمزة إلا ناس من العرب قليل، وهو قوله: {آللّه أذن لكم}، وقوله: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون}، وقوله: {آلأن وقد عصيت قبل}، وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر، ألا ترى أنك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها، صارت مثل قولك: "الرجل قال كذا وكذا" إذا أخبرت.
وليس سائر ألفات الوصل هكذا، قال: {أصطفى البنات على البنين}، وقال: {أفترى على اللّه كذباً أم به جنّةٌ}، فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" و "افترى" قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد والفاء بهذه الألف التي قبلها للاستفهام، وقال من قرأ هذه الآية: {كنّا نعدّهم مّن الأشرار}، {أتّخذناهم}، فقطع ألف "أتخذناهم" فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت، وقد قرئ هذا الحرف موصولًا، وذلك أنهم حملوا قوله: {أم زاغت عنهم الأبصار} على قوله: {ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم مّن الأشرار}، {أم زاغت عنهم الأبصار}.
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفاً ولاماً أخريين، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {ما لكم مّن إله غيره}؛ لأنك لو قلت "الإله" فأدخلت عليها ألفاً ولاماً: جاز ذلك، وكذلك "ألواح" و"إلهام" و"إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين، فأما "إلى" فمقطوعة، ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم، ويدلك على أن الألف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين إنك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و"ألاّ"، ومع ذلك تكون ألف "إِلى" مكسورة، وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة). [معاني القرآن: 1/1-6]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بسم اللّه} اختصار، كأنه قال: أبدأ باسم الله، أو بدأت باسم اللّه).
[تفسير غريب القرآن: 38]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا كتاب مختصر في إعراب القرآن ومعانيه، ونسأل اللّه التّوفيق في كل الأمور.
قوله عزّ وجلّ: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}:
الجالب للباء معنى الابتداء، كأنّك قلت: بدأت باسم اللّه الرحمن الرحيم، إلا أنّه لم يحتج لذكر " بدأت "؛ لأن الحال تنبئ أنك مبتدئ.
وسقطت الألف من "باسم اللّه" في اللفظ، وكان الأصل " باسم اللّه "؛ لأنها ألف وصل دخلت ليتوصل بها إلى النطق بالسّاكن، والدّليل على ذلك أنّك إذا صغرت الاسم قلت "سميّ"، والعرب تقول: هذا إسم، وهذا أُسم، وهذا سِمٌ.
قال الرّاجز:

................... = باسم الذي في كل سورة سِمُهُ
وسُمه أيضًا ، روى ذلك أبو زيد الأنصاريّ، وغيره من النّحويين، فسقطت الألف لما ذكرنا، وكذلك قولك: " ابن " الألف فيه ألف وصل، تقول في تصغيره " بني".
ومعنى قولنا اسم: إنّه مشتق من السمو، والسمو: الرفعة، والأصل فيه سمو - بالواو - على وزن جمل، وجمعه أسماء، مثل قنو وأقناء، وحنو وأحناء، وإنّما جعل الاسم تنويها باسم اللّه على المعنى؛ لأنّ المعنى تحت الاسم، ومن قال: إنّ اسما مأخوذ من " وسمت " فهو غلط، لأنّا لا نعرف شيئا دخلته ألف الوصل وحذفت فاؤه، أعني فاء الفعل، نحو قولك " عدة " و " زنة "، وأصله " وعدة " و "وزنة"، فلو كان "اسم": "وسمة" لكان تصغيره إذا حذفت منه ألف الوصل "وسيم"، كما أن تصغير "عدة" و"صلة": "وعيدة"، "ووصيلة"! ولا يقدر أحد أن يرى ألف الوصل فيما حذفت فاؤه من الأسماء.
وسقطت الألف في الكتاب من {بسم اللّه الرحمن الرحيم}، ولم تسقط في: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}؛ لأنه اجتمع فيها مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال.
وزعم سيبويه أن معنى الباء: الإلصاق، تقول كتبت بالقلم، والمعنى: أن الكتابة ملصقة بالقلم، وهي مكسورة أبدًا؛ لأنه لا معنى لها إلا الخفض، فوجب أن يكون لفظها مكسوراً؛ ليفصل بين ما يجر وهو اسم نحو: "كاف" قولك: كزيد، وما يجر وهو حرف نحو: بزيد، لأن أصل الحروف التي يتكلم بها، وهي على حرف واحد الفتح أبدا إلا أن تجيء علة تزيله؛ لأن الحرف الواحد لا حظ له في الإعراب، ولكن يقع مبتدأ في الكلام ولا يبدأ بساكن فاختير الفتح؛ لأنه أخف الحركات، تقول: "رَأيت زيدًا وعمرًا"، فالواو مفتوحة، وكذلك "فعمرًا" الفاء مفتوحة، وإنما كسرت اللام في قولك: " لزيد "؛ ليفصل بين لام القسم ولام الإضافة.
ألا ترى أنك لو قلت: "إنّ هذا لِزيد"، علم أنه ملكه، ولو قلت: " إن هذا لَزيد "، علم أنّ المشار إليه هو زيد، فلذلك كسرت اللام في قولك "لِزيد"، ولو قلت: "إنّ هذا المال لَك"، "وإن هذا لَأنت" فتحت اللام؛ لأنّ اللبس قد زال.
والذي قلناه في اللام هو مذهب سيبويه ويونس والخليل وأبي عمرو بن العلاء وجميع النحويين الموثوق بعلمهم.
وكذلك تقول: " أَزيد في الدار"؛ فالألف مفتوحة، وليس في الحروف المبتدأة -مما هو على حرف- حرف مكسور إلا الباء ولام الأمر وحدهما، وإنما كسرتا للعلة التي ذكرنا، وكذلك لام الإضافة، والفتح أصلها.
وأما لام (كي) في قولك: "جئت لتقوم يا هذا "، فهي لام الإضافة التي في قولك " المال لزيد"، وإنما نصبت (تقوم) بإضمار "أن" أو "كي" التي في معنى "أن"، فالمعنى: جئت لقيامك.
وما قلناه في اشتقاق " اسم " قول لا نعلم أحدا فسره قبلنا.
وأمّا قولك: " لِيضرب زيد عمرًا "، فإنما كسرت اللام ليفرق بينها وبين لام التوكيد، ولا يبالى بشبهها بلام الجر؛ لأنّ لام الجر لا تقع في الأفعال، وتقع لام التوكيد في الأفعال، ألا ترى أنك لو قلت: " لتضرب" -وأنت تأمر- لأشبه لام التوكيد إذا قلت: "إنك لتضرب"، فهذا جملة ما في الحروف التي على حرف واحد.
فأما اسم اللّه عزّ وجلّ: فالألف فيه ألف وصل، وأكره أن أذكر جميع ما قال النحويون في اسم اللّه أعني قولنا: (اللّه) تنزيهًا للّه عزّ وجلّ.
وقوله عزّ وجلّ: {الرّحمن الرّحيم}
هذه الصفات للّه عزّ وجلّ، معناه فيما ذكر أبو عبيدة: ذو الرحمة، ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنما كان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شىء، فلا يجوز أن يقال لغير الله: "رحمن".
وخفضت هذه الصفات لأنها ثناء على اللّه -عزّ وجلّ-، فكان إعرابها إعراب اسمه، ولو قلت في غير القرآن: "بسم اللّه الكريم والكريم"، و"الحمد لله رب العالمين، ورب العالمين" جاز ذلك، فمن نصب (ربّ العالمين) فإنما ينصب: لأنّه ثناء على اللّه، كأنه لمّا قال: الحمد للّه استدل بهذا اللفظ أنه ذاكر اللّه، فقوله: ربّ العالمين كأنه قال : أذكر ربّ العالمين، وإذا قال: ربّ العالمين فهو على قولك: هو ربّ العالمين: قال الشاعر:

وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم= إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الظاعنين ولما يظعنوا أحدا= والقائلين لمن دار نخلّيها
فيجوز أن ينصب " الظاعنين " على ضربين: على إنّه تابع نميراً، وعلى الذم، كأنّه قال: أذكر الظاعنين، ولك أن ترفع تريده: م الظاعنون، وكذلك لك في " القائلين " النصب والرفع، ولك أن ترفعهما جميعا، ولك أن تنصبهما جميعا، ولك أن ترفع الأول، وتنصب الثاني، ولك أن تنصب الأول وترفع الثاني، لا خلاف بين النحويين فيما وصفنا). [معاني القرآن: 1/39-44]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (تفسير البسملة:
ومما قصدنا له قوله عز وجل: {بسم الله الرحمن الرحيم}، قال: أكثر البصريين المعنى أول ما افتتح بـ{بسم الله}، وأول كلامي: بسم الله.
قال سيبويه: معنى الباء: الإلصاق.
قال الفراء: موضع الباء نصب، والمعنى : بدأت باسم الله، وأبدأ باسم الله.
وفي اشتقاق "اسم" قولان:
أحدهما: من السمو: وهو العلو والارتفاع، فقيل "اسم"؛ لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.
وقيل: وهو من وسمت، فقيل "اسم"؛ لأنه لصاحبه بمنزلة السمة، أي: يعرف به.
والقول الثاني خطأ؛ لأن الساقط منه لامه، فصح أنه من (سما يسمو).
قال أحمد بن يحيى يقال: سِمٌ وسَمٌ، ويقال: "اسم" بكسر الألف، ويقال: بضمها، فمن ضم الألف أخذه من (سموت أسمو)، ومن كسر أخذه من (سميت أسمي).
قال الكسائي والفراء: معنى {بسم الله}: باسم الإله، وتركوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارت لاماً مشددة، كما قال جل عز وجل: {لكنا هو الله ربي}، ومعناه: لكن أنا هو الله ربي، كذلك قرأها الحسن.
ولسيبويه في هذا قولان:
أحدهما: أن الأصل "إله" ثم جيء بالألف واللام عوضاً من الهمزة، وكذلك "الناس" عنده، الأصل فيه: "أناس".
والقول الآخر: هو أيضًا قول أصحابه: إن الأصل "لاه" ثم دخلت عليه الألف واللام، وأنشدوا:

لاه ابن عمك لا فضلت في حسب = عني ولا أنت دياني فتخزوني
ويسأل عن التكرير في قوله عز وجل: {الرحمن الرحيم}
فروي عن ابن عباس أنه قال: {الرحمن الرحيم}: "اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق".
قال محمد بن كعب القرظي : الرحمن بخلقه، الرحيم بعباده فيما ابتدأهم به من كرامته وحجته .
وقال عطاء الخراساني : كان الرحمن، فلما اختزل الرحمن من أسمائه صار: الرحمن الرحيم .
وقال العرزمي : الرحمن بجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين .
وقال أبو عبيدة : هما من الرحمة، كقولهم (ندمان ونديم) .
وقال قطرب: يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد -وهذا قول حسن- وفي التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد والفائدة، في ذلك ما قاله محمد بن يزيد: أنه تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد إنعام، وتقوية لمطامع الداعين، ووعد لا يخيب آمله.
وقول العرزمي أيضا حسن؛ لأن (فعلان) فيه معنى المبالغة، فكأنه -والله أعلم- الرحمن بجميع خلقه، ولهذا لم يقع إلا لله تعالى؛ لأن معناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، ولهذا قدم قبل الرحيم .
وصار الرحيم أولى من الراحم؛ لأن الرحيم إلزام في المدح؛ لأنه يدل على أن الرحمة لازمة له غير مفارقة، والراحم يقع لمن رحم مرة واحدة.
وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما. وهذا القول مرغوب عنه.
وروى مطر عن قتادة في قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: "مدح نفسه". وهذا قول حسن.
قال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح، كما تقول: قال جرير الشاعر). [معاني القرآن: 1/50-56]


رد مع اقتباس