عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 08:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار (28) جهنّم يصلونها وبئس القرار (29) وجعلوا للّه أندادًا ليضلّوا عن سبيله قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار (30)}
قال البخاريّ: قوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا} ألم تعلم؟ كقوله: {ألم تر كيف} [إبراهيم: 24] {ألم تر إلى الّذين خرجوا} [البقرة: 243] البوار: الهلاك، بار يبور بورًا، و {قومًا بورًا} [الفرقان:18، الفتح: 12] هالكين.
حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عطاءٍ سمع ابن عبّاسٍ: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا} قال: هم كفّار أهل مكّة.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: هو جبلة بن الأيهم، والّذين اتّبعوه من العرب، فلحقوا بالرّوم. والمشهور الصّحيح عن ابن عبّاسٍ هو القول الأوّل، وإن كان المعنى يعمّ جميع الكفّار؛ فإنّ اللّه تعالى بعث محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم رحمةً للعالمين، ونعمةً للنّاس، فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنّة، ومن ردّها وكفرها دخل النّار.
وقد روي عن عليٍّ نحو قول ابن عبّاسٍ الأوّل، قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا أبي، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطّفيل: أنّ ابن الكوّاء سأل عليًّا عن {الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار} قال: كفّار قريشٍ يوم بدرٍ.
حدّثنا المنذر بن شاذان، حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا بسّامٌ -هو الصّيرفيّ -عن أبي الطّفيل قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ فقال: يا أمير المؤمنين، من الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار؟ قال: منافقو قريشٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن نفيلٍ قال: قرأت على معقل، عن ابن أبي حسينٍ قال: قام عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، فقال: ألا أحدٌ يسألني عن القرآن، فواللّه لو أعلم اليوم أحدًا أعلم منّي به وإن كان من وراء البحار لأتيته. فقام عبد اللّه بن الكوّاء فقال: من الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار؟ فقال: مشركو قريشٍ، أتتهم نعمة اللّه: الإيمان، فبدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار.
وقال العدويّ في قوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا} الآية، ذكر مسلمٌ المستوفى عن عليٍّ أنّه قال: هم الأفجران من قريشٍ: بنو أميّة، وبنو المغيرة، فأمّا بنو المغيرة فأحلّوا قومهم دار البوار يوم بدرٍ، وأمّا بنو أميّة فأحلّوا قومهم دار البوار يوم أحدٍ. وكان أبو جهلٍ يوم بدرٍ، وأبو سفيان يوم أحدٍ. وأمّا دار البوار فهي جهنّم.
وقال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن يحيى، حدّثنا الحارث بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة قال: سمعت عليًّا قرأ هذه الآية: {وأحلّوا قومهم دار البوار} قال: هم الأفجران من قريشٍ: بنو أميّة وبنو المغيرة، فأمّا بنو المغيرة فأهلكوا يوم بدرٍ، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حينٍ.
ورواه أبو إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عليٍّ، نحوه، وروي من غير وجهٍ عنه.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن سعدٍ، عن عمر بن الخطّاب، في قوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا} قال: هم الأفجران من قريشٍ: بنو المغيرة وبنو أميّة، فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدرٍ، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حينٍ.
وكذا رواه حمزة الزّيّات، عن عمرو بن مرّة قال: قال ابن عبّاسٍ لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، هذه الآية: {الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار} قال: هم الأفجران من قريشٍ: أخوالي وأعمامك فأمّا أخوالي فاستأصلهم اللّه يوم بدرٍ، وأمّا أعمامك فأملى اللّه لهم إلى حينٍ.
وقال مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك وقتادة بن زيدٍ هم كفّار قريشٍ الّذين قتلوا يوم بدرٍ وكذا رواه مالكٌ في تفسيره عن نافعٍ، عن ابن عمر). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 508-509]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وجعلوا للّه أندادًا ليضلّوا عن سبيله} أي: جعلوا له شركاء عبدوهم معه، ودعوا النّاس إلى ذلك.
ثمّ قال تعالى مهدّدًا لهم ومتوعّدًا لهم على لسان نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار} أي: مهما قدرتم عليه في الدّنيا فافعلوا، فمهما يكن من شيءٍ {فإنّ مصيركم إلى النّار} أي: مرجعكم وموئلكم إليها، كما قال تعالى: {نمتّعهم قليلا ثمّ نضطرّهم إلى عذابٍ غليظٍ} [لقمان: 24]، وقال تعالى: {متاعٌ في الدّنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب الشّديد بما كانوا يكفرون} [يونس: 70]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 509-510]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً من قبل أن يأتي يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ (31)}
يقول تعالى آمرًا العباد بطاعته والقيام بحقّه، والإحسان إلى خلقه، بأن يقيموا الصّلاة وهي عبادة اللّه وحده لا شريك له، وإن ينفقوا ممّا رزقهم اللّه بأداء الزّكوات، والنّفقة على القرابات والإحسان إلى الأجانب.
والمراد بإقامتها هو: المحافظة على وقتها وحدودها، وركوعها وخشوعها وسجودها.
وأمر تعالى بالإنفاق ممّا رزق في السّرّ، أي: في الخفية، والعلانية وهي: الجهر، وليبادروا إلى ذلك لخلاص أنفسهم {من قبل أن يأتي يومٌ} وهو يوم القيامة، وهو يومٌ {لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} أي: لا يقبل من أحدٍ فديةٌ بأن تباع نفسه، كما قال تعالى: {فاليوم لا يؤخذ منكم فديةٌ ولا من الّذين كفروا} [الحديد: 15].
وقوله: {ولا خلالٌ} قال ابن جريرٍ: يقول: ليس هناك مخالّة خليلٍ، فيصفح عمّن استوجب العقوبة، عن العقاب لمخالّته، بل هنالك العدل والقسط، فالخلال مصدرٌ، من قول القائل: "خاللت فلانًا، فأنا أخالّه مخالة وخلال"، ومنه قول امرئ القيس:
صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى = ولست بمقلى الخلال ولا قال
وقال قتادة: إنّ اللّه قد علم أنّ في الدّنيا بيوعًا وخلالًا يتخالّون بها في الدّنيا، فينظر رجلٌ من يخالل وعلام صاحب، فإن كان للّه فليداوم، وإن كان لغير اللّه فسيقطع عنه.
قلت: والمراد من هذا أنّه يخبر تعالى أنّه لا ينفع أحدًا بيعٌ ولا فديةٌ، ولو افتدى بملء الأرض ذهبًا لو وجده، ولا ينفعه صداقة أحدٍ ولا شفاعة أحدٍ إذا لقي اللّه كافرًا، قال اللّه تعالى: {واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها عدلٌ ولا تنفعها شفاعةٌ ولا هم ينصرون} [البقرة: 123]، وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ والكافرون هم الظّالمون} [البقرة: 254]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 510]

رد مع اقتباس