عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 07:50 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هو الّذي يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينشئ السّحاب الثّقال (12) ويسبّح الرّعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال (13)}
يخبر تعالى أنّه هو الّذي يسخّر البرق، وهو ما يرى من النّور اللّامع ساطعًا من خلل السّحاب.
وروى ابن جريرٍ أنّ ابن عبّاسٍ كتب إلى أبي الجلد يسأله عن البرق، فقال: البرق: الماء.
وقوله: {خوفًا وطمعًا} قال قتادة: خوفًا للمسافر، يخاف أذاه ومشقّته، وطمعًا للمقيم يرجو بركته ومنفعته، ويطمع في رزق اللّه.
{وينشئ السّحاب الثّقال} أي: ويخلقها منشأةً جديدةً، وهي لكثرة مائها ثقيلةٌ قريبةٌ إلى الأرض.
قال مجاهدٌ: والسحاب الثقال: الذي فيه الماء.
{ويسبّح الرّعد بحمده} كما قال تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} [الإسراء: 44].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، أخبرني أبي قال: كنت جالسًا إلى جنب حميد بن عبد الرّحمن في المسجد، فمرّ شيخٌ من بني غفارٍ، فأرسل إليه حميدٌ، فلمّا أقبل قال: يا ابن أخي، وسّع له فيما بيني وبينك، فإنّه قد صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فجاء حتّى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميدٌ: ما الحديث الّذي حدّثتني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال الشّيخ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه ينشئ السّحاب، فينطق أحسن النّطق، ويضحك أحسن الضّحك".
والمراد -واللّه أعلم -أنّ نطقها الرعد، وضحكها البرق.
وقال موسى بن عبيدة، عن سعد بن إبراهيم قال: يبعث اللّه الغيث، فلا أحسن منه مضحكًا، ولا آنس منه منطقًا، فضحكه البرق، ومنطقه الرّعد.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عبيد اللّه الرّازيّ، عن محمّد بن مسلمٍ قال: بلغنا أنّ البرق ملكٌ له أربعة وجوهٍ: وجه إنسانٍ، ووجه ثورٍ، ووجه نسرٍ، ووجه أسدٍ، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، حدّثنا الحجّاج، حدّثني أبو مطرٍ، عن سالمٍ، عن أبيه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا سمع الرعد والصّواعق قال: "اللّهمّ، لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك".
ورواه التّرمذيّ، والبخاريّ في كتاب الأدب، والنّسائيّ في اليوم واللّيلة، والحاكم في مستدركه، من حديث الحجّاج بن أرطاة، عن أبي مطرٍ -ولم يسمّ به.
وقال [الإمام] أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا إسرائيل، عن أبيه عن رجلٍ، عن أبي هريرة، رفع الحديث قال: إنّه كان إذا سمع الرّعد قال: "سبحان من يسبّح الرعد بحمده".
وروي عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، أنّه كان إذا سمع صوت الرّعد قال: سبحان من سبّحت له.
وكذا روي عن ابن عبّاسٍ، والأسود بن يزيد، وطاوسٍ: أنّهم كانوا يقولون كذلك.
وقال الأوزاعيّ: كان ابن أبي زكريّا يقول: من قال حين يسمع الرّعد: سبحان اللّه وبحمده، لم تصبه صاعقةٌ.
وعن عبد اللّه بن الزّبير أنّه كان إذا سمع الرّعد ترك الحديث وقال: سبحان الّذي يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: إنّ هذا لوعيدٌ شديدٌ لأهل الأرض. رواه مالكٌ في الموطّأ، والبخاريّ في كتاب الأدب.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سليمان بن داود الطّيالسيّ، حدّثنا صدقة بن موسى، حدّثنا محمّد بن واسعٍ، عن شتيز بن نهارٍ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "قال ربّكم عزّ وجلّ: لو أنّ عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر باللّيل، وأطلعت عليهم الشّمس بالنّهار، ولما أسمعتهم صوت الرّعد".
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا زكريّا بن يحيى السّاجيّ، حدّثنا أبو كاملٍ الجحدري، حدّثنا يحيى بن كثيرٍ أبو النّضر، حدّثنا عبد الكريم، حدّثنا عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا سمعتم الرّعد فاذكروا اللّه؛ فإنّه لا يصيب ذاكرًا".
وقوله: {ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء} أي: يرسلها نقمةً ينتقم بها ممّن يشاء، ولهذا تكثر في آخر الزّمان، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا محمّد بن مصعبٍ، حدّثنا عمارة عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "تكثر الصّواعق عند اقتراب السّاعة، حتّى يأتي الرّجل القوم فيقول: من صعق تلكم الغداة؟ فيقولون صعق فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ".
وقد روي في سبب نزولها ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصليّ:
حدّثنا إسحاق، حدّثنا عليّ بن أبي سارّة الشّيباني، حدّثنا ثابتٌ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث رجلًا مرّةً إلى رجلٍ من فراعنة العرب فقال: "اذهب فادعه لي". قال: فذهب إليه فقال: يدعوك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له: من رسول اللّه؟ وما اللّه؟ أمن ذهبٍ هو؟ أم من فضّةٍ هو؟ أم من نحاسٍ هو؟ قال: فرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: يا رسول اللّه، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، قال لي كذا وكذا. فقال: "ارجع إليه الثّانية". أراه، فذهب فقال له مثلها. فرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، قد أخبرتك أنّه أعتى من ذلك. قال: "ارجع إليه فادعه". فرجع إليه الثّالثة. قال: فأعاد عليه ذلك الكلام. فبينا هو يكلّمه، إذ بعث اللّه، عزّ وجلّ، سحابةً حيال رأسه، فرعدت، فوقعت منها صاعقةٌ، فذهب بقحف رأسه فأنزل اللّه: {ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في اللّه وهو شديد المحال}
ورواه ابن جريرٍ، من حديث عليّ بن أبي سارّة، به ورواه الحافظ أبو بكرٍ البزّار، عن عبدة بن عبد اللّه، عن يزيد بن هارون، عن ديلم بن غزوان، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، فذكر نحوه.
وقال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، حدّثنا عفّان، حدّثنا أبان بن يزيد، حدثنا أبو عمران الجوقي، عن عبد الرّحمن بن صحار العبديّ: أنّه بلغه أنّ نبيّ اللّه بعثه إلى جبّار يدعوه، فقال: أرأيتم ربّكم، أذهبٌ هو؟ أو فضّةٌ هو؟ ألؤلؤٌ هو؟ قال: فبينا هو يجادلهم، إذ بعث اللّه سحابةً فرعدت فأرسل عليه صاعقةً فذهبت بقحف رأسه، ونزلت هذه الآية.
وقال أبو بكر بن عيّاشٍ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ قال: جاء يهوديٌّ فقال: يا محمّد، أخبرني عن ربّك، [من أيّ شيءٍ هو] من نحاسٍ هو؟ من لؤلؤٍ؟ أو ياقوتٍ؟ قال: فجاءت صاعقةٌ فأخذته، وأنزل اللّه: {ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء}
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ رجلًا أنكر القرآن، وكذّب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل اللّه صاعقةً فأهلكته وأنزل: {ويرسل الصّواعق} الآية.
وذكروا في سبب نزولها قصّة عامر بن الطّفيل وأربد بن ربيعة لمّا قدما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال له عامر بن الطّفيل -لعنه اللّه: أما واللّه لأملأنّها عليك خيلًا جردا ورجالًا مردًا. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يأبى اللّه عليك ذلك وأبناء قيلة يعني: الأنصار، ثمّ إنّهما همّا بالفتك بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وجعل أحدهما يخاطبه، والآخر يستلّ سيفه ليقتله من ورائه، فحماه اللّه منهما وعصمه، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب، يجمعان النّاس لحربه، عليه السّلام فأرسل اللّه على أربد سحابةً فيها صاعقةٌ فأحرقته. وأمّا عامر بن الطّفيل فأرسل اللّه عليه الطّاعون، فخرجت فيه غدّة عظيمةٌ، فجعل يقول: يا آل عامرٍ، غدّة كغدّة البكر، وموتٌ في بيت سلولية ؟ حتّى ماتا لعنهما اللّه، وأنزل الله في مثل ذلك: {ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء} وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة، أخو أربد يرثيه:
أخشى على أربد الحتوف ولا = أرهب نوء السّماك والأسد
فجعني الرّعد والصّواعق بالـ = فارس يوم الكريهة النّجد
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا مسعدة بن سعدٍ العطّار، حدّثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، حدّثني عبد العزيز بن عمران، حدّثني عبد الرّحمن وعبد اللّه ابنا زيد بن أسلم، عن أبيهما، عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلابٍ، وعامر بن الطّفيل بن مالكٍ، قدما المدينة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانتهيا إليه وهو جالسٌ، فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطّفيل: يا محمّد، ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم". قال عامر بن الطّفيل: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكنّ لك أعنّة الخيل". قال: أنا الآن في أعنّة خيل نجدٍ، اجعل لي الوبر ولك المدر. قال رسول اللّه: "لا". فلمّا قفلا من عنده قال عامرٌ: أما واللّه لأملأنّها عليك خيلًا ورجالًا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يمنعك اللّه". فلمّا خرج أربد وعامرٌ، قال عامرٌ: يا أربد، أنا أشغل عنك محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بالحديث، فاضربه بالسّيف، فإنّ النّاس إذا قتلت محمّدًا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدّية، ويكرهوا الحرب، فنعطيهم الدّية. قال أربد: أفعل. فأقبلا راجعين إليه، فقال عامرٌ: يا محمّد، قم معي أكلّمك. فقام معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجلسا إلى الجدار، ووقف معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يكلّمه، وسلّ أربد السّيف، فلمّا وضع يده على السّيف يبست يده على قائم السّيف، فلم يستطع سلّ السّيف، فأبطأ أربد على عامرٍ بالضّرب، فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرأى أربد، وما يصنع، فانصرف عنهما. فلمّا خرج عامرٌ وأربد من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كانا بالحرّة، حرّة واقمٍ نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذٍ وأسيد بن حضيرٍ فقالا اشخصا يا عدوّي اللّه، لعنكما اللّه. فقال عامرٌ: من هذا يا سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتّى إذا كانا بالرّقم، أرسل اللّه على أربد صاعقةً فقتلته، وخرج عامرٌ حتّى إذا كان بالخريم، أرسل اللّه قرحةً فأخذته فأدركه اللّيل في بيت امرأةٍ من بني سلولٍ، فجعل يمسّ قرحته في حلقه ويقول: غدّةٌ كغدّة الجمل في بيت سلولية ترغب أن يموت في بيتها! ثمّ ركب فرسه فأحضره حتّى مات عليه راجعًا، فأنزل اللّه فيهما: {اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام} إلى قوله: {وما لهم من دونه من والٍ} [الرّعد: 8 -11]-قال: المعقّبات من أمر اللّه يحفظون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ ذكّر أربد وما قتله به، فقال: {ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء} الآية.
وقوله: {وهم يجادلون في اللّه} أي: يشكّون في عظمته، وأنّه لا إله إلّا هو، {وهو شديد المحال}
قال ابن جريرٍ: شديدةٌ مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره.
وهذه الآية شبيهةٌ بقوله: {ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمّرناهم وقومهم أجمعين} [النّمل: 50، 51].
وعن عليٍّ، رضي اللّه عنه: {وهو شديد المحال} أي: شديد الأخذ. وقال مجاهدٌ: شديد القوّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 440-445]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({له دعوة الحقّ والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيءٍ إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلّا في ضلالٍ (14)}
قال عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه: {له دعوة الحقّ} قال: التّوحيد. رواه ابن جريرٍ.
وقال ابن عبّاسٍ، وقتادة، ومالكٌ عن محمّد بن المنكدر: {له دعوة الحقّ} [قال] لا إله إلّا اللّه.
{والّذين يدعون من دونه} أي: ومثل الّذين يعبدون آلهةً غير اللّه. {كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه} قال عليّ بن أبي طالبٍ: كمثل الّذي يتناول الماء من طرف البئر بيده، وهو لا يناله أبدًا بيده، فكيف يبلغ فاه؟.
وقال مجاهدٌ: {كباسط كفّيه} يدعو الماء بلسانه، ويشير إليه [بيده] فلا يأتيه أبدًا.
وقيل: المراد كقابض يده على الماء، فإنّه لا يحكم منه على شيءٍ، كما قال الشّاعر:
فإنّي وإيّاكم وشوقًا إليكم = كقابض ماء لم تسقه أنامله
وقال الآخر:
فأصبحت ممّا كان بيني وبينها = من الودّ مثل القابض الماء باليد
ومعنى الكلام: أنّ هذا الّذي يبسط يده إلى الماء، إمّا قابضًا وإمّا متناولًا له من بعد، كما أنه لا ينتفع بالماء الّذي لم يصل إلى فيه، الّذي جعله محلًّا للشّرب، فكذلك هؤلاء المشركون الّذين يعبدون مع اللّه إلهًا غيره، لا ينتفعون بهم أبدًا في الدّنيا ولا في الآخرة؛ ولهذا قال: {وما دعاء الكافرين إلا في ضلالٍ}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 445-446]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال (15)}
يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الّذي قهر كلّ شيءٍ، ودان له كلّ شيءٍ. ولهذا يسجد له كلّ شيءٍ طوعًا من المؤمنين، وكرها من المشركين، {وظلالهم بالغدوّ} أي: البكر والآصال، وهو جمع أصيلٍ وهو آخر النّهار، كما قال تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدًا للّه وهم داخرون} [النّحل: 48]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 446]

رد مع اقتباس