عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:36 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع النبي قبل حنين فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها فقال النبي الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} قال إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم.
عن معمر، عن قتادة، أن حذيفة بن اليمان قال لتركبن سنن بني إسرائيل حذو القذة بالقذة وحذو الشراك بالشراك حتى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا لفعله رجل من هذه الأمة فقال رجل قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير قال وهذه الأمة ستكون فيها قردة وخنازير.
عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله:
«لتتبعن سنن بني إسرائيل شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخل رجل من بني إسرائيل حجر ضب لا تبعتموه فيه»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 235]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا}
- أخبرنا محمّد بن رافعٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سنان بن أبي سنانٍ الدّيليّ، عن أبي واقدٍ اللّيثيّ، قال: خرجنا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قبل حنينٍ فمررنا بسدرةٍ، فقلت: يا رسول الله، اجعل لنا هذه ذات أنواطٍ، كما للكفّار ذات أنواطٍ، وكان الكفّار ينوطون سلاحهم بسدرةٍ ويعكفون حولها، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةً} إنّكم تركبون سنن الّذين من قبلكم»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ قال إنّكم قومٌ تجهلون}.
يقول تعالى ذكره: وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد الآيات الّتي أريناهموها والعبر الّتي عاينوها على يدي نبيّ اللّه موسى، فلم تزجرهم تلك الآيات ولم تعظهم تلك العبر والبيّنات حتّى قالوا مع معاينتهم من الحجج ما يحقّ أن يذكر معها البهائم، إذ مرّوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم، يقومون على مثلٍ لهم يعبدونها من دون اللّه، {اجعل لنا} يا موسى {إلهًا}، يقول: مثالاً نعبده وصنمًا نتّخذه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنامٌ يعبدونها، ولا تنبغي العبادة لشيءٍ سوى اللّه الواحد القهّار. وقال موسى صلوات اللّه عليه: {إنّكم} أيّها القوم {قومٌ تجهلون} عظمة اللّه وواجب حقّه عليكم، ولا تعلمون أنّه لا تجوز العبادة لشيءٍ سوى اللّه الّذي له ملك السّموات والأرض.
وذكر عن ابن جريجٍ في ذلك ما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم} قال ابن جريجٍ: على أصنامٍ لهم، قال: تماثيل بقرٌ، فلمّا كان عجل السّامريّ شبّه لهم أنّه من تلك البقر، فذلك كان أوّل شأن العجل {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ قال إنّكم قومٌ تجهلون}.
وقيل: إنّ القوم الّذين كانوا عكوفًا على أصنامٍ لهم، الّذين ذكرهم اللّه في هذه الآية، قومٌ كانوا من لخمٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمرٍو، قال: حدّثنا العبّاس بن المفضّل، عن أبي العوّام، عن قتادة: {فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم} قال: على لخمٍ.
وقيل: إنّهم كانوا من الكنعانيّين الّذين أمر موسى عليه السّلام بقتالهم.
- وقد حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّ أبا واقدٍ اللّيثيّ قال: خرجنا مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل حنينٍ، فمررنا بسدرةٍ، قلت: يا نبيّ اللّه اجعل لنا هذه ذات أنواطٍ كما للكفّار ذات أنواطٍ، وكان الكفّار ينوطون سلاحهم بسدرةٍ يعكفون حولها. فقال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«اللّه أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ، إنّكم ستركبون سنن الّذين من قبلكم».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقدٍ اللّيثيّ، قال: خرجنا مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل حنينٍ، فمررنا بسدرةٍ، فقلنا: يا نبيّ اللّه اجعل لنا هذه ذات أنواطٍ، فذكر نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقدٍ اللّيثيّ، عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، نحوه.
- حدّثنا ابن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني سنان بن أبي سنان الدّيليّ، عن أبي واقدٍ اللّيثيّ: أنّهم خرجوا من مكّة مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى حنينٍ، قال: وكان للكفّار سدرةٌ يعكفون عندها ويعلّقون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواطٍ قال: فمررنا بسدرةٍ خضراء عظيمةٍ، قال: فقلنا: يا رسول اللّه: اجعل لنا ذات أنواطٍ، قال:
«قلتم والّذي نفسي بيده ما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ، قال إنّكم قومٌ تجهلون إنّها السّنن لتركبنّ سنن من كان قبلكم»). [جامع البيان: 10/ 408-411]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ قال إنّكم قومٌ تجهلون (138)}
قوله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر}
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن ويزيد بن هارون واللّفظ لمحمّدٍ، عن أصبغ بن زيدٍ الورّاق، عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فدفع إلى البحر وله قصيفٌ مخافة أن يضربه موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعصاه وهو غافلٌ فيصير عاصبًا له فلما تراءا الجمعان وتقاربا قال قوم موسى إنّا لمدركون افعل ما أمرك ربّك فإنّك لم تكذب، ولم تكذّب، قال: وعدني إذا انتهيت إلى البحر أن يتفرّق لي حتّى أجاوزه، ثمّ ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بالعصا حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى، فانفرق البحر كما أمر اللّه، وكما وعد موسى صلّى اللّه عليه وسلّم، ولمّا جاوز أصحاب موسى كلّهم، دخل أصحاب فرعون كلّهم فالتقى البحر عليهم كما أمر.
قوله تعالى: {البحر}
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن الطّنافسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان قال: بلغني أنّ البحر يخرج من زق.
قوله تعالى: {على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم}
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ، ثنا مبشّر بن عمر، ثنا العبّاس ابن الفضل الأنصاريّ عن أبي العوّام يعني عمران القطّان، عن قتادة في هذه الآية {فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم} قال: على لخمٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا أشعث بن عبد اللّه ثنا أبو قدامة قال: سمعت أبا عمران الجونيّ قال: هل تدري من القوم الّذين مرّ بهم بنوا إسرائيل على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم؟ قلت: لا أدري، قال: هم قومك لخمٌ وجذامٌ.
قوله تعالى: {قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةً}
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ ومحمّد بن الوزير الواسطيّ قالا ثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن سنان بن أبي سنانٍ، عن أبي واقدٍ اللّيثيّ قال: لمّا خرج النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى حنينٍ مرّ بشجرةٍ كان المشركون يعلّقون عليها أسلحتهم يقال لها ذات أنواطٍ، فقالوا يا رسول اللّه، اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ، قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«اللّه أكبر كما قال قوم موسى لموسى، اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ، لتركبنّ سنن من كان قبلكم». والسّياق لهارون، وقال هارون في حديثه عن سنان بن أبي سنانٍ إن شاء اللّه، ولم يستثن محمّد بن الوزير). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1552-1553]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {اجعل لنا إلهًا}.
- عن عمرو بن عوفٍ قال: «غزونا مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - عام الفتح ونحن ألفٌ ونيّفٌ، ففتح اللّه مكّة وحنينًا، حتّى إذا كان بين حنينٍ والطّائف أبصر شجرةً كان يناط بها السّلاح فسمّيت ذات أنواطٍ، وكانت تعبد من دون اللّه - عزّ وجلّ -، فلمّا رآها رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - انصرف عنها في يومٍ صائفٍ إلى ظلٍّ هو أدنى منه، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهؤلاء ذات أنواطٍ، فقال له رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -:
«إنّها السّنن، قلتم والّذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةٌ} قال: {أغير اللّه أبغيكم إلهًا وهو فضّلكم على العالمين}».
رواه الطّبرانيّ، وفيه كثير بن عبد اللّه، وقد ضعّفه الجمهور، وحسّن التّرمذيّ حديثه). [مجمع الزوائد: 7/ 24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: على لخم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: هم لخم وجذام.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن أبي جريج في قوله: {فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم} قال: تماثيل بقر من نحاس فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر فذلك كان أول شأن العجل لتكون لله عليهم حجة فينتقم منهم بعد ذلك.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} قال: يا سبحان الله ... قوم أنجاهم الله من العبودية وأقطعهم البحر وأهلك عدوهم وأراهم الآيات العظام ثم سألوا الشرك صراحية.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم.
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والطبراني من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح ونحن ألف ونيف ففتح الله له مكة وحنينا حتى إذا كنا بين حنين والطائف مررنا بشجرة دنوا عظيمة سدرة كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من دون الله فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرف عنها في يوم صائف إلى ظل هو أدنى منها فقال له رجل: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إنها السنن قلتم. والذي نفس محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}»). [الدر المنثور: 6/ 535-537]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {متبّرٌ}: «خسرانٌ» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {متبّرٌ} خسرانٌ تقدّم في أحاديث الأنبياء أيضًا). [فتح الباري: 8/ 300]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وتفسير قوله: انبجست ونتقنا ومتبر تقدم في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/ 214] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({متبّرٌ} خسرانٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} وفسّر متبر بقوله خسران واشتقاقه من التبار، وهو الهلاك وهو من التتبير، يقال: تبره تتبيرا أي كسره وأهلكه). [عمدة القاري: 18/ 232]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {متبر} أي (خسران) ). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى. {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن قيل موسى لقومه من بني إسرائيل، يقول تعالى ذكره قال لهم موسى: إنّ هؤلاء العكوف على هذه الأصنام، اللّه مهلكٌ ما هم فيه من العمل ومفسده، ومخسرهم فيه بإثابته إيّاهم عليه العذاب المهين، وباطلٌ ما كانوا يعملون من عبادتهم إيّاها فمضمحلٌّ؛ لأنّه غير نافعٍ عند مجيء أمر اللّه وحلوله بساحتهم، ولا مدافعٌ عنهم بأس اللّه إذا نزل بهم، ولا منقذهم من عذابه إذا عذّبهم في القيامة، فهو في معنى ما لم يكن.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قالا جميعًا: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه} يقول: مهلكٌ ما هم فيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه} يقول: خسرانٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون} قال: هذا كلّه واحدٌ، كهيئة غفورٌ رحيمٌ، عفوٌّ غفورٌ. قال: والعرب تقول: إنّه البائس المتبّر، وإنّه البائس المخسر). [جامع البيان: 10/ 411-412]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون (139)}
قوله تعالى: {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {متبّرٌ ما هم فيه} يقول: هالكٌ ما هم فيه. وروي عن السّدّيّ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {متبّرٌ ما هم فيه} يقول: خسران. وروي عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: {وباطلٌ ما كانوا يعملون}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: {إنّ هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه} قال: المتبّر. المخسر، وقال: المتبّر والباطل سواءٌ قرأ قول الله:{ إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون} قال: هذا كلّه واحدٌ كهيئة غفورٍ رحيمٍ، عفوٍّ غفورٍ، والعرب تقول: إنّه البائس المتبّر وأنّه البائس المخسّر). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1553-1554]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {متبر} قال: خسران.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {متبر} قال: هالك.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل} قال: المتبر المخسر وقال المتبر والباطل سواء كله واحد كهيئة غفور رحيم والعرب تقول: إنه البائس المتبر وإنه البائس المخسر). [الدر المنثور: 6/ 538]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أغير اللّه أبغيكم إلهًا وهو فضّلكم على العالمين}.
يقول تعالى ذكره: قال موسى لقومه: أسوى اللّه ألتمسكم إلهًا وأجعل لكم معبودًا تعبدونه، واللّه الّذي هو خالقكم، فضّلكم على عالمي دهركم وزمانكم؟ يقول: أفأبغيكم معبودًا لا ينفعكم ولا يضرّكم تعبدونه وتتركون عبادة من فضّلكم على الخلق؟ إنّ هذا منكم لجهلٌ). [جامع البيان: 10/ 413]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال أغير اللّه أبغيكم إلهًا وهو فضّلكم على العالمين (140)}
قوله تعالى: {أغير اللّه أبغيكم}
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديكٍ، عن كثير بن عبد اللّه بن عوفٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّه قال: غزونا مع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عام الفتح ونحن ألف ونيّفٌ ففتح اللّه له مكّة وحنين حتّى إذا كنّا بين حنينٍ والطّائف أرض شجرٍ، من سدرةٍ كان يناطها السّلاح فسمّيت ذات أنواطٍ، وكانت تعبد من دون اللّه، فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صرف عنها في يومٍ صائفٍ إلى ظلٍّ هو أدنى منها، فقال له رجلٌ يا رسول اللّه: اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ، فقال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-:
«أنا السّنن قلتم والّذي نفسي محمّدٍ بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهةً فقال: {أغير اللّه أبغيكم إلهًا وهو فضلكم على العالمين}»
قوله تعالى: {وهو فضّلكم}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ يعني الرّازيّ، عن الرّبيع عن أبي العالية فضّلكم على العالمين قال: ما أعطوا من الملك والرّسل والكتب على عالم كان في ذلك الزّمان فإنّ لكلّ زمانٍ عالمًا. وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، وإسماعيل بن أبي خالدٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: {على العالمين}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: العالمين قال: الإنس عالمٌ والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ من الملائكة على الأرض، والأرض أربع زوايا ففي كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمسمائة عالمٍ خلقهم اللّه لعبادته.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الفرات بن الوليد عن مغيث بن سميٍّ، عن تبيعٍ في قول اللّه تعالى: {العالمين} قال: العالمون ألف أمّةٍ فستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {ربّ العالمين} قال: الجنّ والإنس. وروي عن عليٍّ بإسنادٍ لا يعتمد عليه مثله، وروي عن مجاهدٍ مثله). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1554-1555]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون}.
يقول تعالى ذكره لليهود من بني إسرائيل الّذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكروا مع قيلكم هذا الّذي قلتموه لموسى بعد رؤيتكم من الآيات والعبر، وبعد النّعم الّتي سلفت منّي إليكم، والأيادي الّتي تقدّمت فعلكم ما فعلتم. {إذ أنجيناكم من آل فرعون} وهم الّذين كانوا على منهاجه وطريقته في الكفر باللّه من قومه. {يسومونكم سوء العذاب} يقول: إذ يحملونكم أقبح العذاب وسيّئه.
وقد بيّنّا فيما مضى من كتابنا هذا ما كان العذاب الّذي كان يسومهم سيّئه.
{يقتّلون أبناءكم} الذّكور من أولادهم. {ويستحيون نساءكم} يقول: يستبقون إناثهم. {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} يقول: وفي سومهم إيّاكم سوء العذاب، اختبارٌ من اللّه لكم وتعمّدٌ عظيمٌ). [جامع البيان: 10/ 413]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتّلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ (141)}
قوله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب} قال: إنّ فرعون ملكهم أربعمائة سنةٍ فقالت له الكهنة. سيولد العام بمصر غلامٌ يكون هلاكك على يديه، فبعث في أهل مصر نساءً قوابل فإذا ولدت امرأةٌ غلامًا أتى به فرعون فقتله ويستحيي الجواري.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم قال: كان من شأن فرعون أنّه رأى رؤيا في المنام أنّ نارًا أقبلت من بيت المقدس حتّى اشتملت على بيوت مصر فاحترقت القبط، وتركت بني إسرائيل وأحرقت بيوت مصر فدعا السّحرة والكهنة والقافة والحازة فأمّا القافة فهم القافة، وأمّا الحازة فهم الّذين يزجرون الطّير. فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنوا إسرائيل منه يعنون بيت المقدس رجلٌ يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر بني إسرائيل أن لا يولد غلامٌ إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جاريةٌ إلا تركت وقال: للقبط: انظروا مملوكيكم الّذين يعملون خارجًا فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، فجعل لا يولد لبني إسرائيل مولودٌ إلا ذبح فلا يكبر الصّغير، وقذف اللّه في مشيخة بني إسرائيل الموت فأسرع فيهم، فدخل رؤس القبط على فرعون فكلّموه فقالوا: إنّ هؤلاء القوم قد وقع فيه الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا نذبح أبناءهم فلا يبلغ الصّغار فيعينون الكبار، فلو أنت كنت تبقي من أولادهم، فأمر أن يذبحوا سنةً ويتركوا سنةً.
قوله تعالى: {وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله:{ بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ} يقول: نقمةٌ- وروي عن مجاهدٍ وأبي مالكٍ والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1555-1556]


رد مع اقتباس