عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 07:10 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
Lightbulb

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله:
{إيّاك نعبد} لك اللّهمّ نخشع ونذلّ ونستكين إقرارًا لك يا ربّنا بالرّبوبيّة لا لغيرك. كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: إيّاك نعبد، إيّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك».
وذلك من قول ابن عبّاسٍ بمعنى ما قلنا، وإنّما اخترنا البيان عن تأويله بأنّه بمعنى نخشع ونذلّ ونستكين، دون البيان عنه بأنّه بمعنى نرجو ونخاف، وإن كان الرّجاء والخوف لا يكونان إلاّ مع ذلّةٍ؛ لأنّ العبوديّة عند جميع العرب أصلها الذّلّة، وأنّها تسمّي الطّريق المذلّل الّذي قد وطئته الأقدام وذلّلته السّابلة: معبّدًا. ومن ذلك قول طرفة بن العبد:

تباري عتاقًا ناجياتٍ وأتبعت.......وظيفًا وظيفًا فوق مورٍ معبّد
يعني بالمور: الطّريق، وبالمعبّد: المذلّل الموطوء ومن ذلك قيل للبعير المذلّل بالرّكوب في الحوائج: معبّدٌ، ومنه سمّي العبد عبدًا لذلّته لمولاه. والشّواهد من أشعار العرب وكلامها على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرناه كفايةٌ لمن وفّق لفهمه إن شاء اللّه تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى:
{وإيّاك نستعين}.
قال أبو جعفرٍ: ومعنى قوله:
{وإيّاك نستعين} وإيّاك يا ربّنا نستعين على عبادتنا إيّاك وطاعتنا في أمورنا كلّها، لا أحد سواك، إذ كان من يكفر بك يستعين في أموره بمعبوده الّذي يعبده من الأوثان دونك، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة.
- كالّذي حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثني بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {وإيّاك نستعين} قال: «إيّاك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلّها».
فإن قال قائلٌ: وما معنى أمر اللّه عباده بأن يسألوه المعونة على طاعته؟ أو جائزٌ وقد أمرهم بطاعته أن لا يعينهم عليها؟ أم هل يقول قائلٌ لربّه: إيّاك نستعين على طاعتك، إلاّ وهو على قوله ذلك معانٌ، وذلك هو الطّاعة، فما وجه مسألة العبد ربّه ما قد أعطاه إيّاه؟
قيل: إنّ تأويل ذلك على غير الوجه الّذي ذهبت إليه؛ وإنّما الدّاعي ربّه من المؤمنين أن يعينه على طاعته إيّاه، داعٍ أن يعينه فيما بقي من عمره على ما كلّفه من طاعته، دون ما قد تقضّى ومضى من أعماله الصّالحة فيما خلا من عمره. وجازت مسألة العبد ربّه ذلك لأنّ إعطاء اللّه عبده ذلك مع تمكينه جوارحه لأداء ما كلّفه من طاعته وافترض عليه من فرائضه، فضلٌ منه جلّ ثناؤه تفضّل به عليه، ولطفٌ منه لطف له فيه؛ وليس في تركه التّفضّل على بعض عبيده بالتّوفيق مع اشتغال عبده بمعصيته وانصرافه عن محبّته، ولا في بسطه فضله على بعضهم مع إجهاد العبد نفسه في محبّته ومسارعته إلى طاعته، فسادٌ في تدبيرٍ ولا جورٌ في حكمٍ، فيجوز أن يجهل جاهلٌ موضع حكم الله، أمره عبده بمسألته عونه على طاعته.
وفي أمر اللّه جلّ ثناؤه عباده أن يقولوا:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} بمعنى مسألتهم إيّاه المعونة على العبادة أدلّ الدّليل على فساد قول القائلين بالتّفويض من أهل القدر، الّذين أحلّوا أن يأمر اللّه أحدًا من عباده بأمرٍ أو يكلّفه فرض عملٍ إلاّ بعد إعطائه المعونة والقدرة على فعله وعلى تركه.
ولو كان الّذي قالوا من ذلك كما قالوا؛ لبطلت الرّغبة إلى اللّه في المعونة على طاعته، إذ كان على قولهم مع وجود الأمر والنّهي والتّكليف حقًّا واجبًا على اللّه للعبد إعطاؤه المعونة عليه، سأله عبده ذلك أو ترك مسألتة ذلك؛ بل ترك إعطائه ذلك عندهم منه جورٌ. ولو كان الأمر في ذلك على ما قالوا، لكان القائل:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} إنّما يسأل ربّه أن لا يجور.
وفي إجماع أهل الإسلام جميعًا على تصويب قول القائل: اللّهمّ إنّا نستعينك؛ وتخطئتهم قول القائل: اللّهمّ لا تجر علينا، دليلٌ واضحٌ على خطأ ما قال الّذين وصفت قولهم، إن كان تأويل قول القائل عندهم: اللّهمّ إنّا نستعينك، اللّهمّ لا تترك معونتنا الّتي ترككها جورٌ منك.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل:
{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} فقدّم الخبر عن العبادة، وأخّرت مسألة المعونة عليها بعدها؟ وإنّما تكون العبادة بالمعونة، فمسألة المعونة كانت أحقّ بالتّقديم قبل المعان عليه من العمل والعبادة بها.
قيل: لمّا كان معلومًا أنّ العبادة لا سبيل للعبد إليها إلاّ بمعونةٍ من اللّه جلّ ثناؤه، وكان محالاً أن يكون العبد عابدًا إلاّ وهو على العبادة معانٌ، وأن يكون معانًا عليها إلاّ وهو لها فاعلٌ؛ كان سواءً تقديم ما قدّم منهما على صاحبه، كما سواءٌ قولك لرّجل إذا قضى حاجتك فأحسن إليك في قضائها: قضيت حاجتي فأحسنت إليّ، فقدّمت ذكر قضائه حاجتك. أو قلت: أحسنت إليّ فقضيت حاجتي، فقدّمت ذكر الإحسان على ذكر قضاء الحاجة؛ لأنّه لا يكون قاضيًا حاجتك إلاّ وهو إليك محسنٌ، ولا محسنًا إليك إلاّ وهو لحاجتك قاضٍ. فكذلك سواءٌ قول القائل: اللّهمّ إنّا إيّاك نعبد فأعنّا على عبادتك، وقوله: اللّهمّ أعنّا على عبادتك فإنّا إيّاك نعبد.
قال أبو جعفرٍ: وقد ظنّ بعض أهل الغفلة أنّ ذلك من المقدّم الّذي معناه التّأخير، كما قال امرؤ القيس:

ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشةٍ.......كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال
يريد بذلك: كفاني قليلٌ من المال ولم أطلب كثيرًا. وذلك من معنى التّقديم والتّأخير، ومن مشابهة بيت امرئ القيس بمعزلٍ؛ من أجل أنّه قد يكفيه القليل من المال ويطلب الكثير، فليس وجود ما يكفيه منه بموجبٍ له ترك طلب الكثير. فيكون نظير العبادة الّتي بوجودها وجود المعونة عليها، وبوجود المعونة عليها وجودها، ويكون ذكر أحدهما دالاً على الآخر، فيعتدل في صحّة الكلام تقديم ما قدّم منهما قبل صاحبه أن يكون موضوعًا في درجته ومرتّبًا في مرتبته.
فإن قال: فما وجه تكراره:
{إيّاك} مع قوله: {نستعين} وقد تقدّم ذلك قبل نعبد؟ وهلاّ قيل: إيّاك نعبد ونستعين، إذ كان المخبر عنه أنّه المعبود هو المخبر عنه أنّه المستعان؟
قيل له: إنّ الكاف الّتي مع إيّا، هي الكاف الّتي كانت تتّصل بالفعل، أعني بقوله:
{نعبد} لو كانت مؤخّرةً بعد الفعل. وهي كناية اسم المخاطب المنصوب بالفعل، فكثرت بإيّا متقدّمةٌ، إذ كان الأسماء إذا انفردت بأنفسها لا تكون في كلام العرب على حرفٍ واحدٍ، فلمّا كانت الكاف من إيّاك هي كناية اسم المخاطب الّتي كانت تكون كافًا وحدها متّصلةً بالفعل إذا كانت بعد الفعل، ثمّ كان حظّها أن تعاد مع كلّ فعلٍ اتّصلت به، فيقال: اللّهمّ إنّا نعبدك ونستعينك ونحمدك ونشكرك؛ وكان ذلك أفصح في كلام العرب من أن يقال: اللّهمّ إنّا نعبدك ونستعين ونحمد؛ كان كذلك إذا قدّمت كناية اسم المخاطب قبل الفعل موصولةً بإيّا، كان الأفصح إعادتها مع كلّ فعلٍ. كما كان الفصيح من الكلام إعادتها مع كلّ فعلٍ، إذا كانت بعد الفعل متّصلةً به، وإن كان ترك إعادتها جائزًا.
وقد ظنّ بعض من لم ينم النّظر أنّ إعادة إيّاك مع نستعين بعد تقدّمها في قوله:
{إيّاك نعبد} بمعنى قول عديّ بن زيدٍ العباديّ:

وجاعل الشّمس مصرًا لا خفاء به.......بين النّهار وبين اللّيل قد فصلا
وكقول أعشى همدان:

بين الأشجّ وبين قيسٍ باذخٌ.......بخ بخ لوالده وللمولود
وذلك جهلٌ من قائله؛ من أجل أنّ حظّ إيّاك أن تكون مكرّرةً مع كلّ فعلٍ لما وصفنا آنفًا من العلّة، وليس ذلك حكم بين لأنّها لا تكون إذا اقتضت اثنين إلاّ تكريرًا إذا أعيدت، إذ كانت لا تنفرد بالواحد. وأنّها لو أفردت بأحد الاسمين في حال اقتضائها اثنين كان الكلام كالمستحيل؛ وذلك أنّ قائلاً لو قال: الشّمس قد فصلت بين النّهار، لكان من الكلام خلفًا لنقصان الكلام عمّا به الحاجة إليه من تمامه الّذي يقتضيه بين. ولو قال قائلٌ: اللّهمّ إيّاك نعبد لكان ذلك كلامًا تامًّا. فكان معلومًا بذلك أنّ حاجة كلّ كلمةٍ كانت نظيرة {إيّاك نعبد} إلى إيّاك كحاجة نعبد إليها، وأنّ الصّواب أن تكون معها إيّاك، إذ كانت كلّ كلمةٍ منها جملة خبر مبتدأٍ، وبيّنا حكم مخالفة ذلك حكم بين فيما وفّق بينهما الّذي وصفنا قوله). [جامع البيان: 1/ 159-165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إيّاك نعبد}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «قال جبريل عليه السّلام: قل يا محمّد، وهو جماع إيّاك نعبد. يعني إيّاك نوحّد ونخاف ونرجو يا ربّنا لا غيرك».
- حدّثنا عليّ بن حربٍ، ثنا زيد بن الحباب، عن حسين بن واقدٍ عن مطرٍ، عن قتادة: «{إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} دلّ على نفسه أنّه كذا فقولوا».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ، عن قتادة في قوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} قال: «يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على أمركم» .
قوله:
{وإيّاك نستعين}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وإيّاك نستعين} قال: «على طاعتك وعلى أمورنا كلّها»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 29]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}.
-أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله
{إياك نعبد} «يعني: إياك نوحد ونخاف ونرجو ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها».
-وأخرج وكيع والفريابي عن أبي رزين قال: سمعت عليا قرأ هذا الحرف وكان قرشيا عربيا فصيحا
{إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا} يرفعهما جميعا.
-وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي رزين أن عليا قرأ
{إياك نعبد وإياك نستعين} فهمز ومد وشد.
-وأخرج أبو القاسم البغوي والماوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال
: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو فلقي العدو فسمعته يقول: «يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين»،قال: فلقد رأيت الرجال تصرع، تضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها).[الدر المنثور: 1 /73-74]


رد مع اقتباس