عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 06:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)}
نهى اللّه، تبارك وتعالى، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يسرّون إليهم بالمودّة من دون المؤمنين، ثمّ توعّد على ذلك فقال: {ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ} أي: من يرتكب نهي اللّه في هذا فقد برئ من اللّه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا} [النّساء:144] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين} [المائدة: 51].
وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} إلى أن قال: {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل} [الممتحنة: 1] وقال تعالى -بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب-: {والّذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ} [الأنفال: 73].
وقوله: {إلا أن تتّقوا منهم تقاةً} أي: إلّا من خاف في بعض البلدان أوالأوقات من شرّهم، فله أن يتّقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته، كما حكاه البخاريّ عن أبي الدّرداء أنّه قال: «إنّا لنكشر في وجوه أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم».
وقال الثّوريّ: قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: «ليس التّقيّة بالعمل إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا قال أبو العالية، وأبو الشّعثاء والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ. ويؤيّد ما قالوه قول اللّه تعالى: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ} [النحل: 106].
وقال البخاريّ: قال الحسن: «التّقيّة إلى يوم القيامة».
ثمّ قال تعالى: {ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يحذّركم نقمته، أي مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه.
ثمّ قال تعالى: {وإلى اللّه المصير} أي: إليه المرجع والمنقلب، فيجازي كلّ عاملٍ بعمله.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سويد بن سعيدٍ، حدّثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي حسينٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمون بن مهران قال: «قام فينا معاذ ابن جبلٍ فقال: يا بني أودٍ، إنّي رسول رسول اللّه إليكم، تعلمون أنّ المعاد إلى اللّه إلى الجنّة أو إلى النّار» ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 30-31]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد (30)}
يخبر تبارك وتعالى عباده أنّه يعلم السّرائر والضّمائر والظّواهر، وأنّه لا يخفى عليه منهم خافيةٌ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآناث واللحظات وجميع الأوقات، وبجميع ما في السموات والأرض، لا يغيب عنه مثقال ذرّةٍ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال، وهو {على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: قدرته نافذةٌ في جميع ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهذا تنبيهٌ منه لعباده على خوفه وخشيته، وألّا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنّه عالمٌ بجميع أمورهم، وهو قادرٌ على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنّه يمهل ثمّ يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ؛ ولهذا قال بعد هذا: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} الآية، يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خيرٍ وشرٍّ كما قال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر} [القيامة: 13] فما رأى من أعماله حسنًا سرّه ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ ساءه وغاظه، وودّ لو أنّه تبرّأ منه، وأن يكون بينهما أمدٌ بعيدٌ، كما يقول لشيطانه الّذي كان مقترنًا به في الدّنيا، وهو الّذي جرّأه على فعل السّوء: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} [الزّخرف: 38].
ثمّ قال تعالى مؤكّدًا ومهدّدًا ومتوعّدًا: {ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يخوّفكم عقابه، ثمّ قال مرجيًا لعباده لئلّا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: {واللّه رءوفٌ بالعباد} قال الحسن البصريّ: «من رأفته بهم حذّرهم نفسه». وقال غيره: أي: رحيمٌ بخلقه، يحبّ لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتّبعوا رسوله الكريم). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31-32]


رد مع اقتباس