عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى بينهما، فقال الّذي قضي عليه: ردّنا إلى عمر بن الخطّاب، فقال رسول اللّه: نعم، انطلقا إليه؛ فلمّا أتيا عمر قال الرجل: يا ابن الخطّاب، قضى لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذا، فقال: ردّنا إلى عمر، فردّنا إليك؛ قال: كذلك، قال: نعم، قال عمر: مكانكما حتّى أخرج إليكما فأقضي بينكما، فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الّذي قال: (ردّنا إلى عمر)، فقتله؛ وأدبر الآخر فارًّا إلى رسول اللّه، فقال: يا رسول اللّه، قتل، واللّه، عمر صاحبي، ولو ما أنّي أعجزته لقتلني، فقال رسول اللّه: ما كنت أظنّ أن يجترئ عمر على قتل مؤمنٍ، فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلموا تسليماً}، فهدر دم ذلك الرّجل وبرّئ عمر من قتله، وكره اللّه أن يسنّ ذلك بعد، فقال: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا}). [الجامع في علوم القرآن: 1/71-72] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلالٍ أنّه بلغه أنّ اللّه لما أنزل: {[إلا قليلٌ منهم]}، قال أبو بكرٍ: واللّه، لو فعل لفعلنا، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: [إنّ من أمّتي لرجالا] الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرّواسي). [الجامع في علوم القرآن: 3/10]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} ولو أنّا فرضنا على هؤلاء الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك المحتكمين إلى الطّاغوت أن يقتلوا أنفسهم، وأمرناهم بذلك، أو أن يخرجوا من ديارهم مهاجرين منها إلى دارٍ أخرى سواها ما فعلوه، يقول: ما قتلوا أنفسهم بأيديهم، ولا هاجروا من ديارهم فيخرجوا عنها إلى اللّه ورسوله طاعةً للّه ولرسوله، إلاّ قليلٌ منهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} هم يهود يعني أو كلمة تشبهها: والعرب، كما أمر أصحاب موسى عليه السّلام.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم} كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضًا بالخناجر لم يفعلوا إلاّ قليلٌ منهم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولو أنّا كتبنا، عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم} افتخر ثابت بن قيس بن شمّاسٍ ورجلٌ من يهود، فقال اليهوديّ: واللّه لقد كتب اللّه علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا. فقال ثابتٌ: واللّه لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا. فأنزل اللّه في هذا: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن إسماعيل، عن أبي إسحاق السّبيعيّ، قال: لمّا نزلت: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم} قال رجلٌ: لو أمرنا لفعلنا، والحمد للّه الّذي عافانا. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّ من أمّتي لرجالاً الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرّواسي
واختلف أهل العربيّة في وجه الرّفع في قوله: {إلاّ قليلٌ منهم} فكان بعض نحويّي البصرة يزعم أنّه رفع قليلٌ لأنّه جعل بدلاً من الأسماء المضمّرة في قوله: {ما فعلوه} لأنّ الفعل لهم.
وقال بعض نحويّي الكوفة: إنّما رفع على نيّة التّكرير، كأنّ معناه: ما فعلوه ما فعله إلاّ قليلٌ منهم، كما قال عمرو بن معد يكرب:
وكلّ أخٍ مفارقه أخوه = لعمر أبيك إلا الفرقدان
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: رفع القليل بالمعنى الّذي دلّ عليه قوله: {ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم} وذلك أنّ معنى الكلام: ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلاّ قليلٌ منهم. فقيل: ما فعلوه على الخبر عن الّذين مضى ذكرهم في قوله: {ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}، ثمّ استثنى القليل، فرفع بالمعنى الّذي ذكرنا، إذ كان الفعل منفيًّا عنه.
وهي في مصاحف أهل الشّام: ما فعلوه إلا قليلا منهم. وإذا قرئ كذلك، فلا موونهّ على قارئه في إعرابه، لأنّه المعروف في كلام العرب، إذ كان الفعل مشغولا بما فيه كناية من قد جرى ذكره، ثمّ استثني منهم القليل). [جامع البيان: 7/205-208]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: ولو أنّ هؤلاء المنافقين الّذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك وهم يتحاكمون إلى الطّاغوت، ويصدّون عنك صدودًا، {فعلوا ما يوعظون به} يعني: ما يذكّرون به من طاعة اللّه والانتهاء إلى أمره {لكان خيرًا لهم} في عاجل دنياهم وآجل معادهم، {وأشدّ تثبيتًا} وأثبت لهم في أمورهم، وأقوى لهم عليها. وذلك أنّ المنافق يعمل على شكٍّ، فعمله يذهب باطلا، وغناؤه يضمحلّ فيصير هباءً، وهو بشكّه يعمل على وناءٍ وضعفٍ، ولو عمل على بصيرةٍ لاكتسب بعمله أجرًا ولكان له عند اللّه ذخرًا وكان على عمله الّذي يعمل أقوى لنفسه وأشدّ تثبيتًا لإيمانه بوعد اللّه على طاعته وعمله الّذي يعمله. ولذلك قال من قال: معنى قوله: {وأشدّ تثبيتًا} تصديقًا.
كما:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا} قال: تصديقًا.
لأنّه إذا كان مصدّقًا كان لنفسه أشدّ تثبيتًا ولعزمه فيه أشدّ تصحيحًا وهو نظير قوله جلّ ثناؤه: {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم} وقد أتينا على بيان ذلك في موضعه بما فيه كفايةٌ من إعادته). [جامع البيان: 7/208-209]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلّا قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا (66)
قوله تعالى: ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم
- وبه عن مجاهدٍ قوله: ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم هم يهود، يعني العرب كما أمر أصحاب موسى.
قوله تعالى: ما فعلوه إلا قليلٌ منهم
- حدّثنا أبي ثنا أبو اليمان ثنا إسماعيل- يعني ابن عيّاشٍ- عن صفوان بن عمرٍو عن شريح بن عبيدٍ قال: لما تلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم
أشار بيده إلى عبد اللّه بن رواحة، فقال: لو أنّ اللّه كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل- يعني ابن رواحة.
- حدّثنا جعفر بن منيرٍ ثنا روحٌ ثنا هشامٌ عن الحسن قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم قال أناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو فعل ربّنا لفعلنا، فبلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: الإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرّواسي.
- حدّثنا أبي ثنا محمود بن غيلان ثنا بشر بن السّريّ ثنا مصعب بن ثابتٍ، عن عمّه عامر بن عبد اللّه بن الزّبير قال: لمّا نزلت ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم قال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، واللّه لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت. قال: صدقت يا أبا بكرٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن أبي عمر العدنيّ قال: سئل سفيان عن قوله: ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم» قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لو نزلت كان ابن أمّ عبدٍ منهم.
قوله تعالى: ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: افتخر ثابت بن قيس بن شمّاسٍ ورجلٌ من اليهود، فقال اليهوديّ: واللّه لقد كتب اللّه علينا أن اقتلوا أنفسكم، فقتلنا أنفسنا، قال ثابتٌ: واللّه لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم، لقتلنا أنفسنا ، فأنزل اللّه تعالى في هذا: ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً.
قوله تعالى: وأشدّ تثبيتاً
- وبه عن السّدّيّ قوله: وأشدّ تثبيتاً قال: تصديقاً). [تفسير القرآن العظيم: 3/995-996]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال ابن أبي عمر: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن رجلٍ من ولد أمّ سلمة، قال: أظنّ أنّ أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: إنّ (الزّبير) رضي الله عنه، اختصم هو ورجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى (صلّى اللّه عليه وسلّم) (له) فقال: إنّما قضى له لأنّه ابن عمّته وهمزه بفيه، فقال يهوديّ: انظروا إلى هذا، يلمز (نبيّه) نحن أطوع منهم، أمرنا نبيّنا لنقتل أنفسنا فقتلنا أنفسنا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/584]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} هم يهود يعني والعرب كما أمر أصحاب موسى عليه السلام أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سفيان في قوله {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم}
قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وفيه أيضا {وآتوا حقه يوم حصاده}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم فقتلنا أنفسنا فقال ثابت: والله لو كتب الله علينا أن اقتلوا أنفسكم لقتلنا أنفسنا فأنزل الله في هذا {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا}.
وأخرج ابن جرير، وابن إسحاق السبيعي قال: لما نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.
وأخرج ابن المنذر من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن الحسن قال لما نزلت هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال ناس من الأنصار: والله لو كتبه الله علينا لقبلنا الحمد لله الذي عافانا ثم الحمد لله الذي عافانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان أثبت في قلوب رجال من الأنصار من الجبال الرواسي.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال أناس من الصحابة: لو فعل ربنا، فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: نزلت {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم} قال أبو بكر: يا رسول الله - والله - لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت، قال: صدقت يا أبا بكر
وأخرج ابن أبي حاتم عن شريح بن عبيد قال لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم} أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في الآية قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لو نزلت كان ابن أم عبد منهم.
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان في الآية قال: كان عبد الله بن مسعود من القليل الذي يقتل نفسه.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر: يعني من أولئك القليل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وأشد تثبيتا} قال: تصديقا). [الدر المنثور: 4/525-527]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا ولهديناهم صراطًا مستقيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم} لإيتائنا إيّاهم على فعلهم ما وعظوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا. {أجرًا} يعني: جزاءً وثوابًا عظيمًا، وأشدّ تثبيتًا لعزائمهم وآرائهم، وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتناهم صراطًا مستقيمًا، يعني: طريقًا لا اعوجاج فيه، وهو دين اللّه القيم الّذي اختاره لعباده وشرعه لهم، وذلك الإسلام). [جامع البيان: 7/209-210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا (67)
قوله تعالى: وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيماً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة عن سفيان عن ابن جريجٍ عن عبّادٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: من لدنّا أجراً عظيماً قال: الجنّة. وروي عن أبي هريرة وعكرمة وأنسٍ، والضّحّاك وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/996]

تفسير قوله تعالى: (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ومعنى قوله: {ولهديناهم} ولوفّقناهم للصّراط المستقيم). [جامع البيان: 7/210]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولهديناهم صراطًا مستقيمًا (68)
قوله تعالى: ولهديناهم صراطا مستقيما
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا يحيى بن اليمان، عن حمزة الزّيّات عن سعدٍ الطّائيّ عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبٍ، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: الصّراط المستقيم: كتاب اللّه
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ أنّ عبد الرّحمن بن جبيرٍ حدّثه عن أبيه عن النّوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: صراطاً مستقيما فالصراط: الإسلام.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعدان بن نصرٍ، ثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم ثنا حمزة بن المغيرة عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية: الصّراط المستقيم قال: هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده، قال عاصمٌ: فذكرناه ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية، ونصح.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا خالد بن عبد الرّحمن المخزوميّ ثنا عمر- يعني ابن ذرٍّ- عن مجاهدٍ في قوله: الصّراط المستقيم قال: الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 3/996-997]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن يطع الله والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء} إلى قوله: {وكفى بالله عليمًا} ].
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن عطاء بن السّائب، عن الشّعبي، قال: جاء رجلٌ من الأنصار إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، (فقال):لأنت أحبّ إليّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي، ولولا أنّي آتيك فأراك، لظننت أنّي سأموت، وبكى الأنصاريّ، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما ((أبكاك؟))، فقال: ذكرت أنّك ستموت ونموت، فترفع مع النّبيّين، ونحن إذا دخلنا الجنّة كنّا دونك، فلم يخبره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بشيءٍ، فأنزل الله عز وجل على رسوله: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء} إلى قوله {عليمًا}، فقال: ((أبشر)) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1307-1308]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين} [النساء: 69]
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حوشبٍ، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما من نبيٍّ يمرض إلّا خيّر بين الدّنيا والآخرة» ، وكان في شكواه الّذي قبض فيه، أخذته بحّةٌ شديدةٌ، فسمعته يقول: {مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين} [النساء: 69] فعلمت أنّه خيّر). [صحيح البخاري: 6/46]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين)
ذكر فيه حديث عائشة وقد تقدّم شرحه في الوفاة النّبويّة وللّه الحمد وقوله في شكواه الّذي قبض فيه في رواية الكشميهنيّ الّتي قبض فيها). [فتح الباري: 8/255]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين} (النّساء: 69)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {فأولئك} وأوله: (ومن يطع الله والرّسول فأولئك) الآية. أي: من عمل بما أمره الله ورسوله وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فأولئك يكونون مع الّذين أنعم الله عليهم. وقال الطّبرانيّ بإسناده عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنّك لأحب إليّ من نفسي وأهلي، وإنّي لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتّى آتيك فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتك عرفت أنّك ترفع مع النّبيين، وإنّي إذا دخلت الجنّة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا حتّى نزل جبريل عليه الصّلاة والسّلام، بهذه الآية انتهى. قلت: هذا الرجل هو ثوبان، فما ذكره الواحدي.
- حدّثنا محمّد بن عبد الله بن حوشبٍ حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ عن أبيه عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من نبيٍّ يمرض إلّا خيّر بين الدّنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّةٌ شديدةٌ فسمعته يقول: {مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبييّن والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين} (النّساء: 69) فعلمت أنّه خيّر.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وإبراهيم بن سعد يروي عن أبيه سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف عن عروة بن الزبير، ومر الحديث في: باب مرض النّبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، فإنّه أخرجه هناك عن محمّد بن بشار عن غندر عن شعبة عن سعد عن عروة عن عائشة إلى آخره.
قوله: (بحة) بضم الباء الموحدة وتشديد الحاء المهملة، وهي غلظ في الصّوت وخشونة في الحلق. قوله: (خير) على صيغة المجهول. أي: خبر بين الدّنيا والآخرة فاختار الآخرة صلى الله عليه وسلم). [عمدة القاري: 18/177-178]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فأولئك}) أي من أطاع الله والرسول ({مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}) [النساء: 69] في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا، وليس المراد كون الكل في درجة واحدة لأن ذلك يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول وهو غير جائز، والأظهر أن قوله: من النبيين بيان للذين أنعم الله عليهم، وجوّز تعلق من النبيين بيطع أي: {ومن يطع الله والرسول} من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} إشارة إلى الملأ الأعلى ثم قال: {وحسن أولئك رفيقًا}.
ويبين ذلك قوله عليه الصلاة والسلام عند الموت "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" قاله الراغب، وتعقبه أبو حيان فأفسده معنى وصناعة، أما المعنى فلأن الرسول هنا هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وقد أخبر تعالى أنه من يطع الله ورسوله فهو مع من ذكر ولو جعل من النبيين متعلقًا بيطع لكان من النبيين تفسيرًا لمن الشرطية، فيلزم أن يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام أو بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لقوله تعالى: {وخاتم النبيين} ولقوله عليه الصلاة والسلام "لا نبي بعدي".
وأما الصناعة؛ فلأن ما قبل الفاء الواقعة جوابًا للشرط لا يعمل فيما بعدها. لو قلت إن تضرب يقم عمرو زيدًا لم يجز، وسقط قوله باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن حوشبٍ، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن أبيه عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما من نبيٍّ يمرض إلاّ خيّر بين الدّنيا والآخرة»، وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّةٌ شديدةٌ فسمعته يقول: " {مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين} [النساء: 69] " فعلمت أنّه خيّر.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة الطائفي نزيل الكوفة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ولأبي ذر عن إبراهيم بن سعد (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها (قالت: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم) ولأبوي ذر والوقت النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم يقول): (ما من نبي يمرض) بفتح التحتية والراء بينهما ميم ساكنة (إلا خير بين) المقام في (الدنيا و) الرحلة إلى (الآخرة) (وكان في شكواه الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني. التي قبض فيها (أخذته بحة شديدة) بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ صوت وخشونة حلق فسمعته يقول: ({مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فعلمت أنه) صلّى اللّه عليه وسلّم (خير) بضم الخاء المعجمة أي بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وهذا معنى قوله في الحديث الآخر: (اللهم الرفيق الأعلى) ثلاثًا.
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محزون فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا فلان ما لي أراك محزونًا"؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه. قال: "وما هو"؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح وننظر إلى وجهك ونجالسك غدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا فأتاه جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا} قال: فبعث إليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فبشره. رواه ابن جرير من حديث سعيد بن جبريل مرسلًا.
ورواه الطبراني عن عائشة مرفوعًا بلفظ فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وأهلي ومالي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فانظر إليك وإذا ذكرت موتك عرفت أنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة خشيت أني لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية. وقد سمى الواحدي وغيره الرجل ثوبان. وقد ثبت في غير ما حديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المرء مع من أحب"). [إرشاد الساري: 7/87-88]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين}
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن المبارك، حدّثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت أسمع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يموت حتّى يخيّر بين الدّنيا والآخرة، فأخذته بحّةٌ في مرضه الّذي مات فيه، فسمعته يقول: {مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا} [النساء: 69] فظننت أنّه خيّر "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/68]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (ثمّ ذكر جلّ ثناؤه ما وعد أهل طاعته وطاعة رسوله عليه الصّلاة والسّلام من الكرامة الدّائمة لديه والمنازل الرّفيعة عنده. فقال: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين} الآية). [جامع البيان: 7/210]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا ذلك الفضل من اللّه وكفى باللّه عليمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطع اللّه والرّسول بالتّسليم لأمرهما، وإخلاص الرّضا بحكمهما، والانتهاء إلى أمرهما، والانزجار عمّا نهيا عنه من معصية اللّه، فهو مع الّذين أنعم اللّه عليهم بهدايته والتّوفيق لطاعته في الدّنيا من أنبيائه وفي الآخرة إذا دخل الجنّة. {والصّدّيقين} وهم جمع صدّيقٍ.
واختلف في معنى الصّدّيقين، فقال بعضهم: الصّدّيقون: تبّاع الأنبياء الّذين صدقوهم واتّبعوا منهاجهم بعدهم حتّى لحقوا بهم. فكأنّ الصّدّيق فعيلٌ على مذهب قائلي هذه المقالة من الصّدق، كما يقال رجلٌ سكّيرٌ من السّكر، إذا كان مدمنًا على ذلك، وشرّيبٌ وخمّيرٌ.
وقال آخرون: بل هو فعيلٌ من الصّدقة. وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو تأويل من قال ذلك خبر؛ وهو ما:
- حدّثنا به، سفيان بن وكيعٍ قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، عن موسى بن يعقوب، قال: أخبرتني عمّتي، قريبة بنت عبد اللّه بن وهب بن زمعة، عن أمّها، كريمة بنت المقداد، عن ضباعة بنت الزّبير، وكانت تحت المقداد عن المقداد، قال: قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: شيءٌ سمعته منك شككت فيه. قال: إذا شكّ أحدكم في الأمر فليسألني عنه قال: قلت: قولك في أزواجك: إنّي لأرجو لهنّ من بعدي الصّدّيقين؟ قال: من تعنون الصّدّيقين؟ قلت: أولادنا الّذين يهلكون صغارًا. قال: لا، ولكنّ الصّدّيقين هم المصدّقون.
وهذا خبرٌ لو كان إسناده صحيحًا لم نستجز أن نعدوه إلى غيره، ولكن في إسناده بعض ما فيه. فإذ كان ذلك كذلك، فالّذي هو أولى بالصّدّيق أن يكون معناه المصدّق قوله بفعله، إذ كان الفعيل في كلام العرب إنّما يأتي إذا كان مأخوذًا من الفعل بمعنى المبالغة، إمّا في المدح وإمّا في الذّمّ، ومنه قوله جلّ ثناؤه في صفة مريم: {وأمّه صدّيقةٌ} وإذا كان معنى ذلك ما وصفنا، كان داخلا من كان موصوفًا بما قلنا في صفة المتصدّقين والمصّدّقين؛ {والشّهداء} وهم جمع شهيدٍ: وهو المقتول في سبيل اللّه، سمّي بذلك لقيامه بشهادة الحقّ في جنب اللّه حتّى قتل. {والصّالحين} وهم جمع صالحٍ: وهو كلّ من صلحت سريرته وعلانيته.
وأمّا قوله جلّ ثناؤه: {وحسن أولئك رفيقًا} فإنّه يعني: وحسن هؤلاء الّذين نعتهم ووصفهم رفقاء في الجنّة. والرّفيق في لفظ الواحد بمعنى الجميع، كما قال الشّاعر:
دعون الهوى ثمّ ارتمين قلوبنا = بأسهم أعداءٍ وهنّ صديق
بمعنى: وهنّ صدائق.
وأمّا نصب الرّفيق، فإنّ أهل العربيّة مختلفون فيه، فكان بعض نحويّي البصرة يرى أنّه منصوبٌ على الحال، ويقول: هو كقول القائل: كرم زيدٌ رجلاً، ويعدل به عن معنى: نعم الرّجل، ويقول: إنّ نعم لا تقع إلى على اسمٍ فيه ألفٌ ولامٌ أو على نكرةٍ. وكان بعض نحويّي الكوفة يرى أنّه منصوبٌ على التّفسير وينكر أن يكون حالاً، ويستشهد على ذلك بأنّ العرب تقول: كرم زيدٌ من رجلٍ، وحسن أولئك من رفقاء؛ وأنّ دخول من دلالةٌ على أنّ الرّفيق مفسّرةٌ. قال: وقد حكي عن العرب: نعمتم رجالا، فدلّ على أنّ ذلك نظير قوله: وحسنتم رفقاء. وهذا القول أولى بالصّواب للعلّة الّتي ذكرنا لقائليه. وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت لأنّ قومًا حزنوا على فقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حذرًا أن لا يروه في الآخرة.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جاء رجلٌ من الأنصار إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محزونٌ، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا فلان مالي أراك محزونًا؟ قال: يا نبيّ اللّه شيءٌ فكّرت فيه. فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر في وجهك ونجالسك، غدًا ترفع مع النّبيّين فلا نصل إليك. فلم يردّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا. فأتاه جبريل عليه السّلام بهذه الآية: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا} قال: فبعث إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فبشّره.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: قال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدّنيا، فإنّك لو قد متّ رفعت فوقنا فلم نرك. فأنزل اللّه: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا}الآية.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين} ذكر لنا أنّ رجالاً قالوا: هذا نبيّ اللّه نراه في الدّنيا، فأمّا في الآخرة فيرفع بفضله نراه. فأنزل اللّه: {ومن يطع اللّه والرّسول} إلى قوله: {رفيقًا}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم} الآية قال: قال ناسٌ من الأنصار: يا رسول اللّه، إذا أدخلك اللّه الجنّة فكنت في أعلاها ونحن نشتاق إليك، فكيف نصنع؟ فأنزل اللّه: {ومن يطع اللّه والرّسول}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ومن يطع اللّه والرّسول} الآية، قال: إنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: قد علمنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم له فضلٌ على من آمن به في درجات الجنّة ممّن اتّبعه وصدّقه، فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنّة أن يرى بعضهم بعضًا؟ فأنزل اللّه في ذلك فقال: إنّ الأعلين ينحدرون إلى من هم أسفل منهم فيجتمعون في رياضها، فيذكرون ما أنعم اللّه عليهم، ويثنون عليه، وينزّل لهم أهل الدّرجات، فيسعون عليهم بما يشتهون وما يدعون به، فهم في روضةٍ يحبرون ويتنعّمون فيه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن عامرٍ، قال: " جاء رجلٌ من الأنصار إلى النّبيّ عليه السّلام، وهو يبكي، فقال: ما يبكيك يا فلان؟ قال: يا نبيّ اللّه، والّذي لا إله إلا هو لأنت أحبّ إليّ من أهلي ومالي، واللّه الّذي لا إله إلا هو لأنت أحبّ إليّ من نفسي وأبي، نذكرك أنا وأهلي فيأخذني الجنون حتّى أتألّم، فذكرت موتك وموتي، فعرفت أنّي لن أجامعك إلا في الدّنيا، وأنّك ترفع مع الشّرف، وعرفت أنّي إن أدخلت الجنّة كنت في منزلٍ أدنى من منزلك، فلم يردّ النّبيّ عليه السّلام شيئًا، فأنزل اللّه جلّ ثناؤه: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا} الآية.
وأمّا قوله: {ذلك الفضل من اللّه} فإنّه يقول: كون من أطاع اللّه والرّسول مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين {الفضل من اللّه} يقول ذلك عطاء اللّه إيّاهم وفضله عليهم، لا. باستيجابهم ذلك لسابقةٍ سبقت لهم.
فإن قال قائلٌ: أو ليس بالطّاعة وصلوا إلى ما وصلوا إليه من فضله؟ قيل له: إنّهم لم يطيعوه في الدّنيا إلا بفضله الّذي تفضّل به عليهم فهداهم به لطاعته، فكلّ ذلك فضلٌ منه تعالى ذكره.
وقوله: {وكفى باللّه عليمًا} يقول: وحسب العباد باللّه الّذي خلقهم عليمًا بطاعة المطيع منهم ومعصية العاصي، فإنّه لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك ولكنّه يحصيه عليهم ويحفظه حتّى يجازي جميعهم، جزاء المحسن منهم بالإحسان، والمسيء منهم بالإساءة، ويعفو عمّن شاء من أهل التّوحيد). [جامع البيان: 7/210-217]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا (69)
قوله تعالى: ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو عامر بن برّادٍ، ثنا أبو داود الحفريّ عن يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة قوله: أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم قال:
الأنبياء.
قوله تعالى: من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ عن سفيان، عن سعيد بن إبراهيم عن عروة بن الزّبير، عن عائشة قالت: كنت أسمع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يموت حتّى يخيّر بين الدّنيا والآخرة، قالت: وأصابته بحّةٌ في مرضه الّذي مات فيه، فسمعته يقول: مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً فظننت أنّه خيّر.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ عن منصورٍ عن أبي الضّحى عن مسروقٍ في قوله: فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين قال: قال أصحاب محمّدٍ: يا رسول اللّه، ما ينبغي لنا أن نفارقك، فإنّك لو قدمت لرفعت فوقنا ولم نرك قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً.
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر، أنبأ الحكم عن عكرمة قال: أتى فتًى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا نبيّ اللّه: إنّ لنا منك نظرةً في الدّنيا، ويوم القيامة لا نراك، لأنّك في الجنّة في الدّرجات العلى، فأنزل عزّ وجلّ فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت معي في الجنّة إن شاء اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يونس يعني ابن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ قال:
سمعت مالكاً يقول: قال: سمعت ذلك الرّجل يعني عبد اللّه بن يزيد بن هرمز وهو يصف المدينة وفضلها يبعث منها أشراف هذه الأمّة يوم القيامة، وحولها الشّهداء أهل بدرٍ وأحدٍ والخندق، ثمّ تلا مالكٌ هذه الآية فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقًا والآية الّتي بعدها). [تفسير القرآن العظيم: 3/997-998]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ذلك الفضل من اللّه وكفى باللّه عليمًا (70)
قوله تعالى: ذلك الفضل من اللّه وكفى باللّه عليماً
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه عليماً يعني عالماً بها). [تفسير القرآن العظيم: 3/998]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ومن يطع اللّه والرّسول} [النساء: 69].
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - «أنّ رجلًا أتى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: يا رسول اللّه، إنّي لأحبّك حتّى إنّي لأذكرك، فلولا أنّي أجيء فأنظر إليك ظننت أنّ نفسي تخرج، فأذكر أنّي إن دخلت الجنّة صرت دونك في المنزلة، فيشقّ ذلك عليّ، وأحبّ أن أكون معك في الدّرجة. فلم يردّ عليه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - شيئًا، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين} [النساء: 69]- الآية. فدعاه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فتلاها عليه».
رواه الطّبرانيّ، وفيه عطاء بن السّائب، وقد اختلط
- وعن عائشة - رضي اللّه عنها - قالت: «جاء رجلٌ إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: يا رسول اللّه، إنّك لأحبّ إليّ من نفسي [وإنّك لأحبّ إليّ من أهلي ومالي]، وإنّك لأحبّ إليّ من ولدي، وإنّي لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتّى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنّك إذا دخلت الجنّة رفعت مع النّبيّين، وأنّي إذا دخلت الجنّة خشيت أن لا أراك. فلم يردّ عليه النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - شيئًا حتّى نزل جبريل - عليه السّلام - بهذه الآية {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين} [النساء: 69]».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير والأوسط، ورجاله رجال الصّحيح غير عبد اللّه بن عمران العابديّ، وهو ثقةٌ). [مجمع الزوائد: 7/6-7]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يرد عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} الآية.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه من طريق الشعبي عن ابن عباس أن رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أحبك حتى أذكرك فلولا أني أجيء فأنظر إليك ظننت أن نفسي تخرج وأذكر أني إن دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة فيشق علي وأحب أن أكون معك في الدرجة، فلم يرد عليه شيئا فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول} الآية، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن الشعبي أن رجلا من الأنصار أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والله لأنت أحب إلي من نفسي وولدي وأهلي ومالي ولولا أني آتيك فأراك لظننت أني سأموت، وبكى الأنصاري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أبكاك فقال: ذكرت أنك ستموت ونموت فترفع مع النبيين ونحن إذا دخلنا الجنة كنا دونك، فلم يخبره النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء فأنزل الله على رسوله {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} إلى قوله {عليما} فقال: أبشر يا أبا فلان.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو محزون فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا فلان ما لي أراك محزونا قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه فقال: ما هو قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر في وجهك ونجالسك غدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا فأتاه جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول} إلى قوله {رفيقا} قال: فبعث إليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبشره.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مسروق قال: قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا فإنك لو قدمت رفعت فوقنا فلم نرك، فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: أتى فتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله: إن لنا فيك نظرة في الدنيا ويوم القيامة لا نراك لأنك في الجنة في الدرجات العلى، فأنزل الله {ومن يطع الله} الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت معي في الجنة إن شاء الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجالا قالوا: هذا نبي الله نراه في الدنيا فأما في الآخرة فيرفع بفضله فلا نراه، فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول} إلى قوله {رفيقا}.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: قال ناس من الأنصار: يا رسول الله إذا أدخلك الله الجنة فكنت في أعلاها ونحن نشتاق إليك فكيف نصنع فأنزل الله {ومن يطع الله والرسول} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع أن أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: قد علمنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم له فضل على من آمن به في درجات الجنة ممن تبعه وصدقه فكيف لهم إذا اجتمعوا في الجنة أن يرى بعضهم بعضا فأنزل الله هذه الآية في ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأعلين ينحدرون إلى من هو أسفل منهم فيجتمعون في رياضها فيذكرون ما أنعم الله عليهم ويثنون عليه
وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أبيت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: سل، فقلت: يا رسول الله أسالك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.
وأخرج أحمد عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله.
وأخرج البخاري ومسلم، وابن ماجه عن عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فعلمت أنه خير.
وأخرج ابن جرير عن المقداد قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم قلت في أزواجك: إني لأرجو لهن من بعدي الصديقين، قال: من تعنون الصديقين قلت: أولادنا الذين هلكوا صغارا، قال: لا ولكن الصديقين هم المصدقون). [الدر المنثور: 4/527-532]


رد مع اقتباس