عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 03:50 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم}
حصرت "إنما" هذه المحرمات وقت نزول الآية، ثم نزلت المحرمات بعد ذلك. وقرأ جمهور الناس: "الميتة" مخففا، وشددها أبو جعفر بن القعقاع، وهو الأصل، والتخفيف طارئ عليه، والعامل في نصبها "حرم"، وقرأت فرقة: "الميتة" بالرفع على أن تكون "ما" بمعنى "الذي".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكون "ما" متصلة بـ "إن" يضعف هذا ويحكم بأنها حاصرة و"ما" كافة، وإذا كانت بمعنى "الذي" فيجب أن تكون منفصلة، وذلك خلاف خط المصحف. وقرأ الجمهور: "حرم" على معنى: حرم الله. وقرأت فرقة: "حرم" على ما لم يسم فاعله، وهذا برفع "الميتة" ولا بد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والميتة المحرمة هي ما مات من حيوان البر الذي له نفس سائلة حتف أنفه، وأما ما ليس له نفس سائلة كالجراد والذباب والبراغيث ودود التين وحيوان الفول وما مات من الحوت حتف أنفه وطفا على الماء ففيه قولان في المذهب، وما مات حتف أنفه من الحيوان الذي يعيش في الماء وفي البر كالسلاحف ونحوها ففيه قولان، والمنع هنا أظهر، إلا أن يكون الغالب عليه العيش في الماء.
والدم المحرم هو المنسفح الذي يسيل إن ترك مفردا، وأما ما خالط اللحم وسكن فيه فحلال طبخ ذلك اللحم به، ولا يكلف أحد تتبعه، ودم الحوت مختلف في تحليله وإن كان ينسفح لو ترك.
ولحم الخنزير هو معظمه والمقصود الأظهر فيه، فلذلك خصه بالذكر، وأجمعت الأمة على تحريم شحمه وغضاريفه، ومن تخصيصه استدلت فرقة على جواز الانتفاع بجلده إذا دبغ ولبسه، والأولى تحريمه جملة، وأما شعره فالانتفاع به مباح، وقالت فرقة: ذلك غير جائز، والأول أرجح.
[المحرر الوجيز: 5/421]
وما أهل لغير الله به، يريد كل ما نوي بذبحه غير التقرب إلى الله والقرب إلى سواه، وسواء تكلم بذلك على الذبيحة أو لم يتكلم، لكن خرجت العبارة عن ذلك بـ "أهل"، ومعناه صحيح على عادة العرب، وقصد الغض منها، وذلك أنها كانت إذا ساقت ذبيحة إلى صنم جهرت باسم ذلك الصنم وصاحت به.
وقوله: {فمن اضطر}، قالت فرقة: معناه: أكره، وقال الجمهور: معناه: اضطره جوع واحتياج، وقرأت فرقة: "فمن" بضم النون "اضطر" بضم الطاء، وقرأت فرقة: "فمن" بكسر النون "اضطر" بكسر الطاء على أن الأصل: "اضطرر"، فنقلت حركة الراء إلى الطاء وأدغمت الراء في الراء. وقوله: {غير باغ} قالت فرقة: هو صاحب البغي على الإمام، أو في قطع الطريق، وبالجملة في سفر المعاصي، والعادي بمعناه في أنه ينوي المعصية، وقال الجمهور: غير باغ معناه: غير مستعمل لهذه المحرمات مع وجود غيرها، ولا عاد معناه: لا يعدو حدود الله في هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا القول أرجح وأعم في الرخصة.
وقالت فرقة: باغ وعاد في الشبع والتزود، واختلف الناس في صورة الأكل من الميتة -فقالت فرقة: الجائز من ذلك ما يمسك الرمق فقط، وقالت فرقة: بل يجوز الشبع التام، وقالت فرقة -منهم مالك رحمه الله-: يجوز الشبع والتزود، وقال بعض النحويين في قوله: "عاد": إنه مقلوب من عائد، فهو كشاكي السلاح، وكيوم راح، وكقول الشاعر:
لاث به الأشاء والعبري
[المحرر الوجيز: 5/422]
وقوله: {فإن الله غفور رحيم} يقتضي منه الإباحة للمضطر، وخرجت الإباحة في هذه الألفاظ تحرجا وتضييقا في أمرها، ليدل الكلام على عظم الخطر في هذه المحرمات، فغاية هذا المرخص له غفران الله له وحطه عنه ما كان يلحقه من الإثم لولا ضرورته، وهذا التخريج الذي ذكرناه يفهمه الفصحاء من اللفظ، وليس في المعنى منه شيء، وإنما هو إيحاء، وكذلك جعل غايته في موضع آخر أن لا إثم عليه، وإن كان "لا إثم عليه" وقوله: "هو له مباح" يرجعان إلى معنى واحد فإن في هيئة اللفظين خلافا). [المحرر الوجيز: 5/423]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}
هذه مخاطبة للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كانت ميتة، يدل على ذلك قوله حكاية عنهم: {وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}، والآية تقتضي كل ما كان لهم من تحليل وتحريم، فإنه كله افتراء منهم، ومنه ما جعلوه في الشهور. وقرأ السبعة وجمهور الناس: "الكذب" بفتح الكاف والباء وكسر الذال، و"ما" مصدرية، فكأنه قال: لوصف ألسنتكم. وقرأ الأعرج، وطلحة، وأبو معمر، والحسن: "الكذب" بخفض الباء على البدل من "ما". وقرأ بعض أهل الشام، ومعاذ بن جبل، وابن أبي عبلة: "الكذب" بضم الكاف والذال والباء، على صفة الألسنة. وقرأ مسلمة بن محارب: "الكذب" بفتح الباء بفتح الباء على أنه جمع كذاب ككتب وكتاب.
[المحرر الوجيز: 5/423]
وقوله: {هذا حلال} إشارة إلى ميتة بطون الأنعام وكل ما أحلوا، وقوله: {وهذا حرام} إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموا، وقوله: "لتفتروا على الله الكذب"، إشارة إلى قولهم في فواحشهم التي هي إحداها: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، ويحتمل أن يريد أنه كان شرعهم لاتباعهم سننا لا يرضاها الله افتراء عليه، لأن من شرع أمرا فكأنه قال لأتباعه: هذا هو الحق، وهذا مراد الله. ثم أخبرهم الله أن الذين يفترون على الله الكذب لا يبلغون الأمل، والفلاح: بلوغ الأمل، فطورا يكون في البقاء، كما قال الشاعر:
والمسي والصبح لا بقاء معه.
ويشبه أن هذه الآية من هذا المعنى، يقوي ذلك قوله: {متاع قليل}، وقد يكون في نجح المساعي، ومنه قول عبيد:
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضـ ... ـضعف وقد يخدع الأريب). [المحرر الوجيز: 5/424]

تفسير قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {متاع قليل} إشارة إلى عيشهم في الدنيا، ولهم عذاب أليم بعد ذلك في الآخرة). [المحرر الوجيز: 5/424]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وعلى الذين هادوا} الآية، لما قص تبارك وتعالى على المؤمنين ما حرم عليهم أعلم أيضا بما حرم على اليهود; ليبين تبديلهم الشرع فيما استحلوا من ذلك وفيما حرموا من تلقاء أنفسهم. وقوله: {ما قصصنا عليك} إشارة إلى ما في سورة الأنعام من ذي الظفر والشحوم. وقوله: {وما ظلمناهم} أي: لم نضع العقوبة عليهم بتحريم تلك الأشياء عليهم في غير موضعها، بل هم طرقوا إلى ذلك، وجاء من تشبثهم بالمعاصي ما أوجب ذلك). [المحرر الوجيز: 5/425]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة} الآية. هذه آية تأنيس لجميع العالم، أخبر الله تعالى فيها أنه يغفر للتائب، والآية إشارة إلى الكفار الذين افتروا على الله، وفعلوا الأفاعيل المذكورة، فهم إذا تابوا من كفرهم بالإيمان، وأصلحوا بأعمال الإسلام، -غفر الله لهم، وتناولت هذه -بعد ذلك- كل واقع تحت لفظها من كافر وعاص، وقالت فرقة: الجهالة: العمد، والجهالة عندي في هذا الموضع ليست ضد العلم، بل هي تعدي الطور وركوب الرأس، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أو أجهل أو يجهل علي"، وهي التي في قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والجهالة التي هي ضد العلم تصحب هذه الأخرى كثيرا، ولكن يخرج منها المتعمد، وهو الأكثر، وقلما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بحظر المعصية التي تواقع. والضمير في "بعدها" عائد على التوبة). [المحرر الوجيز: 5/425]

رد مع اقتباس