عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 08:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} الآية. هذا احتجاج على العالم بالبدأة الأولى، وضرب الله تعالى في هذه الآية مثلين إذا اعتبرهما الناظر جوز في العقل البعثة من القبور، ثم ورد خبر الشرع بوجوب ذلك ووقوعه. و"الريب": الشك، وقوله: {إن كنتم} شرط مضمنه التوفيق، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "البعث" بفتح العين، وهي لغة في "البعث" عند البصريين، وهي عند الكوفيين تخفيف "بعث".
وقوله: {خلقناكم من تراب} يريد آدم، ثم سلط الفعل عليهم من حيث هم من ذريته، وقوله: {ثم من نطفة} يريد المني الذي يكون من البشر، و"النطفة" تقع على قليل الماء وكثيره، وقال النقاش: المراد نطفة آدم، وقوله: {ثم من علقة} يريد من الدم تعود النطفة إليه في الرحم، أو المقارن للنطفة، و"العلق": الدم العبيط، وقيل: "العلق": الشديد الحمرة، فسمي الدم لذلك، وقوله: "ثم من مضغة" يريد بضعة لحم على قدر ما يمضغ، وقوله: "مخلقة" معناه: متممة البنية "وغير مخلقة" غير متممة، أي التي تسقط، قاله مجاهد، وقتادة، والشعبي، وأبو العالية، فاللفظة بناء مبالغة من "خلق"، ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل منها مختص بخلق حسن، في جملته تضعيف الفعل؛ لأن فيه خلقا كثيرة، وقرأ ابن أبي عبلة: "مخلقة" بالنصب "وغير" بالنصب في الراء.
[المحرر الوجيز: 6/215]
ويتصل بهذا الموضع من الفقه أن العلماء اختلفوا في أم الولد إذا أسقطت بضعة لم تصور، هل تكون أم ولد بذلك؟ فقال مالك، والأوزاعي، وغيرهما: هي أم ولد بالمضغة إذا علم أنها مضغة الولد، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: حتى يتبين فيه خلق ولو عضو واحد.
وقوله: {لنبين لكم}، قالت فرقة: معناه: لنبين أمر البعث، فهو اعتراض بين الكلامين، وقرأت هذه الفرقة بالرفع في "نقر"، المعنى: ونحن نقر، وهي قراءة الجمهور. وقالت فرقة: "لنبين لكم" معناه: تكون المضغة غير مخلقة وطرح النساء إياها، كذلك نبين للناس أن المناقل في الرحم هي هكذا، وقرأت هذه الفرقة: "ونقر" بالنصب، وكذلك قرأت: "نخرجكم" بالنصب، وهي رواية المفضل عن عاصم، وحكى أبو عمرو الداني أن رواية المفضل هذه هي بالياء في "يقر" "ويخرجكم"، والرفع على هذا التأويل شائع، ولا يجوز النصب على التأويل الأول. وقرأ ابن وثاب: "ما نشاء" بكسر النون. و"الأجل المسمى" هو مختلف بحسب جنين جنين، فثم من يسقط، وثم من يكمل أمره ويخرج حيا.
واختلف الناس في "الأشد" من ثمانية عشر، إلى ثلاثين، إلى اثنين وثلاثين، إلى ستة وثلاثين، إلى أربعين، إلى خمسة وأربعين، واللفظ تقال باشتراك، فأشد الإنسان على العموم غير أشد اليتيم الذي هو الاحتلام. و"الأشد" في الآية يحتمل المعنيين، والرد إلى أرذل العمر هو حصول الإنسان في زمانه واختلال قوته حتى لا يقدر على إقامة الطاعات، واختلال عقله حتى لا يقدر على إقامة ما يلزمه من المعتقدات، وهذا أبدا يلحق مع الكبر، وقد يكون أرذل العمر في قليل من السن بحسب شخص ما لحقته زمانة، وقد ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أرذل العمر خمسة وسبعون سنة، وهذا فيه نظر، وإن صح عن علي رضي الله عنه فلا يتوجه إلا أن يريد: على الأكثر، فقد نرى كثيرا أبناء ثمانين سنة ليسوا في أرذل العمر، وقرأ الجمهور: "العمر"
[المحرر الوجيز: 6/216]
مشبعة، وقرأ نافع: "العمر" مخففة الميم، واختلف عنه.
وقوله تعالى: {لكيلا يعلم} أي: لينسى معارفه وعلمه الذي كان معه فلا يعلم من ذلك شيئا، فهذا مثال واحد يقضي للمعتد به أن القادر على هذه المناقل المتقن لها قادر على إعادة تلك الأجساد التي أوجدها بهذه المناقل إلى حالها الأولى.
قوله عز وجل: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد}
هذا هو المثال الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد، وذلك أن إحياء الأرض بعد موتها بين، فكذلك الأجساد، و"هامدة" معناها: ساكنة دارسة بالية، ومنه قيل: همد الثوب إذا بلي، قال الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا
و "اهتزاز الأرض" هو حركتها بالنبات وغير ذلك مما يعتريها بالماء، و"ربت" معناه: نشزت وارتفعت، ومنه الربوة، وهو المكان المرتفع، وقرأ جعفر بن القعقاع: "وربأت" بالهمز، ورويت عن أبي عمرو، وقرأها عبد الله بن جعفر،
[المحرر الوجيز: 6/217]
وخالد بن إلياس، وهي غير وجيهة، ووجهها أن تكون من: "ربأت القوم" إذا علوت شرفا من الأرض طليعة، فكأن الأرض بالماء تتطاول وتعلو. و"الزوج": النوع، و"البهيج" فعيل من البهجة وهي الحسن، قاله قتادة وغيره). [المحرر الوجيز: 6/218]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله: {ذلك بأن الله هو الحق} إشارة إلى ما تقدم ذكره، فـ "ذلك" ابتداء، وخبره "بأن"، أي: هو بأن الله حق محيي قادر). [المحرر الوجيز: 6/218]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {وأن الساعة آتية} ليس بسبب لما ذكر، لكن المعنى أن الأمر مرتبط بعضه ببعض، أو على تقدير: والأمر أن الساعة). [المحرر الوجيز: 6/218]

رد مع اقتباس