عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون} هذه الآية من الآيات الّتي استشهد بها الصّدّيق [رضي اللّه عنه] عند موت الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى تحقّق النّاس موته، مع قوله: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئًا وسيجزي اللّه الشّاكرين} [آل عمران:144].
ومعنى هذه الآية: ستنقلون من هذه الدّار لا محالة وستجتمعون عند اللّه في الدّار الآخرة، وتختصمون فيما أنتم فيه في الدّنيا من التّوحيد والشّرك بين يدي اللّه عزّ وجلّ، فيفصل بينكم، ويفتح بالحقّ وهو الفتّاح العليم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحّدين، ويعذّب الكافرين الجاحدين المشركين المكذّبين.
ثمّ إنّ هذه الآية -وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدّار الآخرة- فإنّها شاملةٌ لكلّ متنازعين في الدّنيا، فإنّه تعاد عليهم الخصومة في الدّار الآخرة.
قال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، حدّثنا سفيان، عن محمّد بن عمرٍو، عن ابن حاطبٍ -يعني يحيى بن عبد الرّحمن-عن ابن الزّبير، عن الزّبير قال: لـمّا نزلت: {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} قال الزّبير: يا رسول اللّه، أتكرّر علينا الخصومة؟ قال: "نعم". قال: إنّ الأمر إذًا لشديدٌ.
وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان، وعنده زيادةٌ: ولـمّا نزلت: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم} [التّكاثر:8] قال الزّبير: أي رسول اللّه، أيّ نعيمٍ نسأل عنه؟ وإنّما -يعني: هما الأسودان: التّمر والماء- قال: "أما إنّ ذلك سيكون".
وقد روى هذه الزّيادة التّرمذيّ وابن ماجه، من حديث سفيان، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا ابن نميرٍ حدّثنا محمّدٌ -يعني ابن عمرٍو-عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ، عن عبد اللّه بن الزّبير، عن الزّبير بن العوّام قال: لـمّا نزلت هذه السّورة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} قال الزّبير: أي رسول اللّه، أيكرّر علينا ما كان بيننا في الدّنيا مع خواصّ الذّنوب؟ قال: "نعم ليكرّرن عليكم، حتّى يؤدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه". قال الزّبير: واللّه إنّ الأمر لشديدٌ.
ورواه التّرمذيّ من حديث محمّد بن عمرٍو به وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي عشّانة، عن عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أوّل الخصمين يوم القيامة جاران". تفرّد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاجٍ عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، إنّه ليختصم، حتّى الشّاتان فيما انتطحتا" تفرّد به أحمد.
وفي المسند عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه [أنّه] قال: رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم شاتين ينتطحان، فقال: "أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذرٍّ؟ " قلت: لا. قال: "لكنّ اللّه يدري وسيحكم بينهما".
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا سهل بن بحرٍ، حدّثنا حيّان بن أغلب، حدّثنا أبي، حدّثنا ثابتٌ عن أنسٍ [رضي اللّه عنه]، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة، فتخاصمه الرّعيّة فيفلجون عليه، فيقال له: سدّ ركنًا من أركان جهنّم".
ثمّ قال: الأغلب بن تميمٍ ليس بالحافظ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} يقول: يخاصم الصّادق الكاذب، والمظلوم الظّالم، والمهديّ الضّالّ، والضّعيف المستكبر..
وقد روى ابن منده في كتاب "الرّوح"، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: يختصم النّاس يوم القيامة، حتّى تختصم الرّوح مع الجسد، فتقول الرّوح للجسد: أنت فعلت. ويقول الجسد للرّوح: أنت أمرت، وأنت سوّلت. فيبعث اللّه ملكًا يفصل بينهما، فيقول [لهما] إن مثلكما كمثل رجلٍ مقعدٍ بصيرٍ والآخر ضريرٌ، دخلا بستانًا، فقال المقعد للضّرير: إنّي أرى هاهنا ثمارًا، ولكن لا أصل إليها. فقال له الضّرير: اركبني فتناولها، فركبه فتناولها، فأيّهما المعتدي؟ فيقولان: كلاهما. فيقول لهما الملك. فإنّكما قد حكمتما على أنفسكما. يعني: أنّ الجسد للرّوح كالمطيّة، وهو راكبه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة، حدّثنا ضرارٌ، حدّثنا أبو سلمة الخزاعيّ منصور بن سلمة، حدّثنا القمّيّ -يعني يعقوب بن عبد اللّه- عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر [رضي اللّه عنهما] قال: نزلت هذه الآية، وما نعلم في أيّ شيءٍ نزلت: {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} [قال] قلنا: من نخاصم؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومةٌ، فمن نخاصم؟ حتّى وقعت الفتنة فقال ابن عمر: هذا الّذي وعدنا ربّنا -عزّ وجلّ-نختصم فيه.
ورواه النّسائيّ عن محمّد بن عامرٍ، عن منصور بن سلمة، به.
وقال أبو العالية [في قوله] {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} قال: يعني أهل القبلة.
وقال ابن زيدٍ: يعني أهل الإسلام وأهل الكفر.
وقد قدّمنا أنّ الصّحيح العموم، والله أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 96-98]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فمن أظلم ممّن كذب على اللّه وكذّب بالصّدق إذ جاءه أليس في جهنّم مثوًى للكافرين (32) والّذي جاء بالصّدق وصدّق به أولئك هم المتّقون (33) لهم ما يشاءون عند ربّهم ذلك جزاء المحسنين (34) ليكفّر اللّه عنهم أسوأ الّذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الّذي كانوا يعملون (35)}.
يقول تعالى مخاطبًا للمشركين الّذين افتروا على اللّه، وجعلوا معه آلهةً أخرى، وادّعوا أنّ الملائكة بنات اللّه، وجعلوا للّه ولدًا -تعالى اللّه عن قولهم علوًّا كبيرًا- ومع هذا كذّبوا بالحقّ إذ جاءهم على ألسنة رسل اللّه، صلوات اللّه [وسلامه] عليهم أجمعين، ولهذا قال: {فمن أظلم ممّن كذب على اللّه وكذّب بالصّدق إذ جاءه} أي: لا أحد أظلم من هذا؛ لأنّه جمع بين طرفي الباطل، كذب على اللّه، وكذّب رسول اللّه، قالوا الباطل وردّوا الحقّ؛ ولهذا قال متوعّدًا لهم: {أليس في جهنّم مثوًى للكافرين} وهم الجاحدون المكذّبون). [تفسير ابن كثير: 7/ 98-99]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به} قال مجاهدٌ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وابن زيدٍ: {الّذي جاء بالصّدق} هو الرّسول. وقال السّدّيّ: هو جبريل عليه السّلام، {وصدّق به} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {والّذي جاء بالصّدق} قال: من جاء بلا إله إلّا اللّه، {وصدّق به} يعني: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقرأ الرّبيع بن أنسٍ: "الّذين جاءوا بالصّدق" يعني: الأنبياء، "وصدّقوا به" يعني: الأتباع.
وقال ليث بن أبي سليمٍ عن مجاهدٍ: {والّذي جاء بالصّدق وصدّق به} قال: أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة، فيقولون: هذا ما أعطيتمونا، فعملنا فيه بما أمرتمونا.
وهذا القول عن مجاهدٍ يشمل كلّ المؤمنين، فإنّ المؤمن يقول الحقّ ويعمل به، والرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أولى النّاس بالدّخول في هذه الآية على هذا التّفسير، فإنّه جاء بالصّدق، وصدّق المرسلين، وآمن بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون، كلٌّ آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {والّذي جاء بالصّدق} هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {وصدّق به} المسلمون.
{أولئك هم المتّقون} قال ابن عبّاسٍ: اتّقوا الشّرك). [تفسير ابن كثير: 7/ 99]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لهم ما يشاءون عند ربّهم} يعني: في الجنّة، مهما طلبوا وجدوا، {ذلك جزاء المحسنين ليكفّر اللّه عنهم أسوأ الّذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الّذي كانوا يعملون} كما قال في الآية الأخرى: {أولئك الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم في أصحاب الجنّة وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون} [الأحقاف:16]). [تفسير ابن كثير: 7/ 99]

رد مع اقتباس