عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:01 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {فلما دخلوا} الآية. هاهنا محذوفات يدل عليها الظاهر، وهي: فرحل يعقوب بأهله أجمعين وساروا حتى بلغوا يوسف، فلما دخلوا عليه. و"آوى" معناه: ضم وأظهر الحفاوة بهما، وفي الحديث: "أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله". وقيل: أراد بالأبوين أباه وأمه، قاله ابن إسحاق، والحسن، وقال بعضهم: أباه وجدته أم أمه، حكاه الزهراوي، وقيل: أباه وخالته، لأن أمه قد كانت ماتت، قاله السدي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول أظهر بحسب اللفظ، إلا لو ثبت بسند أن أمه قد كانت ماتت، وفي مصحف ابن مسعود: "آوى إليه أبويه وإخوته".
وقوله: {ادخلوا مصر} معناه: تمكنوا واسكنوا واستقروا، لأنهم قد كانوا دخلوا عليه، وقيل: بل قال لهم ذلك في الطريق حين تلقاهم، قاله السدي، وهذا الاستثناء هو
[المحرر الوجيز: 5/151]
الذي ندب إليه القرآن أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه بقوله في المستقبل، وقال ابن جريج: هذا مؤخر في اللفظ وهو متصل في المعنى بقوله: {سوف أستغفر لكم}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا التأويل ضعف.
و"العرش": سرير الملك، وكل ما عرش فهو عريش وعرش، وخصصت اللغة العرش لسرير الملك. و"خروا" معناه: تصوبوا إلى الأرض، واختلف في هذا السجود، فقيل: كان كالمعهود عندنا من وضع الوجه بالأرض، وقيل: بل دون ذلك كالركوع البالغ ونحوه مما كان سير تحياتهم للملوك في ذلك الزمان. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود -على أي هيئة كان- فإنما كان تحية لا عبادة، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة، وقال الحسن: الضمير في "له" لله عز وجل. ورد على هذا القول.
وحكى الطبري: أن يعقوب لما بلغ مصر في جملته كلم يوسف عليه السلام فرعون في تلقيه، فخرج إليه وخرج الملوك معه، فلما دنا يوسف من يعقوب -وكان يعقوب يمشي متوكئا على يهوذا- قال: فنظر يعقوب إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا، هذا فرعون مصر، قال: لا، هو ابنك، قال: فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدأ بالسلام، فمنعه يعقوب من ذلك، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونحو هذا من القصص.
وفي هذا الوقت قال يوسف ليعقوب: إن فرعون قد أحسن إلينا فادخل عليه شاكرا، فدخل عليه، فقال فرعون: يا شيخ، ما صيرك إلى ما أرى؟ قال: تتابع البلاء علي، قال: فما زالت قدمه حتى نزل الوحي: يا يعقوب، أتشكوني إلى من لا يضرك ولا ينفعك؟ قال: يا رب، ذنب فاغفره. وقال أبو عمرو الشيباني: تقدم يوسف
[المحرر الوجيز: 5/152]
يعقوب في المشي في بعض تلك المواطن، فهبط جبريل فقال له: أتتقدم أباك؟ إن عقوبتك لذلك ألا يخرج من ذريتك نبي). [المحرر الوجيز: 5/153]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نـزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم}
المعنى: قال يوسف ليعقوب: هذا السجود الذي كان منكم، هو ما آلت إليه رؤياي قديما في الأحد عشر كوكبا وفي الشمس والقمر.
وقوله: {قد جعلها ربي حقا} ابتداء تعديد نعم الله تعالى عليه، وقوله: {وقد أحسن بي} أي: أوقع وناط إحسانه بي، فهذا منحى في وصول الإحسان بالباء، وقد يقال: أحسن إلي، وأحسن في، ومنه قولعبد الله بن أبي ابن سلول: يا محمد، أحسن في موالي، وهذه المناحي مختلفة المعنى، وأليقها بيوسف قوله: "بي" لأنه إحسان خرج فيه دون أن يقصد هو الغاية التي صار إليها.
وذكر يوسف إخراجه من السجن وترك إخراجه من الجب لوجهين:
أحدهما: أن في ذكر إخراجه من الجب تجديد فعل إخوته وخزيهم بذلك وتقليع نفوسهم وتحريك تلك الغوائل وتخبيث النفوس.
والوجه الآخر أنه خرج من الجب إلى الرق ومن السجن إلى الملك، فالنعمة هنا أوضح.
[المحرر الوجيز: 5/153]
وقوله: {وجاء بكم من البدو} يعم جمع الشمل والتنقل من الشقاوة إلى النعمة بسكنى الحاضرة، وكان منزل يعقوب عليه السلام بأطراف الشام في بادية فلسطين، وكان رب إبل وغنم وبادية.
و"نزغ" معناه: فعل فعلا أفسد به، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، لا ينزغ الشيطان في يده"، وإنما ذكر يوسف هذا القدر من أمر إخوته ليبين حسن موقع النعم، لأن النعمة إذا جاءت إثر شدة وبلاء فهي أحسن موقعا.
وقوله: {لما يشاء} أي: من الأمور أن يفعله.
واختلف الناس في: كم كان بين رؤيا يوسف وبين ظهورها؟ فقالت فرقة: أربعون سنة، هذا قول سلمان الفارسي، وعبد الله بن شداد، وقال عبد الله بن شداد: ذلك آخر ما تبطئ الرؤيا، وقالت فرقة -منهم الحسن، وحسن بن فرقد، وفضيل بن عياض-: ثمانون سنة، وقال ابن إسحاق: ثمانية عشر، وقيل: اثنان وعشرون، قاله النقاش، وقيل: ثلاثون، وقيل: خمس وثلاثون، قاله قتادة، وقال السدي، وابن جبير: ست وثلاثون سنة. وقيل: إن يوسف عليه السلام عمر مائة وعشرين سنة، وقيل: إن يعقوب بقي عند يوسف نيفا على عشرين سنة ثم توفي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا وجه في ترك تعريف يوسف أباه بحاله منذ خرج من السجن إلى العزة إلا الوحي من الله تعالى لما أراد أن يمتحن به يعقوب وبنيه، وأراد من صورة جمعهم. لا إله إلا
[المحرر الوجيز: 5/154]
هو، وقال النقاش: كان ذلك الوحي في الجب، وهو قوله تعالى: {وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}، وهذا محتمل.
ومما روي في أخبار يعقوب عليه السلام: قال الحسن: لما ورده البشير لم يجد عنده شيئا يثيبه به، فقال له: والله ما أصبت عندنا شيئا، وما خبزنا منذ سبع ليال، ولكن: "هون الله عليك سكرات الموت". ومن أخباره أنه لما اشتد بلاؤه قال: يا رب، أعميت بصري وغيبت عني يوسف، أفما ترحمني؟ فأوحى الله إليه: سوف أرحمك وأرد عليك ولدك وبصرك، وما عاقبتك بذلك إلا أنك طبخت في منزلك حملا، فشمه جار لك، ولم تساهمه بشيء، قال: فكان يعقوب بعد يدعوه إلى غدائه وعشائه. وحكى الطبري أنه لما اجتمع شمله كلفه بنوه أن يدعو الله لهم حتى يأتي الوحي بأن الله قد غفر لهم، قال: فكان يعقوب يصلي ويوسف وراءه وهم وراء يوسف، ويدعو لهم، فلبث كذلك عشرين سنة ثم جاءه الوحي، إني قد غفرت لهم وأعطيتهم مواثيق النبوة بعدك.
ومن أخباره أنه لما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف أن يدفنه بالشام، فلما مات نفخ فيه المر وحمله إلى الشام، ثم مات يوسف فدفن بمصر، فلما خرج موسى عليه السلام -بعد ذلك- من أرض مصر احتمل عظام يوسف حتى دفنها بالشام مع آبائه). [المحرر الوجيز: 5/155]

تفسير قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون}
قرأ ابن مسعود: "آتيتن" و"علمتن" بحذف الياء على التخفيف، وقرأ ابن ذر وحده: "رب آتيتني" بغير "قد.
وذكر كثير من المفسرين أن يوسف عليه السلام لما عدد في هذه الآية نعم الله عنده تشوق إلى لقاء ربه ولقاء الجلة من صالحي سلفه وغيرهم من المؤمنين، ورأى أن الدنيا كلها
[المحرر الوجيز: 5/155]
قليلة، فتمنى الموت في قوله: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}. وقال ابن عباس: "لم يتمن الموت نبي غير يوسف "، وذكر المهدوي تأويلا آخر -وهو الأقوى عندي-: إنه ليس في الآية تمني موت، وإنما عدد يوسف عليه السلام نعم الله عنده، ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي عمره، أي: توفني -إذا حان أجلي- على الإسلام، واجعل لحاقي بالصالحين، وإنما تمنى الموافاة على الإسلام لا الموت. وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ... الحديث بكماله"، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في بعض دعائه: "وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون"، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: "اللهم قد رق عظمي، واستشرت رغبتي، فتوفني غير مقصر ولا عاجز".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فيشبه أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لضر نزل به" إنما يريد ضرر الدنيا كالفقر والمرض ونحو ذلك، ويبقى تمني الموت مخافة فساد الدين مباحا، ويدلك على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يمر فيه الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه،
[المحرر الوجيز: 5/156]
ليس به الدين ولكن ما يرى من البلاء والفتن"، فقوله: "ليس به الدين" يقتضي إباحة ذلك إن لو كان عن الدين، وإنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة الناس كيف تكون.
وقوله: آتيتني من الملك، قيل: "من" للتبعيض، وقيل: لبيان الجنس، وكذلك في قوله: {من تأويل الأحاديث}، والمراد بقوله: "الأحاديث": الأحلام، وقيل: قصص الأنبياء والأمم.
وقوله: "فاطر" منادى، وقوله: {أنت وليي} أي القائم بأمري، الكفيل بنصرتي ورحمتي). [المحرر الوجيز: 5/157]

رد مع اقتباس