عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 05:55 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ قال الّذين كفروا للحقّ لـمّا جاءهم هذا سحرٌ مبينٌ (7) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من اللّه شيئًا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدًا بيني وبينكم وهو الغفور الرّحيم (8) قل ما كنت بدعًا من الرّسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ وما أنا إلّا نذيرٌ مبينٌ (9) }
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في كفرهم وعنادهم: أنّهم إذا تتلى عليهم آيات اللّه بيّناتٍ، أي: في حال بيانها ووضوحها وجلائها، يقولون: {هذا سحرٌ مبينٌ} أي: سحرٌ واضحٌ، وقد كذبوا وافتروا وضلّوا وكفروا). [تفسير ابن كثير: 7/ 275]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم يقولون افتراه} يعنون: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم. قال اللّه [تعالى] {قل إن افتريته فلا تملكون لي من اللّه شيئًا} أي: لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني -وليس كذلك- لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحدٌ من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم أن يجيرني منه، كقوله: {قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحدًا إلا بلاغًا من اللّه ورسالاته} [الجنّ: 22، 23]، وقال تعالى: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثمّ لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} [الحاقّة: 44 -47]؛ ولهذا قال هاهنا: {قل إن افتريته فلا تملكون لي من اللّه شيئًا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدًا بيني وبينكم}، هذا تهديدٌ لهم، ووعيدٌ أكيدٌ، وترهيبٌ شديدٌ.
وقوله: {وهو الغفور الرّحيم} ترغيبٌ لهم إلى التّوبة والإنابة، أي: ومع هذا كلّه إن رجعتم وتبتم، تاب عليكم وعفا عنكم، وغفر [لكم] ورحم. وهذه الآية كقوله في سورة الفرقان: {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا. قل أنزله الّذي يعلم السّرّ في السّموات والأرض إنّه كان غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 5، 6]). [تفسير ابن كثير: 7/ 275-276]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} أي: لست بأوّل رسولٍ طرق العالم، بل قد جاءت الرّسل من قبلي، فما أنا بالأمر الّذي لا نظير له حتّى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إليكم، فإنّه قد أرسل اللّه قبلي جميع الأنبياء إلى الأمم.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} ما أنا بأوّل رسولٍ. ولم يحك ابن جريرٍ ولا ابن أبي حاتمٍ غير ذلك.
وقوله: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: نزل بعدها {ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر} [الفتح: 2]. وهكذا قال عكرمة، والحسن، وقتادة: إنّها منسوخةٌ بقوله: {ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر}، قالوا: ولـمّا نزلت هذه الآية قال رجلٌ من المسلمين: هذا قد بيّن اللّه ما هو فاعلٌ بك يا رسول اللّه، فما هو فاعلٌ بنا؟ فأنزل اللّه: {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنّاتٍ} [الفتح: 5].
هكذا قال، والّذي هو ثابتٌ في الصّحيح أنّ المؤمنين قالوا: هنيئًا لك يا رسول اللّه، فما لنا؟ فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال الضّحّاك: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}: ما أدري بماذا أومر، وبماذا أنهى بعد هذا؟
وقال أبو بكرٍ الهذليّ، عن الحسن البصريّ في قوله: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} قال: أمّا في الآخرة فمعاذ اللّه، قد علم أنّه في الجنّة، ولكن قال: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدّنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء [من] قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟
وهذا القول هو الّذي عوّل عليه ابن جريرٍ، وأنّه لا يجوز غيره، ولا شكّ أنّ هذا هو اللّائق به، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإنّه بالنّسبة إلى الآخرة جازمٌ أنّه يصير إلى الجنّة هو ومن اتّبعه، وأمّا في الدّنيا فلم يدر ما كان يئول إليه أمره وأمر مشركي قريشٍ إلى ماذا: أيؤمنون أم يكفرون، فيعذبون فيستأصلون بكفرهم ؟ فأمّا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن شهابٍ عن خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أمّ العلاء -وهي امرأةٌ من نسائهم-أخبرته -وكانت بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-قالت: طار لهم في السّكنى حين اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين عثمان بن مظعونٍ. فاشتكى عثمان عندنا فمرّضناه، حتّى إذا توفّي أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول اللّه فقلت: رحمة اللّه عليك أبا السّائب، شهادتي عليك، لقد أكرمك اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وما يدريك أنّ اللّه أكرمه؟ " فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمّي! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمّا هو فقد جاءه اليقين من ربّه، وإنّي لأرجو له الخير، واللّه ما أدري وأنا رسول اللّه ما يفعل بي! " قالت: فقلت: واللّه لا أزكّي أحدًا بعده أبدًا. وأحزنني ذلك، فنمت فرأيت لعثمان عينًا تجري، فجئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته بذلك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ذاك عمله".
فقد انفرد بإخراجه البخاريّ دون مسلمٍ، وفي لفظٍ له: "ما أدري وأنا رسول اللّه ما يفعل به". وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ، بدليل قولها: "فأحزنني ذلك". وفي هذا وأمثاله دلالةٌ على أنّه لا يقطع لمعيّنٍ بالجنّة إلّا الّذي نصّ الشّارع على تعيينهم، كالعشرة، وابن سلامٍ، والغميصاء، وبلالٍ، وسراقة، وعبد اللّه بن عمرو بن حرامٍ والد جابرٍ، والقرّاء السّبعين الّذين قتلوا ببئر معونة، وزيد بن حارثة، وجعفرٍ، وابن رواحة، وما أشبه هؤلاء.
وقوله: {إن أتّبع إلا ما يوحى إليّ} أي: إنّما أتّبع ما ينزّله اللّه عليّ من الوحي، {وما أنا إلا نذيرٌ مبينٌ} أي: بيّن النّذارة، وأمري ظاهرٌ لكلّ ذي لبٍّ وعقلٍ).[تفسير ابن كثير: 7/ 276-277]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أرأيتم إن كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (10) وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفكٌ قديمٌ (11) ومن قبله كتاب موسى إمامًا ورحمةً وهذا كتابٌ مصدّقٌ لسانًا عربيًّا لينذر الّذين ظلموا وبشرى للمحسنين (12) إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنّة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون (14) }
يقول تعالى: {قل} يا محمّد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن: {أرأيتم إن كان} هذا القرآن {من عند اللّه وكفرتم به} أي: ما ظنّكم أنّ اللّه صانعٌ بكم إن كان هذا الكتاب الّذي جئتكم به قد أنزله عليّ لأبلّغكموه، وقد كفرتم به وكذّبتموه، {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله} أي: وقد شهدت بصدقه وصحّته الكتب المتقدّمة المنزّلة على الأنبياء قبلي، بشّرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به.
وقوله: {فآمن} أي: هذا الّذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقّيّته {واستكبرتم} أنتم: عن اتّباعه.
وقال مسروقٌ: فآمن هذا الشّاهد بنبيّه وكتابه، وكفرتم أنتم بنبيّكم وكتابكم {إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
وهذا الشّاهد اسم جنسٍ يعم عبد الله بن سلام وغير، هـ فإنّ هذه الآية مكّيّةٌ نزلت قبل إسلام عبد اللّه بن سلامٍ. وهذه كقوله: {وإذا يتلى عليهم قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين} [القصص: 53]، وقال: {إنّ الّذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرّون للأذقان سجّدًا ويقولون سبحان ربّنا إن كان وعد ربّنا لمفعولا} [الإسراء: 107، 108].
قال مسروقٌ، والشّعبيّ: ليس بعبد اللّه بن سلامٍ، هذه الآية مكّيّةٌ، وإسلام عبد اللّه بن سلامٍ كان بالمدينة. رواه عنهما ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، واختاره ابن جريرٍ.
وقال مالكٌ، عن أبي النّضر، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه قال: ما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول لأحدٍ يمشي على وجه الأرض: "إنّه من أهل الجنّة"، إلّا لعبد اللّه بن سلامٍ، قال: وفيه نزلت: {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله}
رواه البخاريّ ومسلمٌ والنّسائيّ، من حديث مالكٍ، به. وكذا قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والضّحّاك، وقتادة، وعكرمة، ويوسف بن عبد اللّه بن سلامٍ، وهلال بن يساف، والسّدّي، والثّوريّ، ومالك بن أنسٍ، وابن زيدٍ؛ أنّهم كلّهم قالوا: إنّه عبد اللّه بن سلامٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 277-278]

رد مع اقتباس