عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 12:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون}
تنزيل رفع بالابتداء، والخبر قوله: {من الله}، وقالت فرقة: تنزيل خبر ابتداء تقديره: هذا تنزيل، والإشارة إلى القرآن الكريم، وقرأ ابن أبي عبلة: "تنزيل" بنصب اللام.
و"الكتاب" في قوله: {تنزيل الكتاب} هو القرآن الكريم، ويظهر لي أنه اسم عام لجميع ما تنزل من عند الله من الكتب، كأنه أخبر إخبارا مجردا أن الكتب الهادية الشارعة إنما تنزيلها من الله، وجعل هذا الإخبار تقدمة وتوطئة لقوله: {إنا أنزلنا إليك الكتاب}، و"العزيز" في قدرته، و"الحكيم" في ابتداعه.
و"الكتاب" الثاني هو القرآن لا يحتمل غير ذلك. وقوله سبحانه: "بالحق" يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون معناه: متضمنا الحق، أي: بالحق فيه وفي أحكامه وأخباره، والثاني أن يكون بالحق بمعنى بالاستحقاق والوجوب وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله.
وقوله تعالى: {فاعبد الله} يحتمل أن تكون الفاء عاطفة جملة من القول على جملة وواصلة، ويحتمل أن يكون كالجواب; لأن قوله تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} جملة، كأنه ابتداء وخبر، كما لو قال: الكتاب منزل، وفي الجمل التي هي ابتداء وخبر إبهام ما يشبه الجزاء، فجاءت الفاء كالجواب، كما تقول: زيد قائم فأكرمه، ونحو هذا قول الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
التقدير: هذه خولان. و"مخلصا" حال. و"الدين" نصب به، ومعنى الآية الأمر بتحقيق النية لله في كل عمل، و"الدين" هنا يعم المعتقدات وأعمال الجوارح). [المحرر الوجيز: 7/ 369-370]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله سبحانه: {ألا لله الدين الخالص} بمعنى: من حقه ومن واجباته، لا يقبل غيره، وهذا كقوله: "لله الحمد"، أي: واجبا ومستحقا. قال قتادة: الدين الخالص: لا إله إلا الله.
وقوله تعالى: {والذين اتخذوا} رفع بالابتداء، وخبره في المحذوف المقدر، تقديره: "يقولون: ما نعبدهم"، وفي مصحف ابن مسعود: [قالوا ما نعبدهم]، وهي قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير. و"أولياء" يريد: معبودين، وهذه مقالة شائعة في العرب، يقول كثير منهم في الجاهلية: "الملائكة بنات الله ونحن نعبدهم ليقربونا"، وطائفة منهم قالت ذلك في أصنامهم وأوثانهم. وقال مجاهد: قد قال ذلك قوم من اليهود في عزير، وقوم من النصارى في عيسى، وفي مصحف أبي بن كعب: [نعبدكم] بالكاف، [لتقربونا] بالتاء. و"زلفى" بمعنى: قربى وتوصلة، كأنه قال: لتقربونا إلى الله تقريبا، وكأن هذه الطوائف كلها كانت ترى نفوسها أقل من أن تتصل هي بالله، فكانت ترى أن تتصل بمخلوقاته، و"زلفى" - عند سيبويه - مصدر في موضع الحال، كأنه ينزل منزلة: متزلفين، والعامل فيه "تقربونا"، هذا مذهب سيبويه وفيه خلاف. وباقي الآية وعيد في الدنيا والآخرة). [المحرر الوجيز: 7/ 370-371]
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار * لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار * خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار}
هذه الآية إما أن يكون معناها: إن الله لا يهدي الكاذب الكفار في حالة كذبه وكفره، وإما أن يكون لفظها العموم ومعناها الخصوص فيمن حتم الله عليه بالكفر، وقضى في الأزل أنه لا يؤمن أبدًا، وإلا فقد وجد الكاذب الكفار وقد هدي كثيرًا. وقرأ أنس بن مالك، والجحدري: [كَذَّابٌ كَفَّارٌ] بالمبالغة فيها، ورُويت عن الحسن، والأعرج، ويحيى بن يَعْمَر، وهذه المبالغة إشارة إلى التوغّل في الكُفْر، القاسي فيه، الذي يُظَنُّ بأنه محتوم عليه). [المحرر الوجيز: 7/ 371]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {لو أراد الله أن يتخذ ولدا} معناه: اتخاذ التشريف والتبني، وعلى هذا يستقيم قوله سبحانه: {لاصطفى مما يخلق}، وأما الاتخاذ المعهود بالتوالد فمستحيل أن يتوهم في جهة الله سبحانه وتعالى، ولا يستقيم عليه معنى قوله: "لاصطفى". وقوله تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} لفظ يعم اتخاذ النسل واتخاذ الأصفياء، فأما الأول فمعقول، وأما الثاني فمعروف بخبر الشرع، ومما يدل على أن المعنى هنا الاصطفاء والتبني قوله تعالى: {مما يخلق}، أي: من موجوداته ومحدثاته. ثم نزه تعالى نفسه تنزيها مطلقا عن جميع ما لا يكون مدحة. واتصافه تعالى بالقهار على الإطلاق; لأن أحدا من البشر إن اتصف بالقهر فمقيد في أشياء قليلة، وهو في حيز قهره لغيره مقهور لله تعالى على أشياء كثيرة). [المحرر الوجيز: 7/ 371-372]