عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 03:51 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ} قال مجاهدٌ، وأبو صالحٍ والسّدّيّ: الحقّ هو اللّه عزّ وجلّ، والمراد: لو أجابهم اللّه إلى ما في أنفسهم من الهوى، وشرع الأمور على وفق ذلك {لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ} أي: لفساد أهوائهم واختلافها، كما أخبر عنهم في قولهم: {لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيمٍ} ثمّ قال: {أهم يقسمون رحمة ربّك} [الزّخرف: 31، 32] وقال تعالى: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء:100] وقال: {أم لهم نصيبٌ من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا} [النساء: 53]، ففي هذا كلّه تبيين عجز العباد واختلاف آرائهم وأهوائهم، وأنّه تعالى هو الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله، وشرعه وقدره، وتدبيره لخلقه تعالى وتقدّس، فلا إله غيره، ولا ربّ سواه.
ثمّ قال: {بل أتيناهم بذكرهم} يعني: القرآن، {فهم عن ذكرهم معرضون}). [تفسير ابن كثير: 5/ 484-485]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أم تسألهم خرجًا}: قال الحسن: أجرًا. وقال قتادة: جعلًا {فخراج ربّك خيرٌ} أي أنت لا تسألهم أجرةً ولا جعلًا ولا شيئًا على دعوتك إيّاهم إلى الهدى، بل أنت في ذلك تحتسب عند اللّه جزيل ثوابه، كما قال: {قل ما سألتكم من أجرٍ فهو لكم إن أجري إلا على اللّه} [سبأٍ: 47]، وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86]، وقال: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} [الشّورى: 23]، وقال تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم اتّبعوا المرسلين اتّبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون} [يس: 20، 21]). [تفسير ابن كثير: 5/ 485]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإنّك لتدعوهم إلى صراطٍ مستقيمٍ. وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون} قال الإمام أحمد:
حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتاه -فيما يرى النّائم-ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الّذي عند رجليه للّذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمّته. فقال: إنّ مثله ومثل أمّته، كمثل قومٍ سفر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزّاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به، فبينا هم كذلك إذ أتاهم رجلٌ في حلّةٍ حبرةٍ، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبةً، وحياضًا رواءً تتّبعوني؟ فقالوا: نعم. قال: فانطلق، فأوردهم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً، فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبةً وحياضًا رواءً أن تتّبعوني؟ قالوا: بلى، قال: فإنّ بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه، وحياضًا هي أروى من هذه، فاتّبعوني. قال: فقالت طائفةٌ: صدق واللّه، لنتّبعه. وقالت طائفةٌ: قد رضينا بهذا نقيم عليه.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا يعقوب بن عبد اللّه الأشعريّ، حدّثنا حفص بن حميدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي ممسكٌ بحجزكم: هلمّ عن النّار، هلمّ عن النّار، وتغلبوني وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب، فأوشك أن أرسل حجزكم وأنا فرطكم على الحوض، فتردون عليّ معًا وأشتاتًا، أعرفكم بسيماكم وأسمائكم، كما يعرف الرّجل الغريب من الإبل في إبله، فيذهب بكم ذات اليمين وذات الشّمال، فأناشد فيكم ربّ العالمين: أي ربّ، قومي، أي رب أمتي.
فيقال: يا محمّد، إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم، فلأعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثغاءٌ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد. فأقول: لا أملك لك شيئًا. قد بلّغت، ولأعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء، ينادي: يا محمّد، يا محمّد. فأقول: لا أملك شيئًا، قد بلّغت، ولأعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسًا لها حمحمةٌ، فينادي: يا محمّد، يا محمّد، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد بلّغت، ولأعرفنّ أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاءً من أدمٍ، ينادي: يا محمّد، يا محمّد: فأقول: لا أملك لك شيئًا قد بلّغت".
وقال عليّ بن المدينيّ: هذا حديثٌ حسن الإسناد، إلّا أنّ حفص بن حميدٍ مجهولٌ، لا أعلم روى عنه غير يعقوب بن عبد اللّه الأشعريّ القمّيّ.
قلت: بل قد روى عنه أيضًا أشعث بن إسحاق، وقال فيه يحيى بن معينٍ: صالحٌ. ووثّقه النّسائيّ وابن حبّان.
وقوله: {وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون} أي: لعادلون جائرون منحرفون. تقول العرب: نكب فلانٌ عن الطّريق: إذا زاغ عنها). [تفسير ابن كثير: 5/ 485-486]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ للجّوا في طغيانهم يعمهون}: يخبر تعالى عن غلظهم في كفرهم بأنّه لو أراح عللهم وأفهمهم القرآن، لما انقادوا له ولاستمرّوا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وقال: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون. وقالوا إن هي إلا حياتنا الدّنيا وما نحن بمبعوثين} [الأنعام: 27-29]، فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون، لو كان كيف يكون.
[و] قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: كلّ ما فيه "لو"، فهو ممّا لا يكون أبدا). [تفسير ابن كثير: 5/ 486]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون (76) حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ إذا هم فيه مبلسون (77) وهو الّذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (78) وهو الّذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (79) وهو الّذي يحيي ويميت وله اختلاف اللّيل والنّهار أفلا تعقلون (80) بل قالوا مثل ما قال الأوّلون (81) قالوا أئذا متنا وكنّا ترابًا وعظامًا أئنّا لمبعوثون (82) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأوّلين (83)}.
يقول تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب} أي: ابتليناهم بالمصائب والشّدائد، {فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} أي: فما ردّهم ذلك عمّا كانوا فيه من الكفر والمخالفة، بل استمرّوا على ضلالهم وغيّهم. {فما استكانوا} أي: ما خشعوا، {وما يتضرّعون} أي: ما دعوا، كما قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون} [الأنعام: 43].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن حمزة المروزي، حدثنا علي ابن الحسين، حدّثنا أبي، عن يزيد -يعني: النّحويّ-عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا محمّد، أنشدك اللّه والرّحم، فقد أكلنا العلهز -يعني: الوبر والدّم-فأنزل اللّه: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون}
وهكذا رواه النّسائيّ عن محمّد بن عقيلٍ، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، به. وأصل هذا الحديث في الصّحيحين: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا على قريشٍ حين استعصوا فقال: "اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا سلمة بن شبيب، حدّثنا عبد اللّه بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، عن وهب بن عمر بن كيسان قال: حبس وهب بن منبّه، فقال له رجلٌ من الأبناء: ألا أنشدك بيتًا من شعرٍ يا أبا عبد اللّه؟ فقال وهبٌ: نحن في طرفٍ من عذاب اللّه، واللّه تعالى يقول: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} قال: وصام وهبٌ ثلاثًا متواصلةً، فقيل له: ما هذا الصّوم يا أبا عبد اللّه؟ قال: أحدث لنا فأحدثنا. يعني: أحدث لنا الحبس، فأحدثنا زيادة عبادةٍ). [تفسير ابن كثير: 5/ 487]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ إذا هم فيه مبلسون} أي: حتّى إذا جاءهم أمر اللّه وجاءتهم السّاعة بغتةً وأخذهم من عقاب اللّه ما لم يكونوا يحتسبون، فعند ذلك أبلسوا من كلّ خيرٍ، وأيسوا من كلّ راحةٍ، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم). [تفسير ابن كثير: 5/ 487]

رد مع اقتباس