عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 02:33 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب السابع: أقوال الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة في القرآن

أقوال الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة في القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أقوال الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة في القرآن
مسألة الكلام والقرآن من أكبر المسائل التي اختلفت فيها الفِرَق، وحصل بسبب هذا الاختلاف والتنازع فتن عظيمة، ومحن شديدة؛ فلذلك ينبغي لطالب العلم أن يعرف القول الحق في هذه المسألة، ولو على سبيل الإيجاز؛ لئلا يغترّ بأقوال المخالفين، وما يزيّنون به باطلهم من زخرف القول؛ لأنَّ لأهل الباطل من زخرف القول والتفنّن في إيراد الشُّبه والأغاليط ما يفتنون به ضعيف العلم الذي ليس على بيّنة من الاعتقاد الصحيح بأدلته، ولم يعتصم بما يعصمه من الضلال في هذا الباب.
فعلى طالب العلم أن يكون على يقين من الاعتقاد الصحيح في هذه المسائل العظيمة، وأن يكون حسن المعرفة بالأدلة الصحيحة، وحجج أهل السنة في تقرير مسائل الاعتقاد، وأن يعرف أصولَ أقوالِ المخالفين، وطريقة أئمة أهل السنة في الرد عليهم ومعاملتهم؛ حتى يكون على بينة ويقين في بحثه لهذه المسائل ولا يغتر بشبهات المخالفين والمضلّلين.

وسأذكر خلاصة موجزة لأقوال الفرق المخالفة لأهل السنة في باب العقيدة في القرآن حتى يكون طالب العلم على بيّنة من تلك الأقوال؛ قبل الدخول في تفاصيل مسائل الاعتقاد في القرآن، وما جرى من الفتن والمحن بسبب الاختلاف في القرآن.
فأشهر الفرق التي لها مقالات وأتباع، وكان لبعضهم شوكة ودولة: الرافضة والجهمية والمعتزلة والزيدية والكرامية والكلابية والأشاعرة
والماتريدية.
فأمّا الرافضة فاختلفوا على فرقٍ كثيرة، ولكثير منهم أقوال كفرية باطلة في شأن القرآن؛ فمنهم من يقول بتحريف القرآن، وهذا مستفيض عن الاثني عشرية الإمامية، ومنهم من يزعم أنّه ناقص، قد أسقط منه ما يدلّ على فضائل علي وإمامته، وأنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد انفرد بجمع القرآن، وأن ما لدى الناس منه قليل بالنسبة لما جمعه عليّ، وأنّ للقرآن ظاهراً يعلمه الناس، وباطناً لا يعلمه إلا أئمتهم وبعضُ معظَّميهم.
وهذه كلُّها أقوالٌ كفريَّة؛ من قال بها فقد كفر بالقرآن العظيم الذي أنزله الله هدى للناس وتكفَّل بحفظه.
وأمّا الجهمية الأوائل أتباع جهم بن صفوان؛ فإنهم قالوا بخلق القرآن لإنكارهم صفة الكلام لله جلّ وعلا، وإنكارهم سائر الأسماء والصفات، وقد أجمع السلف على تكفيرهم.
وأمّا المعتزلة: فزعموا أنّ كلام الله تعالى مخلوق منفصل عنه، وأنه إذا شاء أن يتكلّم خلق كلاماً في بعض الأجسام يُسمعِه من يشاء، وهذا الاعتقاد في كلام الله تعالى قادهم إلى القول بأنّ القرآن مخلوق.
وأمّا الكرَّاميّة فهم أتباع محمّد بن كرّام السجستاني (ت:255هـ)، وكان متعبّداً ناسكاً لم يُعرف بمجالسة أهل العلم ولا الأخذ عنهم، واشتغل بالكلام في التعبّد والتزهّد فاتّبعه خلق كثير في زمانه حتى قيل: إنه مات وأتباعه نحو عشرين ألفاً.
ثمّ قلّ أتباعه بعد ذلك واضمحلّ مذهبهم، ولابن كرام بدع شنيعة منها زعمه أن الإيمان مجرَّدُ الإقرارِ باللسان وإن لم يصحبه اعتقاد بالقلب، وهو من أخبث أقوال المرجئة، وقد اختلفت الكرامية على فرق، ومما نقل عنهم أنهم زعموا أن كلام الله تعالى حادث بعد أن لم يكن، وأنّ الله تعالى كان ممتنعاً عليه الكلام لامتناع حوادث لا أوّل لها عندهم، ثمّ حدثت له صفة الكلام، وقالوا: إنّ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق؛ لكنّهم خالفوا أهل السنة في أصل صفة الكلام، وفي معنى الإيمان بالقرآن، ولذلك يجب التفريق بين قولهم وقول أهل السنة.
وأمّا الزيدية فهم أتباع زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ت:120هـ)، وقد زعم الشهرستاني في الملل والنحل أنّ زيد بن علي تتلمذ على واصل بن عطاء، وأن أوائل الزيدية معتزلة، وهذا القول أنكره ابن الوزير اليماني في العواصم والقواصم إنكاراً شديداً، وأكثر النقلَ عن جماعةٍ من أئمة الزيدية ينكرون القول بخلق القرآن.
وأما الكلابية والماتريدية والأشاعرة فزعموا أن كلام الله تعالى هو المعنى النفسي القائم بالله جل وعلا، وأنه قديم بقدمه تعالى، وأنه ليس بحرف ولا صوت، ولا يتعلق بالقدرة والمشيئة، ولا يتجزّأ ولا يتبعّض، ولا يتفاضل.
وأوّل من أحدث هذا القول عبد الله بن سعيد بن كُلاب البصري (ت: بعد 240هـ)، وكان في عصر الإمام أحمد؛ وتبعه عليه الآخرون، ثمَّ اختلفوا في التفاصيل على أقوال فيها اضطراب وتعارض، وهذا شأن أهل الفرق
والأهواء، يظهر فيهم الاختلاف والتناقض بسبب لوازم أقوالهم الباطلة؛ حتى ينقل عن الشخص الواحد منهم أقوال متعارضة.

واختلاف الفرق في القرآن مبسوط في كتب العقائد، لكن ينبغي لطالب علم التفسير أن يعرف أصول أقوال تلك الفرق في هذه المسألة العظيمة، وأن يعرف قول أهل السنة والجماعة، وكيف يردّ باطل أهل الأهواء، ويبيّن الحقّ بدليله، حتى إذا ما قرأ في تفاسير بعض المنتسبين إلى تلك الفرق كان على علم بما قالوه في تلك المسائل، وما يترتّب على أقوالهم من لوازم باطلة.

وقد زعم ابن كلاب أنَّ الحروف التي تُتلى من القرآن حكايةٌ عن كلام الله، وليست من كلام الله؛ لأنَّ الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم، والله يمتنع أن يقوم به حروف وأصوات.

وابن كُلاب أرادَ أن يردَّ على المعتزلة قولهم بخلق القرآن وينتصر لأهل السنة لكنه سلك طريقة فاسدة في هذا الانتصار؛ إذ صدر فيه عن علم الكلام، وسلّم للمعتزلة ببعض أصولهم؛ فخرج بقولٍ مبتدعٍ بين قول أهل السنة وقول المعتزلة، إذ زعم أنَّ القرآن حكايةٌ عن كلام الله، وأنّ كلام الله معنى نفسي ليس فيه حروف ولا أصوات، وأنَّ جبريل يحكي ما في نفسِ الله تعالى، ويُسمِعُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن هذا القول باطل مخالف لما دلّت عليه النصوص الصحيحة الصريحة المتقدّم ذكرها، ولما كان عليه السلف الصالح رحمهم الله، ولذلك أنكره أئمة أهل السنة إنكاراً شديداً.

ثمّ أتى أبو الحسن الأشعري بعد ابن كلاب فسلك طريقته في الرد على المعتزلة، لكنّه استدرك عليه؛ فقال: الحكاية تقتضي مماثلة المحكي، وليست الحروف مثل المعنى، بل هي عبارة عن المعنى ودالة عليه.
فلذلك ذهبَ إلى أنَّ القرآن عبارةٌ عن كلام الله، وهذا المعنى إذا أطلقه الأشاعرة فهم يريدون به أن القرآن ليس كلام الله عز وجلَّ حقيقةً، ولكنَّه عبارةٌ عبَّر بها جبريلُ عن المعنى النفسي القائم بالله جل وعلا، وهذا ضلال مبين في مسألة صفة الكلام لله عز وجل.

ومن الأشاعرة من يطلق القول بأن القرآن كلام الله لكن على سبيل المجاز لا الحقيقة.
فالفرق بين قول الكلابية وقول الأشاعرة في القرآن؛ هو أن الكلابية يقولون: إن القرآن حكاية عن كلام الله، والأشاعرة يقولون: إن القرآن عبارة عن كلام الله تعالى، لأنَّ الحكاية تقتضي مماثلة للمحكي، والعبارة هو تعبير عن المعنى بألفاظ وحروف.
ويتّفقون على أنّ القرآن غير مخلوق، لكنّه عندهم ليس هو كلام الله حقيقة بألفاظه.

والفرق بين المعتزلة والأشاعرة:
أن المعتزلة يقولون: إن القرآن كلام الله تعالى، لكنّه مخلوق.
والأشاعرة يقولون: إن القرآن غير مخلوق، وليس هو كلام الله حقيقة، وإنما هو عبارة عبّر بها جبريل عن المعنى النفسي القائم بالله تعالى.
وكلا القولين باطلان، فالقرآن كلام الله تعالى حقيقةً، تكلّم الله به بحروفٍ سمعها جبريلُ من الله تعالى؛ ثمّ نزل به إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وبلَّغه إيّاه بحروفه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يجوز إطلاق القول: بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف؛ لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة؛ فإنّ الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا.
وهو كلام الله؛ حروفه ومعانيه؛ ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف)ا.هـ). [الإيمان بالقرآن:41 - 46]


رد مع اقتباس