عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م, 12:51 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

مراتب تلاوة القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب تلاوة القرآن
وتلاوة القرآن على مراتب:

- فأعلاها مرتبة أهل الإحسان في تلاوة القرآن، وهم الذين جمعوا بين المهارة في قراءة القرآن، وحسن اتّباع هداه؛ فهؤلاء بأفضل المنازل، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) }
فوعدهم الله التجارةَ الرابحة التي ضمن لهم أنها لن تبور؛ فهي تجارة يجدون من ثوابها وبركاتها والرفعة بها ما تقرّ به أعينهم، وتطيب به حياتهم، وتحسن به عاقبتهم.
ووعدهم مع توفيتهم أجورهم أن يزيدهم من فضله زيادة كريمة من عنده جلّ وعلا؛ وأضاف الفضل إليه إضافة تشريف وتنبيه على أنّه فضل عظيم.
{إنه غفور شكور} وفي هذا تنبيه على وعد بمغفرة ذنوبهم، وعلى أنّ الله تعالى يحبّ هذه الأعمال، ويشكر من يتقرّب بها إليه؛ فيثيبهم ثواباً وافياً، ويزيدهم عليه زيادة كريمة.
قال قتادة: (كان مطرّف بن عبد الله إذا مرّ بهذه الآية: {إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه} يقول: هذه آية القرّاء). رواه ابن جرير.
وذلك لما فيها من الشرف والفضل العظيم لهم.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَعُ فيه، وهو عليه شاقّ، له أجران». رواه مسلم.
الماهر: الحاذق الذي يقرأ بإتقان من غير تردد.
فلما جمعوا مهارة القراءة وبرّ العمل به نالوا إكرام الله تعالى لهم.
قال ابن حجر: (والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردد فيه، لكونه يسَّره الله تعالى عليه كما يسَّره على الملائكة؛ فكان مثلها في الحفظ والدرجة).
ويشهد لما قاله ابن حجر رواية البخاري رحمه الله لهذا الحديث في صحيحه بلفظ: «مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد فله أجران».
وحفظ القرآن هنا يشمل حفظ تلاوته وحفظ رعايته بالعمل به وما يوجبه الإيمان به.
وقوله: (مع السفرة الكرام البررة) إشارة إلى قول الله تعالى: {في صحف مكرّمة . مرفوعة مطهّرة . بأيدي سفرة . كرام بررة}.
وفي المراد بالسفرة أربعة أقوال:
القول الأول: هم الملائكة، واحدهم سافر، والجمع سَفَرة، وهذا القول رُوي عن ابن عباس بإسناد ضعيف، وقال به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والفراء والبخاري في صحيحه، ورجّحه ابن جرير وابن عطية وابن كثير.
قال الفراء: (فَجُعِلَت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم، قال الشاعر:
ومــا أدع السّـفـارة بـيـن قـومـي ... وما أمشي بغشٍّ إن مشيت)ا.ه.
والقول الثاني: هم الكَتَبة؛ وهو قول ابن عبّاس، ورواية معمر عن قتادة، وقال به من علماء اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى.
والقول الثالث: هم القرّاء، وهو رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أخرجها ابن جرير الطبري.
والقول الرابع: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول وهب بن منبّه؛ رواه عنه عبد بن حميد وابن المنذر كما في الدر المنثور.
وجمع الخليل بن أحمد وابن قتيبة والزجاج بين القولين الأولين؛ فذهبوا إلى أن معنى "السفرة" أي الكَتَبة، وأنّ المراد بهم الملائكة، وهو جمع حسن.
والمقصود أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في الماهر بقراءة القرآن (مع السفرة الكرام البررة) تشريف عظيم للماهر بالقرآن، وقد اختلف في كونه معهم على أقوال:
القول الأول: المعيّة في المكانة والمنزلة.
والقول الثاني: هي معيّةُ مصاحَبة في الدنيا؛ فلكثرة تلاوته وتنزّل الملائكة لاستماع الذكر والتلاوة كان مصاحباً لهم.
والقول الثالث: هي معيّة مشاكلة ومشابهة؛ فهو بطاعته وكثرة ذكره قد شابه الملائكة وسلك مسلكهم.
وعلى كلّ هذه الأقوال فوصفه بأنه مع السفرة دون ذكر عين الجزاء دليل على إبهامه لتعظيمه، وأنّه أجر عظيم يكفي في وصفه أن يعدّ صاحبه مع السفرة الكرام البررة، ونظيره ما في الحديث الصحيح: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)؛ فتذهب الآمال كل مذهب في رجاء عِظَمِ هذا الثواب، فيثابون بما لم يخطر على قلوبهم، ولم يبلغه علمهم، ولم تدركه أمانيهم من عظيم الفضل وجزيل الثواب.
ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن مضاعفة الثواب للماهر بالقرآن لا تُحصَر، وأنّ الله تعالى يضاعف له الأجر أضعافاً كثيرة؛ فكما يضاعف الحسنات لبعض عباده إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة؛ فكذلك يكون في خير ما يُتقرَّب به إليه – جلّ وعلا - وهو تلاوة كلامه واتّباع هداه.

والمقصود أنّ ثواب تلاوة القرآن يتفاضل بتفاضل القراء في معنيي التلاوة؛ وهما القراءة والاتباع؛ فمن بلغ فيهما مرتبة الإحسان فهو بأفضل المنازل.
ومن قصّر فيهما حصل له من النقص بحسب تقصيره وتفريطه.
وأما من كان يحسن القراءة ويخالف هدى الله تعالى فإنّ قراءته لا تنفعه عند الله، بل هي حجّة عليه). [بيان فضل القرآن:87 - 90]

رد مع اقتباس