عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظّالمين}
وهكذا كانت شريعة إبراهيم: أنّ السّارق يدفع إلى المسروق منه. وهذا هو الّذي أراد يوسف، عليه السّلام؛ ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، أي فتّشها قبله، توريةً، {ثمّ استخرجها من وعاء أخيه} فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم وإلزامًا لهم بما يعتقدونه؛ ولهذا قال تعالى: {كذلك كدنا ليوسف} وهذا من الكيد المحبوب المراد الّذي يحبّه اللّه ويرضاه، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.
وقوله: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} أي: لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر، قاله الضّحّاك وغيره.
وإنّما قيّض اللّه له أن التزم له إخوته بما التزموه، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم؛ ولهذا مدحه تعالى فقال: {نرفع درجاتٍ من نشاء} كما قال تعالى: {يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجاتٍ واللّه بما تعملون خبيرٌ} [المجادلة: 11].
{وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} قال الحسن البصريّ: ليس عالمٌ إلّا فوقه عالمٌ، حتّى ينتهي إلى اللّه عزّ وجلّ. وكذا روى عبد الرّزّاق، عن سفيان الثّوريّ، عن عبد الأعلى الثّعلبيّ، عن سعيد بن جبير قال كنّا عند ابن عبّاسٍ فتحدّث بحديثٍ عجيبٍ، فتعجّب رجلٌ فقال: الحمد للّه فوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ [فقال ابن عبّاسٍ: بئس ما قلت، اللّه العليم، وهو فوق كلّ عالمٍ] وكذا روى سماكٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} قال: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، واللّه فوق كلّ عالمٍ. وهكذا قال عكرمة.
وقال قتادة: {وفوق كلّ ذي علمٍ عليمٌ} حتّى ينتهي العلم إلى اللّه، منه بدئ وتعلّمت العلماء، وإليه يعود، وفي قراءة عبد اللّه "وفوق كلّ عالمٍ عليمٌ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 401-402]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون (77)}
وقال إخوة يوسف لمّا رأوا الصّواع قد أخرج من متاع بنيامين: {إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل} يتنصّلون إلى العزيز من التّشبّه به، ويذكرون أنّ هذا فعل كما فعل أخٌ له من قبل، يعنون به يوسف، عليه السّلام.
قال سعيد بن جبيرٍ، عن قتادة كان يوسف قد سرق صنمًا لجدّه، أبي أمّه، فكسره.
وقال محمّد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: كان أوّل ما دخل على يوسف من البلاء، فيما بلغني، أنّ عمّته ابنة إسحاق، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت إليها منطقة إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختباها ممّن وليها كان له سلما لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمّته، فكان منها وإليها، فلم يحب أحدٌ شيئًا من الأشياء حبّها إيّاه، حتّى إذا ترعرع وبلغ سنواتٍ وقعت نفس يعقوب عليه فأتاها، فقال: يا أخيّه سلّمى إليّ يوسف، فواللّه ما أقدر على أن يغيب عنّي ساعةً. قالت: فواللّه ما أنا بتاركته. ثمّ قالت: فدعه عندي أيّامًا أنظر إليه وأسكن عنه، لعلّ ذلك يسلّيني عنه -أو كما قالت. فلمّا خرج من عندها يعقوب، عمدت إلى منطقة إسحاق، فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثمّ قالت: فقدت منطقة إسحاق، عليه السّلام، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست ثمّ قالت: اكشفوا أهل البيت. فكشفوهم فوجدوها مع يوسف. فقالت: واللّه إنّه لي لسلمٌ، أصنع فيه ما شئت. فأتاها يعقوب فأخبرته الخبر. فقال لها: أنت وذاك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتّى ماتت. قال: فهو الّذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه: {إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل}.
وقوله: {فأسرّها يوسف في نفسه} يعني: الكلمة الّتي بعدها، وهي قوله: {أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون} أي: تذكرون. قال هذا في نفسه، ولم يبده لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذّكر، وهو كثيرٌ، كقول الشّاعر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبرٍ = وحسن فعلٍ كما يجزى سنمّار
وله شواهد كثيرةٌ في القرآن والحديث واللّغة، في منثورها وأخبارها وأشعارها.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فأسرّها يوسف في نفسه} قال: أسر في نفسه: {أنتم شرٌّ مكانًا واللّه أعلم بما تصفون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 402-403]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين (78) قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنّا إذًا لظالمون (79)}
لمّا تعيّن أخذ بنيامين وتقرّر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترقّقون له ويعطّفونه عليهم، ف {قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبًا شيخًا كبيرًا} يعنون: وهو يحبّه حبًّا شديدًا ويتسلّى به عن ولده الّذي فقده، {فخذ أحدنا مكانه} أي: بدله، يكون عندك عوضًا عنه، {إنّا نراك من المحسنين} أي: من العادلين المنصفين القابلين للخير). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 403]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال معاذ اللّه أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده} أي: كما قلتم واعترفتم، {إنّا إذًا لظالمون} [أي] إن أخذنا بريئًا بسقيمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 403]

رد مع اقتباس