عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 03:55 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}
قرأ أبو حيوة: "ونبهم" بضم الهاء من غير همز، وهذا ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول، و"الضيف" مصدر وصف به فهو للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، قال النحاس وغيره: التقدير: عن أصحاب ضيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويغني عن هذا أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء، كما فعل في "رهن" ونحوه، والمراد بالضيف هنا الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط وبشروا إبراهيم عليهما السلام-، وقد تقدم قصصهم). [المحرر الوجيز: 5/298]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "سلاما" مصدر منصوب بفعل مضمر تقديره: سلمنا، أو نسلم سلاما، والسلام هنا التحية، وقوله: "سلاما" حكاية قولهم، فلا يعمل القول فيه، وإنما يعمل إذا كان ما بعده ترجمة عن كلام ليس يحكى بعينه، كما تقول لمن قال: "لا إله إلا الله": قلت حقا، ونحو هذا.
وقوله: {إنا منكم وجلون} أي: فزعون، وإنما وجل إبراهيم عليه السلام منهم لما قدم إليهم العجل الحنيذ فلم يرهم يأكلون، وكان عندهم العلامة المؤمنة أكل الطعام، وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل والمنزول به). [المحرر الوجيز: 5/298]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "توجل" مستقبل "وجل"، وقرأ الحسن بضم التاء على بناء الفعل للمفعول من "أوجل"، لأن "وجل" لا يتعدى، وكانت هذه البشارة بإسحاق، وذلك
[المحرر الوجيز: 5/298]
بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ليس يقتضي أنهما حينئذ وهبهما، بل قبل الحمد بكثير). [المحرر الوجيز: 5/299]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "أبشرتموني" بألف استفهام، وقرأ الأعرج: "بشرتموني" بغير ألف، وقوله: {على أن مسني الكبر} أي: في حالة قد مسني الكبر فيها، وقرأ ابن محيصن "الكبر" بضم الكاف وسكون الباء، وقرأ أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "تبشرون" بفتح النون التي هي علامة الرفع، والفعل -على هذه القراءة- غير معدى، وقرأ الحسن البصري: "تبشروني" بنون مشددة وياء، وقرأ ابن كثير بشد النون دون ياء، وهذه القراءة أدغمت فيها نون العلامة في النون التي هي للمتكلم موطئة للياء، وقرأ نافع: "تبشرون" بكسر النون، وغلط أبو حاتم نافعا في هذه القراءة، وقال: إن شاهد الشعر في هذا اضطرار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا حمل منه، وتقدير هذه القراءة أنه حذفت النون التي للمتكلم، وكسرت النون التي هي علامة الرفع بحسب الياء، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها، ونحو هذا قول الشاعر -أنشده سيبويه -:
تراه كالثغام يعل مسكا ... يسر الفاليات إذا فليني
[المحرر الوجيز: 5/299]
ومنه قول الآخر:
أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق -لا أباك- تخوفيني؟
ومن حذف هذه النون قول الشاعر:
قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد عبد الله ومصعبا ابني الزبير، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب.
وقرأ الحسن "فبم تبشرون" بفتح التاء وضم الشين.
وقول إبراهيم: فبم تبشرون تقرير على جهة التعجب والاستبعاد لكبرهما، أو على جهة الاحتقار وقلة المبالاة بالمسرات لمضي العمر واستيلاء الكبر. قال مجاهد: عجب من كبره ومن كبر امرأته، وقد تقدم ذكر سنه وقت البشارة). [المحرر الوجيز: 5/300]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم: {بشرناك بالحق} فيه شدة ما، أي: أبشر بما بشرت به ودع غير ذلك، وقرأ جمهور الناس: "القانطين"، والقنوط: أتم اليأس، وقرأ يحيى بن وثاب، والأعمش وابن مصرف، ورويت عن عمرو: "القنطين"). [المحرر الوجيز: 5/300]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: "ومن يقنط" بفتح النون في كل القرآن. وقرأ أبو
[المحرر الوجيز: 5/300]
عمرو، والكسائي بكسرها، وكلهم قرأ: "من بعد ما قنطوا" بفتح النون، ورد أبو عبيدة قراءة أهل الحرمين، وأنكر أن يقال: "قنط" بكسر النون، وليس كما قال، لأنهم لا يجمعون إلا على قوي في اللغة مروي عندهم، وهي قراءة فصيحة، يقال: قنط يقنط، وقنط يقنط، مثل: نقم ونقم، وقرأ الأعمش هنا: "يقنط" بكسر النون، وقرأ: "من بعد ما قنطوا" بكسر النون أيضا، فقرأ باللغتين، وقرأ الأشهب: "يقنط" بضم النون، وهي قراءة الحسن، والأعمش أيضا، وهي لغة تميم). [المحرر الوجيز: 5/301]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون}
القائل هنا إبراهيم عليه السلام، وقوله: "فما خطبكم"؟ سؤال فيه عنف ما، كما تقول لمن تنكر حاله: ماذا دهاك؟ وما مصيبتك؟ وأنت إنما تريد استفهاما عن حاله فقط، لأن "الخطب" لفظة إنما تستعمل في الأمور الشداد، على أن قول إبراهيم: أيها المرسلون، وكونهم أيضا قد بشروه، يقتضي أنه قد كان عرف أنهم ملائكة حين قال: فما خطبكم؟ فيحتمل قوله: {فما خطبكم} مع هذا أنه أضاف الخطب إليهم من حيث هم حملته إلى القوم المعذبين. أي: ما هذا الخطب الذي تحملونه؟ وإلى أي أمة؟). [المحرر الوجيز: 5/301]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "القوم المجرمون" يراد به أهل مدينة سدوم الذين بعث فيهم لوط عليه السلام، والمجرم: الذي يجر الجرائم ويرتكب المحظورات، وأصل جرم وأجرم: كسب، ومنه قول الشاعر:
جريمة ناهض في رأس نيق
[المحرر الوجيز: 5/301]
أي: كسب عقاب في قنة شامخ، ولكن اللفظة خصت في عرفها بالشر، لا يقال لكاسب الأجر مجرم). [المحرر الوجيز: 5/302]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم: {إلا آل} استثناء منقطع، و"الآل": القوم الذين يؤول أمرهم إلى المضاف إليه، كذا قال سيبويه، وهذا نص في أن لفظة "آل" ليست لفظة "أهل" كما قال النحاس، ويجوز -على هذا إضافة "آل" إلى الضمير وأما "أهيل" فتصغير "أهل"، واحترزوا به عن تصغير "آل"، فرفضوا "أويلا". وقرأ جمهور السبعة: "لمنجوهم"، وقرأ حمزة، والكسائي بالتخفيف، والضمير في "منجوهم" في موضع خفض بالإضافة، وانحذفت النون للمعاقبة، هذا قول جمهور النحويين، وقال الأخفش: الضمير في موضع نصب، وانحذفت النون لأنه لا بد من اتصال هذا الضمير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا نظر). [المحرر الوجيز: 5/302]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إلا امرأته} استثناء بعد استثناء، وهما منقطعان فيما حكى بعض النحاة، لأنهم لم يجعلوا امرأته الكافرة من آله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا نظر، لأنها قبل الاستثناء داخلة في اللفظ الذي هو "الآل"، وليس كذلك "الآل" مع المجرمين، فيظهر الاستثناء الأول منقطعا، والثاني متصلا، والاستثناء بعد الاستثناء يرد المستثنى الثاني في حكم أمر الأول، ومثل بعض الناس في هذا بقولك: "عندي مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهمين"، فرجعت الدرهمان في حكم التسعين درهما. وقال المبرد: ليس هذا المثال بجيد، لأنه من خلق الكلام ورده، إذ له طريق إلى أداء المعنى بأجمل من هذا التحليق، وهو أن يقول: "عندي مائة إلا ثمانية"، وإنما ينبغي أن يكون مثالا للآية قولك: "ضربت بني تميم إلا بني دارم إلا حاجبا"، لأن
[المحرر الوجيز: 5/302]
"حاجبا" من بني دارم، فلما كان المستثنى الأول في ضمنه ما لا يجري الحكم عليه، والضرورة تدخله في لفظه، ولا يمكننا العبارة عنه دون ذلك الذي لا يجري الحكم عليه، اضطررت إلى استثناء ثان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونزعة المبرد في هذا نبيلة. وقرأ جميعهم سوى عاصم في رواية أبي بكر: "قدرنا" بتشديد الدال في كل القرآن، وقرأ عاصم بتخفيفها وثقل في رواية حفص، والتخفيف يكون بمعنى التثقيل، كما قال الهذلي أبو ذؤيب:
ومفرهة عنس قدرت لساقها ... فخرت كما تتابع الريح بالقفل
يريد: قدرت ضربي لساقها، وكقول النبي صلي الله عليه وسلم في الاستخارة: "واقدر لي الخير حيث كان"، ويكون أيضا بمعنى: يسر ووفق، ومنه قول الشاعر:
بقندهار ومن تقدر منيته ... بقندهار يرجم دونه الخبر
[المحرر الوجيز: 5/303]
وكسرت الألف من "إنها" بسبب اللام التي في قوله تعالى: "لمن"، و"الغابر": الباقي في الدهر وغيره. وقالت فرقة -منهم النحاس -: هو من الأضداد، يقال في الماضي وفي الباقي، وأما في هذه الآية فهي للبقاء، أي: من الغابرين في العذاب). [المحرر الوجيز: 5/304]

رد مع اقتباس