عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:00 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى الكتاب مفصلا قال مبينا قال وقوله: يفصل الآيات قال يبين الآيات وقوله تعالى: قد فصل لكم ما حرم عليكم يقول قد بين لكم ما حرم عليكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 217]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفغير اللّه أبتغي حكمًا وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام، القائلين لك: كفّ عن آلهتنا ونكفّ عن إلهك: إنّ اللّه قد حكم عليّ بذكر آلهتكم بما يكون صدًّا عن عبادتها، {أفغير اللّه أبتغي حكمًا} أي قل: فليس لي أن أتعدّى حكمه وأتجاوزه، لأنّه لا حكم أعدل منه، ولا قائل أصدق منه. {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلاً} يعني: القرآن، مفصّلاً يعني: مبيّنًا فيه الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم.
وقد بيّنّا معنى التّفصيل فيما مضى قبل). [جامع البيان: 9/ 506]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ فلا تكوننّ من الممترين}.
يقول تعالى ذكره: إن أنكر هؤلاء العادلون باللّه الأوثان من قومك توحيد اللّه، وأشركوا معه الأنداد، وجحدوا ما أنزلته إليك، وأنكروا أن يكون حقًّا، وكذّبوا به، فالّذين آتيناهم الكتاب وهو التّوراة والإنجيل من بني إسرائيل {يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك} يعني: القرآن وما فيه، {بالحقّ} يقول: فصلاً بين أهل الحقّ والباطل، يدلّ على صدق الصّادق في علم اللّه، وكذب الكاذب المفتري عليه. {فلا تكوننّ من الممترين} يقول: فلا تكوننّ يا محمّد من الشّاكّين في حقّيّة الأنباء الّتي جاءتك من اللّه في هذا الكتاب وغير ذلك ممّا تضمّنه، لأنّ الّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ.
وقد بيّنّا فيما مضى ما وجه قوله: {فلا تكوننّ من الممترين} بما أغنى عن إعادته مع الرّواية المرويّة فيه.
- وقد حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فلا تكوننّ من الممترين} يقول: لا تكوننّ في شكٍّ ممّا قصصنا عليك). [جامع البيان: 9/ 506-507]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أفغير اللّه أبتغي حكمًا وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلًا والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ فلا تكوننّ من الممترين (114)}
قوله تعالى: {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو عامر ثنا مهديّ بن إبراهيم الرّمليّ عن مالك ابن أنسٍ عن ربيعة قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى أنزل الكتاب وترك فيه موضعًا للسّنّة، وسنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترك فيها موضعًا للرّأي.
قوله: {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصّلا}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: الكتاب مفصّلا، قال: مبيّنًا.
قوله تعالى: {والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك بالحق}
- وبه عن قتادة: الّذين آتيناهم الكتاب، قال: اليهود والنّصارى.
قوله: {فلا تكوننّ من الممترين}
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: أنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا تكن من الممترين قال الحسن: يقول: يا محمّد، لا تكن في شكٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا}، قال: مبينا.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال: إن الله تبارك وتعالى أنزل الكتاب وترك فيه موضعا للسنة وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك فيها موضعا للرأي). [الدر المنثور: 6/ 178]

تفسير قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلاً لا مبدّل لكلماته وهو السّميع العليم}.
يقول تعالى ذكره: وكملت كلمة ربّك، يعني القرآن.
سمّاه كلمةً كما تقول العرب للقصيدة من الشّعر يقولها الشّاعر: هذه كلمة فلانٍ.
{صدقًا وعدلاً} يقول: كملت كلمة ربّك من الصّدق والعدل، والصّدق والعدل نصبًا على التّفسير للكلمة، كما يقال: عندي عشرون درهمًا.
{لا مبدّل لكلماته} يقول: لا مغيّر لما أخبر في كتبه أنّه كائنٌ من وقوعه في حينه وأجله الّذي أخبر اللّه أنّه واقعٌ فيه. وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه: {يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} [الفتح] فكانت إرادتهم تبديل كلام اللّه مسألتهم نبيّ اللّه أن يتركهم يحضرون الحرب معه، وقولهم له ولمن معه من المؤمنين: {ذرونا نتّبعكم} [الفتح] بعد الخبر الّذي كان اللّه أخبرهم تعالى ذكره في كتابه بقوله: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا} [التوبة] الآية، فحاولوا تبديل كلام اللّه وخبره بأنّهم لن يخرجوا مع نبيّ اللّه في غزاةٍ، ولن يقاتلوا معه عدوًّا بقولهم لهم: {ذرونا نتّبعكم} [الفتح]، فقال اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يريدون أن يبدّلوا بمسألتهم إيّاهم ذلك كلام اللّه وخبره، {قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} [الفتح]، فكذلك معنى قوله: {لا مبدّل لكلماته} إنّما هو: لا مغيّر لما أخبر عنه من خبرٍ أنّه كائنٌ فيبطل مجيئه وكونه ووقوعه، على ما أخبر جلّ ثناؤه، لأنّه لا يزيد المفترون في كتب اللّه ولا ينقصون منها، وذلك أنّ اليهود والنّصارى لا شكّ أنّهم أهل كتب اللّه الّتي أنزلها على أنبيائه، وقد أخبر جلّ ثناؤه أنّهم يحرّفون غير الّذي أخبر أنّه لا مبدّل له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلاً لا مبدّل لكلماته} يقول: صدقًا وعدلاً فيما حكم.
وأمّا قوله: {وهو السّميع العليم} فإنّ معناه: واللّه السّميع لما يقول هؤلاء العادلون باللّه، المقسمون باللّه جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها، وغير ذلك من كلام خلقه، العليم بما تئول إليه أيمانهم من برٍّ وصدقٍ، وكذبٍ وحنثٍ، وغير ذلك من أمور عباده). [جامع البيان: 9/ 507-509]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلًا لا مبدّل لكلماته وهو السّميع العليم (115)}
قوله: {وتمّت كلمة ربّك}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن وليدٍ ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة، قوله: وتمّت كلمة ربّك صدقًا، يقول: فيما وعد.
قوله: {وعدلا}
- وبه عن قتادة: قوله: وعدلا يقول: عدلا فيما حكم.
قوله: {لا مبدّل لكلماته}
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا مكّيّ بن إبراهيم أبو السّكن ثنا موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ القرطي في قوله: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا لا مبدّل لكلماته}. قال: لا تبديل لشيءٍ قاله في الدّنيا والآخرة.
قوله تعالى: {وهو السّميع العليم}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا زنيجٌ ثنا سلمة بن الفضل ثنا محمّد بن إسحاق قوله: العليم أي عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1374-1375]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}، قال: صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو النصر السجزي في الإبانة عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {لا مبدل لكلماته}، قال: لا تبديل لشيء، قاله في الدنيا والآخرة كقوله: {ما يبدل القول لدي} [سورة ق: 29].
- وأخرج ابن مردويه عن أبي اليمان جابر بن عبد الله قال دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة ولكل قوم صنم يعبدونه فجعل يأتيها صنما ويطعن في صدر الصنم بعصا ثم يعقره كلما صرع صنما أتبعه الناس ضربا بالفؤوس
حتى يكسرونه ويطرحونه خارجا من المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم}.
- وأخرج ابن مردويه، وابن النجار عن أنس بن مالك عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا}، قال لا إله إلا الله.
- وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» ثم يقول: كان أبوكم إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق.
- وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن خولة بنت حكيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».
- وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: «أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك».
- وأخرج أبو داود والنسائي، وابن أبي الدنيا والبيهقي عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: «اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك»
- وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرق - حديث النفس بالليل - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنه لن يضرك وحرى أن لا يقربك».
- وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أبي التياح قال: قال رجل لعبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين قال: «نعم تحدرت الشياطين من الجبال والأودية يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع منهم وجاءه جبريل فقال: يا محمد قل، قال: ما أقول قال: قل أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن، قال: فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عز وجل».
وأخرج النسائي والبيهقي عن ابن مسعود قال: «لما كان ليلة الجن أقبل عفريت من الجن في يده شعلة من نار فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فلا يزداد إلا قربا فقال له جبريل: ألا أعلمك كلمات تقولهن ينكب منها لفيه وتطفأ شعلته قل أعوذ بوجه الله الكريم وكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن، فقالها فانكب لفيه وطفئت شعلته».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة تلقته الجن بالشرر يرمونه فقال جبريل: تعوذ يا محمد، فتعوذ بهؤلاء الكلمات فدحروا عنه فقال: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما نزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما بث في الأرض وما يخرج منها ومن شر الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن»). [الدر المنثور: 6/ 178-182]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإن هم إلاّ يخرصون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تطع هؤلاء العادلين باللّه الأنداد يا محمّد فيما دعوك إليه من أكل ما ذبحوا لآلهتهم، وأهلّوا به لغير ربّهم وأشكالهم من أهل الزّيغ والضّلال، فإنّك إن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن دين اللّه ومحجّة الحقّ والصّواب فيصدّوك عن ذلك.
وإنّما قال اللّه لنبيّه: {وإن تطع أكثر من في الأرض} من بني آدم، لأنّهم كانوا حينئذٍ كفّارًا ضلاّلاً، فقال له جلّ ثناؤه: لا تطعهم فيما دعوك إليه، فإنّك إن تطعهم ضللت ضلالهم وكنت مثلهم، لأنّهم لا يدعونك إلى الهدى وقد أخطئوه. ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عن حال الّذين نهى نبيّه عن طاعتهم فيما دعوه إليه في أنفسهم، فقال: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ}، فأخبر جلّ ثناؤه أنّهم من أمرهم على ظنٍّ عند أنفسهم، وحسبانٍ على صحّة عزمٍ عليه وإن كان خطأً في الحقيقة. {وإن هم إلاّ يخرصون} يقول: ما هم إلاّ متخرّصون يظنّون ويوقعون حزرًا لا يقين علمٍ، يقال منه: خرص يخرص خرصًا وخرصًا: أي كذب، وتخرّص بظنٍّ وتخرّص بكذبٍ، وخرصت النّخل أخرصه، وخرصت إبلك: أصابها البرد والجوع). [جامع البيان: 9/ 509]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه إن يتّبعون إلّا الظّنّ وإن هم إلّا يخرصون (116)}
قوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللّه}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ حدّثني عقبة عن إسرائيل عن جابرٍ عن مجاهدٍ قال: ما كان من ظنٍّ في القرآن فهو يقينٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1375]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، إنّ ربّك الّذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين باللّه الأوثان، لئلاّ يضلّوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه، أيّ خلقه يضلّ عن سبيله بزخرف القول الّذي يوحي الشّياطين بعضهم إلى بعضٍ، فيصدّوا عن طاعته واتّباع ما أمر به. {وهو أعلم بالمهتدين} يقول: وهو أعلم أيضًا منك ومنهم بمن كان على استقامةٍ وسدادٍ، لا يخفى عليه منهم أحدٌ. يقول: واتّبع يا محمّد ما أمرتك به، وانته عمّا نهيتك عنه من طاعة من نهيتك عن طاعته، فإنّي أعلم بالهادي والمضلّ من خلقي منك.
واختلف أهل العربيّة في موضع (من) في قوله: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ}، فقال بعض نحويّي البصرة: موضعه خفضٌ بنيّة الباء، قال: ومعنى الكلام: إنّ ربّك هو أعلم بمن يضلّ.
وقال بعض نحويّي الكوفة: موضعه رفعٌ، لأنّه بمعنى أيٍّ، والرّافع له (يضلّ).
والصّواب من القول في ذلك: أنّه رفع بـ (يضلّ) وهو في معنى أيٍّ. وغير معلومٍ في كلام العرب اسمٌ مخفوضٌ بغير خافضٍ فيكون هذا له نظيرًا.
وقد زعم بعضهم أنّ قوله: {أعلم} في هذا الموضع بمعنى (يعلم)، واستشهد لقيله ببيت حاتمٍ الطّائيّ:
فحالفت طيّئٌ من دوننا حلفًا ....... واللّه أعلم ما كنّا لهم خذلا
وبقول الخنساء:
القوم أعلم أنّ جفنته ....... تغدو غداة الرّيح أو تسري
وهذا الّذي قاله قائل هذا التّأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قول اللّه تعالى: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله} منه، وذلك أنّه عطف عليه بقوله: {وهو أعلم بالمهتدين} فأبان بدخول الباء في (المهتدين) أنّ (أعلم) ليس بمعنى (يعلم)، لأنّ ذلك إذ كان بمعنى يفعل لم يوصل بالباء، كما لا يقال هو يعلم بزيدٍ، بمعنى يعلم زيدًا). [جامع البيان: 9/ 509-511]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117)}
قوله: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: قوله: عن سبيل اللّه قال: عن دين اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1375]


رد مع اقتباس