عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 11:16 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
قوله تعالى: {قل للمؤمنين} بمنزلة قوله: إنهم، فقوله: "يغضوا" جواب الأمر، وقال المازني: المعنى: قل لهم غضوا يغضوا، ويلحق هذين من الاعتراض أن الجواب خبر من الله تعالى، وقد يوجد من لا يغض، وينفصل بأن المراد: يكونون في حكم من يغض. وقوله: {من أبصارهم}، أظهر ما في "من" أن تكون للتبعيض، وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان، وإنما يغض فيما بعد ذلك، فقد وقع التبعيض، ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك، وليست لك الثانية الحديث. وقال جرير بن عبد الله: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال: اصرف بصرك، ويصح أن تكون "من" لبيان الجنس، ويصح أن تكون لابتداء الغاية، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه.
و "حفظ الفروج" يحتمل أن يريد به: في الزنى، ويحتمل أن يريد: بستر العورة، والأظهر أن الجميع مراد واللفظ عام، وبهذه الآية حرم العلماء دخول الحمام بغير
[المحرر الوجيز: 6/373]
مئزر، وقال أبو العالية: كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنى إلا هذه الآيتين فإنه يعني التستر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا وجه لهذا التخصيص عندي.
وباقي الآية بين، وظاهره التوعد). [المحرر الوجيز: 6/374]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل للمؤمنات} الآية، أمر الله تعالى النساء في هذه الآية بغض البصر عن كل ما يكره من جهة الشرع النظر إليه، وفي حديث أم سلمة قالت: كنت أنا وعائشة رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل ابن أم مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احتجبن" فقلنا: إنه أعمى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفعمياوان أنتما؟"، "من" يحتمل ما تقدم في الأولى، و"حفظ الفروج" يعم الفواحش وستر العورة وما دون ذلك مما فيه حفظ.
وأمر الله تعالى بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، فاختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ظاهر الزينة هو الثياب، وقال سعيد بن جبير: الوجه والثياب، وقال سعيد بن جبير أيضا، وعطاء، والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب، وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة، والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ، ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس، وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آخر عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[المحرر الوجيز: 6/374]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفي عنه، فغالب الأمر أن الوجه بما فيه والكفين يكثر منهما الظهور، وهو الظاهر في الصلاة، ويحسن بالحسنة الوجه أن تستتر إلا من ذي حرمة محرمة، ويحتمل لفظ الآية أن الظاهر من الزينة لها أن تبديه، ولكن يقوي ما قلناه الاحتياط ومراعاة فساد الناس، فلا يظن أن يباح للنساء من إبداء الزينة إلا ما كان بذلك الوجه، والله الموفق للصواب برحمته.
وقرأ الجمهور: "وليضربن" بسكون اللام التي هي للأمر، وقرأ أبو عمرو -في رواية عباس عنه-: "وليضربن" بكسر اللام على الأصل؛ لأن أصل لام الأمر الكسر في "ليذهب وليضرب"، وإنما تسكينها كتسكين "عضد وفخذ".
وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالخمرة سدلنها من وراء الظهر، قال النقاش: كما يصنع النبط، فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك [أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها] فيستر جميع ما ذكرناه.
وقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله المهاجرات الأول، لما نزلت هذه الآية عمدن إلى أكثف المروط فشققنها أخمرة، وضربن بها على الجيوب، ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك،
[المحرر الوجيز: 6/375]
فشقته عليها وقالت: إنما يضرب بالكثيف الذي يستر.
ومشهور القراءة ضم الجيم من "جيوبهن"، وقرأ بعض الكوفيين بكسرها بسبب الياء كقراءتهم ذلك في بيوت وشيوخ، ذكره الزهراوي.
قوله عز وجل: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء}
المعنى في هذه الآية: ولا يقصدن ترك الإخفاء للزينة الباطنة كالخلخال والأقراط ونحوه، ويطرحن مؤونة التحفظ إلا مع من سمي. وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنى به المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكنهم تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج.
وقوله تعالى: "أو نسائهن" يعني جميع المؤمنات، فكأنه قال: أو صنفهن، ويدخل في هذا الإماء المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك وحل دونه، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة، قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة فابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه.
وقوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانهن} يدخل فيه الإماء الكتابيات، ويدخل فيه العبيد عند جماعة من أهل العلم، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة العلماء: لا يدخل العبد على سيدته فيرى شعرها ونحو ذلك إلا أن يكون وغدا، فمنعت هذه الفرقة الكشف بملك اليمين،
[المحرر الوجيز: 6/376]
وأباحته بأن يكون من التابعين غير أولي الإربة، وفي بعض المصاحف "أو ما ملكت أيمانكم" فيدخل فيه عبد الغير.
وقوله: "أو التابعين" يريد الأتباع [الذين يدخلون] ليطعموا الفضول، وهم من الرجال الذين لا إربة لهم في الوطء، فهي شرطان، ويدخل في هذه الصفة المجبوب والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمن الموقوذ بزمانته، ونحو هذا هو الغالب في هذه الأصناف، ورب مخنث لا ينبغي أن يكشف، ألا ترى إلى حديث " هيت " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشفه على النساء لما وصف بادية بنت غيلان بن معتب؟ وتأمل ما روي في أخبار الدلال المخنث، وكذلك الحمقى والمعتوهون فيه ممن لا ينبغي أن يكشف، والذي لا إربة له من الرجال قليل.
و "الإربة": الحاجة إلى الوطء، وعبر عن هذا بعض المفسرين فقال: هو الذي يتبعك لا يريد إلا الطعام وما يأكله، وقرأ عاصم، وابن عامر: "غير" بالنصب، وهو على الحال من الذكر الذي في "التابعين"، أو على الاستثناء من "التابعين"، وقرأ الباقون: "غير" بالخفض على النعت لـ "التابعين"، والقول
[المحرر الوجيز: 6/377]
فيها كالقول في غير المغضوب عليهم.
وقوله تعالى: "أو الطفل" اسم جنس بمعنى الجمع، ويقال: "طفل" ما لم يراهق الحلم، و"يظهروا" معناه: يطلعون بالوطء، والجمهور على إسكان الواو من "عورات"، وروي عن ابن عامر فتح الواو، وقال الزجاج: الأكثر سكون الواو، كجوزات وبيضات لثقل الحركة على الواو والياء، ومن قرأ بالفتح فعلى الأصل في فعلة وفعلات.
قوله عز وجل: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}
أسند الطبري عن المعتمر عن أبيه قال: زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين من فضة، واتخذت جزعا، فجعلت في ساقيها فمرت على القوم فضربت برجلها الأرض، فوقع الخلخال على الجزع فصوت، فنزلت هذه الآية، وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها، ذكره الزجاج.
قال مكي رحمه الله: ليس في كتاب الله تعالى آية أكثر ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع. وقرأ عبد الله بن مسعود: "ليعلم ما سر من زينتهن".
ثم أمر عز وجل بالتوبة مطلقة، وقد قيد توبة الكفار بالإخلاص وبالانتهاء في آية
[المحرر الوجيز: 6/378]
أخرى، وتوبة أهل الذمة بالتبيين، يريد لأمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر بهذه التوبة مطلقة عامة من كل شيء صغير وكبير.
وقرأ ابن عامر: "أيه المؤمنون" بضم الهاء من "أيه"، ووجهه أن يجعل الخاء كأنها من نفس الكلمة، فيكون إعراب المنادى فيها، وضعف أبو علي ذلك جدا، وبعضهم يقف "أيه"، وبعضهم يقف "أيها" بالألف، وقوى أبو علي الوقف بالألف لأن علة حذفها في الوصل إنما هو سكونها وسكون اللام، فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على "محلي" من قوله تعالى: {غير محلي الصيد}، والاختلاف الذي ذكرناه في "أيه المؤمنون" كذلك هو في "يأيه الساحر"، و"أيه الثقلان"). [المحرر الوجيز: 6/379]


رد مع اقتباس