عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 06:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 77 إلى 93]

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأسرّها يوسف في نفسه...} أسرّ الكلمة.
ولو قال: (فأسرّه) ذهب إلى تذكير الكلام كان صواباً؛ كقوله: {تلك من أنباء الغيب} و{ذلك من أنباء الغيب} {ولم يبدها لهم}: أضمرها في نفسه ولم يظهرها). [معاني القرآن: 2/52]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قالوا إن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل}، يعنون يوسف وكان سرق صنما يعبد، وألقاه). [تفسير غريب القرآن: 220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شرّ مكانا واللّه أعلم بما تصفون}
يعنون يوسف، ويروى أنه كان في صغره أخذ صورة مما كان يتعبد به بعض من يخالف أهل ملّة الإسلام من ذهب، وهذا الذي أخذه كان على جهة الإنكار، لئلا يعظّم مثل ذلك.
{فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم} أي لم يظهرها لهم.
{قال أنتم شرّ مكانا} وهذا إضمار على شريطة التفسير، لأن قوله {قال أنتم شرّ مكانا} بدل من (ها) في قوله: {فأسرّها}.
المعنى: فأسرّ يوسف في نفسه قوله: {أنتم شرّ مكانا} المعنى - واللّه أعلم - {أنتم شرّ مكانا} في السرق بالصحة لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم.
{واللّه أعلم بما تصفون} أي اللّه أعلم أسرق أخ له أم لا). [معاني القرآن: 3/123-122]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}
قال مجاهد يعنون يوسف
ويروى أنه كان رأى صورة تعبد فأخذها ورمى بها وإنما فعل ذلك إنكارا أن يعبد غير الله
ثم قال جل وعز: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم}
ثم بين الذي أسر بقوله: {قال أنتم شر مكانا} أي أنتم سرقتم على الحقيقة إذ بعتم أخاكم
ثم قال تعالى: {والله أعلم بما تصفون} أي الله أعلم أسرق أخوه أم لا). [معاني القرآن: 3/450-449]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فقد سرق أخ له من قبل} يعني يوسف. قيل: كان سرق صنما يعبد وألقاه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون بمعنى: الحبس والأسر، قال الله تعالى: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} أي: احبسه.
وقال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} أي: ائسروهم {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: احبسوهم.
ويقال للأسير: أخيذ). [تأويل مشكل القرآن: 502]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا يا أيّها العزيز إنّ له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين} والعزيز الملك
{إنّ له أبا شيخا كبيرا} {شيخا}. من نعت أب، وأب منصوب بـ (إنّ) و (كبيرا) من نعت شيخ.
{فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين} أي ممن يحسن ولا يعامل بالتحديد في واجب لأنه كان أعطاهم الطعام وأعطاهم ثمنه في رده البضاعة لهم، فطالبوه بأن يحسن).
[معاني القرآن: 3/123]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {معاذ اللّه...}
نصب لأنه مصدر، وكل مصدر تكلّمت العرب في معناه بفعل أو يفعل فالنصب فيه جائز. ومن ذلك الحمد لله لأنك قد تقول في موضعه يحمد الله.
وكذلك أعوذ بالله تصلح في معنى معاذ الله). [معاني القرآن: 2/52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال معاذ اللّه أن نأخذ إلّا من وجدنا متاعنا عنده إنّا إذا لظالمون}
{معاذ اللّه} منصوب على المصدر المعنى أعوذ باللّه معاذا، وموضع أن نصب، المعنى أعوذ باللّه من أخذ أحد إلا من وجدنا متاعنا عنده، فلما سقطت (من) أفضى الفعل فنصب.
{إنّا إذا لظالمون} أي إن أخذنا غيره فنحن ظالمون). [معاني القرآن: 3/124]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {خلصوا نجيّاً...}
و[نجوى] قال الله عزّ جلّ {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ} وقوله: {قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم} (ما) التي مع (فرّطتم) في موضع رفع كأنه قال: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف.
فإن شئت جعلتها نصباً، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وإن شئت جعلت (ما) صلة كأنه قال: {ومن قبل فرّطتم في يوسف} ). [معاني القرآن: 2/53]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {استيئسوا منه} استفعلوا من يئست.
{خلصوا نجيّاً} أي اعتزلوا نجيّاً يتناجون، والنجى يقع لفظه على الواحد والجميع أيضاً وقد يجمع، فيقال: بجىٌ وأنجية، وقال لبيد:

وشهدت أبجية الأفاقة عالياً= كعبي وأرداف الملوك شهود).
[مجاز القرآن: 1/315]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّاً قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم مّوثقاً مّن اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
وقال: {خلصوا نجيّاً} فجعل "النجيّ" للجماعة مثل قولك: "هم لي صديق".
وقال: {قال كبيرهم} فزعموا أنه أكبرهم في العقل لا في السن). [معاني القرآن: 2/53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {خلصوا نجيا}: اعتزلوا يتناجون يقال هم نجي وهم نجوى وجمع نجي أنجية). [غريب القرآن وتفسيره: 186]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه} أي يئسوا. خلصوا نجيًّا أي اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم، يتناجون ويتناظرون ويتسارّون.
يقال: قوم نجيّ، والجميع أنجية.
قال الشاعر:
إنّي إذا ما القوم كانوا أنجيه =واضطربت أعناقهم كالأرشية
{قال كبيرهم} أي أعقلهم. وهو: شمعون. وكأنه كان رئيسهم. وأما أكبرهم في السن: فروبيل. وهذا قول مجاهد.
وفي رواية الكلبي: كبيرهم في العقل، وهو: يهوذا)[تفسير غريب القرآن: 221-220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا قال كبيرهم ألم تعلموا أنّ أباكم قد أخذ عليكم موثقا من اللّه ومن قبل ما فرّطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم اللّه لي وهو خير الحاكمين}
المعنى خلصوا يتناجون، أي خلصوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم، وليس معهم أخوهم، و " نجيّ " لفظ واحد في معنى جمع، وكذلك {وإذ هم نجوى}.
ويجوز قوم نجيّ وقوم نجوى وقوم أنجية.
قال الشاعر:
إني إذا ما القوم صاروا أنجيه
واختلف القول اختلاف الأرشية
هناك أوصيني ولا توصي بيه
ومعنى خلصوا انفردوا وليس معهم أخوهم.
وقوله عزّ وجلّ: {ومن قبل ما فرّطتم في يوسف}.
أجود الأوجه أن يكون (ما) لغوا، فيكون المعنى: ومن قبل فرّطتم في يوسف - ويجوز أن يكون ما في موضع رفع، فيكون المعنى ومن قبل تفريطكم في يوسف، أي وقع تفريطكم في يوسف، ويجوز أن يكون (ما) في موضع نصب نسق على (أنّ)، المعنى ألم تعلموا أن أباكم، وتعلموا تفريطهم في يوسف.
(فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي) أي لن أبرح أرض مصر، وإلا فالناس كلهم على الأرض.
{أو يحكم اللّه لي} نسق على {حتّى يأذن}، ويجوز أن يكون " أو " على جواب " لن " المعنى لن أبرح الأرض حتى يحكم اللّه لي). [معاني القرآن: 3/125-124]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا} أي يئسوا تركوا أخاهم وانفردوا يتناجون كيف يرجعون إلى يعقوب وليس معهم
ثم قال تعالى: {قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله} قيل كبيرهم يهوذا
قال مجاهد هو شمعون وليس بكبيرهم في السن لأن روبيل أكبر منه
يذهب مجاهد إلى أن المعنى قال كبيرهم في العقل ورئيسهم لا كبيرهم في السن وقال قتادة في قوله تعالى: {قال كبيرهم} هو روبيل ذهب إلى أنه كبيرهم في السن والله أعلم بحقيقة ذلك
وقوله تعالى: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي}
يعني أرض مصر لأن كل أحد على الأرض). [معاني القرآن: 3/451-450]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {خلصوا نجيا} أي انفردوا، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون في أمر أخيهم الذي حبس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اسْتَيْأَسُواْ}: من اليأس
{خَلَصُواْ}: اعتزلوا
{نَجِيًّا}: يتناجون). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ ابنك سرق...}
ويقرأ (سر‍ّق) ولا أشتهيها؛ لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق: وذكر أن ميمون بن مهران لقي رجاء بن حيوة بمكّة، وكان رجاء يقول: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل. وكان ميمون يقول: ربّ كذبة هي خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء: من كان زميلك؟ قال: رجل من قيس. قال: فلو أنك إذ مررت بالبشر قالت لك تغلب: أنت الغاية في الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناه، فقد علمت ما قتلت قيسٌ منّا، أكنت تقول: من قيس أم من غير قيس؟ قال: بل من غير قيس. قال: فهي كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء: قد جعل الله عزّ وجلّ للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. والله أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: {وما كنّا للغيب حافظين} يقول: لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندري ما يصنع إذا غاب عنا.
ويقال: لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا). [معاني القرآن: 2/53]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما كنّا للغيب حافظين} يريدون: حين أعطيناك الموثق لنأتينّك [به]، أي [لم] نعلم أنه يسرق، فيؤخذ).
[تفسير غريب القرآن: 221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إنّ ابنك سرق وما شهدنا إلّا بما علمنا وما كنّا للغيب حافظين}
{إنّ ابنك سرق} ويجوز سرق، إلا أن سرق آكد في القراءة، وسرّق يكون على ضربين، " سرّق علم أنه سرق، وسرّق اتهم بالسرق). [معاني القرآن: 3/125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق}
وحكي أنه قرئ (سرق)
حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب قال نا أبو جعفر أحمد بن أبي سريج قالا نا علي بن عاصم عن داو وهود ابن أبي هند عن سعيد بن جبير قال نا ابن عباس يقرؤها يا أبانا إن ابنك سرق
وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال نا ابن شاذان قال نا أحمد بن سريج البغدادي قال سمعت الكسائي يقرأ يا أبانا إن ابنك سرق مرفوعة بالسين
و سرق تحتمل معنيين
أحدهما اتهم بالسرقة
والآخر علم منه السرق
ومعنى بل سولت أي بل زينت). [معاني القرآن: 3/452-451]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وما كنا للغيب حافظين} أي لم نعلم حين أعطيناك العهد أنه يسرق فيؤخذ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم: أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا:
الرِّيحُ تبكِي شَجْوَهُ = والبرق يَلْمَعُ في غَمَامَه
وقال آخر:
الشَّمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبَكي عليكَ نُجومَ اللَّيلِ والقَمَرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب:
تبدوا كواكبه والشمس طالعة = لا النّور نورٌ ولا الإظلامُ إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَد تَمْنَعُهُ = وُتِرِيهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برَّح به.
وقال الأعشى:
رجعت لما رمت مستحسرا = ترى للكواكب ظُهْرًا وَبِيصَا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}.
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم
وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، أراد أهل القرية.
وقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل،
ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 167-170] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (... وقال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} أي خلق العجل من الإنسان، يعني العجلة.
كذلك قال أبو عبيدة.
ومن المقلوب ما قلب على الغلط كقول خِدَاش بن زهير:
وتركبُ خيلٌ لا هوادَة بينها = وتعصِى الرِّمَاح بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.
ومنه قول الآخر:
أسلَمْتُه في دمشقَ كما = أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا
أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.
وقال آخر:
كانت فريضةَ ما تقول كَمَا = كان الزِّنَاءُ فريضةُ الرَّجْمِ
أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى).
وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} إلى مثل هذا في القلب،
ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} أي: تنهض بها وهي مثقلة.
وقال آخر في قوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} أي: وإن حبّه للخير لشديد.
وفي قوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.
وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية،
أو لاستقامة وزن البيت.
فمن ذلك قول لبيد:
نحن بنو أمّ البنين الأربعة
قال ابن الكلبي: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة.
وقال آخر يصف إبلا:
صبَّحن من كاظمة الخصَّ الخَرِب = يحملْنَ عَبَّاسَ بنَ عبدَ المطَّلِب
أراد: (عبد الله بن عباس) فذكر أباه مكانه.
وقال الصّلتان:
أرى الخطفيَّ بذَّ الفرزدقَ شعرُه = ولكنَّ خيرًا مُن كُليب مُجَاشع
أراد: «أرى جريراً بذَّ الفرزدق شعره» فلم يمكنه فذكر جدّه.
وقال ذو الرّمة:
عشيَّةَ فرَّ الحارثيُّون بعدَما = قضى نَحْبَه في ملتقى القوم هَوْبُرُ
قال ابن الكلبي: هو (يزيد بن هوبر) فاضطرّ.
وقال (أوس):
فهل لكم فيها إليَّ فإنّني = طبيب بما أعيا النِّطاسيَّ حِذْيَمَا
أراد: (ابن حذيم) وهو طبيب كان في الجاهلية وقال ابن ميّادة وذكر بعيرا:
كأنَّ حيثُ تلتقي منه المُحُلْ = من جانبيه وَعِلَينِ وَوَعِل
أراد: وَعِلَينِ من كل جانب، فلم يمكنه فقال: وَوَعِل.
وقال أبو النجم:
ظلَّت وَوِرْدٌ صادقٌ مِن بالِها = وظلَّ يوفِي الأُكُمَ ابنُ خالِها
أراد فحلها؛ فجعله ابن خالها.
وقال آخر:
مثل النصارى قتلوا المسيح
أراد: اليهود.
وقال آخر:
ومحور أخلص من ماء اليَلَب
واليلب: سيور تجعل تحت البيض، فتوهّمه حديدا.
وقال رؤبة:
أو فضّة أو ذهب كبريتُ
وقال أبو النجم:
كلمعة البرق ببرق خلَّبُه
أراد: بخلّب برقه، فقلب.
وقال آخر:
إنَّ الكريم وأبيك يعتَمِلْ = إن لم يجد يوماً على مَن يَتَّكِلْ
أراد: إن لم يجد يوما من يتكل عليه.
في أشباه لهذا كثيرة يطول باستقصائها الكتاب.
والله تعالى لا يغلطُ ولا يضطرُّ، وإنما أراد: ومثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم كمثل الناعق بما لا يسمع، فاقتصر على قوله: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وحذف ومثلنا،
لأنّ الكلام يدل عليه. ومثل هذا كثير في الاختصار.
وقال الفراء: أراد: ومثل واعظ الذين كفروا، فحذف، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا}، أي: أهلها.
وأراد بقوله: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}، أي: تميلها من ثقلها.
قال الفراء أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما الْتَأَمَتْ مفاصِلُه = وَنَاءَ فِي شِقِّ الشِّمَالِ كَاهِلُه
يريد: أنه لما أخذ القوس ونزع، مال عليها.
قال: ونرى قولهم: (ما سَاءك ونَاءَك)، من هذا.
وكان الأصل (أناءك) فألقي الألف لما اتبعه (ساءك) كما قالوا: (هَنَّأَنِي وَمَرَّأَنِي)، فاتبع مرأني هنأني. ولو أفرد لقال: أمرأني.
وأراد بقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}، أي: وإنه لحبّ المال لبخيل، والشدة: البخل هاهنا، يقال: رجل شديد ومتشدّد.
وقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، يريد: اجعلنا أئمة في الخير يقتدي بنا المؤمنون، كما قال في موضع آخر: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}، أي: قادة،
كذلك قال المفسّرون.
وروي عن بعض خيار السلف: أنه كان يدعو الله أن يحتمل عنه الحديث، فحمل عنه.
وقال بعض المفسرين في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}، أي: اجعلنا نقتدي بمن قبلنا حتى يقتدي بنا من بعدنا. فهم على هذا التأويل متّبعون ومتّبعون).
[تأويل مشكل القرآن: 205-197] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الحذف والاختصار
من ذلك: أن تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه وتجعل الفعل له.
كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} أي سل أهلها.
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حبّه.
و{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أي وقت الحج.
وكقوله: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات). [تأويل مشكل القرآن: 210] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمراً فصبرٌ جميلٌ...}
الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل،
كما قال الشاعر:
يشكو إليّ جملي طول السّرى =صبراً جميلاً فكلانا مبتلى
وقوله: {فصبرٌ جميلٌ} يقول: لا شكوى فيه إلاّ إلى الله جلّ وعزّ). [معاني القرآن: 2/54-53]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميلٌ عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً إنّه هو العليم الحكيم}
وإنما قال: {عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعاً} لأنه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل). [معاني القرآن: 2/53]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى اللّه أن يأتيني بهم جميعا إنّه هو العليم الحكيم}
أي زيّنت لكم أنفسكم وحببت إليكم أنفسكم.
{فصبر جميل}.
المعنى فأمري صبر جميل أو فصبري صبر جميل، وقد فسرنا هذا فيما سبق من السور). [معاني القرآن: 3/125]

تفسير قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يا أسفي على يوسف} خرج مخرج النّدبة، وإذا وقفت عندها قلت: يا أسفاه، فإذا اتصلت ذهبت الياء كما
قالوا: يا راكباً إمّا عرضت فبّلغن
والأسف أشدّ الحزن والتندم، ويقال: يوسف مضموم في مكانين، ويوسف تضمّ أوله وتكسر السين بغير همز، ومنهم من يهمزه يجعله يفعل من آسفته). [مجاز القرآن: 1/316]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وتولّى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيمٌ}
وقال: {يا أسفى على يوسف} فإذا سكت ألحقت في آخره الهاء لأنها مثل ألف الندبة). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقال يا أسفى} الأسف: أشدّ الحسرة.
{فهو كظيمٌ} أي كاظم. كما تقول: قدير وقادر. والكاظم: الممسك على حزنه، لا يظهره، ولا يشكوه). [تفسير غريب القرآن: 221]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وتولّى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم}
{يا أسفى على يوسف} معناه يا حزناه، والأصل يا أسفي إلا أن " يا " الإضافة يجوز أن تبدل ألفا لخفة الألف والفتحة.
{فهو كظيم} أي محزون). [معاني القرآن: 3/125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف}
قال ابن عباس أي يا حزنا
وقال مجاهد أي يا جزعا
ثم قال تعالى: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}
قال قتادة أي لم يقل باسا
وكذلك هو في اللغة يقال فلان كظيم وكاظم أي حزين لا يشكو حزنه). [معاني القرآن: 3/453-452]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الأسف) شدة الحسرة.
{كظيم} أي ممسك لحزنه، لا يظهره ولا يشكوه، وأصله التمسك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قالوا: {تالله تفتؤا...}
معناه لا تزال تذكر يوسف و(لا) قد تضمر مع الأيمان؛ لأنها إذا كانت خبرا لا يضمر فيها (لا) لم تكن إلا بلام؛ ألا ترى أنك تقول: والله لآتينّك، ولا يجوز أن تقول:
والله آتيك إلاّ أن تكون تريد (لا) فلمّا تبيّن موضعها وقد فارقت الخبر أضمرت،
قال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً =ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وأنشدني بعضهم:
فلا وأبي دهماء زالت عزيزةً =على قومها ما فتّل الزّند قادح
يريد: لا زالت. وقوله: {حتّى تكون حرضاً} يقال: رجل حرض وامرأة حرض وقوم حرض، يكون موحّداً على كلّ حالٍ: الذكر والأنثى، والجميع فيه سواء، ومن العرب من يقول للذكر: حارض، وللأنثى حارضة، فيثنّى ها هنا ويجمع؛ لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل يجمع. والحارض: الفاسد في جسمه أو عقله. ويقال للرجل: إنه لحارض أي أحمق. والفاسد في عقله أيضاً. وأمّا حرض فترك جمعه لأنه مصدر بمنزلة دنف وضنىً. والعرب تقول: قوم دنف، وضنىً وعدل، ورضا، وزور، وعود، وضيف. ولو ثنّي وجمع لكان صواباً؛ كما قالوا: ضيف وأضياف. وقال عزّ وجلّ: {أنؤمن لبشرين مثلنا} وقال في موضع آخر: {ما أنتم إلاّ بشرٌ} والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جمعه؛ لأن الواحد قد يكون في معنى الجمع ولا يكون في معنى اثنين؛ ألا ترى أنك تقول: كم عندك من درهم ومن دراهم، ولا يجوز: كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يجمع). [معاني القرآن: 2/55-54]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تفتؤ تذكر يوسف} أي لا تزال تذكره، قال أوس بن حجر:
فما فتئت خيلٌ تثوب وتدّعى= ويلحق منها لاحقٌ وتقطّع
أي فما زالت، قال خداش بن زهير:
وأبرح ما أدام الله قومي= بحمد الله منتطقا مجيدا
معنى هذا: لا أبرح لا أزال {حتّى تكون حرضاً} والحرض الذي أذابه الحزن أو العشق وهو في موضع محرض، قال:
كأنك صمٌّ بالأطبّاء محرض
وقال العرجىّ:
إلّى امرؤٌ لجّ بي حبٌّ فأحرضني=حتى بكيت وحتى شفّني السّقم
أي أذابين. فتبقى محرضاً.
{أو تكون من الهالكين} أي من الميّتين). [مجاز القرآن: 1/317-316]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتّى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين}
وقال: {تالله تفتؤا تذكر يوسف} فزعموا أنّ (تفتأ) "تزال" فلذلك وقعت عليه اليمين كأنهم قالوا: "و الله ما تزال تذكر يوسف"). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تفتأ}: بمعنى تزال.
{حرضا}: بمعنى فاسدا والحرض الفاسد الذي لا خير فيه ولا يلتفت إليه. والجمع والواحد فيه سواء. وفي التفسير: تكون حرضا دون الموت.
{أو تكون من الهالكين}: أي ميتا). [غريب القرآن وتفسيره: 186-187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تاللّه تفتأ تذكر يوسف} أي لا تزال تذكر يوسف.
قال أوس بن حجر:
فما فتئت خيل تثوب وتدّعي حتّى تكون حرضاً
أي دنفا. يقال: أحرضه الحزن، أي: أدنفه. ولا أحسبه قيل للرجل الساقط: حارض، إلّا من هذا. كأنّه الذاهب الهالك.
{أو تكون من الهالكين} يعني: الموتى). [تفسير غريب القرآن: 221-222]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه: أن تحذف (لا) من الكلام والمعنى إثباتها.
كقوله سبحانه: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تزال تذكر يوسف.
وهي تحذف مع اليمين كثيرا.
قال الشاعر:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا = ولو ضربوا رأسي لديك وأوصالي
وقال آخر:
فلا وأبي دهماء زالت عزيزة = على قومها ما فَتَّلَ الزَّندَ قادحُ).
[تأويل مشكل القرآن: 224]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا تاللّه تفتأ تذكر يوسف حتّى تكون حرضا أو تكون من الهالكين}
معنى تاللّه: واللّه، و " لا " مضمرة، المعنى واللّه لا تفتأ تذكر يوسف أي لا تزال تذكر يوسف.
(حتّى تكون حرضا).
والحرض الفاسد في جسمه، أي حتى تكون مدنفا مريضا.
والحرض الفاسد في أخلاقه، وقولهم: حرضت فلانا على فلان، تأويله أفسدته عليه.
وإنما جاز إضمار " لا " في قوله {تاللّه تفتأ تذكر يوسف} لأنه لا يجوز في القسم تاللّه تفعل حتى تقول لتفعلن. أو لا تفعل.
والقسم لا يجوز للناس إلا باللّه عزّ وجلّ، لا يجوز أو يحلف الرجل بأبيه.
ولا ينبغي أن يحلف بالأنبياء، ولا يحلف إلا باللّه، ويروى عن النبي عليه السلام أنه قال لعمر: لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف باللّه.
فإن قال القائل: فما مجاز القسم في كتاب اللّه عزّ وجلّ في قوله: {والليل إذا يغشى}، {والسماء ذات البروج} }{والتين والزيتون}
وما أشبه هذه الأشياء التي ذكرها اللّه جل جلاله في كتابه؟
ففيها أوجه كلها قد ذكرها البصريون، فقالوا: جائز أن يكون اللّه عزّ وجلّ أقسم بها لأن فيها كلها دليلا عليه وآيات بينات،
قال اللّه - عزّ وجلّ -: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار} إلخ الآية.
وقال: {وفي خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات}.
فكان القسم بهذا يدل على عظمة اللّه.
وقال قطرب جائز أن يكون معناها: ورب الشمس وضحاها، وربّ التين والزيتون، كما قال: (والسماء ذات البروج).
وقال: {والأرض وما طحاها}.
وقال: {فوربّ السّماء والأرض إنّه لحقّ}.
وقالوا أيضا: جائز أن يكون وخلق السماوات والأرض، وخلق التين والزيتون.
وقالوا: يجوز أن يكون لما كان معنى القسم معنى التحقيق، وأن هذه الأشياء التي أقسم اللّه بها حق كلها، وكذلك ما أقسم عليه حق فالمعنى كما أن التين والزيتون حق، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم.
وأجود هذه الأقوال ما بدأنا به في أولها). [معاني القرآن: 3/127-125]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف}
روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس تفتأ أي لا تزال
وقال مجاهد تفتؤ أي تفتر
والأول المعروف عند أهل اللغة يقال ما فتئ وما فتأ أي مازال
ثم قال تعالى: {حتى تكون حرضا}
قال ابن جريج عن مجاهد أي دون الموت
وقال الضحاك أي باليا مبرا
والقولان متقاربان يقال أحرضه المرض فحرض ويحرض إذا دام سقمه وبلي
قال الفراء الحارض الفاسد الجسم والعقل وكذلك الحرض
وقال أبو عبيدة الحرض الذي قد أذابه الحزن
وقال غيره منه حرضت فلانا أي أفسدت قلبه
ثم قال تعالى: {أو تكون من الهالكين}
وقال الضحاك أي من الميتين). [معاني القرآن: 3/454-453]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حتى تكون حرضا} قال: الحرض، الذي لا ينتفع به عند
العرب من كل شيء). [ياقوتة الصراط: 277-276]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من الهالكين} أي: من الميتين). [ياقوتة الصراط: 277]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تفتؤ تذكر} أي لا تزال تذكر.
{حرضا} أي دنفا.
{أو تكون من الهالكين} أي ميتا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَفْتَأُ}: لا تزال
{حَرَضًا}: هالكاً
{الْهَالِكِينَ}: الموتى). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّما أشكوا بثّي وحزني إلى الله} البثّ أشد الحزن، ويقال: حزن، متحرك الحروف بالفتحة أي في اكتئاب، والحزن أشدّ الهمّ). [مجاز القرآن: 1/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(البثّ لا (أشد الحزن. سمي بذلك: لأن صاحبه لا يصبر عليه، حتى يبثّه، أي يشكوه). [تفسير غريب القرآن: 222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}والبث أشد من الحزن
قال قتادة {ولا تيأسوا من روح الله} أي من رحمته). [معاني القرآن: 3/455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والبث) أشد الحزن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اذهبوا فتجسّسوا} أي تخبّروا والتمسوا في المظان). [مجاز القرآن: 1/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن قرأ: {فرُوحٌ وريحانٌ} بضم الراء، أراد فرحمة ورزق.
والريحان: الرزق.
قال النّمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه = ورحمته وسماء درر
فجمع بين الرّزق والرحمة، كما قال الله تعالى: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}، وهذا شاهد لتفسير المفسرين.
قال أبو عبيدة فرُوحٌ، أراد: حياة وبقاء لا موت فيه.
ومن قرأ: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} بالفتح، أراد: الرّاحة وطيب النّسيم.
وقد تكون الرَّوح: الرحمة، قال الله تعالى: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}، أي من رحمته. سمّاها روحا لأنّ الرّوح والرّاحة يكونان بها). [تأويل مشكل القرآن: 488-487]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجئنا ببضاعةٍ مّزجاةٍ...}
ذكروا أنهم قدموا مصر ببضاعة، فباعوها بدراهم لا تنفق في الطعام إلاّ بغير سعر الجياد، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله: {فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا} بفضل ما بين السّعرين). [معاني القرآن: 2/55]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مزجاةٍ} يسيرة قليلة،
قال: وحاجةٍ غير مزجاة من الحاج). [مجاز القرآن: 1/317]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مزجاة}: قليلة. وقال المفسرون رديئة زيوف). [غريب القرآن وتفسيره: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ببضاعةٍ مزجاةٍ} أي قليلة، ويقال: رديئة، لا تنفق في الطعام، وتنفق في غيره. لأن الطعام لا يؤخذ فيه إلّا الجيد.
{وتصدّق علينا} يعنون: [تفضل بما] بين البضاعة وبين ثمن الطعام). [تفسير غريب القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فلمّا دخلوا عليه قالوا يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضّرّ وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا إنّ اللّه يجزي المتصدّقين}
{وجئنا ببضاعة مزجاة} قالوا {مزجاة} قليلة، وقالوا كانوا جاءوا بمتاع الأعراب كالصوف والسمن.
وما أشبه ذلك مما يبيعه الأعراب، وقيل إن البضاعة كانت مما لا يتفق مثله في الطعام، لأن متاع الأعراب كذلك كان تحته رديء المال.
وتأويله في اللغة، أن التزجية الشيء القليل الذي يدافع به، تقول: فلان يزجّي العيش أي يدفع بالقليل ويكتفي به.
فالمعنى على هذا: إنا جئنا ببضاعة إنما يدافع بها أي: يتقوّت، ليس مما يتسع به.
قال الشاعر:
الواهب المائة الهجان وعبدها= عودوا تزجّي خلفها أطفالها
أي تدفع أطفالها). [معاني القرآن: 3/128-127]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة}
وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال أي ورق رديئة لا تجوز إلا بوضيعة
وقال مجاهد أي قليلة
وقال قتادة أي يسيرة
وقال عبد الله بن الحارث كان معهم متاع الأعراب من سمن وصوف وما أشبههما
وهذه الأقوال متقاربة وأصله من التزجية وهي الدفع والسوق يقال فلان يزجي العيس أي يدفع والمعنى أنها بضاعة تدفع ولا يقبلها كل أحد
واحتج مالك بقوله تعالى: {فأوف لنا الكيل} في أن أجرة الكيال والوزان على البايع). [معاني القرآن: 3/456-455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مزجاة} قليلة، وقيل: رديئة، وقيل: كاسدة، وقيل: رثة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُّزْجَاةٍ}: قليلة رديئة). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا أإنّك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منّ اللّه علينا إنّه من يتّق ويصبر فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين}
{أإنّك لأنت يوسف} فيها أربعة أوجه:
بجمع الهمزتين -، قالوا أئنك - على تحقيقهما، ويجوز أئنك - على أن يجعل الثانية بين الياء والهمزة.، وقرئت. (أئنك) على إنك بفصل بين الهمزتين بألف لاجتماع الهمزتين.
قال الشاعر:
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل= وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم
ويجوز قالوا إنك لأنت على لفظ الخبر). [معاني القرآن: 3/128]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإن كنّا لخاطئين} مجازه: وإن كنا خاطئين، وتزاد اللام المفتوحة للتوكيد والتثبيت، وخطئت وأخطئت واحد،
قال امرؤٌ القيس:
يا لهف هندٍ إذ خطئن كاهلا
أي أخطأن،
وقال: أميّة بن الأسكر:
وإنّ مهاجرين تكنّفاه= غداة إذٍ لقد خطئا وحابا).
[مجاز القرآن: 1/318]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تثريب عليكم اليوم} أي لا تخليط ولا شغب ولا إفساد ولا معاقبة). [مجاز القرآن: 1/318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم وهو أرحم الرّاحمين}
وقال: {لا تثريب عليكم اليوم} (اليوم) وقفٌ ثم استأنف فقال: {يغفر اللّه لكم} فدعا لهم بالمغفرة مستأنفا). [معاني القرآن: 2/54]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا تثريب عليكم}: لا تخليط ولا فساد). [غريب القرآن وتفسيره: 187]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قال لا تثريب عليكم اليوم}: لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم. وأصل التّثريب: الإفساد.
يقال: ثرّب علينا، إذا أفسد.
وفي الحديث: «إذا زنت أمة أحدكم: فليجلدها الحدّ، ولا يثرّب» أي لا يعيّرها بالزنا). [تفسير غريب القرآن: 222]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم وهو أرحم الرّاحمين} أي لا إفساد عليكم). [معاني القرآن: 3/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال لا تثرتب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}
التثريب التعيير واللوم وإفساد الأمر ومنه ثربت أمره أي أفسدته
ومنه الحديث إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب أي ولا يعيرها بالزنا). [معاني القرآن: 3/456]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا تثريب عليكم} أي: لا توبيخ). [ياقوتة الصراط: 277]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا تثريب عليكم} بعد الموت بفعلكم، وأصله الفساد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 116]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا تَثْرَيبَ}: لا تخليط). [العمدة في غريب القرآن: 163]

تفسير قوله تعالى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يأت بصيراً...} أي يرجع بصيراً). [معاني القرآن: 2/55]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأت بصيراً} أي يعد بصيراً أي يعد مبصراً). [مجاز القرآن: 1/318]


رد مع اقتباس