عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 06:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّناتٍ قال الّذين كفروا للّذين آمنوا أيّ الفريقين خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا (73) وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ هم أحسن أثاثًا ورئيًا (74)}.
يخبر تعالى عن الكفّار حين تتلى عليهم آيات اللّه ظاهرة الدّلالة بيّنة الحجّة واضحة البرهان: أنّهم يصدّون عن ذلك، ويعرضون ويقولون عن الّذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجّين على صحّة ما هم عليه من الدّين الباطل بأنّهم: {خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا} [أي: أحسن منازل وأرفع دورًا وأحسن نديًّا]، وهو مجمع الرّجال للحديث، أي: ناديهم أعمر وأكثر واردًا وطارقًا، يعنون: فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطلٍ، وأولئك [الّذين هم] مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدّور على الحقّ؟ كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11]. وقال قوم نوحٍ: {أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون} [الشّعراء: 111]، وقال تعالى: {وكذلك فتنّا بعضهم ببعضٍ ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين} [الأنعام: 53]؛ ولهذا قال تعالى رادًّا عليهم شبهتهم: {وكم أهلكنا قبلهم من قرنٍ} أي: وكم من أمّةٍ وقرنٍ من المكذّبين قد أهلكناهم بكفرهم، {هم أحسن أثاثًا ورئيًا} أي: كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا.
[و] قال الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ: {خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا} قال: المقام: المنزل، والنّديّ: المجلس، والأثاث: المتاع، والرّئي: المنظر.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: المقام: المسكن، والنّديّ: المجلس والنّعمة والبهجة الّتي كانوا فيها، وهو كما قال اللّه لقوم فرعون حين أهلكهم وقصّ شأنهم في القرآن: {كم تركوا من جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ} [الدّخان: 25، 26]، فالمقام: المسكن والنّعيم، والنّديّ: المجلس والمجمع الّذي كانوا يجتمعون فيه، وقال [اللّه] فيما قصّ على رسوله من أمر قوم لوطٍ: {وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت: 29]، والعرب تسمّي المجلس: النّادي.
وقال قتادة: لـمّا رأوا أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في عيشهم خشونةٌ، وفيهم قشافةٌ، تعرّض أهل الشّرك بما تسمعون: {أيّ الفريقين خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا} وكذا قال مجاهدٌ، والضّحّاك.
ومنهم من قال في الأثاث: هو المال. ومنهم من قال: المتاع. ومنهم من قال: الثّياب، والرّئي: المنظر كما قال ابن عباس، ومجاهد وغير واحد.
وقال الحسن البصريّ: يعني الصّور، وكذا قال مالكٌ: {أثاثًا ورئيًا}: أكثر أموالًا وأحسن صورًا. والكلّ متقاربٌ صحيحٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 257-258]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدًّا حتّى إذا رأوا ما يوعدون إمّا العذاب وإمّا السّاعة فسيعلمون من هو شرٌّ مكانًا وأضعف جندًا (75)}.
يقول تعالى: {قل} يا محمّد، لهؤلاء المشركين بربّهم المدّعين، أنّهم على الحقّ وأنّكم على الباطل: {من كان في الضّلالة} أي: منّا ومنكم، {فليمدد له الرّحمن مدًّا} أي: فأمهله الرّحمن فيما هو فيه، حتّى يلقى ربّه وينقضي أجله، {إمّا العذاب} يصيبه، {وإمّا السّاعة} بغتةً تأتيه، {فسيعلمون} حينئذٍ {من هو شرٌّ مكانًا وأضعف جندًا} [أي]: في مقابلة ما احتجّوا به من خيريّة المقام وحسن النّديّ.
قال مجاهدٌ في قوله: {فليمدد له الرّحمن مدًّا} فليدعه اللّه في طغيانه. هكذا قرّر ذلك أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه.
وهذه مباهلةٌ للمشركين الّذين يزعمون أنّهم على هدًى فيما هم فيه، كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قوله: {قل يا أيّها الّذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء للّه من دون النّاس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين} [الجمعة: 6] أي: ادعوا على المبطل منّا ومنكم بالموت إن كنتم تدّعون أنّكم على الحقّ، فإنّه لا يضرّكم الدّعاء، فنكلوا عن ذلك، وقد تقدّم تقرير ذلك في سورة "البقرة" مبسوطًا، وللّه الحمد. وكما ذكر تعالى المباهلة مع النّصارى في سورة "آل عمران" حين صمّموا على الكفر، واستمرّوا على الطّغيان والغلوّ في دعواهم أنّ عيسى ولد اللّه، وقد ذكر اللّه حججه وبراهينه على عبوديّة عيسى، وأنّه مخلوقٌ كآدم، قال بعد ذلك: {فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين} [آل عمران: 61] فنكلوا أيضًا عن ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 258]

تفسير قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويزيد اللّه الّذين اهتدوا هدًى والباقيات الصّالحات خيرٌ عند ربّك ثوابًا وخيرٌ مردًّا (76)}.
لـمّا ذكر [اللّه] تعالى إمداد من هو في الضّلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه، أخبر بزيادة المهتدين هدى كما قال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون} [التوبة: 124، 125].
وقوله: {والباقيات الصّالحات} قد تقدّم تفسيرها، والكلام عليها، وإيراد الأحاديث المتعلّقة بها في سورة "الكهف".
{خيرٌ عند ربّك ثوابًا} أي: جزاءً {وخيرٌ مردًّا} أي: عاقبةً ومردًّا على صاحبها.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا عمر بن راشدٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن قال: جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ، فأخذ عودًا يابسًا فحطّ ورقه ثمّ قال: "إنّ قول: لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، والحمد للّه، وسبحان اللّه، تحطّ الخطايا كما تحطّ ورق هذه الشّجرة الرّيح، خذهنّ يا أبا الدّرداء قبل أن يحال بينك وبينهنّ، هنّ الباقيات الصّالحات، وهنّ من كنوز الجنّة" قال أبو سلمة: فكان أبو الدّرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: لأهلّلنّ اللّه، ولأكبّرنّ اللّه، ولأسبّحنّ اللّه، حتّى إذا رآني الجاهل حسب أنّي مجنونٌ
وهذا ظاهره أنّه مرسلٌ، ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة، عن أبي الدّرداء، واللّه أعلم. وهكذا وقع في سنن ابن ماجه، من حديث أبي معاوية، عن عمر بن راشدٍ، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي الدّرداء، فذكر نحوه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 258-259]

رد مع اقتباس