عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12 محرم 1439هـ/2-10-2017م, 11:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

1. بيان تكفل الله تعالى بجمع القرآن وحفظه:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
(
1. بيان تكفل الله تعالى بجمع القرآن وحفظه:
قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) }

والمراد بالذكر هنا القرآن، من غير خلاف بين المفسرين.
- قال عبد الرحمن بن زيد: (الذكر القرآن، وقرأ: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}). رواه ابن جرير.
- وقال ابن الجوزي في تفسير هذه الآية : (والذكر القرآن في قول جميع المفسّرين).

واختلف في مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإنا له لحافظون} على قولين:
أحدهما: القرآن لأنّه أقرب مذكور، وهو قول مجاهد وقتادة وثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال به أكثر المفسّرين.
والآخر: محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول مقاتل بن سليمان، وذكره الفراء وابن جرير من غير نسبة، واستدلّ له الزمخشري والبغوي وغيرهما بقول الله تعالى: {والله يعصمك من الناس}.
وهذا القول ضعيف من وجهين:
أحدهما: أن سورة الحجر مكية، وسورة المائدة مدنية.
والآخر: أن الأصل أن يرجع الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يصرفه صارف؛ ولا صارف هنا.
قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: (بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم، وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميدٍ } وقوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} إلى قوله: {ثم إن علينا بيانه } وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله: {وإنا له لحافظون} راجع إلى الذكر الذي هو القرآن.
وقيل: الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: {والله يعصمك من الناس} والأول هو الحق كما يتبادر من ظاهر السياق)ا.هـ.

وفي المراد بحفظ القرآن هنا أقوال:
- فقال مجاهد: ({وإنا له لحافظون} أي عندنا) يريد في اللوح المحفوظ. رواه ابن جرير
- وقال قتادة وثابت: (حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً أو يبطل منه حقا). رواه عبد الرزاق.
- وقال الزجاج: ( نحفظه من أن يقع فيه زيادة أو نقصان).
- وقال ابن عاشور: (وشمل حفظه الحفظ من التلاشي، والحفظ من الزيادة والنقصان، بأن يسّر تواتره وأسباب ذلك، وسلّمه من التبديل والتغيير حتى حفظته الأمّة عن ظهور قلوبها من حياة النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرّ بين الأمّة بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وصار حفّاظه بالغين عدد التواتر في كلّ مصر)ا.هـ.

والمقصود أن الله تعالى قد تكفّل بحفظ القرآن، ومن حفظه أن هيَّأ الله أسباب جمعه، وتدوينه، وروايته بتواتر قطعي الثبوت؛ فلا يمكن لأحد مهما بلغ كيده أن يغيّر منه شيئاً أو يحرّف فيه.

وقال تعالى: {إنَّ علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه . ثمّ إنَّ علينا بيانه}
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث موسى بن أبي عائشة، قال: حدثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} ، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدةً، وكان مما يحرك شفتيه - فقال ابن عباسٍ: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيدٌ: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباسٍ يحركهما فحرك شفتيه- فأنزل الله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه}
قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} قال: فاستمع له وأنصت، {ثم إن علينا بيانه} ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه).

ففسَّر ابن عباس قوله تعالى: {جمعه وقرآنه} بقوله: (جمعه لك في صدرك، وتقرأه).
- وقال الفرّاء: ( {إنّ علينا جمعه} في قلبك {وقرآنه} وقراءته، أي أنّ جبريل سيعيده عليك).
- وقال البخاري في كتاب التفسير: ( {إن علينا جمعه وقرآنه} تأليف بعضه إلى بعض {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه} فإذا جمعناه وألّفناه فاتّبع - قرآنه أي: ما جمع فيه فاعمل بما أمرك الله وانته عمّا نهاك الله).
والمقصود بالجمع في هذه الآية جمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم فيحفظه مجموعاً لا يُنسى منه شيء، ولا يتفلَّت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه منه.
- {وقرآنه} مصدر بمعنى قراءته؛ يقال: قرأ يقرأ قرآنا وقراءة.

واختلف في سبب تحريك النبي صلى الله عليه وسلم لسانه على قولين:
أحدهما: أنه يريد تعجّل حفظه؛ كما في رواية الترمذي (يحرك به لسانه يريد أن يحفظه) وفي رواية النسائي (يعجل بقراءته ليحفظه).
- وفي رواية عند ابن أبي حاتم: (يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره).
والقول الآخر: أنه من شدّة حبّه إيَّاه، كما قال الشعبي: (كان إذا نزل عليه عجل يتكلم به من حبّه إياه). رواه ابن جرير.
وهذه الروايات ذكرها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ثم قال: (وكلا الأمرين مراد ولا تنافي بين محبته إياه والشدة التي تلحقه في ذلك؛ فأمر بأن ينصت حتى يقضى إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه قوله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} أي بالقراءة)ا.هـ). [جمع القرآن: 7 - 11]


رد مع اقتباس