عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 رجب 1434هـ/27-05-2013م, 05:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى كسراب بقيعة قال بقيعة من الأرض يحسبه الظمآن ماء فهو مثل ضربه الله لعمل الكافر يحسب أنه في شيء كما يحسب هذا السراب ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وكذلك الكافر إذا مات لم يجد عمله شيئا ووجد الله عنده فوفه حسابه). [تفسير عبد الرزاق: 2/61]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب}.
وهذا مثلٌ ضربه اللّه لأعمال أهل الكفر به، فقال: والّذين جحدوا توحيد ربّهم وكذّبوا بهذا القرآن وبمن جاء به، مثل أعمالهم الّتي عملوها {كسرابٍ} يقول: مثل سرابٍ.
والسّراب ما لصق بالأرض، وذلك يكون نصف النّهار وحين يشتدّ الحرّ. والآل ما كان كالماء بين السّماء والأرض، وذلك يكون أوّل النّهار، يرفع كلّ شيءٍ ضحًى.
وقوله: {بقيعةٍ} وهي جمع قاعٍ، كالجيرة جمع جارٍ، والقاع ما انبسط من الأرض واتّسع، وفيه يكون السّراب.
وقوله: {يحسبه الظّمآن ماءً} يقول: يظنّ العطشان من النّاس السّراب ماءً {حتّى إذا جاءه} والهاء من ذكر السّراب، والمعنى: حتّى إذا جاء الظّمآن السّراب ملتمسًا ماءً يستغيث به من عطشه {لم يجده شيئًا} يقول: لم يجد السّراب شيئًا، فكذلك الكافرون باللّه من أعمالهم الّتي عملوها في غرورٍ، يحسبون أنّها منجيتهم عند اللّه من عذابه، كما حسب الظّمآن الّذي رأى السّراب، فظنّه ماءً يرويه من ظمئه؛ حتّى إذا هلك وصار إلى الحاجة إلى عمله الّذي كان يرى أنّه نافعه عند اللّه، لم يجده ينفعه شيئًا؛ لأنّه كان عمله على كفرٍ باللّه، ووجد اللّه هذا الكافر عند هلاكه بالمرصاد، فوفّاه يوم القيامة حساب أعماله الّتي عملها في الدّنيا، وجازاه بها جزاءه الّذي يستحقّه عليه منه.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} فإن لم يكن السّراب شيئًا، فعلام أدخلت الهاء في قوله: {حتّى إذا جاءه}؟
قيل: إنّه شيءٌ يرى من بعيدٍ كالضّباب الّذي يرى كثيفًا من بعيدٍ والهباء، فإذا قرب منه المرء رقّ وصار كالهواء.
وقد يحتمل أن يكون معناه: حتّى إذا جاء موضع السّراب لم يجد السّراب شيئًا، فاكتفى بذكر السّراب من ذكر موضعه.
{واللّه سريع الحساب} يقول: واللّه سريعٌ حسابه لأنّه تعالى ذكره لا يحتاج إلى عقد أصابع ولا حفظٍ بقلبٍ ولكنّه عالمٌ بذلك كلّه قبل أن يعمله العبد، ومن بعده ما عمله.
وبنحو الّذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الأعلى بن واصلٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: ثمّ ضرب مثلاً آخر، فقال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} قال: وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة وهو يحسب أنّ عند اللّه خيرًا، فلا يجد، فيدخله النّار.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ بنحوه.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} يقول: الأرض المستوية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ}. إلى قوله: {واللّه سريع الحساب} قال: هو مثلٌ ضربه اللّه لرجلٍ عطش فاشتدّ عطشه، فرأى سرابًا، فحسبه ماءً، فطلبه، وظنّ أنّه قد قدر عليه، حتّى أتاه، فلمّا أتاه لم يجده شيئًا، وقبض عند ذلك. يقول الكافر كذلك، يحسب أنّ عمله مغنٍ عنه، أو نافعه شيئًا، ولا يكون آمنًا على شيءٍ حتّى يأتيه الموت، فإذا أتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا، ولم ينفعه إلاّ كما نفع العطشان المشتدّ إلى السّراب.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {كسرابٍ بقيعةٍ} قال: بقاعٍ من الأرض، والسّراب عمله. زاد الحارث في حديثه عن الحسن: والسّراب: عمل الكافر. {إذا جاءه لم يجده شيئًا}. إتيانه إيّاه: موته، وفراقه الدّنيا. {ووجد اللّه} عند فراقه الدّنيا، {فوفّاه حسابه}.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {كسرابٍ بقيعةٍ} قال: بقيعةٍ من الأرض. {يحسبه الظّمآن ماءً} هو مثلٌ ضربه اللّه لعمل الكافر، يقول: يحسب أنّه في شيءٍ، كما يحسب هذا السّراب ماءً {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} وكذلك الكافر إذا مات لم يجد عمله شيئًا {ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {والّذين كفروا} إلى قوله: {ووجد اللّه عنده} قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للّذين كفروا؛ {أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} قد رأى السّراب، ووثق بنفسه أنّه ماءٌ، فلمّا جاءه لم يجده شيئًا. قال: وهؤلاء ظنّوا أنّ أعمالهم صالحةٌ، وأنّهم سيرجعون منها إلى خيرٍ، فلم يرجعوا منها، إلاّ كما رجع صاحب السّراب؛ فهذا مثلٌ ضربه اللّه جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه). [جامع البيان: 17/325-329]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ.
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ في هذه الآية:
والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ قال: ثمّ ضرب اللّه مثل الكافر فقال: والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ قال: فكذلك يجيء يوم القيامة وهو يحسب أنّ له عند اللّه خيرًا، فلا يجده فيدخله الله النار.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماءً قال: هذا مثل أعمال الكافر.
قوله: كسرابٍ.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: كسرابٍ بقيعةٍ يقول: أرضٌ مستويةٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا يحيى بن عبّادٍ، ثنا شيبة، عن السّدّيّ عن أبي صالحٍ: السّراب الرّياح.
قوله تعالى: بقيعةٍ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله كسرابٍ بقيعةٍ بقاعٍ من الأرض والسّراب عمل الكافر.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ أي بفلاةٍ من الأرض.
قوله: يحسبه الظّمآن ماءً.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن أبيه عن أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: إنّ الكفّار يبعثون يوم القيامة وردًا عطاشًا فيقولون: أين الماء؟ فيمثل لهم السّراب، فيحسبونه ماءً، فينطلقون إليه فيجدون اللّه عنده فيوفّيهم حسابهم واللّه سريع الحساب.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماءً قال: هو مثلٌ ضربه اللّه عزّ وجلّ كرجلٍ عطش فاشتدّ عطشه، فرأى سرابًا، فحسبه ماءً فطلبه، فظنّ أنّه قدر عليه حتّى أتاه، فلما أتاه لم يجده شيئًا وقبض عند ذلك. يقول: الكافر كذلك السرابي يحسب أنّ عمله يغني عنه أو نافعه شيئًا ولا يكون على شرعٍ حتّى يأتيه الموت، فأتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا، أو لم ينفع إلا كما نفع العطشان المشتدّ إلى السّراب.
- حدّثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو يحيى الرّازيّ، عن ابن سنانٍ عن الضّحّاك كسرابٍ بقيعةٍ قال: مثل الكافر كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً العطشان المشتدّ عطشًا، رأى سرابًا فحسبه ماءً فلمّا أتاه لم يجده شيئًا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أنّ الكفّار يبعثون قد انقطعت أعناقهم من العطش، فيرفع لهم سرابٌ بقيعةٍ من الأرض، فإذا نظروا إليه حسبوه ماءً فيذهبون إليه ليشربوا منه، فلا يجدون شيئًا، والسّراب مثل أعمال الكفّار كما ذهب ذلك السّراب فلم يقدروا على أن يصيبوا منه شيئًا، كذلك اضمحلّت أعمالهم فلم يصبوا منها خيرًا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ كسرابٍ، قدّر السّراب ووثق في نفسه أنّه ماءٌ فلمّا جاءه لم يجده شيئًا.
قوله تعالى: إذا جاءه لم يجده شيئاً.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا وإتيانه إيّاه موته وفراقه الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا هذا مثلٌ ضربه اللّه لعمل الكافر، يرى أنّ له خيرًا وأنّه قام على خيرٍ، حتّى إذا كان يوم القيامة لم يجد خيرًا قدّمه ولا سلفا سلفه، ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا أتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا، ولم ينفعه إلا كما نفع العطشان المشتد إلى السراب.
قوله: ووجد اللّه عنده.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ووجد اللّه عنده قال فوجد اللّه عند فراقه الدّنيا فيوفّيه حسابه.
قوله: فوفّاه حسابه.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن نافعٍ، أنبأ سليمان بن عامرٍ قال: سمعت الرّبيع بن أنسٍ في قوله: حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه وإنّه لمّا رأى السّراب فحسبه ماءً فانتهى إليه، وأهلكه العطش فلم يصب ماءً، وانقطعت نفسه ففارق الدّنيا، فوفّاه اللّه حسابه فلم يجد عند اللّه من الخيرات شيئًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه قال: إنّ الكفّار يبعثون قد انقطعت أعناقهم من العطش، فيرفع لهم سرابٌ بقيعةٍ من الأرض فإذا نظروا إليه حسبوه ماءً، فيذهبون إليه ليشربوا منه فلا يجدون شيئًا، ويؤخذون ثمّ يحاسبون.
قوله تعالى: واللّه سريع الحساب.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ سريع الحساب أحصاه). [تفسير القرآن العظيم: 8/2610-2613]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يعني السراب يكون بقاع من الأرض والسراب عمل الكافر). [تفسير مجاهد: 443]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله حتى إذا جاءه قال إتيانه إياه موته وفراقه الدنيا ووجد الله عنده فراقه الدنيا فوفاه حسابه). [تفسير مجاهد: 443]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد، ثنا أحمد بن مهران، أنبأ عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، في قول اللّه عزّ وجلّ: " {اللّه نور السّموات والأرض} فقرأ الآية، ثمّ قال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا، ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب} [النور: 39] قال: «وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة وهو يحسب أنّ له عند اللّه خيرًا يجده ويدخله اللّه النّار» قال: وضرب مثلًا آخر للكافر، فقال: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ} [النور: 40] ، فهو ينقله في خمسٍ من الظّلم فكلامه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظّلمات إلى النّار يوم القيامة «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والذين كفروا أعمالهم كسراب} الآية، قال: هو مثل ضربه الله لرجل عطش فاشتد عطشه فرأى سرابا فحسبه ماء فظن انه قدر عليه حتى أتى فلما أتاه لم يجده شيئا وقبض عند ذلك يقول الكافر: كذلك ان عمله يغني عنه أو نافعه شيئا، ولا يكون على شيء حتى يأتيه الموت فأتاه الموت لم يجد عمله أغنى عنه شيئا ولم ينفعه إلا كما يقع العطشان المشتد إلى السراب {أو كظلمات في بحر لجي} قال: يعني بالظلمات: الأعمال، وبالبحر اللجي: قلب الانسان، {يغشاه موج} يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر). [الدر المنثور: 11/88]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كسراب بقيعة} يقول: أرض مستوية). [الدر المنثور: 11/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {كسراب بقيعة} قال: بقاع من الأرض والسراب عمل الكافر {حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} واتيانه اياه، موته وفراقه الدنيا {ووجد الله عنده} ووجد الله عند فراقه الدنيا {فوفاه حسابه} ). [الدر المنثور: 11/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {كسراب بقيعة} قال: بقيعة من الأرض). [الدر المنثور: 11/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبيه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: ان الكفار يبعثون يوم القيامة ردا عطاشا فيقولون: أين الماء فيمثل لهم السراب فيحسبونه ماء فينطلقون إليه فيجدون الله عنده فيوفيهم حسابهم، والله سريع الحساب). [الدر المنثور: 11/89]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا صفوان بن عمرو، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: خرجنا في جنازة في باب دمشق، ومعنا أبو أمامة، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: يا أيها الناس، أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات، وتوشكوا أن تظعنوا منه إلى منزل آخر، وهو هذا، فيشير إلى القبر، بيت الوحدة، وبيت الظلمة، وبيت الدود، وبيت الضيق، إلا ما وسع الله، ثم تنتقلوا منه إلى مواطن يوم القيامة، فإنكم لفي بعض تلك المواطن حين يغشى الناس أمر من الله، فتبيض وجوه، وتسود وجوه، ثم تنتقلون إلى منزل آخر، فيغشى الناس ظلمة شديدة، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا، ويترك الكافر والمنافق، فلا يعطيان شيئًا من النور، وهو المثل الذي ضرب الله في كتابه: {أو كظلمات في بحرٍ لجي} [سورة النور: 40] إلى قوله: {فما له من نور}، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن، كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير، فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انظروا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا} [سورة الحديد: 13]، وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين، قال الله تبارك وتعالى: {يخادعون الله وهو خادعهم} [سورة النساء: 142]، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور، فلا يجدون شيئًا، فينصرفون إليهم وقد ضرب {بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم}، نصلي صلاتكم، ونغزو مغازيكم؟ {قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني}، إلى قوله: {وبئس المصير} [سورة الحديد: 14- 15].
ويقول سليم: فما يزال المنافق مغترًا حتى يقسم النور، ويميز الله بين المؤمن والمنافق). [الزهد لابن المبارك: 2/ 741-742]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي قال في بحر عميق وهو مثل ضربه للكافر أنه يعمل في ظلمة وحيرة قال ظلمات بعضها فوق بعض). [تفسير عبد الرزاق: 2/61]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ}.
وهذا مثلٌ آخر ضربه اللّه لأعمال الكفّار، يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفّار في أنّها عملت على خطأٍ وفسادٍ وضلالةٍ وحيرةٍ من عمّالها فيها، وعلى غير هدًى، مثل ظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ. ونسب البحر إلى اللّجّة، وصفًا له بأنّه عميقٌ كثير الماء. ولجّة البحر: معظمه. {يغشاه موجٌ} يقول: يغشى البحر موجٌ، {من فوقه موجٌ} يقول: من فوق الموج موجٌ آخر يغشاه، {من فوقه سحابٌ} يقول: من فوق الموج الثّاني الّذي يغشى الموج الأوّل سحابٌ. فجعل الظّلمات مثلاً لأعمالهم، والبحر اللّجّيّ مثلاً لقلب الكافر، يقول: عمل بنيّة قلبٍ قد غمره الجهل، وتغشّته الضّلالة والحيرة، كما يغشى هذا البحر اللّجّي موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ، فكذلك قلب هذا الكافر الّذي مثل عمله مثل هذه الظّلمات، يغشاه الجهل باللّه، بأنّ اللّه ختم عليه، فلا يعقل عن اللّه، وعلى سمعه، فلا يسمع مواعظ اللّه، وجعل على بصره غشاوةً، فلا يبصر به حجج اللّه، فتلك ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ}. إلى قوله: {من نورٍ} قال: يعني بالظّلمات الأعمال، وبالبحر اللّجّي قلب الإنسان. قال: يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ، قال: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ؛ يعني بذلك: الغشاوة الّتي على القلب والسّمع والبصر وهو كقوله: {ختم اللّه على قلوبهم} الآية، وكقوله: {أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه} إلى قوله: {أفلا تذكّرون}.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ} عميقٍ، وهو مثلٌ ضربه اللّه للكافر يعمل في ضلالةٍ وحيرةٍ قال: {ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ}.
وروي عن أبيّ بن كعبٍ ما:
- حدّثني عبد الأعلى بن واصلٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، في قوله: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ}. الآية، قال: ضرب مثلاً آخر للكافرٍ، فقال: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ}. الآية قال: فهو يتقلّب في خمسٍ من الظّلم: فكلامه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظّلمات يوم القيامة إلى النّار.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن أبي الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، بنحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ}. إلى قوله: {ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ} قال: شرٌّ بعضه فوق بعضٍ.
وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} يقول: إذا أخرج النّاظر يده في هذه الظّلمات، لم يكد يراها.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: لم يكد يراها، مع شدّة هذه الظّلمة الّتي وصف، وقد علمت أنّ قول القائل: لم أكد أرى فلانًا، إنّما هو إثباتٌ منه لنفسه رؤيته بعد جهدٍ وشدّةٍ، ومن دون الظّلمات الّتي وصف في هذه الآية ما لا يرى النّاظر يده إذا أخرجها فيه، فكيف فيها؟
قيل: في ذلك أقوالٌ نذكرها، ثمّ نخبر بالصّواب من ذلك: أحدها: أن يكون معنى الكلام: إذا أخرج يده رائيًا لها لم يكد يراها؛ أي: لم يعرف من أين يراها.
والثّاني: أن يكون معناه إذا أخرج يده لم يرها، ويكون قوله: {لم يكد} في دخوله في الكلام، نظير دخول الظّنّ فيما هو يقينٌ من الكلام، كقوله: {وظنّوا ما لهم من محيص} ونحو ذلك.
والثّالث: أن يكون قد رآها بعد بطءٍ وجهدٍ، كما يقول القائل لآخر: ما كدت أراك من الظّلمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدّةٍ.
وهذا القول الثّالث أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب (أكاد) في كلامها. والقول الآخر الّذي قلنا إنّه يتوجّه إلى أنّه بمعنى: لم يرها، قولٌ أوضح من جهة التّفسير، وهو أخفى معانيه.
وإنّما حسن ذلك في هذا الموضع، أعني: أن يقول: لم يكد يراها، مع شدّة الظّلمة الّتي ذكر؛ لأنّ ذلك مثلٌ، لا خبرٌ عن كائنٍ كان.
{ومن لم يجعل اللّه له نورًا} يقول: من لم يرزقه اللّه إيمانًا، وهدًى من الضّلالة، ومعرفةً بكتابه، {فما له من نورٍ} يقول: فما له من إيمانٍ، وهدًى، ومعرفةٍ بكتابه). [جامع البيان: 17/329-332]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ (40)
قوله: أو كظلماتٍ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: أو كظلماتٍ يعنى بالظّلام الأعمال، وفي قوله: في بحرٍ لجّيٍّ قال: البحر اللّجّيّ قلب الإنسان.
قوله: لجّيٍّ.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة: في بحرٍ لجّيٍّ قال: في بحرٍ عميقٍ، وهو مثلٌ ضربه اللّه للكافر أنّه يعمل في ظلمةٍ وحيرةٍ قال: ظلماتٌ بعضها فوق بعض.
قوله تعالى: يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ يعنى بتلك الغشاوة الّتي على القلب والسّمع والبصر، وهو كقوله ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ وكقوله: أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون.
قوله: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ.
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ في هذه الآية ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ قال: هو يتقلّب في خمسةٍ من الظّلم فكلامه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره يوم القيامة إلى الظّلمات إلى النّار.
- حدّثنا أبي، ثنا مرّة بن رافعٍ، ثنا سليمان بن عامرٍ قال: سمعت الرّبيع ابن أنسٍ في قوله: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ قال: فكذلك مثل الكافر في البحر في ظلمة اللّيل في لجّة البحر فهي ظلماتٌ إحداهنّ اللّيل في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ إلى قوله فما له من نور فهو يتقلّب في خمسٍ من الظّلم، وذلك أنّ عمله كظلمة اللّيل في لجّة البحر، يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ، من فوقه سحابٌ، ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ، فهذه خمسةٌ من الظّلم، وهو يتقلّب في خمسةٍ من الظّلم، فمدخله في ظلمةٍ، ومخرجه في ظلمةٍ، وكلامه في ظلمةٍ، وعمله ظلمةٍ، ومصيره إلى الظّلمات يوم القيامة، فكذلك ميّت الأحياء يمشي في النّاس لا يدري ما له وماذا عليه، إنّ اللّه جعل طاعته نورًا، ومعصيته ظلمةً، إنّ الإيمان في الدّنيا هو النّور يوم القيامة، ثمّ إنّه لا خير في قولٍ ولا عملٍ ليس له أصلٌ ولا فرع.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ قال: الظّلمات ثلاث ظلماتٍ: ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة السّحاب، وكذلك قلب الكافر ثلاث ظلماتٍ، ظلمة القلب، وظلمة الصّدر، وظلمة الجوف، كما ضرب مثل قلوب المؤمنين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ هذا مثل عمل الكافر ضلالاتٌ متسكّعٌ فيها لا يهتدي.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه: ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ قال: شرٌّ بعضه فوق بعضٍ.
قوله تعالى: إذا أخرج يده لم يكد يراها.
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن حربٍ، ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن بكرٍ، عن ميمونٍ عن الحسن في هذه الآية: إذا أخرج يده لم يكد يراها قال: أما رأيت الرّجل يقول: واللّه ما رأيتها وما كدت أن أراها.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: إذا أخرج يده لم يكد يراها قال: لا يجد منها منفذًا ولا مخرجًا أعمى فيها لا يبصر.
قوله: ومن لم يجعل اللّه له نورًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: ومن لم يجعل اللّه له نورًا يقول: فما له إيمانٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/2613-2615]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد، ثنا أحمد بن مهران، أنبأ عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، في قول اللّه عزّ وجلّ: " {اللّه نور السّموات والأرض} فقرأ الآية، ثمّ قال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا، ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب} [النور: 39] قال: «وكذلك الكافر يجيء يوم القيامة وهو يحسب أنّ له عند اللّه خيرًا يجده ويدخله اللّه النّار» قال: وضرب مثلًا آخر للكافر، فقال: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ} [النور: 40] ، فهو ينقله في خمسٍ من الظّلم فكلامه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظّلمات إلى النّار يوم القيامة «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/434] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني الحسن بن حليمٍ المروزيّ، أنبأ أبو الموجّه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد اللّه، أنبأ صفوان بن عمرٍو، حدّثني سليم بن عامرٍ، قال: خرجنا على جنازةٍ في باب دمشق معنا أبو أمامة الباهليّ رضي اللّه عنه، فلمّا صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها، قال أبو أمامة: " يا أيّها النّاس، إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزلٍ تقتسمون فيه الحسنات والسّيّئات، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى المنزل الآخر وهو هذا يشير إلى القبر، بيت الوحدة، وبيت الظّلمة، وبيت الدّود، وبيت الضّيق إلّا ما وسّع اللّه، ثمّ تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، فإنّكم لفي بعض تلك المواطن حتّى يغشى النّاس أمرٌ من أمر اللّه فتبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ، ثمّ تنتقلون منه إلى منزلٍ آخر فيغشى النّاس ظلمةٌ شديدةٌ، ثمّ يقسم النّور فيعطى المؤمن نورًا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا وهو المثل الّذي ضربه اللّه تعالى في كتابه {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورًا فما له من نورٍ} [النور: 40] ولا يستضيء الكافر، والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير يقول المنافق للّذين آمنوا {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا} [الحديد: 13] وهي خدعة الّتي خدع بها المنافق، قال اللّه عزّ وجلّ: {يخادعون اللّه وهو خادعهم} [النساء: 142] فيرجعون إلى المكان الّذي قسم فيه النّور، فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم، وقد ضرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنه فيه الرّحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم؟ نصلّي بصلاتكم ونغزو بمغازيكم؟ " {قالوا بلى ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه وغرّكم باللّه الغرور} [الحديد: 14] تلا إلى قوله: {وبئس المصير} [الحديد: 15] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {أو كظلمات في بحر لجي} قال: اللجي: العميق القعر، {يغشاه موج من فوقه موج} قال: هذا مثل عمل الكافر في ضلالات ليس له مخرج ولا منفذ، أعمى فيها لا يبصر). [الدر المنثور: 11/89-90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} قال: أما رأيت الرجل يقول: والله ما رأيتها وما كدت ان أراها). [الدر المنثور: 11/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن أبي أمامة انه قال: أيها الناس انكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ويوشك ان تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو القبر، بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الضيق إلا ما وسع الله ثم تنقلون إلى مواطن يوم القيامة وانكم لفي بعض المواطن حين يغشى الناس أمر من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم تنتقلون إلى منزل آخر فيغشى ظلمة شديدة ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطى شيئا وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه {أو كظلمات في بحر لجي} الى قوله {فما له من نور} فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير). [الدر المنثور: 11/90]


رد مع اقتباس