الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 09:27 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى { وَأَتِمُّوا۟ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا۟ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًۭى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌۭ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۢ ۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌۭ كَامِلَةٌۭ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(196)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغالهدى محله...} الآية [196 مدنية / البقرة / 2] نسخت بالاستثناء بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك...} الآية [196 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30].
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعة عشرةقال اللّه جلّ وعزّ {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] الآية، وقد صحّ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحجّ ففسخوه وجعلوه عمرةً
واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
الحجّ بعد أن أهلّوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوالٍ:
فمنهم من قال: إنّه منسوخٌ: كما روي عن عمر، رحمه اللّه أنّه قال في {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] : «إتمامهما أن لا يفسخا وقد قيل في إتمامهما غير هذا» كما قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه في قول اللّه جلّ وعزّ {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] قال: «أن تحرم من دويّرة أهلك»
وقال سفيان: «إتمام الحجّ والعمرة أن تخرج قاصدًا لهما لا لتجارةٍ»، وقيل: إتمامهما أن تكون النّفقة حلالًا
وقال مجاهدٌ، وإبراهيم: «إتمامهما أن يفعل فيهما كلّ ما أمر به، وهذا قولٌ جامعٌ»
وذهب أبو عبيدٍ إلى أنّ فسخ الحجّ إلى العمرة منسوخٌ بما فعله الخلفاء الرّاشدون المهديّون أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ رضي اللّه عنهم؛ لأنّهم لم يفسخوا حجّهم ولم يحلّوا إلى يوم النّحر فهذا قولٌ في فسخ الحجّ: إنّه منسوخٌ
والقول الثّاني إنّ فسخ الحجّ إنّما كان لعلّةٍ وذلك أنّهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ ويرون أنّ ذلك عظيمٌ فأمرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بفسخ الحجّ وتحويله إلى العمرة ليعلموا أنّ العمرة في أشهر الحجّ جائزةٌ
والدّليل على أنّهم كانوا يتجنّبون العمرة في أشهر الحجّ وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة في قول ابن عمر وفي قول ابن عبّاسٍ: «شوّال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجّة» والقولان صحيحان؛ لأنّ العرب تقول: جئتك رجبًا ويوم الجمعة وإنّما جئت في بعضه فذو الحجّة شهر الحجّ؛ لأنّ الحجّ فيه ولأنّ أحمد بن شعيبٍ حدّثنا قال: أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن وهيب بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا يرون أنّ العمرة، في أشهر الحجّ من أفجر فجورٍ في الأرض ويجعلون المحرّم صفرًا ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال: دخل صفر حلّت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه عنهم صبيحة رابعةٍ مهلّين بالحجّ فأمرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن يجعلوها عمرةً فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول اللّه، أيّ الحلّ نحلّ؟ قال: «الحلّ كلّه» فهذان قولان
والقول الثّالث: إنّ ابن عبّاسٍ كان يرى الفسخ جائزًا ويقول: من حجّ فطاف بالبيت فقد حلّ لا اختلاف في ذلك عنه
قال ابن أبي مليكة: قال له عروة يا ابن عبّاسٍ، أضللت النّاس
قال له: بم ذاك يا عريّة؟ قال: تفتي النّاس بأنّهم إذا طافوا بالبيت حلّوا وقد حجّ أبو بكرٍ، وعمر فلم يحلّا إلى يوم النّحر فقال له ابن عبّاسٍ: قال اللّه جلّ وعزّ {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] أأقول لك قال اللّه جلّ وعزّ ثمّ تقول لي قال أبو بكرٍ، وعمر وقد أمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالفسخ؟
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول انفرد به ابن عبّاسٍ كما انفرد بأشياء غيره
فأمّا قوله جلّ وعزّ {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] فليس فيه حجّةٌ لأنّ الضّمير للبدن وليس للنّاس ومحلّ النّاس يوم النّحر على قول الجماعة ولهذا سميّ يوم الحجّ الأكبر وذلك صحيحٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وعن ابن عبّاسٍ، وإن كان قد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه يوم عرفاتٍ فهذه ثلاثة أقوالٍ في فسخ الحجّ
والقول الرّابع: أصحّها للتّوقيف من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو أنّه مخصوصٌ
كما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن، عن الحارث بن بلالٍ، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول اللّه، أفسخ الحجّ لنا خاصّةً أم للنّاس عامّةٌ؟ قال: «بل لنا خاصّةً»
وقال أبو ذرٍّ: كان فسخ الحجّ لنا رخصةً
فإن احتجّ محتجٌّ بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غير هذا الحديث:
«ذلك لأبد الأبد» فلا حجّة له فيه؛ لأنّه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحجّ
فأمّا حديث عمر أنّه قال في المتعة: إن أتيت بمن فعلها عاقبته، وكذا المتعة الأخرى
فإحداهما المتعة المحرّمة بالنّساء الّتي هي بمنزلة الزّنا، والأخرى فسخ الحجّ فلا ينبغي لأحدٍ أن يتأوّل عليه أنّها المتعة في أشهر الحجّ لأنّ اللّه جلّ وعزّ قد أباحها بقوله جلّ وعزّ {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]
واختلف العلماء في العمرة فقال بعضهم: هي واجبةٌ بفرض اللّه جلّ وعزّ، وقال بعضهم: هي واجبةٌ بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقال بعضهم: ليست واجبةً ولكنّها سنّةٌ فممّن يروى عنه أنّه قال: إنّها واجبةٌ عمر وابن عمر، وابن عبّاسٍ، وهو قول الثّوريّ، والشّافعيّ
وأمّا السّنّة:
فحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا خالدٌ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت النّعمان بن سالمٍ، قال: سمعت عمرو بن أوسٍ، يحدّث عن أبي رزينٍ، أنّه قال: يا رسول اللّه، إنّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظّعن قال: «حجّ عن أبيك واعتمر»
واحتجّ قومٌ في وجوبها بظاهر قول اللّه جلّ وعزّ {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع} [آل عمران: 97] والحجّ القصد وهو يقع للحجّ والعمرة، وقال جلّ وعزّ {يوم الحجّ الأكبر} [التوبة: 3] والحجّ الأصغر العمرة إلّا أنّ أهل اللّغة
يقولون: اشتقاق العمرة من غير اشتقاق الحجّ، لأنّ العرب تقول: اعتمرت فلانًا أي زرته فمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عبّاسٍ لا يرى العمرة لأهل مكّة لأنّهم بها فلا معنى لزيارتهم إيّاها، والحجّ في اللّغة القصد
وممّن قال: العمرة غير واجبةٍ جابر بن عبد اللّه، وسعيد بن المسيّب
وهو قول مالكٍ وأبى حنيفة وقال من احتجّ لهم:
روى الحجّاج بن أرطأة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، قال: قيل: يا رسول اللّه، العمرة واجبةٌ؟ قال: «لا وأن تعتمروا خيرٌ لكم»
[قال أبو جعفرٍ: وهذا لا حجّة فيه؛ لأنّ الحجّاج بن أرطاة يدلّس عمّن لقيه وعمّن لم يلقه فلا تقوم بحديثه حجّةٌ إلّا أن يقول: حدّثنا أو أخبرنا أو سمعت ولكنّ الحجّة في ذلك قول من قال: الفرائض لا تقع باختلافٍ وإنّما تقع باتّفاقٍ
وممّا يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحجّ وهو أن يقول إذا لبّى بالحجّ إنّ حبسني حابسٌ فمحلّي حيث حبسني
فممّن قال بالاشتراط في الحجّ عمر، وعليٌّ، وابن مسعودٍ، ومعاذٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، والحسن، وقتادة، وابن سيرين وهو قول أحمد بن محمّد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه وقول الشّافعيّ بالعراق ثمّ تركه بمصر
وممّن لم يقل به مالكٌ، وأبو حنيفة، والشّافعيّ بمصر وحجّة الّذين قالوا به:
ما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم دخل على ضباعة فقالت: يا رسول اللّه، إنّي أريد الحجّ، وأنا شاكيةٌ فقال: حجّي واشترطي أنّ محلّي حيث تحبسني " قال إسحاق: قلت لعبد الرّزّاق: الزّهريّ، وهشامٌ قالا: عن عائشة؟ قال: نعم كلاهما، قال أحمد بن شعيبٍ: لم يصله إلّا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ فلا أدري من أيّهما ذلك؟
وحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرني عمران بن يزيد، قال: حدّثنا شعيبٌ، وهو ابن إسحاق قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني أبو الزّبير، أنّه سمع طاوسًا، وعكرمة، يخبران عن ابن عبّاسٍ، قال جاءت ضباعة بنت الزّبير إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي امرأةٌ ثقيلةٌ وأنا أريد الحجّ فكيف تأمرني أن أصنع؟ قال: «أهلّي واشترطي أنّ محلّي حيث حبستني»
قال أبو جعفرٍ: أهلّي معناه لبّي، وأصله من رفع الصّوت، ومنه استهلّ المولود ومنه {وما أهلّ لغير اللّه به} [المائدة: 3]
فقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الاشتراط في الحجّ فقال بهذا من ذكرناه واتّبعوا ما جاء عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وكرهه قومٌ واحتجّوا بحديث الزّهريّ عن سالمٍ، عن أبيه أنّه كره الاشتراط في الحجّ، وقال «أما حسبكم سنة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم أنّه لم يشترط» واحتجّ بعض من كرهه بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّما قال لها: «واشترطي أنّ محلّي حيث حبستني» ولم يقل لها: إنّه ليس عليك حجٌّ إن أحصرت
[وفي الآية {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] فكان هذا ناسخًا لما كانوا يعتقدونه من أنّ العمرة لا تجوز في أشهر الحجّ فجازت في أشهر الحجّ وجاز القرآن ولم يكونوا يستعملونه
ثمّ اختلف العلماء في حجّة الوداع فقال قومٌ: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ فيها، وقال قومٌ: بل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وقال قومٌ: بل قرن وجمع بين الحجّ والعمرة وكلّ هذا مرويٌّ بأسانيد صحاحٍ حتّى طعن بعض أهل الأهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا: هذه الحجّة الّتي حجّها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهي أصلٌ من أصول الدّين، فكيف يقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد، وهذا الطّعن من أحد اثنين إمّا أن يكون الطّاعن به جاهلًا باللّغة الّتي خوطب بها القوم وإمّا أن يكون جائرًا عن الحقّ، وسنذكر أصحّ ما روي من الاختلاف في هذا ونبيّن أنّه غير متضادٍّ
وقد قال الشّافعيّ: «هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وإن كان قبيحًا»
وهذا كلامٌ صحيحٌ؛ لأنّ المسلمين قد أجمعوا أنّه يجوز الإفراد والتّمتّع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا
قال أبو جعفرٍ: كما قرئ على أحمد بن محمّد بن خالدٍ البراثيّ، عن خلف بن هشامٍ المقرئ، قال: سمعت مالك بن أنسٍ، في " الإفراد بالحجّ: إنّه أحبّ إليه لا التّمتّع والقران قال: وليس على المفرد هديٌ "
قال البراثيّ، وحدّثنا عبد اللّه بن عونٍ، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ» وهذا إسنادٌ مستقيمٌ لا مطعن فيه
والحجّة لمن اختار الإفراد أنّ المفرد أكثر تعبًا من المتمتّع لإقامته على الإحرام فرأى أنّ ذلك أعظم لثوابه
والحجّة في اتّفاق الأحاديث أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا أمر بالتّمتّع والقرآن جاز أن يقال: تمتّع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقرن كما قال جلّ وعزّ {ونادى فرعون في قومه} [الزخرف: 51]
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «رجمنا ورجم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما أمرنا بالرّجم»
وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم» وإنّما أمر من قطع فلمّا كان رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم قد أمر بالتّمتّع والقران جاز هذا ومن الدّليل على أمره بذلك:
أنّ أحمد بن شعيبٍ حدّثنا قال: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم موافين لهلال ذي الحجّة، فقال: ((من شاء منكم أن يهلّ بحجّةٍ فليهلّ، ومن شاء أن يهلّ بعمرةٍ فليهلّ بعمرةٍ))
قال أبو جعفرٍ: هذا احتجاجٌ لمن رأى إفراد الحجّ، وسنذكر غيره
فأمّا التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ فهذا موضع ذكره
قال أبو جعفرٍ: قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن اللّيث بن سعدٍ، قال: حدّثني عقيلٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني سالم بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عمر، قال: تمتّع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحجّ وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهلّ بالعمرة ثمّ أهلّ بالحجّ وتمتّع النّاس مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحجّ، وساق الحديث
قال الزّهريّ: وأخبرني عروة، عن عائشة،، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في تمتّعه بالعمرة إلى الحجّ مثل الّذي أخبرني سالمٌ عن عبد اللّه بن عمر، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: هذا متناقضٌ رويتم عن القاسم، عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ، ورويتم هاهنا عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة التّمتّع، قيل له: الحديثان متّفقان وذلك بيّنٌ ألا ترى أنّ في هذا الحديث نصًّا، وبدأ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأهلّ بالعمرة ثمّ أهلّ بالحجّ أفلا ترى الحجّ مفردًا من العمرة فهذا بيّنٌ جدًّا
قال أبو جعفرٍ:حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن المثنّى، عن عبد الرّحمن، عن سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن أبي موسى، قال: قدمت على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو بالبطحاء فقال: «بم أهللت؟» فقلت بإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل سقت من هديٍ؟» قلت: لا قال: «فطف بالبيت وبالصّفا والمروة وحلّ» فطفت بالبيت وبالصّفا والمروة ثمّ أتيت امرأةً من قومي فمشّطتني وغسلت رأسي فلم أزل أفتي النّاس بذلك في إمارة أبي بكرٍ وإمارة عمر فإنّي لقائمٌ بالموسم إذ أتاني رجلٌ فقال: إنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النّسك، فقلت: يا أيّها النّاس من أفتيناه بشيءٍ فليتّئد فإنّ أمير المؤمنين قادمٌ فأتمّوا به فلمّا قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النّسك؟ قال: أن نأخذ بكتاب اللّه جلّ وعزّ فقد قال اللّه جلّ ثناؤه {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}[البقرة: 196] وأن نأخذ بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لم يحلّ حتّى نحر الهدي
قال أبو جعفرٍ: قوله: فليتّئد معناه فليتثبّث، مشتقٌّ من التّؤدة، وقوله: لم يحلّ أي: لم يحلّ من إحرامه، أي: لم يستحلّ لبس الثّياب والطّيب وما أشبههما
وفي هذا الحديث من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أمر أبي موسى بالتّمتّع وفيه أنّ أبا موسى توقّف عن الفتيا بالتّمتّع وقد أمره به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى أن وافى عمر فلمّا وافى عمر منع من التّمتّع فلم يرادّه أبو موسى، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أجاز غيره فدلّ هذا على أنّ إمام المسلمين إذا اختار قولًا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه ونظير هذا أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرفٍ»
فرأى عثمان رضي اللّه عنه أن يزيل منها ستّةً وأن يجمع النّاس على حرفٍ واحدٍ فلم يخالفه أكثر الصّحابة حتّى قال عليٌّ رضي اللّه عنه: «لو كنت موضعه لفعلت كما فعل»
وفي هذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي موسى: «طف بالبيت وبين الصّفا والمروة وحلّ» ولم يقل له: احلق ولا قصّر فدلّ على أنّ الحلق والتّقصير غير واجبين وفيه أهللت بإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدلّ هذا على أنّ هذا جائزٌ لمن فعله، وقال بعض أهل العلم: هذا يدلّ على أنّه جائزٌ أن يلبّي الرّجل ولا يريد حجًّا ولا عمرةً ثمّ يوجب بعد ذلك ما شاء واستدل قائل هذا على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبّى مرّةً بالإفراد ومرّةً بالتّمتّع ومرّةً بالقران حتّى نزل عليه القضاء فقرن
وقال بعض أهل العلم: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قارنًا وإذا كان قارنًا فقد حجّ واعتمر، واتّفقت الأحاديث
ومن أحسن ما قيل في هذا أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهلّ بعمرةٍ فقال من رآه تمتّع ثمّ أهلّ بحجّةٍ فقال من رآه أفرد ثمّ قال: «لبّيك بحجّةٍ وعمرةٍ» فقال من سمعه: قرن فاتّفقت الأحاديث والدّليل على هذا أنّه لم يرو أحدٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال أفردت ولا تمتّعت وصحّ عنه أنّه قال «قرنت»
كما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرني معاوية بن صالحٍ، قال: حدّثنا يحيى بن معينٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنت مع عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه حين أمّره رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على اليمن فلمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال عليٌّ: أتيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " ماذا صنعت؟ قلت: أهللت بإهلالك قال: «فإنّي سقت الهدي وقرنت» ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي وقرنت»
وحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حميدٌ، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه المزنيّ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يلبّي بالعمرة والحجّ جميعًا فحدّثت بذلك ابن عمر، فقال: لبّى بالحجّ وحده، فلقيت أنسًا فحدّثته فقال: ما تعدّوننا إلّا صبيانًا سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لبّيك عمرةً وحجّةً معًا»
[فهذه أحاديث بيّنةٌ ويزيدك في ذلك بيانًا:
أنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن حفصة، قالت: قلت: يا رسول اللّه، ما بال النّاس قد حلّوا من عمرتهم ولم تحلّ؟ قال: «إنّي لبّدت رأسي وسقت هديي فلا أحلّ حتّى أنحر» وهذا يبيّن أنّه كان قارنًا، لأنّه لو كان متمتّعًا أو مفردًا لم يمتنع من نحر الهدي
فهذا ما في الحجّ من ناسخٍ ومنسوخٍ واحتجاجٍ، ونذكر بعده ما في الخمر
من النّسخ ونذكر قول من قال: إنّ الآية الّتي في سورة البقرة ناسخهٌ لما كان مباحًا من شرب الخمر، وقول من قال إنّها منسوخةٌ ونذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشّراب وما يدلّ على ذلك من الأحاديث الصّحاح عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وما يدلّ من المعقول ومن الاشتقاق واللّغة على أنّ ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ وأنّه خمرٌ ونذكر الشّبهة الّتي أدخلها قومٌ وهذا كلّه في الآية الثّامنة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّابعة عشرة قوله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}نزلت في كعب بن عجرة الأنصاريّ وذلك أنه قال لما نزلنا مع النّبي (صلى الله عليه وسلم) الحديبية مر بي النّبي (صلى الله عليه وسلم) وأنا أطبخ قدرا لي والقمل يتهافت على وجهي فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا كعب بن عجرة لعلّك يؤذيك هوامرأسك فقلت نعم يا رسول الله فقال ادع بحلاق فاحلق رأسك ونزلت {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} وفي الكلام محذوف تقديره فحلق فعليه ما في قوله تعالى {ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}:
ثم أباح ذلك لمن كان مريضًا، أو به أذىً من رأسه، وأوجب عليه الفدية.
فقال قوم: هذا ناسخٌ للنّهي عن حلق الرّأس حتى يبلغ الهدي محلّه.
والظّاهر في هذا البيّن أنه ليس فيه نسخٌ، لأنّه متّصلٌ بالأوّل غير منفصل منه. وإنما يكون الناسخ منفصلاً من المنسوخ. فهي أحكامٌ مختلفةٌ في شروطها متّصلٌ بعضها ببعض لا ينسخ بعضها بعضًا.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}: [البقرة: 196]
أمر الله المسلمين بإتمام ما دخلوا فيه وعقدوه على أنفسهم من حجٍ أو عمرةٍ.
ولا دليل في هذا على فرض العمرة إنّما هو أمرٌ بإتمام ما دخلوا فيه من ذلك.
ويبيّن أن العمرة ليست بفرض قراءة الشعبي: "والعمرة لله" - بالرفع - فهذه القراءة لا تأويل فيها لفرض العمرة. وقوله: {وأتموا الحجّ} ولم يقل: حجّوا واعتمروا يدلّ على أن ذلك مرادٌ به غير الفرض.
وإنما هو مثل قوله: {أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] فمن عقد برًّا على نفسه وجب عليه إتمامه.
وقراءة ابن مسعود: "والعمرة للبيت لله" وعنه: "والعمرة إلى البيت لله". يدل على أن العمرة ليست بفرض - قرئ بنصب العمرة أو برفعها -.
وكما أن ذكر الحجّ في هذه الآية ليس يوجب فرض الحج، إنما وجب فرض الحجّ بقوله تعالى: {ولله على النّاس حجّ البيت} [آل عمران: 97]. كذلك ذكر العمرة فيها لا يوجب فرضها. ولا آية أخرى توجب فرض العمرة في القرآن فبان أنّ العمرة ليست بفرض. وقد ذكر أهل المعاني والتفسير أنّ هذه الآية ناسخةٌ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحجّ أن يفسخوه في عمرة.
والآية محكمةٌ، تدلّ على أنّ من دخل في طاعة وعقدها على نفسه أن عليه إتمامها.
وقد أبى من فسخ الحجّ في عمرة أبو بكر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- بحكم ظاهر الآية.
وأجازه ابن عباس لإباحة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وذهب أبو عبيد: إلى أنّ فسخ الحجّ في عمرة منسوخٌ بفعل الخلفاء الراشدين، يعني الذين ذكرنا. وعلى منعه أكثر العلماء مالكٌ وغيره.
وقد قيل: إنه إنما أباح النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك لعلّةٍ، وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج جائزةً، ويرونه ذنبًا، فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بفسخ الحجّ وتحويله إلى عمرة في أشهر الحجّ، ليعلموا أن العمرة جائزةٌ في أشهر الحجّ. ففعله ذلك كان لعلّةٍ، فبزوال تلك العلة يزول الحكم. وله نظائر في القرآن.
وقيل: إن ذلك مخصوصٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه أنه سئل عن ذلك فقال: إنه لنا خاصّة.
قال أبو محمد: ومعنى فسخ الحجّ في عمرة: هو أن يهلّ الرّجل بالحجّ ولا هدي معه، فعليه أن يدخل مكة فيطوف ويبقى على إحرامه حتّى يحجّ ويقضي مناسكه من الوقوف بعرفاتٍ والمزدلفة ومن رمي الجمار وغير ذلك، وهو على إحرامه، ويحلق ويطوف طواف الإفاضة، وعليه السّعي بين الصّفا والمروة بعد الطّواف، ويحلّ من حجّته بعد ذلك كلّه، فهذا لازمٌ
له، وبه يتمّ ما عقده من الحجّ.
فإن فسخ حجّه في عمرة على قول ابن عباس فإنما عليه أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويحلق ويحلّ.
فذلك الأول عمل الحج.
وهذا عمل العمرة.
فإذا حلّ من عمرته التي فسخ الحجّ فيها ابتدأ الإهلال بالحجّ من مكة أو من الحلّ إن شاء، وبه يتمّ حجّه على ما ذكرنا.
وإن تمادى في حجّه ولم يفسخه في عمرةٍ، وأراد العمرة، فإنه إذا حلّ من حجّه خرج إلى التنعيم إلى الحلّ، أو إلى الحلّ من أي ناحيةٍ شاء، فأحرم ولبّى ودخل مكة فطاف وسعى وحلق، وحلّ من عمرته.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية العشرين: قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}.
اختلف المفسّرون في المراد بإتمامها على خمسة أقوال:
(أحدها) : أن يحرم بهما من دويرة أهله، قاله علي وسعيد ابن جبير وطاوس.
والثّاني: الإتيان بما أمر اللّه به فيهما. قاله مجاهدٌ.
والثّالث: إفراد كلّ واحدٍ عن الآخر. قاله الحسن وعطاءٌ.
والرّابع: أن لا يفسخهما بعد الشّروع فيهما، رواه عطاءٌ عنابن عبّاسٍ.
والخامس: أن يخرج قاصدًا لهما لا يقصد شيئًا آخر من تجارة أو غيرها وهذا القول فيه بعدٌ. وقد ادّعى بعض العلماء على قائله أنه يزعم أنّ الآية نسخت بقوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
والصّحيح في تفسير الآية ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو محمولٌ على النّهي عن فسخهما لغير عذر أو قصد صحيح، وليست هذه الآية بداخلةٍ في المنسوخ أصلا.
ذكر الآية الحادية والعشرين: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}
ذكر بعض المفسّرين أنّ هذا الكلام اقتضى تحريم حلق الشّعر، سواءٌ وجد به أذًى أو لم يوجد ولم يزل الأمر على ذلك حتّى رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (كعب ابن عجرة).والقمل يتناثر على وجهه، فقال: (أتجد) شاة فقال.
لا. فنزلت: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ} والمعنى: فحلقٌ ففديةٌ. فاقتضى هذا الكلام إباحة حلق الشّعر عند الأذى مع الفدية وصار ناسخًا لتحريمه المتقدّم.
قلت: وفي هذا بعد من وجهين:
أحدهما: أنّه يحتاج أن يثبت أنّ نزول قوله: {فمن كان منكم مريضاً} تأخّر عن نزول أوّل الآية ولا يثبت هذا. والظّاهر نزول الآية في مرّةٍ، بدليل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "أتجد شاةً" والشّاة هي النّسك المذكور في قوله: {أو نسكٍ}.
والثّاني: إنّا لو قدّرنا نزوله متأخّرًا فلا يكون نسخًا، [لأنّه قد بان بذكر العذر أنّ الكلام] الأوّل لمن لا عذر له، فصار التّقدير: ولا تحلقوا رؤسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامّه فلا ناسخ ولا منسوخ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} الآية [البقرة: 196] قيل: هو منسوخ بقوله عز وجل بعد ذلك: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} الآية [البقرة: 196] قال كعب بن عجرة الأنصاري: (لما نزلنا الحديبية مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطبخ قدرا لي والقمل يتناثر على رأسي، فقال: يا كعب لعلك يؤذيك هوام رأسك، فقلت: نعم، فقال: احلق رأسك، ونزل: {فمن كان منكم مريضا..} الآية).
وقال قوم: الآية محكمة، ولم يكن قوله عز وجل: {ولا تحلقوا رءوسكم} الآية [البقرة: 196] متناولا للمريض ولمن به أذى من رأسه.
قوله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية [البقرة: 217] قال ابن عباس وقتادة والضحاك وابن المسيب والأوزاعي: (هي منسوخة بآية السيف)، إذ أباحت قتالهم في كل مكان وزمان.
وقال مجاهد وعطاء: هي محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم، والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [التوبة: 5] فهذا يؤيد قول عطاء ومجاهد، وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة، وإنما أباحت قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟.
فالجواب: أن الأشهر الحرم في براءة ليست هي التي قال الله عز وجل فيها: {منها أربعة حرم} الآية [التوبة: 36]، إنما هي أربعة أشهر أخر، وهي أشهر السياحة، أمر المؤمنون بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدوهم، وفي أي زمان لقوهم، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام.
وأما الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ثم نسخ فهي: محرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة بغير خلاف، وإنما الخلاف في أنها من سنة أو من عامين، فأهل المدينة يجعلونها في عامين، يقولون: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وقال أهل العراق: أولها محرم فتكون من عام واحد.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس