الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م, 09:01 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَٰتُ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ(194)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة عشرةقال جلّ وعزّ {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أيّوب، وعبد اللّه بن يحيى، قالا: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: قول اللّه جلّ وعزّ {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٍ} [البقرة: 194] قال: «هذا يوم الحديبية صدّوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن البيت الحرام وكان معتمرًا فدخل في السّنة الّتي بعدها معتمرًا مكّة فعمرةٌ في الشّهر الحرام بعمرةٍ في الشّهر الحرام»
وقال مجاهدٌ: فخرت قريشٌ بردّها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم محرمًا في ذي القعدة فاعتمر في السّنة الثّانية في ذي القعدة
قال أبو جعفرٍ: التّقدير عمرة الشّهر الحرام بعمرة الشّهر الحرام.
والشّهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلافٍ وسمّي ذا القعدة لأنّهم كانوا يقعدون فيه عن القتال، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة من سنة ستٍّ من الهجرة فمنعوه من مكّة
قال ابن عبّاسٍ: " فرجعه اللّه تبارك وتعالى في السّنة الأخرى فأقصّه منهم {والحرمات قصاصٌ} [البقرة: 194] "
وروي عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {والحرمات قصاصٌ} [البقرة: 194] «منسوخةٌ كان اللّه جلّ وعزّ قد أطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحدٌ أن يقتصّوا منه فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك وصيّره إلى السّلطان فلا يجوز لأحدٍ أن يقتصّ من أحدٍ إلّا بأمر السّلطان ولا أن يقطع يد سارقٍ ولا غير ذلك»
وأمّا مجاهدٌ فذهب إلى أنّ «المعنى فمن اعتدى عليكم فيه أي في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»
والّذي قاله مجاهدٌ أشبه بسياق الكلام؛ لأنّ قبله ذكر الحرم وهو متّصلٌ به إلّا أنّه منسوخٌ عند أكثر العلماء
وقد أجمع المسلمون أنّ المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتّى يخرجوا منه فإن قيل فما معنى الحديث «أحلّت لي ساعةً وهي حرامٌ بحرمة اللّه جلّ وعزّ» فالجواب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلها غير محرمٍ يوم الفتح ولا يحلّ هذا لأحدٍ بعده إذا لم يكن من أهل الحرم فأمّا {والحرمات} [البقرة: 194] فإنّما جمع واللّه أعلم؛ لأنّه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشّهر الحرام وحرمة البلد الحرام
وأمّا {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] فسمّي

الثّاني اعتداءً وإنّما الاعتداء الأوّل ففيه جوابان
أحدهما أنّه مجازٌ على ازدواج الكلام سميّ الثّاني باسم الأوّل مثل {وجزاء سيّئةٍ مثلها}
والجواب الآخر أنّه حقيقةٌ يكون من الشّدّ والوثوب أي: من شدّ عليكم ووثب بالظّلم فشدّوا عليه وثبوا بالحقّ
وقد تكلّم العلماء من الصّحابة وغيرهم بأجوبةٍ مختلفةٍ في الآية الخامسة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
قال ابن عبّاس: إباحة الاعتداء منسوخٌ، لأنّ الله جلّ ذكره ردّه إلى السلطان، ولا يجوز لأحدٍ أن يقتصّ ممّن اعتدى عليه إلاّ بالسلطان، ولا يقطع يد سارقٍ إلاّ بالسلطان.
قال أبو محمد: وهذا القول إنما يجوز على مذهب من أجاز نسخ القرآن بالسّنّة المتواترة.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخها قوله تعالى: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} [الإسراء: 33] قال: يأتي السلطان حتى ينتصف منه له.
قال أبو محمد: وهذا لا يصحّ عن ابن عباس، لأنّ السّلطان هاهنا: الحجّة؛ ولأنّ سورة "سبحان" مكيةٌ، والبقرة: مدنيةٌ. ولا ينسخ المكيّ المدنيّ؛ لأنه نزل قبل المدني، والناسخ لا يصحّ أن يكون نزوله إلاّ بعد المنسوخ. وأيضًا فإنّ الرّجوع إلى السّلطان في القصاص، إنما أخذ بالإجماع، والإجماع لا ينسخ القرآن لكنه يبيّنه كما تبيّنه الأخبار من السنن.
فهذا مثل قوله {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} [الشورى: 40].
وقيل: الآية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم إلى الآن في الشّهر الحرام، وفهم منها منع قتال من لم يقاتلهم في الشّهر الحرام، وإباحة ذلك في غير الشهر الحرام، ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال في الشّهر الحرام، وإن لم يقاتلوهم، بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] في براءة.
قال أبو محمد: وهذا القول أبين الأقوال فيها، لكنّه نسخ مفهوم التلاوة. وله نظائر ستراها.
وقال مجاهد: الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، أي: من قاتلكم في الحرم فقاتلوه فيه، ولا يحلّ أن تبدؤا بالقتال في الحرم عنده إلى الآن.وأكثر الناس على خلافه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة عشرة: قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
اختلف العلماء هل في هذه الآية منسوخٌ أم لا على قولين:
أحدهما: أنّ فيها منسوخًا. واختلف أرباب هذا القول فيه على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} قالوا: وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة فصدّه المشركون عن أداء عمرته فقضاها في السّنّة الثّانية في ذي القعدة فاقتضى هذا، أنّ من فاته أداء ما وجب عليه بالإحرام الّذي عقده في الأشهر الحرم أن يجب عليه قضاؤه في مثل ذلك الشّهر الحرام، ثمّ نسخ ذلك وجعل له قضاؤه أيّ وقتٍ شاء، أمّا في مثل ذلك الشّهر أو غيره. قال شيخنا عليّ بن عبيد اللّه: وممّن حكي ذلك عنه عطاءٌ.
قلت: وهذا القول لا يعرف عن عطاءٍ ولا يشترط أحدٌ من الفقهاء المشهورين على من منع من عمرته أو أفسدها أن يقضيها في مثل ذلك الشّهر.
والثّاني: أنّه قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول في معنى الكلام ووجه نسخه على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ هذا نزل بمكّة، والمسلمون قليلٌ ليس لهم سلطانٌ يقهرون به المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشّتم والأذى فأمر اللّه تعالى المسلمين أن يأتوا إليهم مثل ما أتوا إليهم أو يعفوا ويصبروا فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة وأعزّ اللّه سلطانه نسخ ما كان تقدّم من ذلك، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
والثّاني: أنّه كان في أوّل الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتصّ لنفسه بنفسه من غير مرافعةٍ إلى سلطان المسلمين ثمّ نسخ ذلك بوجوب الرّجوع إلى السّلطان في إقامة الحدود والقصاص. قال شيخنا وممّن حكي ذلك عنه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
قلت: وهذا لا يثبت عن ابن عبّاسٍ ولا يعرف له صحّةٌ، فإنّ النّاس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم وسلاطينهم في الجاهليّة والإسلام إلا أنّه لو أنّ إنسانًا استوفى حقّ نفسه من خصيمه من غير سلطانٍ أجزأ ذلك، وهل يجوز له ذلك؟ فيه روايتان عن أحمد.
والثّالث: أنّ معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشّهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثمّ نسخ ذلك، وهذا مذكورٌ عن مجاهدٍ، ولا يثبت ولو ثبت كان مردودًا، بأنّ دفع الاعتداء جائزٌ في جميع الأزمنة عند جميع العلماء، وهذا حكمٌ غير منسوخٍ، والصّحيح في هذه الآية أنها محكمة غير
منسوخةٍ. فأمّا أوّلها فإنّ المشركين لمّا منعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من دخول مكة في شهر حرام اقتصر لنبيّه عليه السّلام بإدخاله مكّة في شهرٍ حرامٍ.
أخبرنا عبد الوهّاب بن المبارك، قال: أبنا أحمد بن الحسن بن خيرون وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ القاضي، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال. حدّثني عمّي الحسين بن حسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان المشركون حبسوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعّه اللّه في ذي القعدة فأدخله البيت
الحرام فاقتصّ له منهم.
فأمّا قوله: {فمن اعتدى عليكم} فقال سعيد بن جبيرٍ: كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكّة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيّامٍ، فلمّا جاء العام الذي كان الشّرط بينهما قفل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه محرمين بعمرةٍ فخافوا، أن لا (يوفّ) لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام، وكره المسلمون القتال في شهرٍ حرامٍ وبلدٍ حرامٍ فنزلت {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} أي: من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه.
فإن قال قائلٌ: فكيف يسمّى الجزاء اعتداءً؟
فالجواب: إنّ صورة الفعلين واحدةٌ وإن اختلف حكماهما.
قال الزّجّاج: والعرب تقول: ظلمني فلا] ن فظلمته: أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ فجهلت عليه، أي جازيته بجهله.
قلت: فقد بان بما ذكرنا أنّ الآية محكمةٌ ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} الآية [البقرة: 194] قال مجاهد: هي محكمة، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. فأباح أن تقاتل في الحرم من قاتلك، ولا يحل أن تبدأه بالقتال فيه وهو حكم ثابت عنده إلى الأبد.
وعن ابن عباس: أنها منسوخة، وقد نسخ اعتداء من اعتدى عليه برد أمره إلى السلطان، فلا يقتص بيده، إنما يقتص له السلطان.
قالوا: قال ابن عباس: (نسخها قوله عز وجل: {فقد جعلنا لوليه سلطانا} الآية [الإسراء: 33]) ولا يصح ذلك عن ابن عباس، لأن " سبحان" مكية باتفاق، والمكي لا ينسخ المدني.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس