عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا لتنذر أمّ القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير (7) ولو شاء اللّه لجعلهم أمّةً واحدةً ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ (8) }
يقول تعالى: وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك، {أوحينا إليك قرآنًا عربيًّا} أي: واضحًا جليًّا بيّنًا، {لتنذر أمّ القرى} وهي مكّة، {ومن حولها} أي: من سائر البلاد شرقًا وغربًا، وسمّيت مكّة "أمّ القرى"؛ لأنّها أشرف من سائر البلاد، لأدلّةٍ كثيرةٍ مذكورةٍ في مواضعها. ومن أوجز ذلك وأدلّه ما قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا شعيبٌ، عن الزّهري، أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن أنّ عبد اللّه بن عدي بن الحمراء الزّهريّ أخبره: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول -وهو واقفٌ بالحزورة في سوق مكّة-: "واللّه، إنّك لخير أرض اللّه وأحبّ أرض اللّه إلى اللّه، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت".
وهكذا رواية التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجه، من حديث الزّهريّ، به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقوله: {وتنذر يوم الجمع}، وهو يوم القيامة، يجمع اللّه الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ.
وقوله: {لا ريب فيه} أي: لا شكّ في وقوعه، وأنّه كائنٌ لا محالة. وقوله: {فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير}، كقوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التّغابن} [التّغابن:9] أي: يغبن أهل الجنّة أهل النّار، وكقوله تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ وما نؤخّره إلا لأجلٍ معدودٍ يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ:103-105].
قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا ليث، حدّثني أبو قبيلٍ المعافريّ، عن شفيّ الأصبحيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو -رضي اللّه عنهما- قال: خرج علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي يده كتابان، فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان؟ " قال: قلنا: لا إلّا أن تخبرنا يا رسول اللّه قال للذي في يده اليمينى: "هذا كتابٌ من ربّ العالمين، بأسماء أهل الجنّة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل على آخرهم -لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" ثمّ قال للّذي في يساره: "هذا كتاب أهل النّار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثمّ أجمل على آخرهم -لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدًا" فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلأيّ شيءٍ إذًا نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سدّدوا وقاربوا، فإنّ صاحب الجنّة يختم له بعمل الجنّة، وإن عمل أيّ عمل، وإنّ صاحب النّار يختم له بعمل النّار، وإن عمل أيّ عملٍ" ثمّ قال بيده فقبضها، ثمّ قال: "فرغ ربّكم عزّ وجلّ من العباد" ثمّ قال باليمنى فنبذ بها فقال: "فريقٌ في الجنّة"، ونبذ باليسرى فقال: "فريقٌ في السّعير"
وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ جميعًا، عن قتيبة عن اللّيث بن سعدٍ وبكر بن مضر، كلاهما عن أبي قبيلٍ، عن شفيّ بن ماتعٍ الأصبحيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، به.
وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وساقه البغويّ في تفسيره من طريق بشر بن بكرٍ، عن سعيد بن عثمان، عن أبي الزّاهريّة، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكره بنحوه. وعنده زياداتٌ منها: ثمّ قال: "فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير، عدلٌ من اللّه عزّ وجلّ".
ورواه ابن أبي حاتمٍ عن أبيه، عن عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث-عن اللّيث، به.
ورواه ابن جريرٍ عن يونس، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل، عن شفيٍّ، عن رجلٍ من الصّحابة، فذكره.
ثمّ روي عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح، عن يحيى بن أبي أسيدٍ؛ أنّ أبا فراسٍ حدّثه: أنّه سمع عبد اللّه بن عمرٍو يقول: إنّ اللّه لمّا خلق آدم نفضه نفض المزود، وأخرج منه كلّ ذرّيّته، فخرج أمثال النّغف، فقبضهم قبضتين، ثمّ قال: شقيٌّ وسعيدٌ، ثمّ ألقاهما، ثمّ قبضهما فقال: فريقٌ في الجنّة، وفريقٌ في السّعير.
وهذا الموقوف أشبه بالصّواب، واللّه أعلم.
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ -يعني ابن سلمة-أخبرنا الجريريّ، عن أبي نضرة، أنّ رجلًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له: أبو عبد اللّه -دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ ألم يقل لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خذ من شاربك ثمّ أقرّه حتّى تلقاني" قال: بلى، ولكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إن اللّه قبض بيمينه قبضةً، وأخرى باليد الأخرى، قال: هذه لهذه، وهذه لهذه ولا أبالي" فلا أدري في أيّ القبضتين أنا.
وأحاديث القدر في الصّحاح والسّنن والمسانيد كثيرةٌ جدًّا، منها حديث عليٍّ، وابن مسعودٍ، وعائشة، وجماعةٍ جمّةٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 191-193]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو شاء اللّه لجعلهم أمّةً واحدةً} أي: إمّا على الهداية أو على الضّلالة، ولكنّه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحقّ، وأضلّ من يشاء عنه، وله الحكمة والحجّة البالغة؛ ولهذا قال: {ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظّالمون ما لهم من وليٍّ ولا نصيرٍ}
وقال: ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي سويدٍ، حدّثه عن ابن حجيرة: أنّه بلغه أنّ موسى، عليه السّلام، قال: يا ربّ خلقك الّذين خلقتهم، جعلت منهم فريقًا في الجنّة وفريقًا في النّار، لو ما أدخلتهم كلّهم الجنّة؟! فقال: يا موسى، ارفع ذرعك. فرفع، قال: قد رفعت. قال: ارفع. فرفع، فلم يترك شيئًا، قال: يا ربّ قد رفعت، قال: ارفع. قال: قد رفعت، إلّا ما لا خير فيه. قال: كذلك أدخل خلقي كلّهم الجنّة، إلّا ما لا خير فيه). [تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أم اتّخذوا من دونه أولياء فاللّه هو الوليّ وهو يحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ (9) وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه ذلكم اللّه ربّي عليه توكّلت وإليه أنيب (10) فاطر السّماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ومن الأنعام أزواجًا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيءٌ وهو السّميع البصير (11) له مقاليد السّماوات والأرض يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (12) }
يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتّخاذهم آلهةً من دون اللّه، ومخبرًا أنّه هو الوليّ الحقّ الّذي لا تنبغي العبادة إلّا له وحده، فإنّه القادر على إحياء الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ). [تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى اللّه} أي: مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عامٌّ في جميع الأشياء، {فحكمه إلى اللّه} أي: هو الحاكم فيه بكتابه، وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كقوله: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول} [النّساء:59].
{ذلكم اللّه ربّي} أي: الحاكم في كلّ شيءٍ، {عليه توكّلت وإليه أنيب} أي: أرجع في جميع الأمور).[تفسير ابن كثير: 7/ 193]

تفسير قوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {فاطر السّموات والأرض} أي: خالقهما وما بينهما، {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} أي: من جنسكم وشكلكم، منّةً عليكم وتفضّلًا جعل من جنسكم ذكرًا وأنثى، {ومن الأنعام أزواجًا} أي: وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ.
وقوله: {يذرؤكم فيه} أي: يخلقكم فيه، أي: في ذلك الخلق على هذه الصّفة لا يزال يذرؤكم فيه ذكورًا وإناثًا، خلقًا من بعد خلقٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، ونسلًا بعد نسلٍ، من النّاس والأنعام.
وقال البغويّ رحمه اللّه: {يذرؤكم فيه} أي: في الرّحم. وقيل: في البطن. وقيل: في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهدٌ: ونسلًا بعد نسلٍ من النّاس والأنعام.
وقيل: "في" بمعنى "الباء"، أي: يذرؤكم به.
{ليس كمثله شيءٌ} أي: ليس كخالق الأزواج كلّها شيءٌ؛ لأنّه الفرد الصّمد الّذي لا نظير له، {وهو السّميع البصير}).[تفسير ابن كثير: 7/ 194]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {له مقاليد السّموات والأرض} تقدّم تفسيره في "سورة الزّمر"، وحاصل ذلك أنّه المتصرّف الحاكم فيهما، {يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر} أي: يوسّع على من يشاء، ويضيّق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التّامّ، {إنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}).[تفسير ابن كثير: 7/ 194]

رد مع اقتباس