عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل * وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير * ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير * أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير}
هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ووعيد للكفار، وإزالة عن النبي عليه الصلاة والسلام جميع الكلف سوى التبليغ فقط، لئلا يهتم بعدم إيمان قريش وغيرهم، فقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: إن الذين اتخذوا الأصنام والأوثان أولياء من دون الله، الله هو الحفيظ عليهم كفرهم، المحصي لأعمالهم، المجازي لهم عليها بعذاب الآخرة، وأنت فلست بوكيل عليهم ولا ملازم لأمرهم حتى يؤمنوا، و"الوكيل": المقيم على الأمر، وما في هذا اللفظ من موادعة فهو منسوخ بآية السيف.
ثم قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك}، أي: وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه الصورة، كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا مبينا لهم، لا يحتاجون معه إلى آخر سواه; إذ فهمه متأت لهم، ولم يكلفك إلا إنذار من ذكر، و"أم القرى" هي مكة، والمراد أهل مكة، ولذلك عطف "من" عليها، وهي في الأغلب لمن يعقل، و"يوم الجمع" هو يوم القيامة، واقتصر في "تنذر" على المفعول الأول لأن المعنى: وتنذر أم القرى العذاب وتنذر الناس يوم الجمع، لاجتماع أهل الأرض بأهل السماء، أو لاجتماع بني آدم للعرض، وقوله تعالى: {لا ريب فيه} أي في نفسه وذاته، وارتياب الكفار به لا يقيد.
وقوله تعالى: "فريق" مرتفع على خبر الابتداء المضمر، كأنه تعالى قال: هم فريق في الجنة وفريق في السعير). [المحرر الوجيز: 7/ 501-502]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قوى تبارك وتعالى تسلية نبيه صلى الله عليه وسلم بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم، وأنه لو أراد كونهم أمة واحدة لجمعهم عليه، ولكنه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته، وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة، وإن الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقوة ما لهم من ولي ولا نصير). [المحرر الوجيز: 7/ 502]

تفسير قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "أم اتخذوا" كلام منقطع مما قبله، وليست معادلة، ولكن الكلام كأنه أضرب عن حجة لهم أو مقالة مقررة، فقال: بل اتخذوا، هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا، وذهب بعضهم إلى أن "أم" هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقدير إضراب، ثم أثبت تعالى الحكم بأنه عز وجل هو الولي الذي تنفع ولايته، وأنه هو الذي يحيي الموتى ويحشرهم إلى الآخرة ويبعثهم من قبورهم، وأن قدرته على كل شيء تعطي هذا وتقتضيه).[المحرر الوجيز: 7/ 502]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب * فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير * له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم}
المعنى: قل يا محمد: وما اختلفتم فيه أيها الناس من تكذيب وتصديق وإيمان وكفر وغير ذلك، فالحكم فيه والمجازاة عليه ليست إلي ولا بيدي، وإنما ذلك إلى الله الذي صفاته ما ذكر من إحياء الموتى والقدرة على كل شيء، ثم قال: {ذلكم الله ربي}، وعليه توكلي، وإليه إنابتي ورجوعي، وهو فاطر السماوات والأرض، أي مخترعها وخالقها، شق بعضها من بعض.
وقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجا} يريد: زوج الإنسان الأنثى، وبهذه النعمة اتفق الذرء، وليست الأزواج هاهنا الأنواع، وأما الأزواج المذكورة مع الأنعام فالظاهر أيضا والمتسق: أنه يريد إناث الذكران، ويحتمل أن يريد الأنواع، والأول أظهر. وقوله تعالى: {يذرؤكم فيه} أي يخلقكم نسلا بعد نسل، وقرنا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة "ذرأ" تزيد على لفظة "خلق" معنى آخر ليس في "خلق"، وهو توالي الطبقات على مر الزمان، وقوله: "فيه" الضمير على "الجعل" الذي يتضمنه قوله تعالى: {جعل لكم}، وهذا كما تقول: كلمت زيدا كلاما أكرمته فيه، وقال العتبي: الضمير للتزويج، ولفظة "في" مشتركة على معان وإن كان أصلها الوعاء، وإليه يردها النظر في كل وجه.
وقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}، الكاف مؤكدة للتشبيه، فنفي التشبيه أوكد ما يكون، وذلك أنك تقول: زيد كعمرو، وزيد مثل عمرو، فإذا أردت المبالغة التامة قلت: زيد كمثل عمرو، ومن هذا قول أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع النخيل ... تغشاهم مسبل منهمر
ومنه قول الآخر:
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ... ما إن كمثلهم في الناس من أحد
فجرت الآية في هذا الموضع على عرف كلام العرب، وتفترق الآية مع هذه الشواهد في أن الشواهد متى أردت أن تتبع بذهنك هذا اللفظ فتقدر للجذوع مثلا موجودا وتشبه القتلى بذلك المثل أمكنك، أو لا يمكنك هذا في جهة الله تعالى إلا أن تجعل المثل ما يتحصل في الذهن من العلم بالله تعالى، إذ المثل والمثال واحد.
وذهب الطبري وغيره إلى أن المعنى: "ليس كهو شيء"، وقالوا: لفظة "مثل" في الآية توكيد أو واقعة موقع هو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومما يؤيد دخول الكاف تأكيدا أنها قد تدخل على الكاف نفسها، وأنشد سيبويه:
وصاليات ككما يؤثفين
). [المحرر الوجيز: 7/ 502-504]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"المقاليد": المفاتيح، قاله ابن عباس، والحسن. وقال مجاهد: أصلها بالفارسية، وهي هاهنا استعارة لوقوع كل أمر تحت قدرته، وقال السدي: المقاليد: الخزائن، وفي العبارة -على هذا- حذف مضاف، قال قتادة: من ملك مقالد خزائن، فالخزائن في ملكه، وبسط الرزق وقدره بين، وقد مضى تفسيره غير مرة). [المحرر الوجيز: 7/ 505]

رد مع اقتباس