عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 05:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون}
المعنى: أنه لما ساء ظنه بهم ولم يصدق قولهم بل استراب به وتولى عنهم أي زال بوجهه عنهم، وجعل يتفجع ويتأسف. قال الحسن: خصت هذه الأمة بالاسترجاع، ألا ترى إلى قول يعقوب: يا أسفى؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والمراد: يا أسفي، لكن هذه لغة من يرد ياء الإضافة ألفا نحو: يا أبتا ويا غلاما.
[المحرر الوجيز: 5/133]
ونادى الأسف على معنى: احضر فهذا من أوقاتك. وقيل: قوله: "يا أسفى" على جهة الندبة، وحذف الهاء التي هي في الندبة علامة المبالغة في الحزن تجلدا منه عليه السلام، إذ كان قد ارتبط إلى الصبر الجميل. وقيل: قوله: "يا أسفى" نداء فيه استغاثة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يبعد أن يجتمع "الاسترجاع" و"يا أسفا" لهذه الأمة وليعقوب عليه السلام.
وابيضت عيناه من الحزن أي: من ملازمة البكاء الذي هو ثمرة الحزن، وروي أن يعقوب عليه السلام حزن حزن سبعين ثكلى، وأعطي أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله قط، رواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ ابن عباس، ومجاهد: "الحزن" بفتح الحاء والزاي، وقرأ قتادة بضمهما، وقرأ الجمهور بضم الحاء وسكون الزاي.
" وهو كظيم " بمعنى: كاظم، كما قال: والكاظمين الغيظ، ووصف يعقوب بذلك لأنه لم يشك إلى أحد، وإنما كان يكمد في نفسه ويمسك همه في صدره، وكان يكظمه أي يرده إلى قلبه ولا يرسله بالشكوى والغضب والضجر، وقال ناس: "كظيم" بمعنى: مكظوم. وقد وصف الله تعالى يونس عليه السلام بمكظوم في قوله: {إذ نادى وهو مكظوم}، وهذا إنما يتجه على تقدير أنه مليء بحزنه، فكأنه كظم بثه في صدره، وجري "كظيم" على باب "كاظم" أبين، وفسر ناس "الكظيم" بالمكروب وبالمكدور، وذلك كله متقارب. وقال منذر بن سعيد: الأسف إذا كان من جهة من هو
[المحرر الوجيز: 5/134]
أقل من الإنسان فهو غضب، ومنه قول الله تعالى: {فلما آسفونا انتقمنا منهم}، ومنه قول الرجل الذي ذهبت لخادمه الشاة من الغنم: "فأسفت فلطمتها"، وإذا كان من جهة لا يطيقها فهو هم وحزن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحرير هذا المنزع أن الأسف يقال في الغضب ويقال في الحزن، وكل واحد من هذين يحزر حاله التي يقال عليها). [المحرر الوجيز: 5/135]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قالوا تالله تفتأ} الآية. المعنى: تالله لا تفتأ، فتحذف (لا) في هذا الموضع من القسم لدلالة الكلام عليها، فمن ذلك قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ومنه قول الآخر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أراد: لا يبرح، ولا يبقى. وقال الزجاجي: وقد تحذف أيضا (ما) في هذا
[المحرر الوجيز: 5/135]
الموضع، وخطأه بعض النحويين. ومن المواضع التي حذفت فيها (لا) ويدل عليها الكلام، قول الشاعر:
فلا -وأبي دهماء- زالت عزيزة ... على قومها ما فتل الزند قادح
وقوله: "ما فتل الزند قادح" يوجب أن المحذوف (لا)، وليست (ما).
و(فتئ) بمنزلة زال وبرح في المعنى والعمل، تقول: "والله لا فتئت قاعدا" كما تقول: "لا زلت ولا برحت"، ومنه قول أوس بن حجر:
فما فتئت حتى كأن غبارها ... سرادق يوم ذي رياح ترفع
و "الحرض": الذي قد نهكه الهرم أو الحب أو الحزن إلى حال فساد الأعضاء والبدن والحس، وعلى هذا المعنى قراءة الجمهور: "حرضا" بفتح الراء والحاء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بضمهما، وقرأت فرقة: "حرضا" بضم الحاء وسكون الراء، وهذا كله المصدر يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والجمع بلفظ واحد، كعدل وعدو، وقيل في قراءة الحسن: إنه فتات الأشنان، أي: باليا متفتتا، ويقال من هذا المعنى الذي هو شن الهم والهرم: "رجل حارض"، ويثنى هذا البناء ويجمع ويؤنث
[المحرر الوجيز: 5/136]
ويذكر، ومن هذا المعنى قول الشاعر:
إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليت وحتى شفني السقم
وقد سمع من العرب "رجل محرض"، قال الشاعر وهو امرؤ القيس:
أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضا ... كإحراض بكر في الديار مريض
والحرض -بالجملة-: الذي فسد ودنا موته، قال مجاهد: الحرض: ما دون الموت، قال قتادة: الحرض: البالي الهرم، وقال نحوه الضحاك والحسن، وقال الحسن: "حرضا": معناه: فاسد لا عقل له، فكأنهم قالوا على جهة التعنيف له: أنت لا تزال تذكر يوسف إلى حال القرب من الهلاك، أو إلى الهلاك، فأجابهم يعقوب عليه السلام رادا عليهم: إني لست ممن يجزع ويضجر فيستحق التعنيف، وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله). [المحرر الوجيز: 5/137]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "البث": ما في صدر الإنسان مما هو معتزم أن يبثه وينشره، وأكثر ما يستعمل البث في المكروه، وقال أبو عبيدة وغيره: البث: أشد الحزن، وقد يستعمل البث في المخفي على الجملة، ومنه قول المرأة في حديث "أم زرع": (ولا يولج الكف ليعلم البث)،
[المحرر الوجيز: 5/137]
ومنه قولهم: "أبثك حديثي".
وقرأ عيسى: "وحزني" بفتح الحاء والزاي.
وحكى الطبري بسند أن يعقوب دخل على فرعون وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فقال له فرعون: ما بلغ بك هذا يا إبراهيم؟ فقالوا: إنه يعقوب، فقال: ما بلغ بك هذا يا يعقوب؟ قال له: طول الزمان وكثرة الأحزان، فأوحى الله إليه: يا يعقوب، أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب، خطيئة فاغفرها لي. وأسند الطبري إلى الحسن قال: كان بين خروج يوسف عن يعقوب إلى دخول يعقوب على يوسف ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، ولم يزل يبكي حتى كف بصره، وما في الأرض يومئذ أكرم على الله من يعقوب.
وقوله: {أعلم من الله ما لا تعلمون} يحتمل أنه أشار إلى حسن ظنه بالله وجميل عادة الله عنده، ويحتمل أنه أشار إلى الرؤيا المنتظرة، أو إلى ما وقع في نفسه عن قول ملك مصر: إني أدعو له برؤية ابنه قبل الموت، وهذا هو حسن الظن الذي قدمناه). [المحرر الوجيز: 5/138]

تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين}
المعنى: اذهبوا إلى الأرض التي جئتم منها وتركتم أخويكم بنيامين وروبيل. "فتحسسوا"، أي: استقصوا وتفرقوا، والتحسس: طلب الشيء بالحواس، ويستعمل في الخير والشر، فمن استعماله في الخير هذه الآية، وفي الشر نهي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "ولا تحسسوا".
[المحرر الوجيز: 5/138]
وقوله: {من يوسف} يتعلق بمحذوف يعمل فيه "تحسسوا"، التقدير: فتحسسوا نبأ أو حقيقة من أمر يوسف، لكن يحذف ما يدل ظاهر القول عليه إيجازا.
وقرأت فرقة: "تيأسوا"، وقرأت فرقة: "تأيسوا" على ما تقدم، وقرأ الأعرج: "تئسوا" بكسر التاء، وخص يوسف وبنيامين بالذكر لأن روبيل إنما بقي مختارا، وهذان قد منعا الأوبة.
والروح: الرحمة، ثم جعل اليأس من رحمة الله وتفريجه من صفة الكافرين، إذ فيه: إما التكذيب بالربوبية، وإما الجهل بصفات الله تبارك وتعالى. وقرأ الحسن، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز: "من روح الله" بضم الراء، وكأن معنى هذه القراءة: "لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه، فإن من بقي روحه فيرجى"، ومن هذا قول الشاعر:
وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
ومن هذا قول عبيد:
وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
ويظهر من حديث الذي قال: (إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في البحر
[المحرر الوجيز: 5/139]
والبر في يوم راح، فلئن قدر الله علي فليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين): إنه يئس من روح الله، وليس الأمر كذلك لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "فغفر الله له" يقتضي أنه مات مؤمنا إذ لا يغفر الله لكافر، فبقي أن يتأول الحديث، إما على أن (قدر) بمعنى: ضيق وناقش الحساب، فذلك معنى بين، وإما أن تكون من "القدرة"، ويكون خطؤه في أن ظن في أن الاجتماع بعد السحق والتذرية محال لا يوصف الله تعالى بالقدرة عليه، فغلط في أن جعل الجائز محالا، ولا يلزمه بهذا كفر.
قال النقاش: وقرأ ابن مسعود: "من فضل"، وقرأ أبي بن كعب: "من رحمة الله"). [المحرر الوجيز: 5/140]

رد مع اقتباس