عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:36 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ونادى نوحٌ ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عملٌ غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علمٌ إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين (46) قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علمٌ وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47)}
هذا سؤال استعلامٍ وكشفٍ من نوحٍ، عليه السّلام، عن حال ولده الّذي غرق، {فقال ربّ إنّ ابني من أهلي} أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحقّ الّذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟
{قال يا نوح إنّه ليس من أهلك} أي: الّذين وعدت إنجاءهم ؛ لأنّي إنّما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك؛ ولهذا قال: {وأهلك إلا من سبق عليه القول} [هود: 40]، فكان هذا الولد ممّن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبيّ اللّه نوحًا، عليه السّلام.
وقد نصّ غير واحدٍ من الأئمّة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنّه ليس بابنه، وإنّما كان ابن زنية، ويحكى القول بأنّه ليس بابنه، وإنّما كان ابن امرأته عن مجاهدٍ، والحسن، وعبيد بن عمير، وأبي جعفرٍ الباقر، وابن جريج، واحتجّ بعضهم بقوله: {إنّه عملٌ غير صالحٍ} وبقوله: {فخانتاهما} [التّحريم: 10]، فممّن قاله الحسن البصريّ، احتجّ بهاتين الآيتين. وبعضهم يقول: كان ابن امرأته. وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنّه نسب إليه مجازًا، لكونه كان ربيبًا عنده، فاللّه أعلم.
وقال ابن عبّاسٍ، وغير واحدٍ من السّلف: ما زنت امرأة نبيٍّ قطّ، قال: وقوله: {إنّه ليس من أهلك} أي: الّذين وعدتك نجاتهم.
وقول ابن عبّاسٍ في هذا هو الحقّ الّذي لا محيد عنه، فإنّ اللّه سبحانه أغير من أن يمكّن امرأة نبيٍّ من الفاحشة ولهذا غضب اللّه على الّذين رموا أمّ المؤمنين عائشة بنت الصّدّيق زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنكر على المؤمنين الّذين تكلّموا بهذا وأشاعوه؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ الّذين جاءوا بالإفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شرًّا لكم بل هو خيرٌ لكم لكلّ امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والّذي تولّى كبره منهم له عذابٌ عظيمٌ} إلى قوله {إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علمٌ وتحسبونه هيّنًا وهو عند اللّه عظيمٌ} [النّور: 11-15].
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة وغيره، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: هو ابنه غير أنّه خالفه في العمل والنّيّة. قال عكرمة: في بعض الحروف: "إنّه عمل عملًا غير صالحٍ"، والخيانة تكون على غير بابٍ.
وقد ورد في الحديث أنّ رسول اللّه قرأ بذلك، فقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ: "إنّه عمل غير صالح"، وسمعته يقول: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} ولا يبالي {إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزّمر: 53].
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا وكيع، حدّثنا هارون النّحويّ، عن ثابتٍ البناني، عن شهر بن حوشب، عن أمّ سلمة أنّ رسول اللّه قرأها: "إنّه عمل غير صالح".
أعاده أحمد أيضا في مسنده.
أمّ سلمة هي أمّ المؤمنين والظّاهر -واللّه أعلم -أنّها أسماء بنت يزيد، فإنّها تكنّى بذلك أيضًا.
وقال عبد الرّزّاق أيضًا: أخبرنا الثّوريّ وابن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتّة قال: سمعت ابن عبّاسٍ -سئل -وهو إلى جنب الكعبة -عن قول اللّه: {فخانتاهما} [التّحريم:10]، قال: أما وإنّه لم يكن بالزّنا، ولكن كانت هذه تخبر النّاس أنّه مجنونٌ، وكانت هذه تدلّ على الأضياف. ثمّ قرأ: {إنّه عملٌ غير صالحٍ} قال ابن عيينة: وأخبرني عمار الدهبي أنّه سأل سعيد بن جبيرٍ عن ذلك فقال: كان ابن نوحٍ، إنّ اللّه لا يكذب! قال تعالى: {ونادى نوحٌ ابنه} قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبيٍّ قطّ.
وكذا روي عن مجاهدٍ أيضًا، وعكرمة، والضّحّاك، وميمون بن مهران وثابت بن الحجّاج، وهو اختيار أبي جعفر بن جريرٍ، وهو الصّواب [الّذي] لا شكّ فيه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 325-327]

تفسير قوله تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([وقوله]: {قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليمٌ (48)}
يخبر تعالى عمّا قيل لنوحٍ، عليه السّلام، حين أرست السّفينة على الجوديّ، من السّلام عليه، وعلى من معه من المؤمنين، وعلى كلّ مؤمنٍ من ذرّيّته إلى يوم القيامة، كما قال محمّد بن كعبٍ: دخل في هذا السّلام كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ إلى يوم القيامة، وكذلك في العذاب والمتاع كلّ كافرٍ وكافرةٍ إلى يوم القيامة.
وقال محمّد بن إسحاق: ولمّا أراد أن يكفّ الطّوفان أرسل ريحًا على وجه الأرض، فسكن الماء، وانسدّت ينابيع الأرض الغمر الأكبر وأبواب السّماء، يقول اللّه تعالى: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك [ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظّالمين]}
فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر، وكان استواء الفلك على الجوديّ، فيما يزعم أهل التّوراة، في الشّهر السّابع لسبع عشرة ليلةً مضت منه، وفي أوّل يومٍ من الشّهر العاشر، رئي رءوس الجبال. فلمّا مضى بعد ذلك أربعون يومًا، فتح نوحٌ كوّة الفلك الّتي ركب فيها، ثمّ أرسل الغراب لينظر له ما صنع الماء، فلم يرجع إليه. فأرسل الحمامة فرجعت إليه، لم تجد لرجليها موضعًا، فبسط يده للحمامة فأخذها فأدخلها. ثمّ مضى سبعة أيّامٍ، ثمّ أرسلها لتنظر له. فرجعت حين أمست، وفي فيها ورق زيتونٍ فعلم نوحٌ أنّ الماء قد قلّ عن وجه الأرض. ثمّ مكث سبعة أيّامٍ، فلم ترجع، فعلم نوحٌ أنّ الأرض قد برزت، فلمّا كملت السّنة فيما بين أن أرسل اللّه الطّوفان إلى أن أرسل نوحٌ الحمامة، ودخل يوم واحدٍ من الشّهر الأوّل من سنة اثنتين، برز وجه الأرض، وظهر اليبس وكشف نوحٌ غطاء الفلك ورأى وجه الأرض، وفي الشّهر الثّاني من سنة اثنتين، في سبعٍ وعشرين ليلةً منه {قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا [وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك]} [إلى آخر] الآية). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 327-328]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين (49)}
يقول تعالى لنبيّه [ورسوله محمّدٍ] صلّى اللّه عليه وسلّم. هذه القصّة وأشباهها {من أنباء الغيب} يعني: من أخبار الغيوب السّالفة نوحيها إليك على وجهها [وجلّيتها]، كأنّك شاهدها، {نوحيها إليك} أي: نعلمك بها وحيًا منّا إليك، {ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} أي: لم يكن عندك ولا عند أحدٍ من قومك علمٌ بها، حتّى يقول من يكذّبك: إنّك تعلّمتها منه، بل أخبرك اللّه بها مطابقةً لما كان عليه الأمر الصّحيح، كما تشهد به كتب الأنبياء قبلك، فاصبر على تكذيب من كذّبك من قومك، وأذاهم لك، فإنّا سننصرك ونحوطك بعنايتنا، ونجعل العاقبة لك ولأتباعك في الدّنيا والآخرة، كما فعلنا [بإخوانك] بالمرسلين حيث نصرناهم على أعدائهم، {إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا [في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظّالمين معذرتهم ولهم اللّعنة ولهم سوء الدّار]} [غافر:51، 52]، وقال تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنّهم لهم المنصورون * [وإنّ جندنا لهم الغالبون]} [الصّافّات:171 -173]، وقال تعالى: {فاصبر إنّ العاقبة للمتّقين}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 328-329]


رد مع اقتباس