عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 رجب 1434هـ/28-05-2013م, 09:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّك لتلقّى القرآن من لدن حكيمٍ عليمٍ (6) إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا، سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7) فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره: وإنّك يا محمّد لتحفظ القرآن وتعلّمه. {من لدن حكيمٍ عليمٍ} يقول: من عند حكيمٍ بتدبير خلقه، عليمٍ بأنباء خلقه ومصالحهم والكائن من أمورهم، والماضي من أخبارهم، والحادث منها). [جامع البيان: 18/7-8]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإنّك لتلقّى القرآن
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ شيبان، عن قتادة، قوله: وإنّك لتلقّى القرآن قال: لتأخذ القرآن.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ قال: أتيناه يومًا فقال: ائتوني فتلقّوا منّي، يعني قال اللّه عزّ وجلّ: وإنّك لتلقّى القرآن
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامر بن الفرات، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ قوله: وإنّك لتلقّى القرآن يقول يلقى عليك الوحي.
قوله تعالى: من لدن
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: من لدن أي من عنده.
قوله تعالى: حكيمٍ عليمٍ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير قوله: حكيمٌ قال: حكيمٌ في عذره وحجّته إلى عباده). [تفسير القرآن العظيم: 9/2841-2842]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {طس} قال: هو اسم من أسماء القرآن، وفي قوله {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة} قال: لا يقرون بها ولا يؤمنون بها {فهم يعمهون} قال: في صلاتهم وفي قوله {وإنك لتلقى القرآن} يقول: تأخذ القرآن من عند {حكيم عليم} ). [الدر المنثور: 11/333] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {إذ قال موسى} و{إذ} من صلة {عليمٍ}. ومعنى الكلام: عليمٌ حين قال موسى {لأهله} وهو في مسيره من مدين إلى مصر، وقد آذاهم برد ليلهم لمّا أصلد زنده: {إنّي آنست نارًا} أي أبصرت نارًا أو أحسستها، فامكثوا مكانكم. {سآتيكم منها بخبرٍ} يعني من النّار، والهاء والألف من ذكر (النّار).
{أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة: (بشهاب قبسٍ) بإضافة الشّهاب إلى القبس وترك التّنوين، بمعنى: أو آتيكم بشعلة نارٍ أقتبسها منها.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: {بشهابٍ قبسٍ} بتنوين الشّهاب وترك إضافته إلى القبس، يعني: أو آتيكم بشهابٍ مقتبسٍ.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: إذا جعل القبس بدلاً من الشّهاب فالتّنوين في الشّهاب، وإن أضاف الشّهاب إلى القبس، لم ينوّن الشّهاب.
وقال بعض نحويّي الكوفة: إذا أضيف الشّهاب إلى القبس فهو بمنزلة قوله {ولدار الآخرة} ممّا يضاف إلى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهّمًا بالثّاني أنّه غير الأوّل. قال: ومثله حبّة الخضراء، وليلة القمراء، ويوم الخميس وما أشبهه.
وقال آخر منهم: إن كان الشّهاب هو القبس لم تجز الإضافة، لأنّ القبس نعتٌ، ولا يضاف الاسم إلى نعته إلاّ في قليلٍ من الكلام، وقد جاء: {ولدار الآخرة} و{وللدّار الآخرة}.
والصّواب من القول في ذلك أنّ الشّهاب إذا أريد به أنّه غير القبس فالقراءة فيه بالإضافة، لأنّ معنى الكلام حينئذٍ، ما بيّنّا من أنّه شعلة قبسٍ، كما قال الشّاعر:
في كفّه صعدةٌ مشقّفةٌ = فيها سنانٌ كشعلة القبس
وإذا أريد بالشّهاب أنّه هو القبس، أو أنّه نعتٌ له، فالصّواب في الشّهاب التّنوين، لأنّ الصّحيح في كلام العرب ترك إضافة الاسم إلى نعته، وإلى نفسه، بل الإضافات في كلامها المعروف إضافة الشّيء إلى غير نفسه وغير نعته.
وقوله: {لعلّكم تصطلون} يقول: كي تصطلوا بها من البرد.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لعلّكم تصطلون} قال: من البرد). [جامع البيان: 18/8-9]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والقبس ما اقتبست منه النّار ثبت هذا للنّسفيّ وحده وهو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ أي بشعلة نارٍ ومعنى قبسٍ ما اقتبس من النّار ومن الجمر). [فتح الباري: 8/505]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون (7)
قوله تعالى: إذ قال موسى لأهله
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة في قوله: إذ قال موسى لأهله إنّي آنست نارًا قال: تركهم أربعين سنةً في المكان الّذي نودي به، ومضى لأمر اللّه حتّى قضى ما أمر به.
قوله تعالى: إنّي آنست نارًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: إنّي آنست نارًا إنّي أحسست نارًا سار في اللّه حين سار وهو شابٌّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال:
قال عبد اللّه بن عبّاسٍ، فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله، فضلّ الطّريق وكان في الشّتاء ورفعت له نارٌ فلمّا رآها ظنّ أنّها نارٌ وكانت من نور اللّه قال لأهله: امكثوا إنّي آنست نارًا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة فيها موسى بكرامته، وأنبأه فيها بنبوّته وكلامه، أخطأ فيها الطّريق حتّى لا يدري أين توجّه، فأخرج زنده ليقدح به نارًا لأهله ليبيتوا عليها حتّى يصبح وجه سبيله. فأصلد عليه زنده فلا يوري له نارًا فقدح فيه، حتّى إذا أعياه لاحت له النّار فرآها، قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا
قوله تعالى: سآتيكم منها بخبرٍ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: قال عبد اللّه بن عبّاسٍ فلمّا قضى موسى الأجل وسار بأهله، فضلّ الطّريق، وكان في الشّتاء ورفعت له نارٌ فلمّا رآها ظنّ أنّها نارٌ، وكانت من نور اللّه قال لأهله امكثوا إنّي آنست نارًا لعلّي آتيكم منها بقبسٍ فإن لم أجد خبرًا أتيتكم بشهابٍ قبسٍ
قوله تعالى: أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق آتيكم بشهابٍ قبسٍ قال: بقبسٍ تصطلون به.
قوله تعالى: لعلّكم تصطلون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ لعلّكم تصطلون قال: من البرد.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المعافى، ثنا زهيرٌ، ثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ قال: لعلّكم تصطلون قال: تجدون البرد). [تفسير القرآن العظيم: 9/2842-2843]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون.
أخرج الطستي عن ابن عباس، ان نافع بن الازرق قال له: اخبرني عن قوله عز وجل {بشهاب قبس} قال: شعلة من نار يقتبسون منه قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول طرفة:
هم عراني فبت أدفعه * دون سهادي كشعلة القبس). [الدر المنثور: 11/333-334]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى نودي أن بورك من في النار قال نور الله بورك.
أنا معمر وقال الحسن هو النور ومن حوله الملائكة). [تفسير عبد الرزاق: 2/79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فلمّا جاءها} يقول: فلمّا جاء موسى النّار الّتي آنسها {نودي أن بورك من في النّار ومن حولها}.
- كما حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نودي أن بورك من في النّار} يقول: قدّس.
واختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله {من في النّار} فقال بعضهم: عنى جلّ جلاله بذلك نفسه، وهو الّذي كان في النّار، وكانت النّار نوره تعالى ذكره في قول جماعةٍ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار} يعني نفسه؛ قال: كان نور ربّ العالمين في الشّجرة.
- حدّثني إسماعيل بن الهيثم أبو العالية العبديّ، قال: حدّثنا أبو قتيبة، عن ورقاء، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {بورك من في النّار} قال: ناداه وهو في النّار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الحسن، في قوله: {نودي أن بورك من في النّار ومن حولها} قال: هو النّور.
قال معمرٌ: قال قتادة: {بورك من في النّار} قال: نور اللّه بورك.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال الحسن البصريّ: {بورك من في النّار}.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بوركت النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الأشيب، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {نودي أن بورك، من في النّار} بوركت النّار كذلك قاله ابن عبّاسٍ
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أن بورك من في النّار} قال: بوركت النّار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {بورك من في النّار} قال: بوركت النّار.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى، عن محمّد بن كعبٍ، في قوله: {أن بورك من في النّار} نور الرّحمن، والنّور هو اللّه {وسبحان اللّه ربّ العالمين}.
واختلف أهل التّأويل في معنى النّار في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: النّور كما ذكرت عمّن ذكرت ذلك عنه.
وقال آخرون: معناه النّار لا النّور.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: حجاب العزّة، وحجاب الملك، وحجاب السّلطان، وحجاب النّار، وهي تلك النّار الّتي نودي منها. قال: وحجاب النّور، وحجاب الغمام، وحجاب الماء.
وإنّما قيل: بورك من في النّار، ولم يقل: بورك فيمن في النّار على لغة الّذين يقولون: باركك اللّه. والعرب تقول: باركك اللّه، وبارك فيك.
وقوله: {ومن حولها} يقول: ومن حول النّار. وقيل: عنى بمن حولها: الملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ومن حولها} قال: يعني الملائكة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن الحسن، مثله.
وقال آخرون: هو موسى والملائكة.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى، عن محمّد بن كعبٍ، {ومن حولها} قال: موسى النّبيّ والملائكة، ثمّ قال: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم}.
وقوله: {وسبحان اللّه ربّ العالمين} يقول: وتنزيهًا للّه ربّ العالمين، ممّا يصفه به الظّالمون). [جامع البيان: 18/9-13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها وسبحان اللّه ربّ العالمين (8)
قوله تعالى: فلمّا جاءها نودي
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهبًا يقول: لمّا رأى موسى النّار انطلق يسير حتّى وقف منها قريبًا، فإذا هو بنارٍ عظيمةٍ تفور من فرع شجرةٍ خضراء شديدة الخضرة، يقال لها العليق، لا تزداد فيما يرى إلا عظمًا وتضرّمًا، ولا تزداد الشّجرة على شدّة الحريق إلا خضرةً وحسنًا، فوقف فنظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنّه قد ظنّ أنّها شجرةٌ تحترق، أوقد إليها موقدٌ فنالها فاحترقت، وإنه إنما يمنع النار شدة خضرتها، وكثر مائها، وكثافة ورقها، وعظم جذعها، فوضع أمرها على هذا، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيءٌ فيقتبسه، فلمّا طال عليه ذلك أهوى إليها بضعثٍ في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها، فلمّا فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنّها تريده فاستأخر عنها وهاب، ثمّ عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع بها ثمّ لم يكن شيءٌ بأوشك من خمودها، فاشتدّ عند ذلك عجبه وفكّر موسى في أمرها فقال: هي نار ممتنعةٌ لا يقتبس منها ولكنّها تتضرّم في جوف شجرة فلا تحرفها همّ خمودها على قدر عظمتها في أوشك من طرفة عينٍ، فلمّا رأى ذلك قال: إنّ لهذه لشأنًا ثمّ وضع أمرها على أنّها مأمورةٌ أو مصنوعةٌ لا يدري من أمرها ولا بما أمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيّرًا، لا يدري أيرجع لم يقيم، فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا أشدّ ما كان خضرةً، وإذا بخضرةٍ ساطعةٍ في السّماء ينظر إليها تغشى الظّلام ثمّ لم تزل الخضرة تنوّر وتسفر وتبياضّ حتّى صارت نورًا ساطعًا عمودًا ما بين السّماء والأرض على مثل شعاع الشّمس تلي دونه الأبصار كلّما نظر إليه تكاد تخطف بصره، فعند ذلك اشتدّ خوفه وحزنه، فردّ يده على عينيه، ولصق بالأرض، وسمع الحسن والوجس، إلا أنّه سمع حينئذٍ شيئًا لم يسمع السّامعون بمثله عظمًا فلمّا بلغ موسى الكرب، واشتدّ عليه الهول، وكاد أن يخالط في عقله من شدّة الخوف بما يسمع ويرى نودي من الشّجرة فقيل: يا موسى، فأجاب سريعًا وما يدري من دعاه وما كان سرعة إجابته إلا استبشارًا بالأنس فقال: لبّيك مرارًا إنّي لأسمع صوتك وأحس وجسك ولا أرى مكانك فأين أنت قال: فوقك، فلمّا سمع هذا موسى علم أنّه لا ينبغي ذلك إلا لربّه فأيقن، به فقال: كذلك أنت يا إلهي فكلامك أسمع أم رسولك، قال: بل أنا الّذي أكلّمك، فادن منّي فجمع موسى يديه في العثار ثمّ تحامل حتّى استقلّ قائمًا فرعدت فرائصه حتّى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظمٌ يحمل آخر فهو بمنزلة الميّت إلا أنّ روح الحياة تجري فيه، ثمّ زحف على ذلك وهو مرعوبٌ حتّى وقف قريبًا من الشّجرة الّتي نودي منها وذكر الحديث بطوله.
قوله تعالى: أن بورك من في النار
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة والمسعودي، عن عمرو بن مرّة سمع أبا عبيدة يحدّث، عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: إن اللّه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل اللّيل بالنّهار، وعمل النّهار باللّيل ، زاد المسعوديّ وحجابه النّار لو كشفها حرقت سحابة وجهه كلّ شيءٍ أدركه بصره، ثمّ قرأ أبو عبيدة أن بورك من في النّار ومن حولها
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: بورك من في النّار يقول: قدّس.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: أن بورك من في النّار بوركت النّار كذلك يقول ابن العبّاس.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار قال: اللّه في النّور، ونودي من النّور.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسين ابن واقدٍ، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ أنّ عكرمة حدّثه، عن ابن عبّاسٍ أن بورك من في النّار قال: كان ذلك النّار، نور، ومن حولها، أن بورك من في النّور، ومن حول النّار.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار يعني نفسه قال: كان نور ربّ العالمين في الشّجرة، ومن حولها.
- حدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ أن بورك من في النّار قال: اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، ثنا أبو معاوية، عن أبي شيبان، عن عكرمة أن بورك من في النّار ومن حولها قال: كان اللّه في نوره.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا عليّ بن حفصٍ المدائنيّ، عن ورقاء عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ أن بورك من في النّار قال: ناداه وهو في النّور.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: أن بورك من في النّار ومن حولها وهي في مصحف أبيّ بن كعبٍ أن بوركت النّار ومن حولها أمّا النّار فيزعمون أنّها ضوءٌ من اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأ مفضّلٌ بن فضالة حدّثنا أبو صخرٍ فلمّا جاءها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها قال: إنّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم كان على شاطئ الوادي يرعى غنمه، فلمّا رأت الغنم النّار نفرت فقام موسى فصاح بها فاجتمعت، ثمّ نفرت الثّانية، ثمّ قام فصاح بها فاجتمعت، ثمّ نفرت، الثّالثة، فلمّا قام أبصر النّار فسار إليها فلمّا أتاها نودي أن بورك من في النّار ومن حولها قال: إنّها لم تكن نار ولكنّه كان نور اللّه عزّ وجلّ وهو الّذي كان في ذلك النّور، وإنّما كان ذلك النّور منه وموسى حوله.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا مكّيّ بن إبراهيم، ثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ في قوله عزّ وجلّ: أن بورك من في النّار ومن حولها قال: النّار نور الرّحيم ضوءٌ من نور اللّه عزّ وجلّ ومن حولها موسى النّبيّ والملائكة عليهم السّلام.

الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ أحمد بن حميدٍ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن السّدّيّ أن بورك من في النّار قال: كان في النّار ملائكةٌ.
قوله تعالى: ومن حولها
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ القطّان، ثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاء، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ ومن حولها قال: الملائكة وروي عن عكرمة والحسن، وسعيد بن جبيرٍ وقتادة مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأ مفضّل بن فضالة، حدّثني أبو صخرٍ أن بورك من في النّار ومن حولها قال: كان نور اللّه عزّ وجلّ وهو الّذي كان في ذلك النّور، وإنّما كان ذلك النّور منه وموسى حوله.
قوله تعالى: وسبحان اللّه رب العالمين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أن بورك من في النّار ومن حولها فلمّا سمع موسى النّداء فزع فقال: سبحان اللّه ربّ العالمين نودي: يا موسى إنّي أنا اللّه ربّ العالمين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2843-2847]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نودي أن بورك من في النار قال بوركت النار قال مجاهد وكذلك قال ابن عباس). [تفسير مجاهد: 469]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله نودي أن بورك من في النار قال يقول بوركت النار ناداه الله وهو في النور). [تفسير مجاهد: 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين * يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار} يعني تبارك وتعالى نفسه، كان نور رب العالمين في الشجرة {ومن حولها} يعني الملائكة). [الدر المنثور: 11/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وابن مردويه عنه عن ابن عباس {نودي أن بورك من في النار ومن حولها} يقول: بروكت بالنار ناداه الله وهو في النور). [الدر المنثور: 11/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كانت تلك النار نورا {أن بورك من في النار ومن} حول النار). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس {أن بورك من في النار} قال: بوركت النار.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد، مثله). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: في مصحف أبي بن كعب (بوركت النار ومن حولها) أما النار فيزعمون أنها نور رب العالمين {ومن حولها} الملائكة). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان يقرأ (أن بوركت النار) ). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب في الآية قال: النار: نور الرحمن {ومن حولها} موسى والملائكة). [الدر المنثور: 11/335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {بورك} قال: قدس). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الاسماء والصفات من طريق أبي عبيدة عن أبي موسى الاشعري قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو رفع الحجاب لا حرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره ثم قرأ أبو عبيدة {أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} ). [الدر المنثور: 11/336]

تفسير قوله تعالى: (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9) وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا ولم يعقّب، يا موسى لا تخف، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله لموسى: {إنّه أنا اللّه العزيز} في نقمته من أعدائه {الحكيم} في تدبيره في خلقه.
والهاء الّتي في قوله: {إنّه} هاء عمادٍ، وهو اسمٌ لا يظهر في قول بعض أهل العربيّة.
وقال بعض نحويّي الكوفة: يقول هي الهاء المجهولة، ومعناها: أنّ الأمر والشّأن: أنا اللّه). [جامع البيان: 18/13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم (9)
قوله تعالى: يا موسى إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا سلمة، عن أبي سنانٍ، عن أبي بكرٍ الثّقفيّ قال: أتى موسى الشّجرة ليلا وهي خضراء والنّار تتردّد فيها فذهب يتناول النّار، فمالت عنه فذعر وفزع، فنودي من شاطئ الواد الأيمن، قال: عن يمين الشّجرة، يا موسى فاستأنس بالصّوت، فقال: أين أنت، أين أنت قبل الصّوت، قال: أنا فوقك، قال: ربّي قال: نعم). [تفسير القرآن العظيم: 9/2847]

تفسير قوله تعالى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولم يعقب قال لم يلتفت). [تفسير عبد الرزاق: 2/79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وألق عصاك، فلمّا رآها تهتزّ} في الكلام محذوفٌ ترك ذكره استغناءً بما ذكر عمّا حذف، وهو: فألقاها فصارت حيّةً تهتزّ. {فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} يقول: كأنّها حيّةٌ عظيمةٌ، والجانّ: جنسٌ من الحيّات معروفٌ.
- وقال ابن جريجٍ في ذلك ما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {وألق عصاك فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ} قال: حين تحوّلت حيّةً تسعى.
وهذا الجنس من الحيّات عنى الرّاجز بقوله:
يرفعن باللّيل إذا ما أسدفا = أعناق جنّانٍ وهامًا رجّفا
وعنقًا باقى الرّسيم خيطفا
وقوله: {ولّى مدبرًا} يقول تعالى ذكره: ولّى موسى هاربًا خوفًا منها. {ولم يعقّب} يقول: ولم يرجع؛ من قولهم: عقّب فلانٌ: إذا رجع على عقبه إلى حيث بدأ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولم يعقّب} قال: لم يرجع.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: لم يلتفت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولم يعقّب} قال: لم يرجع، {يا موسى} قال: لمّا ألقى العصا صارت حيّةً، فرعب منها وجزع، فقال اللّه: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} قال: فلم يرعو لذلك، قال: فقال اللّه له: {أقبل ولا تخف، إنّك من الآمنين} قال: فلم يقف أيضًا على شيءٍ من هذا حتّى قال: {سنعيدها سيرتها الأولى} قال: فالتفت فإذا هي عصًا كما كانت، فرجع فأخذها، ثمّ قوي بعد ذلك عليها، حتّى صار يرسلها على فرعون ويأخذها.
وقوله: {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم} يقول تعالى ذكره: فناداه ربّه: يا موسى لا تخف من هذه الحيّة، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون: يقول: إنّي لا يخاف عندي رسلي وأنبيائي الّذين أختصّهم بالنّبوّة، إلاّ من ظلم منهم، فعمل بغير الّذي أذن له في العمل به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {يا موسى لا تخف، إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} قال: لا يخيف اللّه الأنبياء إلاّ بذنبٍ يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتّى يأخذه منه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه الفزاريّ، عن عبد اللّه بن المبارك، عن أبي بكرٍ، عن الحسن، قال: قوله: {يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون (10) إلاّ من ظلم} قال: إنّي إنّما أخفتك لقتلك النّفس، قال: وقال الحسن: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، ثمّ تذنب والله فتعاقب). [جامع البيان: 18/14-16]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وألق عصاك
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا قال: فقال له الرّبّ عزّ وجلّ، ألقها يا موسى فظنّ موسى أنّه يقول ارفضها فألقاها على وجه الرّفض.
قوله تعالى: عصاك
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ، في عصا موسى قال: تلك العصا أعطاه إيّاها ملكٌ من الملائكة لمّا أن توجّه إلى مدين، فكانت تضيء له اللّيل، ويضرب بها الأرض فيخرج له نباته، ويهشّ بها على غنمه ورق الشّجر.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان اسم عصا موسى ماشا.
- حدّثنا الحسين بن السّكن البصريّ، ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، أنبأ قيسٌ، عن مسعود بن مالكٍ، عن ابن جبيرٍ قال: كانت عصا موسى عليه السّلام من عوسجٍ
قوله تعالى: فلمّا رآها تهتزّ كأنّها جانٌّ ولّى مدبرًا
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا يقول: ثمّ حانت منه نظرةٌ، فإذا بأعظم ثعبانٍ نظر إليه النّاظرون يدبّ يلتمس كأنّه يبتغي شيئًا يريد أخذه، يمرّ بالصّخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالنّاب من أنيابه في أصل الشّجرة العظيمة فيجتثّها عيناه توقدان نارًا، وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعرٌ مثل النيازك، وعاد الشعبتان مثل القليب الواسع، فيه أضراسٌ وأنيابٌ لها صريفٌ، فلمّا عاين ذلك موسى، ولّى مدبرًا، ولم يعقب.
قوله تعالى: ولم يعقب
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: ولم يعقّب لم يرجع.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ولم يعقّب لم ينتظر.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ولم يعقّب: أي لم يلتفت.
قوله تعالى: يا موسى لا تخف
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ، قال: سمعت وهبًا يقول: فلمّا عاين ذلك موسى ولّى مدبرًا ولم يعقّب، فذهب حتّى أمعن ورأى أنّه قد أعجز الحيّة ثمّ ذكر ربّه فوقف استحياءً منه، ثمّ نودي يا موسى: إليّ ارجع حيث كنت، فرجع موسى وهو شديد الخوف ف قال: خذها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: ولم يعقّب يا موسى لا تخف قال: لمّا ألقى العصا صارت حيّةً فزع منها وجزع فقال اللّه عزّ وجلّ: إنّي لا يخاف لديّ المرسلون قال: فلم يرعو لذلك فقال له: أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين قال: فلم يعقّب أيضًا على شيءٍ من هذا حتّى قال اللّه عزّ وجلّ: سنعيدها سيرتها الأولى قال: فالتفت فإذا هي عصًا كما كانت فرجع، فأخذها، ثمّ قوي بعد ذلك عليها حتّى صار يرسلها على فرعون ويأخذها.
قوله تعالى: إنّي لا يخاف لديّ المرسلون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لديّ المرسلون أي عندي المرسلون). [تفسير القرآن العظيم: 9/2847-2849]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولم يعقب قال يقول لم يرجع). [تفسير مجاهد: 469]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم * وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين * وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فلما رآها تهتز كأنها جان} قال: حين تحولت حية تسعى). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولم يعقب يا موسى} قال: لم يرجع وفي قوله {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} قال: ثم تاب من بعد ظلمه وإساءته). [الدر المنثور: 11/336]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولى مدبرا} قال: فارا {ولم يعقب} قال: لم يلتفت، وفي قوله {لا يخاف لدي} قال: عندي وفي قوله {إلا من ظلم} قال: إن الله لم يجز ظالما، ثم عاد الله بعائدته وبرحمته فقال {ثم بدل حسنا بعد سوء} أي فعمل عملا صالحا بعد عمل سيء عمله {فإني غفور رحيم} ). [الدر المنثور: 11/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ميمون قال: إن الله قال لموسى {إني لا يخاف لدي المرسلون (10) إلا من ظلم} وليس للظالم عندي أمان حتى يتوب). [الدر المنثور: 11/337]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أنه كان يقرأ هذه الآية: {إلا من ظلم}). [الجامع في علوم القرآن: 3/49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واختلف أهل العربيّة في وجه دخول إلاّ في هذا الموضع، وهو استثناءٌ مع وعد اللّه الغفران المستثنى من قوله: {إنّي لا يخاف لديّ المرسلون} بقوله: {فإنّي غفورٌ رحيمٌ}. وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفيًّا مثبتًا كقوله: ما قام إلاّ زيدٌ، فـ(زيدٌ) مثبتٌ له القيام، لأنّه مستثنى ممّا قبل (إلاّ)، وما قبل (إلاّ) منفيّ عنه القيام، وأن يكون ما بعده إن كان ما قبله مثبتًا منفيًّا كقولهم: قام القوم إلاّ زيدًا؛ فـ(زيدٌ) منفيّ عنه القيام؛ ومعناه: إنّ زيدًا لم يقم، والقوم مثبتٌ لهم القيام، و{إلاّ من ظلم، ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ}، فقد أمّنه اللّه بوعده الغفران والرّحمة، وأدخله في عداد من لا يخاف لديه من المرسلين. فقال بعض نحويّي البصرة: أدخلت إلاّ في هذا الموضع، لأنّ إلاّ تدخل في مثل هذا الكلام، كمثل قول العرب: ما أشتكي إلاّ خيرًا؛ فلم يجعل قوله: إلاّ خيرًا على الشّكوى، ولكنّه علم أنّه إذا قال: ما أشتكي شيئًا أن يذكر عن نفسه خيرًا، كأنّه قال: ما أذكر إلاّ خيرًا.
وقال بعض نحويّي الكوفة: يقول القائل: كيف صيّر خائفًا من ظلم، ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ، وهو مغفورٌ له؟ فأقول لك: في هذه الآية وجهان: أحدهما أن يقول: إنّ الرّسل معصومةٌ مغفورٌ لها آمنةٌ يوم القيامة، ومن خلط عملاً صالحًا وآخر سيّئًا فهو يخاف ويرجو، فهذا وجهٌ. والآخر: أن يجعل الاستثناء من الّذين تركوا في الكلمة، لأنّ المعنى: لا يخاف لديّ المرسلون، إنّما الخوف على من سواهم، ثمّ استثنى فقال: {إلاّ من ظلم} يقول: كان مشركًا، فتاب من الشّرك، وعمل حسنًا، فذلك مغفورٌ له، وليس يخاف.
قال: وقد قال بعض النّحويّين: إنّ إلاّ في اللّغة بمنزلة الواو، وإنّما معنى هذه الآية: لا يخاف لديّ المرسلون، ولا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا، قال: وجعلوا مثله كقول اللّه: {لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلاّ الّذين ظلموا منهم} قال: ولم أجد العربيّة تحتمل ما قالوا، لأنّي لا أجيز: قام النّاس إلاّ عبد اللّه، وعبد اللّه قائمٌ؛ إنّما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الّذي بعد إلاّ من معنى الأسماء الّتي قبل إلاّ. وقد أراه جائزًا أن يقول: لي عليك ألفٌ سوى ألفٍ آخر؛ فإن وضعت إلاّ في هذا الموضع صلحت، وكانت إلاّ في تأويل ما قالوا، فأمّا مجرّدةً قد استثنى قليلها من كثيرها فلا، ولكن مثله ممّا يكون معنى إلاّ كمعنى الواو، وليست بها قوله {خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض إلاّ ما شاء ربّك} هو في المعنى. والّذي شاء ربّك من الزّيادة، فلا تجعل إلاّ بمنزلة الواو، ولكن بمنزلة سوى؛ فإذا كانت سوى في موضع إلاّ صلحت بمعنى الواو، لأنّك تقول: عندي مالٌ كثيرٌ سوى هذا: أي وهذا عندي، كأنّك قلت: عندي مالٌ كثيرٌ وهذا أيضًا عندي، وهو في سوى أبعد منه في إلاّ، لأنّك تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: عندي إلاّ هذا.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في قوله {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل} عندي غير ما قاله هؤلاء الّذين حكينا قولهم من أهل العربيّة، بل هو القول الّذي قاله الحسن البصريّ وابن جريجٍ ومن قال قولهما، وهو أنّ قوله: {إلاّ من ظلم} استثناءٌ صحيحٌ من قوله {لا يخاف لديّ المرسلون إلاّ من ظلم} منهم فأتى ذنبًا، فإنّه خائفٌ لديه من عقوبته.
وقد بيّن الحسن رحمه اللّه معنى قيل اللّه لموسى ذلك، وهو قوله قال: إنّي إنّما أخفتك لقتلك النّفس.
فإن قال قائلٌ: فما وجه قيله إن كان قوله {إلاّ من ظلم} استثناءً صحيحًا، وخارجًا من عداد من لا يخاف لديه من المرسلين، وكيف يكون خائفًا من كان قد وعد الغفران والرّحمة؟
قيل: إنّ قوله: {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} كلامٌ آخر بعد الأوّل، وقد تناهى الخبر عن الرّسل من ظلم منهم، ومن لم يظلم عند قوله {إلاّ من ظلم} ثمّ ابتدأ الخبر عمّن ظلم من الرّسل وسائر النّاس غيرهم. وقيل: فمن ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي له غفورٌ رحيمٌ.
فإن قال قائلٌ: فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت بثمّ إن لم يكن عطفًا على قوله: {ظلم}؟
قيل: على متروكٍ استغنى بدلالة قوله {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} عليه عن إظهاره، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره، وهو: فمن ظلم من الخلق. وأمّا الّذين ذكرنا قولهم من أهل العربيّة، فقد قالوا على مذهب العربيّة، غير أنّهم أغفلوا معنى الكلمة وحملوها على غير وجهها من التّأويل. وإنّما ينبغي أن يحمل الكلام على وجهه من التّأويل، ويلتمس له على ذلك الوجه للإعراب في الصّحّة مخرجٌ، لا على إحالة الكلمة عن معناها ووجهها الصّحيح من التّأويل.
وقوله: {ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} يقول تعالى ذكره: فمن أتى ظلمًا من خلق اللّه، وركب مأثمًا، ثمّ بدّل حسنًا، يقول: ثمّ تاب من ظلمه ذلك وركوبه المأثم، {فإنّي غفورٌ رحيمٌ} يقول: فإنّي ساترٌ على ذنبه وظلمه ذلك بعفوي عنه، وترك عقوبته عليه {رحيمٌ} به أن أعاقبه بعد تبديله الحسن بعده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ} ثمّ تاب من بعد إساءته {فإنّي غفورٌ رحيمٌ} ). [جامع البيان: 18/16-20]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ (11)
وفي قوله: إلا من ظلم أي اللّه عزّ وجلّ، لم يجز ظالمًا.
قوله: ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: إلا من ظلم ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ ثمّ تاب من بعد ظلمه وإسائته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ثم عاد اللّه، عزّ وجلّ بعائدته وبرحمته فقال: ثمّ بدّل حسنًا بعد سوءٍ أي فعمل عملا صالحًا بعد عملٍ سيّئٍ فإنّي غفورٌ رحيمٌ.
قوله تعالى: فإنّي غفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: غفورٌ لما كان منه قبل التّوبة رحيمٌ لمن تاب). [تفسير القرآن العظيم: 9/2849-2850]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ثم بدل حسنا بعد سوء يقول تاب من بعد إساءة فإني غفور رحيم). [تفسير مجاهد: 469-470]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولم يعقب يا موسى} قال: لم يرجع وفي قوله {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} قال: ثم تاب من بعد ظلمه وإساءته). [الدر المنثور: 11/336] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولى مدبرا} قال: فارا {ولم يعقب} قال: لم يلتفت، وفي قوله {لا يخاف لدي} قال: عندي وفي قوله {إلا من ظلم} قال: إن الله لم يجز ظالما، ثم عاد الله بعائدته وبرحمته فقال {ثم بدل حسنا بعد سوء} أي فعمل عملا صالحا بعد عمل سيء عمله {فإني غفور رحيم} ). [الدر المنثور: 11/337] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ميمون قال: إن الله قال لموسى {إني لا يخاف لدي المرسلون (10) إلا من ظلم} وليس للظالم عندي أمان حتى يتوب). [الدر المنثور: 11/337] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن زيد بن اسلم أنه قرأ {إلا من ظلم} ). [الدر المنثور: 11/337]

تفسير قوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني مالك قال: التسع الآيات التي أعطيهن موسى: الحجر، والعصى، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطور). [الجامع في علوم القرآن: 2/136] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله لنبيّه موسى: {وأدخل يدك في جيبك} ذكر أنّه تعالى ذكره أمره أن يدخل كفّه في جيبه؛ وإنّما أمره بإدخاله في جيبه، لأنّ الّذي كان عليه يومئذٍ مدرعةٌ من صوفٍ. قال بعضهم: لم يكن لها كمٌّ.
وقال بعضهم: كان كمّها إلى بعض يده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وأدخل يدك في جيبك} قال: الكفّ قطّ {في جيبك}. قال: كانت مدرعةٌ إلى بعض يده، ولو كان لها كمٌّ أمره أن يدخل يده في كمّه.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: قال ابن مسعودٍ: إنّ موسى أتى فرعون حين أتاه في ذرمانقةٍ، يعني جبّة صوفٍ.
وقوله: {تخرج بيضاء} يقول: تخرج اليد بيضاء بغير لون موسى من {غير سوءٍ} يقول: من غير برصٍ {في تسع آياتٍ}، يقول تعالى ذكره: أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ، فهي آيةٌ في تسع آياتٍ مرسلٌ أنت بهنّ إلى فرعون؛ وترك ذكر مرسلٍ لدلالة قوله {إلى فرعون وقومه} على أنّ ذلك معناه، كما قال الشّاعر:
رأتني بحبليها فصدّت مخافةً = وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق
ومعنى الكلام: رأتني مقبلاً بحبليها، فترك ذكر مقبلٍ استغناءً بمعرفة السّامعين معناه في ذلك، إذ قال: رأتني بحبليها؛ ونظائر ذلك في كلام العرب كثيرةٌ.
والآيات التّسع: هنّ الآيات الّتي بيّنّاهنّ فيما مضى.
- وقد حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه} قال: هي الّتي ذكر اللّه في القرآن: العصا، واليد، والجراد، والقمّل، والضّفادع، والطّوفان، والدّم، والحجر، والطّمس الّذي أصاب آل فرعون في أموالهم.
وقوله: {إنّهم كانوا قومًا فاسقين} يقول: إنّ فرعون وقومه من القبط كانوا قومًا فاسقين، يعني كافرين باللّه.
وقد بيّنّا معنى (الفسق) فيما مضى). [جامع البيان: 18/20-22]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ في تسع آياتٍ إلى فرعون وقومه إنّهم كانوا قومًا فاسقين (12)
قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان بن المبارك، ثنا شريكٌ، ثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوءٍ قال: كانت على موسى جبّةٌ من صوفٍ لا تبلغ مرفقيه فقال: له أدخل يدك في جيبك فأدخلها.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: يدك: الكفّ.
قوله تعالى: في جيبك
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ في جيبك قال: الجيب جيب القميص.
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: في جيبك كانت عليه مدرعةٌ، إلى بعض يده، ولو كان لها كمٌّ أمره أن يدخل يد في كمّه.
قوله: تخرج بيضاء
- حدّثنا أبي، ثنا عبدة بن سليمان، ثنا ابن المبارك، ثنا شريكٌ، أنبأ يزيد بن أبي زيادٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: تخرج بيضاء قال: فأدخلها ثمّ أخرجها بيضاء من غير سوءٍ، كأنّها فروٌ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، عن عبد اللّه بن الأسود الحارثيّ، عن قرّة بن خالدٍ، عن الحسن بيضاء من غير سوءٍ قال: أخرجها واللّه كأنّها مصابيح فعلم واللّه موسى قد لقي ربّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: من غير سوءٍ
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن، ويزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيدٍ الورّاق، عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أخرج يده بيضاء من غير سوءٍ يعني البرص- وروي عن مجاهدٍ وعكرمة وقتادة والضّحّاك، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: في تسع آياتٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرّة سمع عبد اللّه بن سلمة يحدّث، عن صفوان بن عسّالٍ المراديّ، أنّ رجلين من أهل الكتاب، قال أحدهما لصاحبه: اهب بنا إلى هذا النّبيّ، فقال: لا يسمعون هذا فتصير له أربعة أعينٍ، فأتياه فسألاه، عن تسع آياتٍ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تشركوا باللّه شيئًا، ولا تقتلوا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، ولا تمشوا ببريءٍ، إلى السّلطان لتقتلوه أو تهلكوه، وعليكم خاصّة يهود أن لا تعدوا في السّبت، فقبّلا يده ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ اللّه قال: فما منعكما من اتّباعي فقالا: إنّ داود دعا أن يزال في ذرّيّته نبيٌّ، وإنّا نخشى إن تبعناك، أن تقتلنا اليهود.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، يونس بن راشدٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: في تسع آياتٍ قال: هو الطّوفان، والجراد، والقمّل والضّفادع، والدّم، والعصا، واليد، ونقص من الثمرات والسنين- وروي عن عبيد بن عميرٍ والشّعبيّ، وعكرمة، وأبي صالحٍ، والسّدّيّ، ومحمّد بن كعبٍ مثل ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد اللّه بن عبد الملك بن الرّبيع بن أبي راشدٍ، ثنا عمرو بن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ تسع آياتٍ قال: يده وعصاه ولسانه والبحر والطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٌ مفصّلاتٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ، عن محمّد بن كعب القرظي، قال: سألني عمر بن عبد العزيز، عن التّسع آياتٍ الّتي أراهنّ اللّه فرعون فقلت:
الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم وعصاه ويده والطّمسة والبحر.
قوله تعالى: إلى فرعون وقومه
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهبًا يقول: قال له ربّه عزّ وجلّ يا موسى ادنه، فلم يدنه، حتّى شدّ ظهره بجذع الشّجرة فاستقرّ وذهبت عنه الرّعدة وجمع يديه في العصا، وخضع برأسه وعنقه، ثمّ قال له، إنّي قد أقمتك اليوم في مقامٍ لا ينبغي لبشرٍ بعدك أن يقوم مقامك، أدنيتك وقرّبتك، حتّى سمعت كلامي.
وباقي الحديث مكتوبٌ في سورة طه.
قوله تعالى: إنّهم كانوا قومًا فاسقين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فاسقين يعني عاصين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2850-2852]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت على موسى جبة لا تبلغ مرفقيه فقال له {وأدخل يدك في جيبك} فادخلها). [الدر المنثور: 11/337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن المنذر عن مقسم قال: إنما قيل {وأدخل يدك في جيبك} لأنه لم يكن لها كم). [الدر المنثور: 11/337-338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كانت عليه مدرعة إلى بعض يده، ولو كان لها كم أمره أن يدخل يده في كمه). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وأدخل يدك في جيبك} قال: جيب القميص). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا، فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا جاءت فرعون وقومه آياتنا، يعني أدلّتنا وحججنا، على حقيقة ما دعاهم إليه موسى وصحّته، وهي الآيات التّسع الّتي ذكرناها قبل.
وقوله {مبصرةً} يقول: يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقةً ما دلّت عليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً} قال: بيّنةً، {قالوا هذا سحرٌ مبينٌ} يقول: قال فرعون وقومه: هذا الّذي جاءنا به موسى {سحرٌ مبينٌ}، يقول: يبين للنّاظر إليه أنّه سحرٌ). [جامع البيان: 18/22]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (13)
قوله تعالى: فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: فلمّا جاءتهم آياتنا مبصرةً أي بيّنة.
قوله تعالى: قالوا هذا سحرٌ مبينٌ
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق هذا سحرٌ مبينٌ أي ما ساحرٌ أسحر منك). [تفسير القرآن العظيم: 9/2852]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وجحدوا بها} يقول: وكذّبوا بالآيات التّسع أن تكون من عند اللّه.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وجحدوا بها} قال: الجحود: التّكذيب بها.
وقوله: {واستيقنتها أنفسهم} يقول: وأيقنتها قلوبهم، وعلموا يقينًا أنّها من عند اللّه، فعاندوا بعد تبيّنهم الحقّ، ومعرفتهم به.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {واستيقنتها أنفسهم} قال: يقينهم في قلوبهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه: {واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا} قال: استيقنوا أنّ الآيات من اللّه حقٌّ، فلم جحدوا بها؟ قال: ظلمًا وعلوًّا.
وقوله: {ظلمًا وعلوًّا} يعني بالظّلم: الاعتداء، والعلوّ: الكبر، كأنّه قيل: اعتداءً وتكبّرًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ظلمًا وعلوًّا} قال: تعظّمًا واستكبارًا.
ومعنى ذلك: وجحدوا بالآيات التّسع ظلمًا وعلوًّا، واستيقنتها أنفسهم أنّها من عند اللّه، فعاندوا الحقّ بعد وضوحه لهم، فهو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.
وقوله: {فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فانظر يا محمّد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الّذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرةً، وماذا حلّ بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربّهم، وأعقبهم ما فعلوا، فإنّ ذلك أخرجهم من جنّاتٍ وعيونٍ، وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ، إلى هلاكٍ في العاجل بالغرق، وفي الآجل إلى عذابٍ دائمٍ، {لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون} يقول: وكذلك يا محمّد سنّتي في الّذين كذّبوا بما جئتهم به من الآيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحقّ من قومك). [جامع البيان: 18/22-24]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وجحدوا بها
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة وجحدوا بها والجحود لا يكون إلا من بعد معرفةٍ.
- أخبرنا عبيد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، حدّثني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قوله: وجحدوا بها قال: كذّب بها القوم وبها في قوله: بها بآيات اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: واستيقنتها أنفسهم
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم قال: جحدوا بها بعد ما استيقنتها أنفسهم أنّها حقٌّ.
- أخبرنا عبيد بن محمّد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، حدّثني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة واستيقنتها أنفسهم وقد أيقنتها أنفسهم، أنّ موسى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: واستيقنتها أنفسهم قال: استيقنوا أنّ الآيات من اللّه حقٌّ فلم يجحدوا بها، قال: ظلمًا وعلوًّا.
قوله تعالى: ظلمًا وعلوًّا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة قال: العلوّ في كتاب اللّه التّجبّر.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، حدّثني عثمان بن عطا، عن أبيه عطا، أمّا ظلمًا وعلوًّا فظلمًا وتعظّمًا واستكبارًا.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًّا قال: فتكبّروا وقد استيقنتها أنفسهم، وهذا في التّقديم والتّأخير قوله: فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: وكان فسادهم ذلك معصية اللّه لأنّه من عصى اللّه في الأرض، أو أمر بمعصية، فقد أفسد في الأرض، لأنّ صلاح الأرض والسّماء بالطّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 9/2852-2853]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وأدخل يدك في جيبك} قال: في جيب قميصك {تخرج بيضاء من غير سوء} قال: من غير برص {في تسع آيات} قال: يقول هاتان الآيتان: يد موسى وعصاه والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين في بواديهم ومواشيهم ونقص من الثمرات في أمصارهم، وفي قوله {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} قال: بينة {وجحدوا بها} قال: كذبت القوم بآيات الله بعدما استيقنتها أنفسهم انها حق، والجحود لا يكون إلا من بعد المعرفة). [الدر المنثور: 11/338] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ظلما وعلوا} قال: تعظما واستكبارا). [الدر المنثور: 11/338]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} قال: تكبروا وقد استيقنتها أنفسهم، وهذا من التقديم والتأخير). [الدر المنثور: 11/338-339]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الاعمش أنه قرأ (ظلما وعليا) وقرأ عاصم {وعلوا} برفع العين واللام). [الدر المنثور: 11/339]


رد مع اقتباس