عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 3 جمادى الأولى 1435هـ/4-03-2014م, 04:45 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


شروط جواز الرقية

قالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ فَرْقَدٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت:189هـ): (لا بَأْسَ بالرُّقَى بما كَانَ فِي القُرْآنِ وَمَا كَانَ مِن ذِكْرِ اللهِ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ لا يُعْرَفُ مِن كَلامٍ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُرْقَى بهِ). [الموطأ برواية محمد بن الحسن:3/337]
قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الجَصَّاصُ (ت: 370هـ): (فَالرُّقْيَةُ المَنْهِيُّ عَنْهَا هِيَ رُقْيَةُ الجَاهِلِيَّةِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ، وَأَمَّا الرُّقْيَةُ بِالقُرْآنِ وَبِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ, وَقَدْ أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَبَ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي التَّبَرُّكِ بِالرُّقْيَةِ بِذِكْرِ اللهِ). [أحكام القرآن: 3/648-649]
قالَ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطَّابِيُّ (ت:388هـ): (فَأَمَّا الرُّقَى فَالمنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ مِنْهَا بغَيْرِ لِسَانِ العَرَبِ فَلا يُدْرَى مَا هُوَ وَلَعَلَّهُ قَدْ يُدْخِلُهُ سِحْرًا أوكُفْرًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَفْهُومَ المعْنَى وَكَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُتَبَرَّكٌ بهِ وَاللهُ أَعْلَمُ). [معالم السنن: ]
قالَ أَبُو حَاتمٍ مُحَمَّدُ بنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ البُسْتِيُّ (ت:354هـ):(العِلَّةُ في الزَّجْرِ عَنِ الاكْتِوَاءِ وَالاسْتِرْقَاءِ هِيَ أَنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَعْمِلونَهَا وَيَرَوْنَ البُرْءَ مِنْهُمَا مِن غَيرِ صُنْعِ البَارِي جَلَّ وَعَلا فِيهِ؛ فَإِذَا كَانتْ هَذِهِ العِلَّةُ مَوجودةً كانَ الزَّجْرُ عَنْهمَا قَائِمًا، وَإِذَا اسْتَعْمَلهُمَا المرْءُ وَجَعَلهُمَا سَبَبَينِ للبُرْءِ الَّذِي يَكُونُ مِن قَضَاءِ اللهِ أَن يَرَى ذَلِكَ مِنْهُمَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا). [صحيح ابن حبان:13/448]
قالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ البَيهَقِيُّ (ت:458هـ): (وَأَمَّا الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ فَإِنَّمَا أَرَادَ عَبْدُ اللهِ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ العَرَبِيَّةِ مِمَّا لا يُدْرَى مَا هُوَ). [السنن الكبرى:9/350 ]
قالَ أَحْمَدُ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ البَيهَقِيُّ (ت:458هـ): (وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ إِذَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ أَو اسْتُعْمِلَ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ مِنْ إِضَافَةِ الشِّفَاءِ إِلَيْهِ دَونَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ). [معرفة السنن والآثار: ]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (المسألةُ الثانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّه هل يَجُوزُ الاسْتِعَانَةُ بالرُّقَى والعُوَذِ أم لا؟
منهم من قالَ: إِنَّه يَجُوزُ واحْتَجُّوا بوُجُوهٍ:
أحدُها: مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اشْتَكَى فَرَقَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فقالَ: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ مِن كلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، واللهُ يَشْفِيكَ.
وثانيها: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُنا مِن الأَوْجَاعِ كلِّها والحُمَّى هذا الدَّعاءَ: ((بِسْمِ اللهِ الكَرِيمِ، أَعُوذُ باللهِ العَظِيمِ مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، ومِن شَرِّ حَرِّ النَّارِ)).
وثالِثُها: قَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((مَنْ دَخَلَ علَى مَرِيضٍ لَمْ يَحْضُرْه أَجَلُه، فقالَ: أسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ شُفِي)).
ورَابِعُها: عن عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دَخَل علَى مَرِيضٍ قالَ: ((أذْهِبِ البَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إِلا أَنْتَ)).
وخامِسُها: عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ يقولُ: ((أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)) ويَقُولُ: ((هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ ابْنَيْهِ إِسْمَاعِيلَ وإِسْحَاقَ)).
وسَادِسُها: قالَ عُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيُّ: قَدِمْتُ علَى رَسُولِ اللهِ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كانَ يُبْطِلُنِي، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اجْعَلْ يَدَكَ اليُمْنَى عَلَيْهِ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ سَبْعَ مَرَّاتٍ)) ففَعَلْتُ ذلك فشَفَانِي اللهُ.
وسابِعُها: رُوِيَ أَنَّه عَلَيْهِ السَّلامُ كان إذا سَافَرَ فنَزَلَ مَنْزِلًا يقولُ: ((يَا أَرْضُ، رَبِّي ورَبُّكِ اللهُ أَعُوذُ باللهِ مِنْ شَرِّكِ وشَرِّ ما فِيكِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْكِ وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، وأَعُوذُ باللهِ مِن أَسَدٍ وأَسْوَدٍ وحَيَّةٍ وعَقْرَبٍ، ومِنْ شَرِّ سَاكِنِي البَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ)).
وثامِنُها: قالَتْ عَائِشَةُ: كان رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا اشْتَكَى شَيْئًا مِن جَسَدِه قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمُعَوِّذَتَيْنِ في كَفِّهِ اليُمْنَى ومَسَحَ بِهَا المَكانَ الذي يَشْتَكِي.

ومِن الناسِ مَن مَنَعَ مِن الرُّقَى، لِمَا رُوِيَ عن جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الرُّقَى
-وقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((إِنَّ للهِ عِبَادًا لا يَكْتَوُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ وعلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ)).
-وقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((لَمْ يَتَوَكَّلْ علَى اللهِ مَنِ اكْتَوَى وَاسْتَرْقَى)).
وأُجِيبَ عنه بأَنَّه يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ النَّهْيُ عن الرُّقَى المَجْهُولَةِ التي لا تُعْرَفُ حَقَائِقُها، فأَمَّا مَا كانَ لَهُ أَصْلٌ مَوْثُوقٌ فَلا نَهْيَ عنه). [التفسير الكبير: 32/173-174]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُودٍ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ):(رُوِيَ أنه عَلَيهِ السلامُ سُحِرَ؛ فمَرِضَ... فنَزَلَتْ هاتانِ السُّورتَانِ، فكُلَّمَا قرَأ جِبريلُ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، حتَّى قام صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّمَ عندَ انْحلالِ العُقْدَةِ الأخيرةِ كأنَّمَا نُشِطَ من عِقالٍ، وجعَلَ جِبريلُ يَقولُ: بِاسْمِ اللهِ أرْقِيكَ واللهُ يَشْفِيكَ من كلِّ داءٍ يُؤْذِيكَ.
ولهذَا جُوِّزَ الاسْتِرقاءُ بما كانَ مِن كِتابِ اللهِ، وكلامِ رسولِه عليه السَّلامُ، لا بِمَا كان بالسُّرْيَانِيَّةِ والعِبْرَانيَّةِ والهِنْدِيَّةِ؛ فإنَّه لا يَحِلُّ اعْتِقادُه والاعتمادُ عَلَيه). [مدارك التنزيل:3/2016]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):(وأمَّا الرُّقَى والتعاويذُ فقد اتَّفَقَ الإجماعُ على جَوَازِ ذلكَ إذا كانَ بآياتٍ مِن القرآنِ، أوْ إذا كانَتْ وَرَدَتْ في الحديثِ، وَيَدُلُّ على صِحَّتِهِ الأحاديثُ الواردةُ في ذلكَ؛ منها حديثُ أبي سَعِيدٍ المُتَقَدِّمُ أنَّ جِبْرِيلَ رَقَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
ومنها ما رُوِيَ عنْ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ أنَّ أسماءَ بنْتَ عُمَيْسٍ قالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ وَلَدَ جَعْفَرٍ تُسْرِعُ إليهم العَيْنُ، أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قالَ: ((نَعَمْ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ القَدَرِ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ))، أخرجَهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: حديثٌ صَحِيحٌ.
وعنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يَتَعَوَّذُ ويقولُ: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ))، فلَمَّا نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بهما وتَرَكَ ما سِوَاهُمَا، أخرجَهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
فهذهِ الأحاديثُ تدُلُّ على جوازِ الرُّقْيَةِ، وإنَّما المَنْهِيُّ عنهُ منها ما كانَ فيهِ كُفْرٌ أوْ شِرْكٌ أوْ ما لا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ ممَّا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ لجوازِ أنْ يكونَ فيهِ كُفْرٌ، واللهُ أعلمُ). [لباب التأويل: 4/501]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ (ت: 728هـ):(ومِن الناسِ مَن لم يُرَخِّصْ فِي الرُّقَى؛ لرِوايةِ جابِرٍ: نَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن الرُّقَى وقالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا يَكْتَوُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)).
وأُجِيبَ بأنَّ النهْيَ واردٌ على الرُّقَى المجهولةِ التي لا يُفْهَمُ معناها). [غرائب القرآن: 30/226]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَأَمَّا مُعَالَجَةُ المَصْرُوعِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَتِ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مِمَّا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَمِمَّا يَجُوزُ فِي دِينِ الإِسْلامِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا الرَّجُلُ دَاعِيًا اللهَ ذَاكِرًا لَهُ وَمُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْقَى بِهَا المَصْرُوعُ وَيُعَوَّذَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي الرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا، وَقَالَ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ)).
وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلِمَاتٌ مُحَرَّمَةٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ المَعْنَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهَا وَلا يُعَزِّمَ وَلا يُقْسِمَ وَإِنْ كَانَ الجِنِّيُّ قَدْ يَنْصَرِفُ عَنِ المَصْرُوعِ بِهَا فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَالسِّيميا وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَإِنَّ السَّاحِرَ السيماوي وَإِنْ كَانَ يَنَالُ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ كَمَا يَنَالُ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الكَاذِبُ بِكَذِبِهِ وَبِالخِيَانَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ المُشْرِكُ بِشِرْكِهِ وَكُفْرِهِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَهَؤُلاءِ وَإِنْ نَالُوا بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ بِهَذِهِ المُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهَا تُعْقِبُهُمْ مِنَ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَعْظَمَ مِمَّا حَصَّلُوهُ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ. فَإِنَّ اللهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ المَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ المَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَمَنْفَعَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى المَضَرَّةِ وَإِنْ كَرِهَتْهُ النُّفُوسُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] الآيَةَ.
فَأَمَرَ بِالجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ الكَرِيهَ لِتَحْصُلَ لَهُ العَافِيَةُ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حُصُولِ العَافِيَةِ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى أَلَمِ شُرْبِ الدَّوَاءِ). [مجموع الفتاوى:24/277-279]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَعَامَّةُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنَ العَزَائِمِ وَالطَّلاسِمِ وَالرُّقَى الَّتِي لا تُفْقَهُ بِالعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شِرْكٌ بِالجِنِّ.
وَلِهَذَا نَهَى عُلَمَاءُ المُسْلِمِينَ عَنِ الرُّقَى الَّتِي لا يُفْقَهُ مَعْنَاهَا؛ لأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الرَّاقِي أَنَّهَا شِرْكٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأشجعي قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ)).
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ العَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْت عَنِ الرُّقَى قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: ((مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ )) ). [مجموع الفتاوى:19/13]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (( لا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا)) فَنَهَى عَنِ الرُّقَى الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ كَالَّتِي فِيهَا اسْتِعَاذَةٌ بِالجِنِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
وَلِهَذَا نَهَى العُلَمَاءُ عَنِ التَّعَازِيمِ وَالأَقْسَامِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي حَقِّ المَصْرُوعِ وَغَيْرِهِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الشِّرْكَ؛ بَلْ نَهَوْا عَنْ كُلِّ مَا لا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِرْكٌ بِخِلافِ مَا كَانَ مِنَ الرُّقَى المَشْرُوعَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ). [مجموع الفتاوى:1/336]
قالَ ابنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ الدِّمَشْقِيُّ (ت:751هـ): (وَفِي الصَّحِيحينِ عَن عَائشةَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهَا أَن تَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ.
-وَفِي الصَّحِيحينِ عَن أُمِّ سَلَمَةَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَارِيَةٍ فِي بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ رَأَى بوَجْهِهَا سُفْعَةً؛ فَقَالَ: ((بهَا نَظْرَةٌ فاسْتَرْقُوا لَهَا )) يَعْنِي بوَجْهِهَا صُفْرَةٌ.
-وفي صحيحِ مسلمٍ عَن جَابرٍ قَالَ: رَخَّصَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ لآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الحيَّةِ.
-وَقَالَ لأَسماءَ بنتِ عُمَيْسٍ: ((مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أَتُصِيبُهُمُ الحَاجَةُ؟)) قَالَتْ: لا، وَلَكِنَّ العَيْنَ تُسْرِعُ إِلَيهِمْ.
قالَ: ((ارْقِيهِمْ)) قالَ: فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: ((ارْقِيهِمْ)).
- وَفِي صَحيحِ مُسْلِمٍ أَيضًا عَن جَابرٍ قَالَ: لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ أَرقِي؟ قالَ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُمْ أَن يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ))
- وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسلمٌ فِي صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ جَابرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم نَهَى عَنِ الرُّقَى.
فهذَا لا يُعارضُ هذِه الأحَاديثَ فإِنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنِ الرُّقَى الَّتِي تتضَمَّنُ الشِّرْكَ وَتعظيمَ غَيرِ اللهِ سُبحانَهُ كَغَالِبِ رُقَى أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالدَّليلُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلمٌ فِي صَحِيحِهِ مِن حَديثِ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ؛ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ((اعْرِضُوا عليَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فيه شرك)).
وَفِي حَدِيث النَّهْيِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ جَابِرًا قَالَ: نَهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى, فَجَاءَ آلُ عَمْرو بْن حَزْم إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالُوا: يَا رَسُول الله, إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدنَا رُقْيَة نَرْقِي بِهَا مِنَ العَقْرَب, وَإِنَّك نَهَيْت عَنِ الرُّقَى, قَالَ: ((فَاعْرِضُوهَا عَلَيَّ)) فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ, فَقَالَ: (( مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا, مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ )) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَهَذَا المَسْلَك فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَأَمْثَالِهَا: فِيمَا يَكُون المَنْهِيُّ عَنْهُ نَوْعًا, وَالمَأْذُون فِيهِ نَوْعًا آخَر, وَكِلاهُمَا دَاخِل تَحْت اسْمٍ وَاحِد مَنْ تَفَطَّنَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اضْطِرَاب كَثِير , يَظُنُّهُ مَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِحَقِيقَةِ المَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الجِنْس , وَالمَأْذُون فِيهِ مُتَعَارِضًا , ثُمَّ يَسْلُك مَسْلَك النَّسْخ , أَوْ تَضْعِيف أَحَد الأَحَادِيث.
وَأَمَّا هَذِهِ الطَّرِيقَة فَلا يَحْتَاج صَاحِبُهَا إِلَى رُكُوبِ طَرِيقِ النَّسْخِ , وَلا تَعَسُّفِ أَنْوَاعِ العِلَل، وَقَدْ يَظْهَرُ فِي كَثِير مِنَ المَوَاضِع, مِثْل هَذَا المَوْضِع, وَقَدْ يَدِقُّ وَيَلْطُف فَيَقَع الاخْتِلاف بَيْن أَهْل العِلْم, وَالله يُسْعِد بِإِصَابَةِ الحَقِّ مَنْ يَشَاء, وَذَلِكَ فَضْله يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء وَاللهُ ذُو الفَضْل العَظِيم). [تهذيب سنن أبي داود: 2/251-252]
قالَ أَحْمَدُ بنُ علِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ):(وَقَالَ ابْن التِّين: الرُّقَى بِالمُعَوِّذَاتِ وَغَيْرهَا مِنْ أَسْمَاء الله هُوَ الطِّبُّ الرُّوحَانِيُّ، إِذَا كَانَ عَلَى لِسَان الأَبْرَار مِنَ الخَلْق حَصَلَ الشِّفَاء بِإِذْنِ الله تَعَالَى، فَلَمَّا عَزَّ هَذَا النَّوْع فَزِعَ النَّاس إِلَى الطِّبِّ الجُسْمَانِيِّ وَتِلْكَ الرُّقَى المَنْهِيُّ عَنْهَا الَّتِي يَسْتَعْمِلهَا المُعَزِّم وَغَيْره مِمَّنْ يَدَّعِي تَسْخِير الجِنِّ لَهُ فَيَأْتِي بِأُمُورٍ مُشْتَبِهَة مُرَكَّبَة مِنْ حَقٍّ وَبَاطِل يَجْمَع إِلَى ذِكْر الله وَأَسْمَائِهِ مَا يَشُوبهُ مِنْ ذِكْر الشَّيَاطِين وَالِاسْتِعَانَة بِهِمْ وَالتَّعَوُّذ بِمَرَدَتِهِمْ، وَيُقَال: إِنَّ الحَيَّة لِعَدَاوَتِهَا لِلْإِنْسَانِ بِالطَّبْعِ تُصَادِق الشَّيَاطِين لِكَوْنِهِمْ أَعْدَاء بَنِي آدَم، فَإِذَا عَزَّمَ عَلَى الحَيَّة بِأَسْمَاءِ الشَّيَاطِين أَجَابَتْ وَخَرَجَتْ مِنْ مَكَانهَا، وَكَذَا اللَّدِيغ إِذَا رُقِيَ بِتِلْكَ الأَسْمَاء سَالَتْ سَمُومهَا مِنْ بَدَن الإِنْسَان، فَلِذَلِكَ كُرِهَ مِنَ الرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ بِذِكْرِ الله وَأَسْمَائِهِ خَاصَّة وَبِاللِّسَانِ العَرَبِيِّ الَّذِي يُعْرَفُ مَعْنَاهُ لِيَكُونَ بَرِيئًا مِنَ الشِّرْك، وَعَلَى كَرَاهَة الرُّقَى بِغَيْرِ كِتَاب الله عُلَمَاء الأَمَة). [فتح الباري:10/196]
قالَ أَحْمَدُ بنُ علِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ):(وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاء عَلَى جَوَاز الرُّقَى عِنْدَ اجْتِمَاع ثَلاثَةِ شُرُوط:
-أَنْ يَكُون بِكَلامِ الله تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته.
-وَبِاللِّسَانِ العَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَف مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ.
-وَأَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الرُّقْيَة لا تُؤَثِّرُ بذَاتِهَا بَلْ بِذَاتِ الله تَعَالَى.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنهَا شَرْطًا، وَالرَّاجِح أَنَّهُ لا بُدَّ مِنِ اعْتِبَار الشُّرُوط المَذْكُورَة؛ فَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَوْف بْن مَالِك قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّة، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله كَيْف تَرَى فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ: ((اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْس بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْك )).
وَلَهُ مِنْ حَدِيث جَابِر: نَهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آل عَمْرو بْن حَزْم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ العَقْرَب.
قَالَ: فَعَرَضُوا عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: (( مَا أَرَى بَأْسًا، مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَع أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ)).
وَقَدْ تَمَسَّكَ قَوْم بِهَذَا العُمُوم فَأَجَازُوا كُلَّ رُقْيَة جُرِّبَتْ مَنْفَعَتهَا وَلَوْ لَمْ يُعْقَل مَعْنَاهَا، لَكِنْ دَلَّ حَدِيث عَوْف أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الرُّقَى يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك يُمْنَع، وَمَا لا يُعْقَل مَعْنَاهُ لا يُؤْمَن أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك فَيُمنَعُ احْتِيَاطًا، وَالشَّرْط الآخِر لا بُدَّ مِنْهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لا تَجُوز الرُّقْيَةُ إِلاَّ مِنَ العَيْنِ وَاللدْغَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي (بَاب مَنِ اكْتَوَى) مِنْ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ: (لا رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ)
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الحَصْرِ فِيهِ أَنَّهُمَا أَصْلاَ كُلِّ مَا يَحْتَاج إِلَى الرُّقْيَة، فَيَلْتَحِق بِالعَيْنِ جَوَاز رُقْيَة مَنْ بِهِ خَبَل أَوْ مَسٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ لاشْتِرَاكِهَا فِي كَوْنهَا تَنْشَأُ عَنْ أَحْوَال شَيْطَانِيَّة مِنْ إِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ، وَيَلْتَحِق بِالسُّمِّ كُلُّ مَا عَرَضَ لِلْبَدَنِ مِنْ قَرْحٍ وَنَحْوِه مِنَ المَوَادِّ السُّمِّيَّة.
وَقَدْ وَقَعَ عِنْد أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيث أَنَس مِثْل حَدِيث عِمْرَان وَزَادَ ((أَوْ دَمٍ ))، وَفِي مُسْلِم مِنْ طَرِيق يُوسُف بْن عَبْد الله بْن الحَارِث عَنْ أَنَس قَالَ: رَخَّصَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقَى مِنَ العَيْن وَالحُمَة وَالنَّمْلَة، وَفِي حَدِيث آخَر: ((وَالأُذُن )).
وَلأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيث الشِّفَاء بِنْت عَبْد الله أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: ((أَلا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ - يَعْنِي حَفْصَة - رُقْيَة النَّمْلَةِ)).
وَالنَّمْلَةُ قُرُوحٌ تَخْرُج فِي الجَنْب وَغَيْره مِنَ الجَسَد.
وَقِيلَ المُرَاد بِالحَصْرِ مَعْنَى الأَفْضَل، أَيْ لا رُقْيَةَ أَنْفَعُ كَمَا قِيلَ: لا سَيْفَ إِلاَّ ذُو الفَقَار.
وَقَالَ قَوْمٌ: المَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ الرُّقَى مَا يَكُون قَبْل وُقُوع البَلاءِ، وَالمَأْذُون فِيهِ مَا كَانَ بَعْد وُقُوعه، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ وَالبَيْهَقِيُّ وَغَيْرهمَا، وَفِيهِ نَظَر.
وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الخَبَرِ الَّذِي قُرِنَتْ فِيهِ التَّمَائِم بِالرُّقَى؛ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ مِنْ طَرِيق ابْن أَخِي زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود عَنْهَا عَنِ ابْن مَسْعُود رَفَعَهُ: (( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِم وَالتِّوَلَة شِرْك )). وَفِي الحَدِيث قِصَّة). [فتح الباري:10/195]
قالَ أَحْمَدُ بنُ علِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ):(وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: الرُّقَى ثَلاثَة أَقْسَام:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ يُرْقَى بِهِ فِي الجَاهِلِيَّة مِمَّا لا يُعْقَل مَعْنَاهُ فَيَجِب اجْتِنَابه لِئَلَّا يَكُون فِيهِ شِرْك أَوْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك.
الثَّانِي: مَا كَانَ بِكَلامِ الله أَوْ بِأَسْمَائِهِ فَيَجُوز؛ فَإِنْ كَانَ مَأْثُورًا فَيُسْتَحَبُّ.
الثَّالِثُ: مَا كَانَ بِأَسْمَاءِ غَيْر الله مِنْ مَلَك أَوْ صَالِح أَوْ مُعَظَّم مِنَ المَخْلُوقَات كَالعَرْشِ، قَالَ: فَهَذَا لَيْسَ مِنَ الوَاجِب اجْتِنَابه وَلا مِنَ المَشْرُوع الَّذِي يَتَضَمَّنُ الالتِجَاءَ إِلَى الله وَالتَّبَرُّك بِأَسْمَائِهِ؛ فَيَكُون تَرْكُهُ أَوْلَى إِلاَّ أَنْ يَتَضَمَّن تَعْظِيم المُرْقَى بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَب كَالحَلِفِ بِغَيْرِ الله تَعَالَى). [فتح الباري:10/196]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (لَمْ أَجِدْ هَذَا الكَلامَ فِي تَفْسِيرِ القُرْطُبيِّ وَلا فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ لَهُ؛ فَلَعَلَّهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي القِسْمِ الثَّالِثِ مُتَعَقَّبٌ لأَنَّهُ مِنَ الشِّرْكِ المنهِيِّ عَنْهُ؛ فَكَيْفَ لا يَكُونُ مِنَ الوَاجِبِ اجتنابُهُ؟!!).
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (قَوْلُهُ: (لا بَأْسَ بالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ) المحرَّمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ علَى جَوَازِ الرُّقَى وَالتَّطَبُّبِ بمَا لا ضَرَرَ فِيهِ وَلا مَنْعَ مِن جِهَةِ الشَّرْعِ وَإِن كَانَ بغَيْرِ أَسْمَاءِ اللهِ وَكَلامِهِ لَكِنْ إِذَا كَانَ مَفْهُومًا لأَنَّ مَا لا يُفْهَمُ لا يُؤْمَنُ أَن يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشِّرْكِ). [نيل الأوطار: ]

الرقية بغير العربية
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبِ بنِ مُسْلِمٍ المصْرِيُّ (ت:197هـ): (حَدَّثَني عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ وَعَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ وَيُونُسُ بنُ يَزِيدَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ اكْتَوَى مِن اللَّقْوَةِ، وَرُقِيَ مِنَ العَقْرَبِ.
وَأَخْبَرَنِي غَيرُهُمْ عَن نَافِعٍ أَنَّ ابنَ عُمَرَ اسْترقَى مِنَ العَقْرَبِ برُقْيَةٍ فَارِسِيَّةٍ). [جامع ابن وهب: ]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عُبيدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: كَانَ يَرْقي بِالحِمْيَرِيَّةِ). [مصنف ابن أبي شيبة:7/399]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحَليمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (كُرِهَتِ الرُّقَى العَجَمِيَّةُ كَالعِبرَانِيَّةِ أوِ السُّريَانِيَّةِ أو غيرِهَا خَوفًا أَن يكونَ فِيهَا مَعَانٍ لا تَجُوزُ). [اقتضاء الصراط المستقيم:]

ما يستنكر من الرقى
ما روي عن طاوس بن كيسان مرسلاً ومقطوعًا
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عَن مَعْمَرٍ عَن ابنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَقْرَبُ الرُّقَى إِلَى الشِّرْكِ رُقْيَةُ الحيَّةِ وَالمجنُونِ)) ). [مصنف عبد الرزاق:11/18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عَنْ مَعْمَرٍ، عَن ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْرَبُ الرُّقَى إِلَى الشِّرْكِ رُقْيَةُ الحَيَّةِ، وَرُقْيَةُ المَجْنُونِ). [تفسير عبد الرزاق: 2/409]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن ابنِ طاوسٍ، عن أبيه، قالَ: ما مِنْ شَيْءٍ أقرَبُ إلى الشرْكِ مِن رُقْيَةِ الحيةِ والمَجَانِينِ). [جامع البيان: 24/749-751]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(في حَدِيثِ عُمَيرٍ مَوْلَى آبي اللحْمِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم أَمَرَهُ أَن يَطْرَحَ بَعْضَ مَا فِي رُقْيَتِهِ الَّتِي يَرْقِي بهَا المجَانِينَ).
أثر ابن عباس
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، قالَ: ثَنِي أَبِي، قالَ: ثَنِي عَمِّي، قالَ: ثَنِي أَبِي، عن أبيه، عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) } [الفلق: 4] قالَ: ما خَالَطَ السِّحْرَ مِنَ الرُّقَى). [جامع البيان: 24/749]

أثر قتادة
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قَالَ مَعْمَرٌ: تَلا قَتَادَةُ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) } [الفلق: 4] قَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا خَالَطَ السِّحْرَ مِنْ هَذِهِ الرُّقَى). [تفسير عبد الرزاق: 2/408] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى، قالَ: ثَنَا ابنُ ثَوْرٍ، عن مَعْمَرٍ، قالَ: تلا قتَادَةُ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) } [الفلق: 4] قالَ: إيَّاكُمْ وما خَالَطَ السِّحْرَ مِن هذه الرُّقَى). [جامع البيان: 24/749]

أثر الحسن البصري
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ):(حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قالَ: ثَنَا سعيدٌ، عن قَتَادَةَ، قالَ: كان الحسنُ يقولُ إذا جَازَ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) } [الفلق: 4] قالَ: إياكُم وما خَالَطَ السِّحْرَ).
[جامع البيان: 24/751]


رد مع اقتباس