عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 03:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 189 إلى آخر السورة]

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) )

تفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حملت حملاً خفيفاً...}
الماء خفيف على المرأة إذا حملت.
{فمرّت به} فاستمرّت به: قامت به وقعدت.
{فلمّا أثقلت}: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا في بطنك؟ فقالت: لا أدري. قال: فلعله بهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قال: تسمّينه باسمي. قالت: وما أسمك؟ قال: الحرث. فسّمته عبد الحارث، ولم تعرفه أنه إبليس). [معاني القرآن: 1/400]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (حملت حملاً خفيفاً) مفتوح الأول إذا كان في البطن وإذا كان على العنق فهو مكسور الأول وكذلك اختلفوا في حمل النخلة فجعله بعضهم من الجوف ففتحه وجعله بعضهم على العنق فكسره.
(فمرّت به) مجازه: استمرّ بها الحمل فأتمتّه). [مجاز القرآن: 1/236]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هو الّذي خلقكم مّن نّفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلماّ تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا أثقلت دّعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحاً لّنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حملت حملاً خفيفاً} لأنّ "الحمل" ما كان في الجوف و"الحمل" ما كان على الظهر. وقال: {وتضع كلّ ذات حملٍ حملها} وأما قوله: {أثقلت} فيقول: "صارت ذات ثقلٍ" كما تقول "أتمرنا" أي: "صرنا ذوي تمرٍ" و"ألبنّا" [أي: صرنا ذوي لبن] و"أعشبت الأرض" و"أكمأت" وقرأ بعضهم {فلمّا أثقلت}). [معاني القرآن: 2/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حملت حملا}: {كل ذات حمل}: ولد. وحمل نخلة وحمل شجرة. فالحاء مفتوحة. وما كان من حمل: ثقل كان على ظهر أو وزر، فالحاء مكسورة ومنه {وإن تدع مثقلة إلى حملها} إلى ما عليها من يقل). [غريب القرآن وتفسيره: 155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فمرّت به} أي استمرت بالحمل.
{لئن آتيتنا صالحاً} ولدا سويا بشرا، ولم [تجعله بهيمة] مفسر في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 175-176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]: أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة:
وَدَوِّيَّةٍ مثل السّماء اعتسفتها = وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر:
كثوب ابن بِيضٍ وَقَاهُم بهِ = فَسَدَّ على السَّالِكِينَ السَّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق.
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع وقال: (سدّ ابن بيض الطريق) أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق.
فكنَى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإِتَاوَةِ- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] أي سكنا، وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} [البقرة: 187] أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [يونس: 67] ومن قوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]). [تأويل مشكل القرآن: 144-145] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب الكناية والتّعريض
الكناية أنواع، ولها مواضع: فمنها أن تكنى عن اسم الرجل بالأبوّة، لتزيد في الدّلالة عليه إذا أنت راسلته أو كتبت إليه، إذ كانت الأسماء قد تتّفق.
أو لتعظّمه في المخاطبة بالكنية، لأنها تدلّ على الحنكة وتخبر عن الاكتهال.
وقد ذهب هؤلاء إلى أنّ الكنية كذب ما لم يكن الولد مسمّى بالاسم الذي كني به عن الأب، وتقع للرجل بعد الولادة.
وقالوا: إن كانت الكناية للتعظيم فما باله كنى أبا لهب وهو عدوّه، وسمّي محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وهو وليّه ونبيّه.
والجواب عن هذا: أن العرب كانت ربّما جعلت اسم الرجل كنيته، فكانت الكنية هي الاسم.
قال أبو محمد:
خبّرني غير واحد عن الأصمعي: أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان بن العلاء أسماؤها كناهما.
وربما كان للرجل الاسم والكنية، فغلبت الكنية على الاسم، فلم يعرف إلا بها، كأبي سفيان، وأبي طالب، وأبي ذرّ، وأبي هريرة.
ولذلك كانوا يكتبون: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان، لأن الكنية بكمالها صارت اسما، وحظّ كلّ حرف الرفع ما لم ينصبه أو يجرّه حرف من الأدوات أو الأفعال. فكأنه حين كنّي قيل: أبو طالب، ثم ترك ذلك كهيئته، وجعل الاسمان واحدا.
وقد روي في الحديث أن اسم أبي لهب عبد العزّى، فإن كان هذا
صحيحا فكيف يذكره رسول الله بهذا الاسم، وفيه معنى الشرك والكذب، لأن الناس جميعا عبيد الله؟.
وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189]-: إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا} [الأعراف: 190]، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 256-260]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والخلق: الإنشاء والابتداء، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189].
وأصل الخلق: التقدير، ومنه قيل: خالقة الأديم، قال زهير:
ولأنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبـَ = ـعضُ القومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يفري). [تأويل مشكل القرآن: 507]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (هو الّذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلمّا تغشّاها حملت حملا خفيفا فمرّت به فلمّا أثقلت دعوا اللّه ربّهما لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189)
(هو الّذي خلقكم من نفس واحدة).
يعني آدم.
(وجعل منها زوجها ليسكن إليها)
(فلمّا تغشّاها).
كناية عن الجماع أحسن كناية.
(حملت حملا خفيفا).
يعني المني، والحمل ما كان في البطن - بفتح الحاء - أو أخرجته الشجرة، والحمل بكسر الحاء ما يحمل.
وقوله: (فمرّت به).
معنى مرت به استمرت، قعدت وقامت لم يثقلها.
(فلمّا أثقلت).
أي دنت ولادتها، لأنه أول أمره كان خفيفا، فلما جعل إنسانا ودنت الولادة أثقلت.
وقوله: (دعوا اللّه ربّهما).
أي دعا آدم وحواء ربهما).
[معاني القرآن: 2/394-395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} [آية: 189]
يعني آدم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به
قال الحسن: أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها
وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل
روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به
قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا
قال الحسن أي غلاما
وقال أبو البختري خافا أن يكون بهيمة). [معاني القرآن: 3/113-114]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَمَرَّتْ بِهِ} أي استمرت بالحمل.
{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاًً} أي ولداً سوياً بشراً، ولم تجعله بهيمة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جعلا له شركاء...}
إذ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدا إلا لله. ويقرأ: "شركاً"). [معاني القرآن: 1/400]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون}
وقال: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} وقال بعضهم {شركاً} لأنّ "الشرك" إنما هو: "الشركة" وكان ينبغي في قول من قال هذا أن يقول "فجعلا لغيره شركاً فيما آتاهما"). [معاني القرآن: 2/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال المفسرون في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 189]-: إن حوّاء لما أثقلت أتاها إبليس في صورة
رجل فقال لها: ما هذا الذي في بطنك؟ وذلك أول حملها، فقالت: ما أدري، فقال لها: أرأيت إن دعوت ربي فولدته إنسانا أتسمّينه بي؟
فقالت: نعم. وقالت هي وآدم: لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشّاكرين أي: لئن خلقته بشرا مثلنا ولم تجعله بهيمة. فلما ولدته أتاها إبليس ليسألها الوفاء، فقالت: ما اسمك؟ قال: الحارث، فتسمى بغير اسمه، ولو تسمى باسمه لعرفته، فسمته عبد الحارث، فعاش أياما ثم مات، فقال الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا} [الأعراف: 190]، وإنما جعلا له الشرك بالتسمية لا بالنية والعقد، وانتهى الكلام في قصة آدم وحواء، ثم ذكر من أشرك به بالعقد والنّية من ذرّيتهما، فقال: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف: 190] ولو كان أراد آدم وحواء لقال: عما يشركان.
فهذا يدلّك على العموم.
وإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لا يعرف إلا به، والاسم والكنية علمان يميّزان بين الأعيان والأشخاص، ولا يقعان لعلة في المسمى كما تقع الأوصاف، فبأيّ شيء عرف الرجل، جاز أن تذكره به غير أن تكذب في ذلك.
ولو كان من دعا أبا القاسم بأبي القاسم ولا قاسم له، كان كاذبا- لكان من دعا المسمى بكلب وقرد وغراب وذباب- كاذبا، لأنه ليس كما ذكر.
وقد طعنت الشّعوبية على العرب بأمثال هذه الأسماء، ونسبوهم إلى سوء الاختيار، وجهلوا معانيهم فيها.
وكان القوم يتفاءلون ويتطيّرون، فمن تسمى منهم بالأسماء الحسنى أراد أن يكثر له الفأل بالحسن، ومن تسمّى بقبيح الأسماء أراد صرف الشرّ عن نفسه.
وذلك أن العرب كانت إذا خرجت للمغار قالوا: إلى من تقصد؟ فتطيروا من كلب وجعل وقرد ونمر وأسد، وقالوا: ميلوا بنا إلى بني سعد وإلى غنم وما أشبه ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 258-260] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشّاكرين (189) فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون (190)
يروى في التفسير أنّ إبليس - عليه اللعنة - جاء إلى حواء فقال: أتدرين ما في بطنك؟ فقالت لا أدري، قال فلعله بهيمة ثم قال: إن دعوت الله أن يجعله إنسانا أتسمينه باسمي؟: فقالت، نعم فسمته عبد الحارث، وهو الحارث. وهذا يروى في التفسير.
وقيل إن آدم وحواء أصل. فضرب، هذا مثلا لمشركي العرب وعرفوا كيف بدأ الخلق، فقيل فلما آتاهما اللّه - لكل ذكر وأنثى - آتاه اللّه ولدا ذكرا أو أنثى - هو خلقه وصوّره.
(جعلا له شركاء) يعني الذين عبدوا الأصنام.
(فتعالى اللّه عمّا يشركون).
الأول هو الذي عليه التفسير، ومن قرأ " شركا "
فهو مصدر شركت الرجل أشركه شركا.
قال بعضهم: كان ينبغي أن يكون على قراءة من قرأ شركا جعلا لغيره شركا، يقول لأنهما لا ينكران أن الأصل الله عزّ وجلّ فالشرك إنما يجعل لغيره، وهذا على معنى جعلا له ذا شرك فحذف ذا مثل (واسأل القرية) ). [معاني القرآن: 2/395-396]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} [آية: 190]
روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد أن أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}
قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث
178 - ثم قال تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} [آية: 190]
أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام
وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل {فتعالى الله عما يشركون} على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا
وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس). [معاني القرآن: 3/114-117]

تفسير قوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً...}
أراد الآلهة بـ (ما)، ولم يقل: من، ثم جعل فعلهم كفعل الرجال. وقل: {وهم يخلقون} ولا يملكون). [معاني القرآن: 1/400]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يستطيعون...}
فجعل الفعل للرجال). [معاني القرآن: 1/400]

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن تدعوهم إلى الهدى...}
يقول: إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.
وقوله: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} ولم يقل: أم صممتّم. وعلى هذا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويجوز: سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد؛ قال الشاعر:
سواء إذا ما أصلح الله أمرهم * علينا أدثرٌ ما لهم أم أصارم
وأنشدني الكسائي:
سواء عليك النفر أم بتّ ليلة * بأهل القباب من نمير بن عامر
وأنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله: النفر؛ لأنك تقول: سواء عليك الخير والشر، ويجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء؛ كما تقول: اضربه قام أو قعد. فـ (أو) إلى معنى العموم كذهاب الواو). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
كلّ شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش أو علّة، خلا الكلب، فإنّه يلهث في حال الكلال، وحال الرّاحة، وحال الصحة والمرض، وحال الريّ والعطش.
فضربه الله مثلا لمن كذّب بآياته فقال: إن وعظته فهو ضالّ، وإن لم تعظه فهو ضالّ، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث، أو تركته على حاله أيضا لهث.
ونحوه قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193]). [تأويل مشكل القرآن: 369-370] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} [آية: 194] أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم
وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم وإن ههنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها). [معاني القرآن: 3/117]

تفسير قوله تعالى: (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) )
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب} [آية: 196]
قال الأخفش وقرئ (إن ولي الله الذي نزل الكتاب) يعني جبريل صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى: {وهو يتولى الصالحين} ). [معاني القرآن: 3/117-118]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) )

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتراهم ينظرون إليك...}
يريد الآلهة: أنها صور لا تبصر. ولم يقل: وتراها لأن لها أجساما وعيونا. والعرب تقول للرجل القريب من الشيء: هو ينظر، وهو لا يراه، والمنازل تتناظر إذا كان بعضها بحذاء بعض). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (181 - وقوله جل وعز: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} [آية: 198]
يعني الأصنام
قال الكسائي: يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها). [معاني القرآن: 3/118]

تفسير قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (خذ العفو) أي الفضل وما لا يجهده، يقال خذ من أخيك ما عفالك.
(بالعرف) مجازه: المعروف). [مجاز القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (199- {خذ العفو}: الفضل).[غريب القرآن وتفسيره: 155]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (199 - {خذ العفو} أي الميسور من الناس {وأمر بالعرف} [أي بالمعروف] ). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الحمد لله الذي نهج لنا سبل الرّشاد، وهدانا بنور الكتاب ... وجعله متلوّا لا يملّ على طول التّلاوة، ومسموعا لا تمجّه الآذان، وغضّا لا يخلق على كثرة الرد، وعجيبا لا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنقطع فوائده، ونسخ به سالف الكتب.
وجمع الكثير من معانيه في القليل من لفظه، وذلك معنى قول رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أوتيت جوامع الكلم».
فإن شئت أن تعرف ذلك فتدبر قوله سبحانه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} كيف جمع له بهذا الكلام كل خلق عظيم، لأن في (أخذ العفو): صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
وفي (الأمر بالعرف): تقوى الله وصلة الأرحام، وصون اللّسان عن الكذب، وغضّ الطّرف عن الحرمات.
وإنما سمّي هذا وما أشبهه (عرفا) و(معروفا)، لأن كل نفس تعرفه، وكل قلب يطمئنّ إليه.
وفي (الإعراض عن الجاهلين): الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج). [تأويل مشكل القرآن:3- 4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأخذ: أصله باليد، ثم يستعار في مواضع:
فيكون بمعنى: القبول، قال الله تعالى: {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] أي: قبلتم عهدي، وقال تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه.
وقال: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] أي يقبلها.
وقال: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] أي: لا يقبل.
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] أي: اقبله). [تأويل مشكل القرآن: 502] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)
والعفو الفضل، والعفو ما أتى بغير كلفة.
(وأمر بالعرف).
أي بالمعروف.
(وأعرض عن الجاهلين) ). [معاني القرآن: 2/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (182 - وقوله جل وعز: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [آية: 199]
قال عطاء العفو الفضل
قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز: {خذ العفو} قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس
قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة
وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم
183 - ثم قال جل وعز: {وأمر بالعرف} [آية: 199]
والعرف المعروف). [معاني القرآن: 3/118-120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (199- {خُذْ الْعَفْوَ} أي ما تيسر من الناس.
(العرف) المعروف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغٌ) مجازه: وإما يستخفنك منه خفة وغضب وعجلة، ومنه قولهم: نزغ الشّيطان بينهم أي أفسد وحمل بعضهم على بعض). [مجاز القرآن: 1/236]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (200- {ينزغنك من الشيطان نزغ}: يستخفنك). [غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (200 - {وإمّا ينزغنّك} أي يستخفنك. ويقال: نزغ بيننا: إذا أفسد). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإمّا ينزغنّك من الشّيطان نزغ فاستعذ باللّه إنّه سميع عليم (200)
لأدنى حركة تكون، تقول: قد نزغته إذا حركته.
فالمعنى إن نالك من الشيطان أدنى نزغ أي وسوسة.
وقوله: (مسّهم طائف من الشّيطان).
يقال: طفت أطوف، وطاف الخيال يطيف.
وقوله: (تذكّروا فإذا هم مبصرون).
أي تفكروا فيما هو أوضح لهم من الحجة.
(فإذا هم مبصرون) على بصيرة). [معاني القرآن: 2/396]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (184 - وقوله جل وعز: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} [آية: 200] النزغ أدنى حركة). [معاني القرآن: 3/120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (200- {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ} أي يستخفنك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذا مسّهم طائفٌ...}
وقرأ إبراهيم النخعي (طيف) وهو اللمم والذنب {فإذا هم مّبصرون} أي منتهون إذا أبصروا). [معاني القرآن: 1/402]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (طيفٌ من الشّيطان) مجازه: لممٌ قال الأعشى:
وتصبح عن غب السّرى وكأنّما... ألمّ بها من طائف الجنّ أولق
وهو من طفت به أطيف طيفاً، قال:
أنّي ألمّ بك الخيال يطيف... ومطافه لك ذكرةٌ وشعوف
(يمدّونهم في الغيّ) مجازه: يزّينوه لهم الغى والكفر، ويقال: مدّ له في غيّة زيّنه له وحسّنه وتابعه عليه). [مجاز القرآن: 1/236-237]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ مّن الشّيطان تذكّروا فإذا هم مّبصرون}
وقال: {إذا مسّهم طائفٌ مّن الشّيطان} و{الطيف} أكثر في كلام العرب وقال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين]:
ألا يا لقومٍ لطيف الخيال = أرّق من نازحٍ ذي دلال
ونقرؤها {طائف} لأنّ عامة القراء عليها). [معاني القرآن: 2/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (201- {طيف من الشيطان}: لمم يلم به).[غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (185 - وقوله جل وعز: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} [آية: 201]
قال مجاهد الطيف الغضب
قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان
وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه). [معاني القرآن: 3/120]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (201- {طيف} لمم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (201- (طَيِفٌ): لمم يلم به). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإخوانهم...}
إخوان المشركين (يمدّونهم) في الغيّ، فلا يتذكّرون ولا ينتهون، فذلك قوله: (ثم لا يقصرون) يعني المشركين وشياطينهم. والعرب تقول: قد قصر عن الشيء وأقصر عنه. فلو قرئت (يقصرون) لكان صوابا). [معاني القرآن: 1/402]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (202- {يمدونهم في الغي}: يزينون لهم). [غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (202 - {يمدّونهم في الغيّ} أي يطيلون لهم فيه.
{وإخوانهم}: شياطينهم. يقال: لكل كافر شيطان يغويه). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون (202)
هذا معناه التقديم، المعنى (لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون).
(وإخوانهم يمدّونهم في الغيّ ثمّ لا يقصرون).
يعني الشياطين، لأنّ الكفار إخوان الشياطين، والغيّ الجهل، والوقوع في الحركة. ويقال أقصر يقصر، وقصّر، يقصر). [معاني القرآن: 2/396-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (186 - وقوله جل وعز: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} [آية: 202]
أي يزيدونهم). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (202- {يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} أي يطيلون لهم فيه.
{وَإِخْوَانُهُمْ} شيطانيهم، لأن لكل كافر شيطانا يغويه بالشر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (202- {يَمُدُّونَهُمْ}: يزينون لهم). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها...}
يقول: هلا افتعلتها. وهو من كلام العرب؛ جائز أن يقال: اختار الشيء، وهذا اختياره). [معاني القرآن: 1/402]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هذا بصائر من ربّكم) هذا القرآن ما يتلى عليكم، فلذلك ذكّره، والعرب تفعل ذلك، قال:
قبائلنا سبعٌ وأنتم ثلاثة... وللسبع أركى من ثلاث وأكثر
ذكرّ ثلاثة ذهب به إلى بطن ثم أنثه لأنه ذهب به إلى قبيلة ومجاز بصائر أي حجج وبيان وبرهان.
واحدتها بصيرة وقال الجعفيّ:
حملوا بصائرهم على أكتفاهم... وبصيرتي يعدو بها عتدٌ وأمي
البصيرة الترس، والبصيرة الحلقة من حلق الدرع، فيجوز أن يقال للدرع كلها بصيرة والبصيرة من الدم الذي بمنزلة الورق الرشاس منه والجدية أوسع من البصيرة والبصيرة مثل فرسن البعير فهو بصيرة والجدية أعظم من ذلك، والإسبأة والأسابي في طول، قال:
والعاديات أسابيّ الدّماء بها... كأنّ أعناقها أنصاب ترجيب). [مجاز القرآن: 1/237-238]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (203 - {وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها} أي هلا اخترت لنا آية من عندك. قال اللّه: {قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي}). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (203)
أي هلا اختلقتها، أي هلا أتيت بها من نفسك، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن الآيات من قبل اللّه جل ثناؤه.
وقوله: (إنّما أتّبع ما يوحى إليّ من ربّي هذا بصائر من ربّكم).
أي هذا القرآن الذي أتيت به بصائر من ربكم، واحدة البصائر بصيرة.
والبصيرة والبصائر طرائق الدّم، قال الأشعر الجعفي.
راحوا بصائرهم على أكتافهم... وبصيرتي يعدو بها عتد وأيّ
والبصيرة التّرس، وجمعها بصائر.
وجميع هذا أيضا معناه ظهور الشيء وبيانه). [معاني القرآن: 2/397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (187 - وقوله جل وعز: {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} [آية: 203]
قال قتادة: أي جئت بها من عند نفسك
وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (203- {لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} أي هلاَ اخترت لنا آية من عندك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 89]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا...}
قال: كان الناس يتكلمون في الصلاة المكتوبة، فيأتي الرجل القوم فيقول: كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عن ذلك، فحرم الكلام في الصلاة لما أنزلت هذه الآية). [معاني القرآن: 1/402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون (204)
يروى أن الكلام في الصلاة كان جائزا، فكان يدخل الرجل فيقول: كم صلّيتم فيقال: صلينا كذا. فلما نزلت فاستمعوا له وأنصتوا حرم الكلام في الصلاة إلا ما كان مما يتقرب به إلى اللّه جل ثناؤه. ومما ذكرته الفقهاء نحو التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار وما أشبه ذلك. من ذكر الله جلّ وعز ومسألته العفو.
ويجوز أن يكون فاستمعوا له وأنصتوا، اعملوا بما فيه ولا تجاوزوا لأن معنى قول القائل: سمع اللّه دعاءك. تأويله: أجاب الله دعاءك، لأن اللّه جلّ ثناؤه سميع عليم). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (189 - وقوله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [آية: 204]
هذا عام يراد به الخاص
وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة
وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة
قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرئ القرآن وإذا لم يقرأ
والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن} إلى آخرها
قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} أنه في الدعاء
وقال بعضهم في قوله جل وعز: {فاستمعوا له وأنصتوا} كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه أصحابه). [معاني القرآن: 3/122-123]

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (تضرّعاً وخيفةً) أي خوفاً وذهبت الواو بكسرة الخاء.
(والآصال) واحدتها أصل وواحد الأصل أصيل ومجازه: ما بين العصر إلى المغرب، وقال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله... وأقصد في أفيائه بالأصائل
يقال: آخر النهار). [مجاز القرآن: 1/238-239]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({واذكر رّبّك في نفسك تضرّعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن مّن الغافلين}
وقال: {بالغدوّ والآصال} وتفسيرها "بالغدوات" كما تقول: "آتيك طلوع الشمس" أي: في وقت طلوع الشمس كما قال: {بالعشيّ والإبكار} وهو مثل "آتيك في الصّباح وبالمساء" وأما {الآصال} فواحدها: "أصيلٌ" مثل: "الأشرار" واحدها: "الشرير" و"الأيمان" واحدتها: "اليمين"). [معاني القرآن: 2/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (205- {الآصال}: واحدها أصيل وهو ما بين العصر والمغرب).[غريب القرآن وتفسيره: 156]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (205 - {والآصال} آخر النهار. وهي العشي أيضا). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (واذكر ربّك في نفسك تضرّعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن من الغافلين (205)
(بالغدوّ والآصال).
الآصال جمع. أصل، والأصل جمع أصيل، فالآصال جمع الجمع.
والآصال العشيات). [معاني القرآن: 2/398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (188 - وقوله جل وعز: {ودون الجهر من القول بالغدو والآصال} [آية: 205]
الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل). [معاني القرآن: 3/121]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (والآصال): العشيات). [ياقوتة الصراط: 234]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (205- {الآصَالِ}: مابين العصر إلى المغرب). [العمدة في غريب القرآن: 141]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (206 - {إنّ الّذين عند ربّك} يعني الملائكة). [تفسير غريب القرآن: 176]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17].
قال قتادة والحسن: اللهو: المرأة.
وقال ابن عباس: هو الولد.
والتفسيران متقاربان، لأن امرأة الرجل لَهْوُهُ، وولده لَهْوُهُ ولذلك يقال: امرأة الرجل وولده ريحانتاه.
وأصل اللهو: الجماع، فكنّي عنه باللهو، كما كني عنه بالسِّرِّ، ثم قيلَ للمرأة: لَهْوٌ؛ لأنها تُجَامع.
قال امرؤ القيس:
ألا زَعَمَتْ بَسباسَةُ اليوم أنّني = كَبَرْتُ وألا يُحْسِنَ اللهوَ أمثالي
أي النكاح.
ويروى أيضا: (وألا يحسن السرَّ أمثالي): أي النكاح.
وتأويل الآية: أن النّصارى لما قالت في المسيح وأمّه ما قالت، قال الله جل وعز: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا}، أي صاحبة وولدا، كما يقولون، لاتخذنا ذلك من لدنا، أي من عندنا، ولم نتّخذه من عندكم لو كنّا فاعلين ذلك، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجه يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره.
وقال الله في مثل هذا المعنى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206]، يعني الملائكة). [تأويل مشكل القرآن: 163] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ الّذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون (206)
يعنى به الملائكة.
(ويسبّحونه) ينزهونه عن السوء.
فإن قال قائل: الله جل ثناؤه في كل مكان، قال الله تعالى: (وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض)
فمن أين قيل للملائكة: (عند ربّك)، فتأويله إنه من قرب من رحمة الله ومن تفضله وإحسانه). [معاني القرآن: 2/398]


رد مع اقتباس