عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 142 إلى 155]


{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

تفسير قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين}
(وواعدنا موسى) (ووعدنا موسى).
{ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر}
- قيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما، وأن يعمل فيها بما يقربه إلى اللّه.
- وقيل في العشر أنزلت عليه التوراة وكلّم فيها.
- وقال بعضهم لما صام ثلاثين يوما أنكر خلوف فيه فاستاك بعود خرّوب، فقالت الملائكة إنا كنا نستنشئ من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك. فزيدت عليه عشر ليال.
وقد قال في موضع آخر: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} فهذا دليل أن المواعدة كانت أربعين ليلة كاملة، واللّه جلّ وعزّ أعلم.
وقوله: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي}
يجوز (هارونَ) بالفتح وهو في موضع جر بدلا من أخيه، ويجوز (لأخيه هارونُ) بضم النون، ويكون المعنى: وقال موسى لأخيه، يا هارون {اخلفني في قومي}). [معاني القرآن: 2/372]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر}
قال مجاهد: الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة.
والفائدة في قوله: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات
- وقيل هو توكيد.
- وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شيء يذكر). [معاني القرآن: 3/74]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({جعله دكّاً} أي مستوياً مع وجه الأرض، وهو مصدرٌ جعله صفة، ويقال: ناقة دكّاء أي ذاهبة السّنام مستوٍ ظهرها أملس، وكذلك أرض دكّاء، قال الأغلب: هل غير غارٍ دكّ غاراً فانهدم). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّاً وخرّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}
وقال: {جعله دكّاً} لأنه حين قال: {جعله} كان كأنه قال "دكّه" ويقال: {دكّاء} وإذا أراد ذا فـ[قد] أجري مجرى {وسئل القرية} لأنه يقال: "ناقةٌ دكّاء" إذا ذهب سنامها.
وقال: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل} يقول "تجلّى أمره" نحو ما يقول الناس: "برز فلان لفلان" وإنّما برز جنده.
وأمّا قوله: {ربّ أرني أنظر إليك} فإنما أراد علما لا يدرك مثله إلاّ في الآخرة فأعلم الله موسى أن ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم {دكّاء} جعله "فعلاء" وهذا لا يشبه أن يكون. وهو في كلام العرب: "ناقةٌ دكّاء" أي: ليس لها سنام. والجبل مذكر إلا أن يكون "جعله مثل دكّاء" وحذف "مثل"). [معاني القرآن: 2/16-17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({جعله دكا}: مستويا يقال ناقة ذكاء إذا ذهب سنامها واستوى بظهرها). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({تجلّى ربّه} أي ظهر. أو ظهر من أمره ما شاء. ومنه يقال: جلوت العروس: إذا أبرزتها. ومنه يقال: جلوت المرآة والسيف: إذا أبرزته من الصدأ والطبع، وكشفت عنه.
{جعله دكًّا} أي ألصقه بالأرض. يقال: ناقة دكّاء: إذا لم يكن لها سنام. كأنّ سنامها دكّ - أي ألصق - ويقال: إنّ دككت، ودققت فأبدلت القاف فيه كافا. لتقارب المخرجين.
{وخرّ موسى صعقاً} أي مغشيا عليه). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه عام يراد به خاص:
كقوله سبحانه حكاية عن النبي، صلّى الله عليه وسلم: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، وحكاية عن موسى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ولم يرد كل المسلمين والمؤمنين، لأن الأنبياء قبلهما كانوا مؤمنين ومسلمين، وإنما أراد مؤمني زمانه ومسلميه). [تأويل مشكل القرآن: 281](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الصّعق: الموت، قال تعالى: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ، وقال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي ميّتا، ثم ردّ الله إليه حياته). [تأويل مشكل القرآن: 501](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين}
(ولمّا جاء موسى لميقاتنا) أي للوقت الذي وقتنا له.
{وكلّمه ربّه} كلم الله موسى تكليما. خصّه اللّه أنه لم يكن بينه وبين الله جل ثناؤه وفيما سمع أحد، ولا ملك أسمعه اللّه كلامه، فلما سمع الكلام {قال ربّ أرني أنظر إليك} أي قد خاطبتني من حيث لا أراك، والمعنى أرني نفسك.
وقوله: (أرني أنظر) مجزوم جواب الأمر.
(قال لن تراني) ولن نفي لما يستقبل.
{ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني}.
{فلمّا تجلّى ربّه للجبل} أي ظهر وبان.
(جعله دكّا).
يجوز "دكّا" بالتنوين، ودكاء بغير تنوين، أي جعله مدقوقا مع الأرض؛ يقال دككت الشيء إذا دققته، أدكه دكّا، والدكّاء والدّكاوات الروابي التي مع الأرض ناشزة عنها، لا تبلغ أن تكون جبلا.
وقوله: {وخرّ موسى صعقا}
(صعقا) منصوب على الحال، وقيل إنه خرّ ميّتا، وقيل خرّ مغشيا عليه.
{فلما أفاق}: ولا يكاد يقال للميت قد أفاق من موته، ولكن للذي غشي عليه والذي يذهب عقله قد أفاق من علته، لأن الله جلّ ثناؤه قال في الذين ماتوا: {ثمّ بعثناكم من بعد موتكم}.
وقوله: {قال سبحانك} أي تنزيها لك من السوء.
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قوله " سبحان اللّه " تنزيه للّه من السوء.
وأهل اللغة كذلك يقولون من غير معرفة بما فيه.
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن تفسيره يجمعون عليه.
وقوله: {وأنا أوّل المؤمنين} أي أوّل المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا.
هذا معنى {أرني انظر إليك} إلى آخره الآية، وهو قول أهل العلم وأهل السنة.
وقال قوم: معنى (أرني أنظر إليك)، أرني أمرا عظيما لا يرى مثله في الدنيا مما لا تحتمله بنية موسى، قالوا فأعلمه أنّه لن يرى ذلك الأمر، وأن معنى. {فلمّا تجلّى ربّه للجبل}: تجلى أمر ربّه.
وهذا خطأ لا يعرفه أهل اللغة، ولا في الكلام دليل أن موسى أراد أن يرى أمرا عظيما من أمر اللّه، وقد أراه اللّه من الآيات في نفسه ما لا غاية بعده.
قد أراه عصاه ثعبانا مبينا، وأراه يده تخرج بيضاء من غير سوء وكان أدم، وفرق البحر بعصاه. فأراه من الآيات العظام ما يستغنى به عن أن يطلب أمرا من أمر الله عظيما، ولكن لما سمع كلام الله قال: رب أرني أنظر إليك، سمعت كلامك فأنا أحب أن أراك. فأعلمه الله جل ثناؤه إنّه لن يراه.
ثم أمره الله أن يشكره، فقال: {يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}). [معاني القرآن: 2/372-374]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {ولما جاء موسى لميقاتنا} أي للميقات الذي وقتناه له.
{وكلمه ربه} أي خصه بذلك.
وقوله جل وعز: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}
- قال قتادة: دك بعضه بعضا.
- وقال عكرمة: إنما هو جعله دكاء من الدكاوات، والتقدير على هذه القراءة: جعله أرضا دكاء؛ وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا.
قال عكرمة: لما نظر الله جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا.
ثم قال جل وعز: {وخر موسى صعقا} قيل ميتا
وقال سعيد بن عروبة عن قتادة: مغشيا عليه {فلما أفاق قال سبحانك إني تبت إليك}
قال مجاهد: أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات؛ لأن سؤاله كان في الدنيا.
قال قتادة: لما أخذ الألواح فرأى فيها وصف أمة محمد وتقريظهم فقال: يا رب اجعلهم أمتي. فقال: تلك أمة أحمد، فقالك فاجعلني منهم، قال: إنك لن تدركهم، وقال: يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي. فرضي موسى). [معاني القرآن: 3/74-76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَجَلَّى} ظهر. أي ظهر من أمره ما شاء الله عز وجل.
{جَعَلَهُ دَكّاً} أي ألصقه بالأرض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({دَكًّا}: مستوياً). [العمدة في غريب القرآن: 137]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}
أي اتخذتك صفوة على الناس.
(برسالاتي وبكلامي)
ولو كان إنما تبع كلام غير الله لما قال برسالاتي وبكلامي، لأن الملائكة تنزل إلى الأنبياء بكلام اللّه.
وقوله: {فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين}). [معاني القرآن: 2/374-375]

تفسير قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم أعلم اللّه جل ثناؤه أنّه قد أعطاه من كل شيء يحتاج من أمر الدّين مع ما أراه من الآيات فقال جلّ وعزّ: {وكتبنا له في الألواح من كلّ شيء موعظة وتفصيلا لكلّ شيء فخذها بقوّة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين} وقيل في التفسير إنهما كانا لوحين. ويجوز في اللغة أن يقال للوحين ألواح. ويجوز أن يكون ألواح جمع أكثر من اثنين.
وقوله: {فخذها بقوة) أي خذها بقوة في دينك وحجتك.
وقوله: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها).
في هذا وجهان، وهو نحو قوله: (الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه) ونحو قوله: (واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم).
فيحتمل وجهين:
أحدهما: أنّهم أمروا بالخير ونهوا عن الشر، وعرفوا ما لهم في ذلك، فقيل {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}
ويجوز أن يكون نحو ما أمرنا به من الانتصار بعد الظلم، ونحو القصاص في الجروح؛ إذ قال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
فهذا كله حسن والعفو أحسن من القصاص والصبر أحسن من الانتصار). [معاني القرآن: 2/375]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء}
قال سفيان: أي من الحلال والحرام.
ثم قال تعالى: {موعظة وتفصيلا لكل شيء}
قال سعيد بن جبير: أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه.
ثم قال جل وعز: {فخذها بقوة} أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم
ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} وكلها حسنة
- فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذوا بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء مطلقين نحو قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} فهذا مباح والعفو أحسن.
- وقيل: بأحسنها بالأحسن منها.
- وقيل: أمروا بشيء وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شيء وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها
- وقيل: بالناسخ.
ثم قال تعالى: {سأريكم دار الفاسقين}
- قال الحسن: يعني جهنم.
- وقال مجاهد: يعني مصيرهم في الآخرة.
وقرأ قسامة بن زهير (سأورثكم دار الفاسقين)). [معاني القرآن: 3/76-78]

تفسير قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
أي اجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.
ومعنى (يتكبّرون) أي أنهم يرون أنهم أفضل الخلق وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم.
وهذه الصفة لا تكون إلّا للّه جلّ ثناؤه خاصة لأن الله تبارك وتعالى هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس مثله، وذلك يستحق أن يقال له: المتكبر، وليس لأحد أن يتكبر لأن الناس في الحقوق سواء.
فليس لأحد ما ليس لغيره واللّه جل ثناؤه المتكبر.
أعلم الله أن هؤلاء يتكبرون في الأرض بغير الحق.
وقوله: {وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرّشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغيّ يتّخذوه سبيلا}.
وسبيل الغي هو سبيل الضلال، يقال: غوى الرجل يغوي غيّا وهو غاو إذا ضل.
وقوله: {ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتنا}.
"ذلك" يصلح أن يكون رفعا، أي إن أمرهم ذلك، ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل اللّه بهم ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا.
(وكانوا عنها غافلين).
"غافلين" يصلح أن يكون -واللّه أعلم- كانوا في تركهم الإيمان بها والنظر فيها والتدبر لها بمنزلة الغافلين.
ويجوز أن يكون (وكانوا) عن جوابها غافلين كما تقول: ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 2/376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}
- قال سفيان بن عيينة: أي أمنعهم من كتابي.
- قال أبو إسحاق: المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي.
- وقيل: سأصرفهم عن نفعها
- وقيل: عن عزها
ومعنى {يتكبرون}: يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي صلى الله عليه وسلم
وقوله جل وعز: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
ويقرأ (سبيل الرشد)، وقرأ عبد الرحمن المقرئ (سبيل الرشاد)
- قال أبو عمرو بن العلاء: (الرشد) الصلاح والرشد في الدين.
- قال غيره: الغي الضلال.
وقوله جل وعز: {ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}
- ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين
- ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به). [معاني القرآن: 3/78-80]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {عجلاً جسداً لّه خوارٌ...}
كان جسدا مجوّفا. وجاء في التفسير أنه خار مرة واحدة). [معاني القرآن: 1/393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({له خوارٌ} أي صوت كخوار البقر إذا خار، وهو يخور). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلاً جسداً لّه خوارٌ ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً اتّخذوه وكانوا ظالمين}
وقال: {من حليّهم} وقال بعضهم {حليّهم} و{حليهم} {عجلاً جسداً لّه خوارٌ} وقال بعضهم {جوارٌ} وكلٌّ من لغات العرب.
وأمّا قوله: {من حليّهم} بضم الحاء فإنه "فعول" وهي جماعة "الحلي" ومن قال: {حليّهم} في اللغة الأخرى [فـ] لمكان الياء كما قالوا: "قسيّ" و"عصيّ"). [معاني القرآن: 2/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({له خوار}: له صوت كما تخور البقرة). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا اتّخذوه وكانوا ظالمين}
و (من حليّهم) و(من حليّهم)..
- فمن قرأ (من حليهم) فالحلي اسم لمّا يحسّن به من الذهب والفضة.
- ومن قرأ (من حليهم) بضم الحاء - فهو جمع حلي على حليّ مثل حقو وحقيّ، ومن كسر الحاء فقال - من حليّهم - أتبع الحاء كسر اللام.
ومعنى (من بعده) أي من بعد ما جاء الميقات، وخلفه هارون في قومه.
وكان لهم حلي يجمعونه في أيام زينتهم، وكان للقبة حلى عند بني إسرائيل.
فقال لهم السامري، وكان رجلا مطاعا فيهم ذا قدر، وكانوا قد سألوا موسى أن يجعل لهم إلها يعبدونه كما رأوا قوم فرعون يعبدون الأصنام.
فجمع السامري ذلك الحلي، وهو قولهم: (ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها) أي ألقيناها.
{فكذلك ألقى السّامريّ} أي وكذلك طرح السّامريّ ما كان عنده من الحلي فصاغه في العجل.
فقال اللّه تعالى: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا}.
والجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز، إنما معنى الجسد معنى الجثة فقط.
(له خوار): أي له صوت.
وقيل له خوار -بالحاء والجيم- وكلاهما من الصوت، وكان قد عمله.
كما تعمل هذه الآلات التي تصوّت بالخيل، فجعله في بيت وأعلمهم أن إلههم وإله موسى عندي.
ويقال في التفسير إنّه سمع صوته مرة واحدة فقط.
فقال الله عزّ وجلّ: {ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا} أي لا يبين لهم طريقا إلى حجة). [معاني القرآن: 2/376-378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار} أي من بعد ما جاء للميقات
{من حليهم} يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي.
{عجلا جسدا} أي عجلا جثة أي لا يعقل ولا يميز.
- وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط، له خوار؛ أي صوت.
قال مجاهد: جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل فرماها عليه). [معاني القرآن: 3/80-81]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ((له خوار) أي: صياح). [ياقوتة الصراط: 230]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خُوَارٌ}: صوت). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمّا سقط في أيديهم...}
من الندامة. ويقال: أسقط لغة. و(سقط في أيديهم) أكثر وأجود. {قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا} نصب بالدعاء (لئن لم ترحمنا ربنا) ويقرأ (لئن لم يرحمنا ربّنا) والنصب أحبّ إليّ؛ لأنها في مصحف عبد الله (قالوا ربّنا لئن لم ترحمنا) ). [معاني القرآن: 1/393]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولّما سقط في أيديهم} يقال لكل من ندم وعجز عن شئ ونحو ذلك: سقط في يد فلان). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين}
وقال: {ولمّا سقط في أيديهم} وقال بعضهم {سقط} وكل جائز والعرب تقول: "سقط في يديه" و{أسقط في أيديهم}). [معاني القرآن: 2/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ولما سقط في أيديهم}: ندموا). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولمّا سقط في أيديهم} أي ندموا. يقال: سقط في يد فلان: إذا ندم). [تفسير غريب القرآن: 172]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين}
يقال للرجل النادم على ما فعل الخسر على ما فرط منه، قد سقط في يده وأسقط، وقد رويت سقط في القراءة، فالمعنى: ولما سقط الندم في أيديهم، كما تقول للذي يحصل على شيء - وإن كان مما لا يكون في اليد - قد حصل في يده من هذا مكروه، تشبّه ما يحصل في القلب وفي النفس بما يرى بالعين). [معاني القرآن: 2/378]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا}
يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط.
و يقرأ (ولما سَقَطَ في أيديهم): أي ولما سقط الندم في أيديهم). [معاني القرآن: 3/81-82]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ((ولما سقط في أيديهم) أي: ندموا عندما فعلوا.
قال أبو عبد الله: ومنه قوله تعالى: (لم يروا أنه لا يكلمهم) أي: عاب العجل بذلك، وهذا دليل على أن الله يتكلم، ولم يزل متكلماً، لأنه لا يكون هو بصفة ما عاب). [ياقوتة الصراط: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (و{سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} ندموا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ}: ندموا). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أعجلتم أمر ربّكم...}
تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته.
وقوله: {وألقى الألواح} ذكر أنهما كانا لوحين. وجاز أن يقال الألواح للاثنين كما قال {فإن كان له إخوةٌ} وهما أخوان وكما قال {إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما} وهما قلبان.
وقوله تبارك وتعالى: {قال ابن أمّ} يقرأ (ابن أمّ، وأمّ) بالنصب والخفض، وذلك أنه كثر في الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيف المنادي إلى نفسه، إلاّ قولهم: يا بن عمّ يا بن أمّ. وذلك أنه يكثرا استعمالهما في كلامهم. فإذا جاء مالا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا بن أبى، ويا ابن أخي، ويا بن خالتي، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا بن أمّ، ويا بن عمّ فنصبوا كما تنصب المفرد في بعض الحالات، فيقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذلك في أخ، ولو قيل كان صوابا. وكان هارون أخاه لأبيه وأمّه. وإنما قال له (يا ابن أم) ليستعطفه عليه.
وقوله: {فلا تشمت بي الأعداء} من أشمت...
- حدّثنا سفيان بن عيينة عن رجل - أظنه الأعرج - عن مجاهد أنه قرأ (فلا تشمت بي) ولم يسمعها من العرب، فقال الكسائيّ: ما أدري لعلهم أرادوا (فلا تشمت بي الأعداء) فإن تكن صحيحة فلها نظائر، العرب تقول فرغت: وفرغت.
فمن قال فرغت قال: أنا أفرغ، ومن قال فرغت قال أنا أفرغ، وركنت وركنت وشملهم شر، وشملهم، في كثير من الكلام.
و(الأعداء) رفع لأن الفعل لهم، لمن قال: تشمت أو تشمت). [معاني القرآن: 1/393-394]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({غضبان أسفاً} من شدة، يقال: أسف وعند وأضم، ومن شدّة الغضب يتأسف عليه أي يتغيظ). [مجاز القرآن: 1/228]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين}
وقال: {ابن أمّ إنّ القوم}. وذلك - والله أعلم - أنه جعله اسما واحدا مثل قولهم "ابن عمّ أقبل" وهذا لا يقاس عليه وقال بعضهم {يا ابن أمي لا تأخذ} وهو القياس ولكن الكتاب ليست فيه ياء فلذلك كره هذا.
وقال الشاعر:
يا ابن أميّ ولو شهدتك إذ تد = عو تميماً وأنت غير مجاب
وقال بعضهم {يا ابن أمّ}، فجعله على لغة الذين يقولون هذا غلام قد جاء "أو جعله اسما واحدا آخره مكسور" مثل "خازباز".
وقال: {وكادوا يقتلونني} فثبتت فيه نونان واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر وإنما ثبتت في الفعل لأنه رفع، ورفع الفعل إذا كان للجميع والاثنين بثبات النون إلا أن نون الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة، وقد قال: {أتعدانني أن أخرج} وقد يجوز في هذا الإدغام والإخفاء). [معاني القرآن: 2/17-18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({غضبان آسفا}: الأسف أشد الغضب). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أسفاً} شديد الغضب. يقال: آسفني فأسفت. أي: أغضبني فغضبت. ومنه قوله: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم}). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه جمع يراد به واحد واثنان:
كقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: واحد واثنان فما فوق.
وقال قتادة في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ}-: كان رجل من القوم لا يمالئهم على أقاويلهم في النبي صلّى الله عليه وسلم، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله طائفة وهو واحد.
وكان «قتادة» يقول في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ}: هو رجل واحد ناداه: يا محمد، إنّ مدحي زين، وإنّ شتمي شين.
فخرج إليه النبي، صلّى الله عليه وسلم، فقال: «ويلك، ذاك الله جل وعز»، ونزلت الآية.
وقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}، أي أخوان فصاعدا.
قوله سبحانه: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ}، جاء في التفسير: أنهما لوحان). [تأويل مشكل القرآن: 282-283](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين}
(غضبان) منصوب على الحال، وهو على مثال فعلان، وله فعلى نحو غضبى - لم ينصرف، لأن فيه الألف والنون، كألفي حمراء، والأسف:
الشديد الغضب، قال الله جلّ وعزّ: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، أي فلما أغضبونا.
وقوله: {أعجلتم أمر ربّكم}
يقال عجلت الأمر والشيء سبقته، وأعجلته استحثثته.
(قال ابن أمّ). بالفتح وإن شئت ابن أمّ بالكسر، فمن قال ابن أمّ بالفتح فإنه إنما فتحوا في ابن أمّ وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم.
وأن النداء كلام محتمل للحذف فجعلوا " ابن " و " أمّ " شيئا واحدا نحو خمسة عشر.
ومن قال ابن أمّ - بالكسر - فإنه أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا، ومن العرب من يقول: يا ابن أمّي بإثبات الياء.
قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر شديد). [معاني القرآن: 2/378-379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا}
الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين
ومعنى {أعجلتم أمر ربكم} أسبقتم ولم تنتظروا أمره ونهيه
ثم قال جل وعز: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه}
قال مجاهد: كانت من زمردة خضراء.
قال مجاهد في قوله: {ولا تجعلني مع القوم الظالمين}يعني الذين عبدوا العجل). [معاني القرآن: 3/82-83]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ((غضبان أسفا) أي: ممتلئ غيظاً). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((الأَسِف): أشد الغضب). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قال رب اغفر لي ولأخي}
أي: اغفر الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح، واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل؛ إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال: (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي)
وقيل: إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت؛ لأن غضبه أيضا كان لله جل وعز، وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لم يبق من الألواح إلا سدسها). [معاني القرآن: 3/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضب من ربّهم وذلّة في الحياة الدّنيا وكذلك نجزي المفترين}
المعنى: اتخذوا العجل إلها.
وقوله: {وذلّة في الحياة الدّنيا} لحقتهم الذلة أنهم رأوا أنهم قد ضلوا وذلّوا، والذلّة هو ما أمروا به من قتل أنفسهم، وقيل إن الذلّة أخذ الجزية، وأخذ الجزية لم يقع في الذين عبدوا العجل، لأن الله جلّ وعزّ تاب عليهم بقتلهم أنفسهم). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم}
المعنى: إن الذين اتخذوا العجل (إلها) حذف لعلم السامع.
وقيل معنى {وذلة في الحياة الدنيا} إنها الجزية.
وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا، وما رأوه من ضلالهم. قال الله جل وعز: ورأوا أنهم قد ضلوا.
قال أبو جعفر: وهذا القول أصح من الأول؛ لأن الجزية لم تؤخذ منهم، وإنما أخذت من ذريتهم). [معاني القرآن: 3/84]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (قال أبو عبد الله: وقوله جل وعز {وكذلك نجزي المفترين}
قال يعني: أهل البدع). [ياقوتة الصراط: 232]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ولّما سكت عن موسى الغضب} أي سكن لأن كل كافٍ عن شيء فقد سكت عنه أي كف عنه وسكن، ومنه: سكت فلم ينطق). [مجاز القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولماّ سكت عن مّوسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدًى ورحمةٌ لّلّذين هم لربّهم يرهبون}
وقال: {ولماّ سكت عن مّوسى الغضب} وقال بعضهم {سكن} إلاّ أنّها ليست على الكتاب فتقرأ {سكت} وكلٌّ من كلام العرب.
وقال: {لّلّذين هم لربّهم يرهبون}، كما قال: {إن كنتم للرّؤيا تعبرون} أوصل الفعل باللام.
وقال بعضهم {من أجل ربّهم يرهبون}). [معاني القرآن: 2/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({ولما سكت عن موسى الغضب}: سكن). [غريب القرآن وتفسيره: 150]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولمّا سكت عن موسى الغضب} أي سكن.
{وفي نسختها} أي فيما نسخ منها). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(اللام) قد تزاد، كقوله سبحانه: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 250]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للّذين هم لربّهم يرهبون}
يقال: سكت يسكت سكتا؛ إذا هو سكن، وسكت يسكت سكوتا وسكتا؛ إذا قطع الكلام، ويقال: رجل سكّيت بيّن السّكوت والساكوتة إذا كان كثير السكوت، وأصاب فلانا سكّات إذا أصابه داء منعه من الكلام، والسّكيت - بالتخفيف والتشديد - الذي يجيء آخر الخيل.
وروى بعضهم: "ولما سكت عن موسى الغضب" ولا تقرأن به لأنه خلاف المصحف.
قول بعضهم: {ولمّا سكت عن موسى الغضب} معناه: ولمّا سكت موسى عن الغضب، على القلب، كما قالوا: أدخلت القلنسوّة في رأسي.
المعنى أدخلت رأسي في القلنسوة.
والقول الذي معناه (سكن) قول أهل العربية). [معاني القرآن: 2/379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولما سكت عن موسى الغضب} معناه سكن
قال أبو إسحاق: يقال سكت يسكت سكتا؛ إذا سكن. وسكت يسكت سكوتا وسكتا؛ إذا قطع الكلام.
ومعنى {وفي نسختها} وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة.
قال ابن كيسان: {وفي نسختها} فيه قولان:
أحدهما: أنها جددت له في لوحين.
وقيل فيما انـتسخ منها، وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها، وانتسخ ما قدر عليه منها، وفي تلك النسخة {هدى} أي بيان {ورحمة} أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال {هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}
- يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك.
- ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم). [معاني القرآن: 3/85-86]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({ولما سكت عن موسى الغضب} أي: سكن). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَلَمَّا سَكَتَ} أي سكن). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَكَتَ}: سكن). [العمدة في غريب القرآن: 138]

تفسير قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً...}
وجاء التفسير: اختار منهم سبعين رجلا. وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (من) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا.
وقد قال الشاعر:
فقلت له اخترها قلوصا سمينة = وناباً علينا مثل نابك في الحيا
فقام إليها حبتر بسلاحه = فللّه عينا حبترٍ أيّما فتى
وقال الراجز:
* تحت الذي اختار له الله الشجو *
وقوله: {أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا} وذلك أن الله تبارك وتعالى أرسل على الذين معه - وهم سبعون - الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل، فقال: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة).
وقوله: {ثم اتخذوا العجل} ليس بمردود على قوله: {فأخذتهم الصاعقة} ثم اتخذوا؛ هذا مردود على فعلهم الأوّل. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأوّل؛ من ذلك أن تقول للرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا؛ فتكون (ثم) عطفا على خبر المخبر؛ كأنه قال: أخبرك أني زرتك اليوم، ثم أخبرك أني زرتك أمس.
وأمّا قول الله عزّ وجلّ: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ ثم جعل منها زوجها} فإن فيه هذا الوجه؛ لئلا يقول القائل: كيف قال: خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة على الواحدة؛ أراد - والله أعلم - خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما في ثم. وخلقة ثمّ أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأمّا الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدا، فأيهما شئت كان هو المبتدأ بالزيارة، وإذا قلت: زرت عبد الله ثم زيدا، أو زرت عبد الله فزيدا كان الأوّل قبل الآخر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أوّلا). [معاني القرآن: 1/395-396]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً} مجازه: اختار موسى من قومه.
ولكن بعض العرب يجتازون فيحذفون من، قال العجاج:
تحت التي اختار له الله الشّجر
أي تحت الشجرة التي اختار له الله من الشجر). [مجاز القرآن: 1/229]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واختار موسى قومه سبعين رجلاً لّميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم مّن قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
وقال: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي: اختار من قومه، فلما نزع "من" عمل الفعل. وقال الشاعر:
منا الذي اختير الرجال سماحةً = وجوداً إذا هبّ الرّياح الزعازع
وقال آخر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركتك ذا مالٍ وذا نشب
وقال النابعة:
نبّئت زرعة والسفاهة كاسمها = يهدي إليّ أوابد الأشعار). [معاني القرآن: 2/18-19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واختار موسى قومه} أي اختار من قومه. فحذف «من» والعرب تقول: اخترتك القوم. أي اخترتك من القوم). [تفسير غريب القرآن: 173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك حذف الصفات...
وقوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا}. أي اختار منهم.
وقال العجّاج:
تحت الذي اختار له الله الشّجر
أي اختار له من الشجر). [تأويل مشكل القرآن: 229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلّا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين}
معناه {واختار موسى من قومه} وكان موسى اختار من اثني عشر سبطا من كل سبط ستة رجال، فبلغوا اثنين وسبعين رجلا فخفّف منهم رجلين.
ومعنى اختار قومه، اختار من قومه فحذفت " من " ووصل الفعل فنصب.
يقال اخترت من الرجال زيد واخترت الرجال زيدا.
وأنشدوا:
ومنا الذي اختار الرجال سماحة = وجودا إذا هب الرياح الزعازع
وقوله: {فلمّا أخذتهم الرّجفة} وهي الحركة الشديدة والزلزلة الشديدة.
يقال إنه رجف بهم الجبل فماتوا فقال: {قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي} أي: لو شئت أمتّهم من قبل أن تأتيهم بما أوجب عليهم الرجفة). [معاني القرآن: 2/379-380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا}
أي: ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه.
ثم قال جل وعز: {فلما أخذتهم الرجفة}
- قال مجاهد: أميتوا ثم أحيوا.
والرجفة في اللغة: الزلزلة الشديدة. ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا.
- قال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد العجل ولم يرضوا عبادته.
{قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} أي أمتهم كما قال تعالى: {إن امرؤ هلك}
قال ابن كيسان: أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل، وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا.
قال أبو جعفر: حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه فتجعله عاصيا). [معاني القرآن: 3/86-88]


رد مع اقتباس