عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:07 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إنّ شرّ الدّوابّ إلى يتّقون المعنى المقصود تفضيل الدواب الذميمة كالخنزير والكلب العقور على الكافرين الذين حتم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وهذا الذي يقتضيه اللفظ، وأما الكافر الذي يؤمن فيما يستأنفه من عمره فليس بشر الدواب، وقوله الّذين عاهدت منهم يحتمل أن يريد أن الموصوف ب شرّ الدّوابّ هم الذين لا يؤمنون المعاهدون من الكفار فكانوا شر الدواب على هذا بثلاثة أوصاف: الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض، والّذين على هذا بدل البعض من الكل، ويحتمل أن يريد بقوله الّذين عاهدت الّذين الأولى، فتكون بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، والمعنى على هذا الذين عاهدت فرقة أو طائفة منهم، ثم ابتدأ يصف حال المعاهدين بقوله: ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّةٍ، والمعاهدة في هذه الآية المسالمة وترك الحرب، وأجمع المتأولون أن الآية نزلت في بني قريظة، وهي بعد تعم كل من اتصف بهذه الصفة إلى يوم القيامة، ومن قال إن المراد ب الدّوابّ الناس فقول لا يستوفي المذمة، ولا مرية في أن الدواب تعم الناس وسائر الحيوان، وفي تعميم اللفظة في هذه الآية استيفاء المذمة، وقوله في كلّ مرّةٍ يقتضي أن الغدر قد كان وقع منهم وتكرر ذلك،
وحديث قريظة هو أنهم عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ألا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوا من غيرهم، فلما اجتمعت الأحزاب على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة غلب على ظن بني قريظة أن النبي صلى الله عليه وسلم، مغلوب ومستأصل، وخدع حيي بن أخطب النضري كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة وعهدهم، فغدروا ووالوا قريشا وأمدوهم بالسلاح والأدراع، فلما انجلت تلك الحال عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره الله بالخروج إليهم وحربهم فاستنزلوا، وضربت أعناقهم بحكم سعد بن معاذ، واستيعاب القصة في سيرة ابن هشام، وإنما اقتضبت منها ما يخص تفسير الآية). [المحرر الوجيز: 4/ 218-219]

تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم لعلّهم يذّكّرون (57) وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين (58) ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون (59)
دخلت النون مع «إما» تأكيدا ولتفرق بينها وبين إما التي هي حرف انفصال في قولك جاءني إما زيد وإما عمرو «وتثقفهم» معناه وتحصلهم في ثقافك أو تلقاهم بحال ضعف تقدر عليهم فيها وتغلبهم، وهذا لازم من اللفظ لقوله في الحرب، وقيل ثقف أخذ بسرعة ومن ذلك قولهم: رجل ثقف لقف، وقال بعض الناس معناه تصادفنهم إلى نحو هذا من الأقوال التي لا ترتبط في المعنى، وذلك أن المصادف يغلب فيمكن التشريد به، وقد لا يغلب، والثقاف في اللغة ما تشد به القناة ونحوها، ومنه قول الشاعر: [البسيط]
إن قناتي لنبع ما يؤيسها = عض الثقاف ولا دهن ولا نار
وقال آخر: [البسيط]
تدعو قعينا وقد عضّ الحديد بها = عض الثقاف على صم الأنابيب
وقوله فشرّد معناه طرد وخوف وأبعده عن مثل فعلهم، والشريد المبعد عن وطن أو نحوه، والمعنى بفعل تفعله بهم من قتل أو نحوه يكون تخويفا لمن خلفهم أي لمن يأتي بعدهم بمثل ما أتوا به، وسواء كان معاصرا لهم أم لا، وما تقدم الشيء فهو بين يديه وما تأخر عنه فهو خلفه، فمعنى الآية فإن أسرت هؤلاء الناقضين في حربك لهم فافعل بهم من النقمة ما يكون تشريدا لمن يأتي خلفهم في مثل طريقتهم، والضمير في لعلّهم عائد على الفرقة المشردة، وقال ابن عباس: المعنى نكل بهم من خلفهم، وقالت فرقة «شرد بهم» معناه سمع بهم، حكاه الزهراوي عن أبي عبيدة، والمعنى متقارب لأن التسميع بهم في ضمن ما فسرناه أولا، وفي مصحف عبد الله «فشرذ» بالذال منقوطة، وهي قراءة الأعمش ولم يحفظ شرذ في لغة العرب ولا وجه لها إلا أن تكون الذال المنقوطة تبدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخراذيل، وقرأ أبو حيوة وحكاها المهدوي عن الأعمش بخلاف عنه: «من خلفهم» بكسر الميم من قوله من وخفض الفاء من قوله خلفهم والترجي في قوله لعلّهم بحسب البشر، ويذّكّرون معناه يتعظون). [المحرر الوجيز: 4/ 219-220]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإمّا تخافنّ الآية قال أكثر المؤلفين في التفسير: إن هذه الآية هي من بني قريظة، وحكاه الطبري عن مجاهد، والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فشرّد بهم من خلفهم ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر، وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته فترتب فيهم هذه الآية وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشتهرة، فهذه الآية هي عندي فيمن يستقبل حاله من سائر الناس غير بني قريظة، وخوف الخيانة بأن تبدو جنادع الشر من قبل المعاهدين وتتصل عنهم أقوال وتتحسس من تلقائهم مبادئ الغدر، فتلك المبادئ معلومة والخيانة التي هي غايتهم مخوفة لا متيقنة، وحينئذ ينبذ إليهم على سواء، فإن التزموا السلم على ما يجب وإلا حوربوا، وبنو قريظة نبذوا العهد مرتين، وقال يحيى بن سلام: تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وليس كذلك، وقوله خيانةً يقتضي حصول عهد لأن من ليس بينك وبينه عهد فليست محاربته لك خيانة، فأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا، وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم، وهو النبذ ومفعول قوله فانبذ محذوف تقديره إليهم عهدهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتقتضي قوة هذا اللفظ الحض على حربهم ومناجزتهم إن لم يستقيموا، وقوله على سواءٍ قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم، فتكونون فيه أي في استشعار الحرب سواء، وقيل معنى قوله على سواءٍ أي على معدلة أي فذلك هو العدل والاستواء في الحق، قال المهدوي: معناه جهرا لا سرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نحو الأول، وقال الوليد بن مسلم: على سواءٍ معناه على مهل كما قال تعالى: براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ [التوبة: 2].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللغة تأبى هذا القول، وذكر الفراء أن المعنى انبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بيّن لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب، بل افعل بهم مثلما فعلوا بك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يعني موازنة ومقايسة، وقوله تعالى: إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين يحتمل أن يكون طعنا على الخائنين من الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يريد فانبذ إليهم على سواء حتى تبعد عن الخيانة، فإن الله لا يحب الخائنين فيكون النبذ على هذا التأويل لأجل أن الله لا يحب
الخائنين، والسواء في كلام العرب قد يكون بمعنى العدل والمعدلة، ومنه قوله تعالى: إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم [آل عمران: 64] ومنه قول الراجز: [الرجز]
فاضرب وجوه الغدر الأعداء = حتى يجيبوك إلى السواء
وقد يكون بمعنى الوسط، ومنه قوله تعالى: في سواء الجحيم [الصافات: 55]
ومنه قول حسان بن ثابت: [الكامل]
يا ويح أنصار النبي ورهطه = بعد المغيّب في سواء الملحد). [المحرر الوجيز: 4/ 220-223]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا إنّهم لا يعجزون قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي «ولا تحسبن» بالتاء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبكسر السين غير عاصم فإنه فتحها، والّذين كفروا مفعول أول، وسبقوا مفعول ثان، والمعنى فأتوا بأنفسهم وأنجوها «إنهم لا يعجزون» بكسر ألف «إن» على القطع والابتداء، ويعجزون معناه مفلتون ويعجزون طالبهم، فهو معدى عجز بالهمزة تقول عجز زيد وأعجزه غيره وعجزه أيضا، قال سويد: [الوافر]
وأعجزنا أبو ليلى طفيل = صحيح الجلد من أثر السلاح
وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، كقريش في بدر وغيرهم، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا، وقيل المراد في الآخرة، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل «ولا تحسبن» بكسر التاء، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس «تحسبن» بفتح التاء من فوق وبفتح السين، وقرأ الأعمش «ولا يحسب» بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى «ولا يحسبنّ» بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة «ولا يحسبن» بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد، ويكون قوله الّذين كفروا مفعولا أولا وسبقوا مفعولا ثانيا، وإما أن يكون الّذين كفروا هم الفاعلون، ويكون المفعول الأول مضمرا وسبقوا مفعول ثان، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، وإما أن يكون الّذين كفروا هو الفاعل وتضمر «أن» فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين،
قال الفارسي: ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال أفغير اللّه تأمرونّي أعبد [الزمر: 64] التقدير أن أعبد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ونحوه قول الشاعر: [الطويل]
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى = ... ... ... ...
قال أبو علي: وقد حذفت «أن» وهي مع صلتها في موضع الفاعل، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك:
[الطويل]
وما راعنا إلا يسير بشرطة = وعهدي به قينا يفش بكير
وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «أنهم لا يعجزون» بفتح الألف من «أنهم»، ووجهه أن يقدر بمعنى لأنهم لا يعجزون أي لا تحسبن عليهم النجاة لأنهم لا ينجون، وقرأ الجمهور «يعجزون» بسكون العين، وقرأ بعض الناس فيما ذكر أبو حاتم «يعجزون» بفتح العين وشد الجيم، وقرأ ابن محيصن «يعجزون» بكسر النون ومنحاها يعجزوني بإلحاق الضمير، قال الزجّاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على المعنى أنهم لا يعجزونني، وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين، كما قال الشاعر: [الوافر]
تراه كالثغام يعل مسكا = يسوء الفاليات إذا فليني
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: البيت لعمرو بن معد يكرب وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة: [الكامل]
ولقد علمت ولا محالة أنّني = للحادثات فهل تريني أجزع
هذا يجوز على الاضطرار، فقال قوم حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها موضع الإعراب، وقال أبو العباس المبرد: أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية، وهكذا كان يقول في بيت عمرو بن معديكرب، وفي مصحف عبد الله «ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون»، قال أبو عمرو الداني بالياء من تحت وبغير نون في يحسب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكرها الطبري بنون). [المحرر الوجيز: 4/ 223-225]


رد مع اقتباس