عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م, 04:23 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

أحكام الهاء الداخلة للسكت في الوقف والابتداء

قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (وقوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} [البقرة: 259] اختلف القراء في الهاء، فكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن كثير يثبتون الهاء في (يتسنه) إن وصلوا وإن قطعوا. وكذلك: {فهبداهم اقتده}
[الأنعام: 90]، {يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه} [الحاقة: 25، 26] وكذلك: {وما أدراك ما هيه} [القارعة: 10] وكان أبو عمرو يوافقهم في هؤلاء الحروف كلهن في الحرف الذي في الأنعام فإنه كان يحذف الهاء منه في وصل ويثبتها في الوقف. كذا ذكر أبو عبيد في كتابه.
144- حدثني أبي قال: حدثنا أبو خلاد عن اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يثبت الهاء في (اقتده) في الوصل والوقف. وخالفه اليزيدي في هذا فكان يثبت الهاء في الوقف ويحذفها في الوصل ويقول: إنما تدخل الهاء للسكت.
وكان الكسائي يثبت الهاء في جميع القرآن في الوصل والوقف إلا في حرفين، في سورة البقرة: {لم يتسنه} [259] وفي سورة الأنعام {فهبداهم اقتده} [90] فكان يحذف الهاء منهما في الوصل ويثبتها في الوقف.
وكان الأعمش وحمزة يثبتان الهاءات في الوقف ويحذفانها في الوصل في قوله: (لم يتسنه) وفي قوله: (فبهداهم اقتده) وفي حرفين، في الحاقة: {ماليه} [28]، و{سلطانيه} [29] وفي القارعة: {ماهيه} [10] ويثبتان الهاء فيما سوى هؤلاء الأحرف في الوصل والوقف.
قال أبو بكر: فمن أثبتها في الوقف وحذفها من الوصل قال: إنما تدخل الهاء في السكت لتتبين بها الحركة التي قبلها. وذلك أنا إذا قلنا: «كتابيه وحسابيه»، وجدنا الياء مفتوحة فكرهنا أن قف عليها من غير هاء فلا تتبين الفتحة، فلما كانت إنما تدخل في السكت لتبين بها الحركة ثم زال السكت زالت. ومن أثبتها في الوصل والوقف قال: أردت أن أبين بها الفتحة التي في آخر الحرف وبنيت الوصل على الوقف.
وأما قوله: «لم يتسنه وانظر» فإن لمن أثبت الهاء في الوصل والوقف حجتين: إحداهما أن يقول: كان الأصل فيه «يتسنه يا هذا» فلما دخل الجازم أسقط ضمة الهاء فبقيت الهاء ساكنة ثابتة في الوصل والوقف لأنها بمنزلة الميم في «يقيم»
والدال في «يقعد». ومما يدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول في تصغير السنة «سنيهة»، ويقال في جمعها «سنهات» على القياس. ولم يسمع الجمع من العرب، والتصغير مسموع منهم. ويقال: عمل فلان مع فلان مسانهة فيدلك ثبات الهاء في هؤلاء المواضع على أنها من نفس الكلمة. أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني حجة لهذا المذهب:
ليست بسنهاء ولا رجبية = ولكن عرايا في السنين الجوائح
فسنهاء على مثال حمراء والهاء فيها بحذاء الراء. فعلى هذا المذهب لا يجوز حذف الهاء من «يتسنه» في وصل ولا وقف. والوجه الآخر أن يكون الأصل فيه «يتسنى» على وزن «يتقضى» فلما دخل الجازم أسقطت الياء فصار «لم يتسن» على وزن «لم يتقض» فأدخلنا الهاء للسكت وأثبتناها في الوصل بناء على الوقف. ويجوز أن تقول: كان الأصل فيه «يتسنن» فاستثقلت العرب الجمع بين ثلاث نونات لأن النون الأولى مشددة، والحرف المشدد حرفان فأبدلوا من النون الثالثة ياء كما قالوا: «قد تظنيت» والأصل فيه «تظننت» فاستثقلوا الجمع بين ثلاث نونات فأبدلوا من الثالثة ياء فصار «يتسنى» فلما دخلت «لم» أسقطت الياء وأدخلت الهاء للسكت. والدليل على أن الأصل فيه «يسنن» قول العرب: «هذه سنين كما ترى، وأتيتك سنينا، ونظرت إلى سنين» فيعربون النون بالرفع والنصب والخفض لأنها عندهم من نفس الحرف، ويقولون في الإضافة: «هذه سنينك، ورأيت سنينك، وفكرت في سنينك» فيثبتونها ويعربونها في الإضافة: فلولا أنها عندهم من نفس الكلمة لم تثبت في الإضافة. أنشدنا أبو العباس حجة لهذا المذهب:
ذراني من نجد فإن سنينه = لعبن بنا شيبا وشبننا مردا
لحي الله نجدا كيف يترك ذا الغنى = فقيرا وجلد القوم تحسبه عبدا
فقال: فإن سنينه، فأثبت النون في الإضافة. والبيت
الذي قبل هذين أنشده الفراء:
متى تنج حبوا من سنين ملحة = تثمر لأخرى تنزل الأعصم الفردا
وأنشد الفراء:
ألم نسق الحجيج سلي معدا = سنينا ما يعد لنا حسابا
وأنشدنا أبو العباس:
سنيني كلها قاسيت حربا = أعد مع الصلادمة الكبار
فعلى هذا المذهب تقول: «عمل فلان مع فلان مسانة» بنون مشددة.
ومن حذف الهاء في الوصل والوقف قال: إذا وقفت أشرت إلى الحركة فكان ذاك كافيًا لي من إدخال الهاء. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الأسدي: الاختيار عندي في هذا الباب كله الوقف عليها [بالهاء] بالتعمد لذلك لأنها إن أدمجت في القراءة مع إثبات الهاء كان خروجًا من كلام العرب وإن حذفت في الوصل كان خلاف الكتاب. فإذا صار قارئها إلى السكت عندها على ثبوت الهاءات اجتمعت له المعاني الثلاثية؛ من أن يكون مصيبًا في العربية وموافقًا للخط وغير خارج من قراءة القراء.
). [إيضاح الوقف والابتداء: 1/303-311]

رد مع اقتباس