عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 2 محرم 1435هـ/5-11-2013م, 05:41 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

الوقف على المستثنى والمستثنى منه

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (والاستثناء على ضربين: متصل ومنقطع
فالمتصل قالوا: لا يوقف على المستثنى منه دون المستثنى كقوله عز وجل {إن الإنسان لفي خسر} لأن الإنسان يراد به هاهنا جميع الناس. قال بعض المفسرين: أراد بالخسر دخول النار، وقيل: لفي خسر من التجارة {إلا الذين آمنوا} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا، وغيرهم تجر خلاف تجارتهم فخسر. قال أبو عبيدة: لفي مهلكة ونقصان.
والمنقطع: ما كان المستثنى فيه ليس من الأول، كقوله عز وجل في سورة الانشقاق: {فبشرهم بعذاب أليم} قال ابن الأنباري: هو استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال في سورة البقرة: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} قال: معناه: لكن الذين ظلموا منهم فإنهم لا حجة لهم، وكذلك يروى عن ابن مجاهد أنه كان يقف على {أجر غير ممنون} وقال: معناه: لكن، ولا مانع من القضاء باتصاله، أي: إلا الذين آمنوا من المذكورين وعملوا الصالحات.
وقوله عز وجل في سورة البقرة: {اسجدوا لآدم فسجدوا} يسوغ فيه الأمران، وكيف ما كان فالوقف عليه سائغ، إلا أنه لا يبتدأ بما بعده إذا قدرته متصلا.
ومما عدوه من المنقطع قوله تعالى: {إلا أذى} في "آل عمران"، و{إلا بحبل من الله وحبل من الناس}، وقوله عز وجل: {وكيلا * إلا رحمة من ربك}، في "بني إسرائيل"، و{إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}، و{لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر}، وقوله عز وجل في سورة والتين والزيتون: {أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا} فأجازوا الابتداء بـ (إلا) في هذه المواضع. وقال ابن النحاس في قوله عز وجل: {لدي المرسلون} تام، لأن {إلا من ظلم} استثناء ليس من الأول بمعنى لكن.
قال أبو عمرو الداني: فسبيل ما ورد في كتاب الله عز وجل من هذا الضرب من الاستثناء في كون الوقف قبله تاما سبيل هذين الموضعين، يعني {إلا من ظلم} و{إلا الذين آمنوا} في "الانشقاق" وذكر جميع المواضع التي ذكرتها.

فأقول وبالله التوفيق: أما قوله عز وجل: {لن يضروكم إلا أذى} الآية [آل عمران: 111] فإن جماعة من المفسرين ذهبوا إلى أنه منقطع، والقول بأنه متصل ظاهر، والمعنى: لن يضروكم ضررا إلا نوعا واحدا من الضرر وهو الأذى، وهو ما تفوه به ألسنتهم من الباطل والسب ونحو ذلك، فأما الغلبة والتسليط عليكم فلا {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} الآية [آل عمران: 111]، وهذا كقوله عز وجل: {وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا}الآية [الإسراء: 76] أي: إلا زمنا أو وقتا قليلا.

ولو قدر أنه منقطع لم يكن الوقف قبله تاما؛ لأن المعنى بعد (إلا) له تعلق بما قبلها، فلو قيل: إن الوقف قبل (إلا) كاف كان أحسن.
وأما قوله عز وجل: {إلا بحبل من الله} الآية [آل عمران: 112] فذهب بعض البصريين إلى أنه استثناء منقطع، قال: لأن قوله {أينما ثقفوا} الآية [آل عمران: 112] تمام، ثم قال:
{إلا بحبل من الله}، أي: لكنهم يعتصمون بحبل من الله.
وقال أبو القاسم: {إلا بحبل من الله} في محل النصب على الحال، أي: إلا معتصمين أو متمسكين.
قال: وهو استثناء من أعم عام الأحوال، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين، أي: لا عز لهم قط إلا بهذه الواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما بذلوه من الجزية.
وقال قوم من الكوفيين: التقدير: إلا أن يعتصموا بحبل من الله، ولذلك دخلت الباء وهي متعلقة بهذا الفعل المحذوف.
وقال بعضهم أيضا: هو استثناء من الأول، محمول على المعنى؛ لأن معنى الكلام: ضربت عليهم الذلة بكل مكان إلا بموضع من الله – والصحيح قول من قال: إنه متصل.
وأما قوله عز وجل: {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا * إلا رحمة من ربك} الآية [الإسراء: 67،68] فيجوز أن يكون منقطعا، ومع كونه منقطعا فليس الوقف على قوله:
{وكيلا} بتام؛ لأن المعنى: ولكن رحمة ربك تركته باقيا لم يذهب به، فيكون الوقف كافيا لتعلق بعض الكلام ببعض.
وقد أجيز أن يكون متصلا، أي لو شئنا لذهبنا بالقرآن فمحوناه من المصحف ومن الصدور ثم لا تجد لك حينئذ وكيلا يتوكل علينا برده وإعادته على الحال التي كان عليها،
{إلا رحمة من ربك} كأن رحمته سبحانه تتوكل بالرد.
فعلى هذا لا يوقف على قوله {وكيلا}.
وأما قوله عز وجل: {إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم} الآية [النمل: 10،11] فقد قيل: إنه منقطع، وهو قول البصريين، قالوا: وذلك أن الاستثناء المتصل يكون ما بعده مخالفا لما قبله من المعنى، وقوله: {إني لا يخاف لدي المرسلون} تأمين، وقوله: {إلا من ظلم} إلى قوله عز وجل: {فإني غفور رحيم} الآية [النمل: 11] تأمين أيضا: قالوا: فقد اتحد المعنى فيهما فوجب ألا يكون من الأول.
قالوا: ومثله من كلامهم: ما اشتكى إلا خيرا؛ لأن الثاني مثل الأول في حصول الخير؛ لأن ما اشتكى يدل على حصول الخير، وقوله: إلا خيرا مثل الأول، وكأنه قال: ما أدرك إلا خيرا.
قالوا: وإلا بمعنى لكن – أي لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم ثم تاب فإني غفور رحيم.
وقال أبو القاسم: (إلا) بمعنى لكن، قال: لأنه لما أطلق نفى الخوف عن الرسل كان ذلك مظنة لطروء الشبهة فاستدرك ذلك، والمعنى: ولكن من ظلم منهم، أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم، ويونس، وداود، وسليمان، وإخوة يوسف، ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض ما وجد من موسى عليه السلام، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها، وسماه ظلما كما قال موسى عليه السلام: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي} الآية [القصص: 16].
والوقف على هذين الوجهين كاف؛ لأن المعنى بعد (إلا) فيه تعلق بما قبلها.
وقال الفراء: يجوز أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة؛ لأن المعنى: لا يخاف المرسلون، إنما الخوف على غيرهم، ثم استثنى فقال: {إلا من ظلم} فإن هذا لا يخاف، يقول كان مشركا فتاب وعمل حسنا، فذلك مغفور له ليس بخائف.
ورد عليه هذا القول وقيل: الاستثناء (من) محذوف لا يجوز؛ لأنه لا يعلم ما هو، قالوا: ولو جاز هذا لجاز: لا أضرب القوم إلا زيدا، على معنى: وأضرب غيرهم إلا زيدا، وهذا ضد البيان ونقض الكلام.
وليس هذا الرد بشيء، لأن قوله: {لا يخاف لدي المرسلون} يدل على خوف غيرهم، وقوله: {إلا من ظلم} يدل على أن المعنى: إنما يخاف الظالمون، إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم، أي: فإني أغفر له فلا يخاف، ففي الكلام ما يدل على ما صار إليه الفراء، وليس في المثال الذي ضربوه له دليل، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا، ويكون الوقف على {المرسلون} كافيا و(إلا) متعلق بمحذوف، ويجوز الابتداء بـ (إلا) كأن المحذوف قد ابتدئ به معها كما يبتدأ بقوله تعالى: {قادرين} في "القيامة"، والتقدير: نجمعها قادرين.
قال الفراء: وقد قال بعض النحويين: إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا، قال: وجعلوا مثله قول الله تبارك وتعالى:
{لئلا يكون للناس عليكم حجة} الآية [البقرة: 150] ولا الذين ظلموا منهم.
قال: ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا؛ لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله وهو قائم، إنما الاستثناء أن نخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى الأسماء قبل (إلا) وقد أراه جائزا أن تقول: لي عليك ألف سوى ألف أخر، فإن وضعت (إلا) في هذا الموضع صلحت، وكانت (إلا) في تأويل ما قالوا، فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا، ولكن مثله مما يكون معنى (إلا) كمعنى الواو، وليست بها قوله عز وجل: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} الآية [هود: 107] هو في المعنى: إلا الذي شاء ربك من الزيادة فلا يجعل (إلا) بمنزلة الواو، ولكن بمنزله سوى، فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو؛ لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا.
أي: هذا عندي، كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في سوى أبعد منه في إلا؛ لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلا هذا، والقول الراجح إنه متصل، والمعنى لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم، أي إلا الذي ظلم وخاف ثم بدل حسنا، يعني إلا من هذه صفته فإنه قد خاف لدي، ويتصل قوله: {فإني غفور رحيم} بقوله عز وجل:
{لا يخاف لدي المرسلون} أي: إلا من عمل بغير إذن، ويؤيد ذلك قول ابن جريج: لا يخاف الأنبياء إلا بذنب يغشاه أحدهم، فإن أصابه أخافه الله.
وقول الحسن: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، وإنما أخيف لقتله النفس؛ لأنه لو اقتصر على قوله: {لا يخاف لدي المرسلون} لقال قائل: فقد خاف موسى عليه السلام حين قال:
{رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}، فقال عز وجل: {إلا من ظلم} أي: إلا من فعل مثل ما فعلت ثم بدل حسنا فإنه قد خاف لدي. وقد كان يكفي قوله: {إلا من ظلم}
وإنما قال: {ثم بدل حسنا بعد سوء} الآية [النمل: 11] لطفا بموسى عليه السلام ليطمئن بغفران ذلك الذنب بالتوبة.
وأما قوله عز وجل: {لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر} الآية [الغاشية: 22،23] فقد قيل: إنه متصل، أي: فذكر قومك إلا من تولى عنك وأعرض عن الإيمان وكفر،
فـ (من) على هذا في موضع نصب، و{لست عليهم بمصيطر} اعتراض، وقيل: إنه منقطع، أي: لست عليهم بمصيطر، أي لست بقاهر لهم، لكن من تولى وكفر فالله مصيطر عليه وقاهر له، فيعذبه العذاب الأكبر، عذاب جهنم.
وقوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا} الآية [التين: 5،6] فقد قيل: هو متصل، و{أسفل سافلين} إما أن يراد به في تغيير الخلقة بالنار، أي إن أهل النار في قبح الصورة أسفل من كل من سفل في ذلك إلا الذين آمنوا فإنهم لم يردوا إلى ذلك، أو: أسفل من كل سافل في المنزلة، وأهل النار كذلك.
وقيل: هو منقطع، ومعنى {أسفل سافلين} أرذل العمر، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون، يعني الجنة.
ولا يوقف على المعلل دون العلة: كقوله عز وجل: {فولوا وجوهكم شطره} الآية [البقرة: 150] وكقوله: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع} الآية [آل عمران: 126-127]، وكقوله {وأنزلنا إليك الذكر} الآية [النحل: 44]؛ لأن {لتبين للناس} علة الإنزال الآية [النحل: 44]، وكذلك: {وابن السبيل كيلا يكون دولة} الآية [الحشر: 7]. ولا يوقف دون لام الحجد كقوله عز وجل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية [البقرة: 143]). [جمال القراء: 2/557-562]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (الوقف على المستثنى منه دون المستثنى إن كان منقطعا فيه مذاهب.
الجواز مطلقا؛ لأنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه.
والمنع مطلقا؛ لاحتياجه إلى ما قبله لفظا؛ لأنه لم يعهد استعمال إلا وما في معناها إلا متصلة بما قبلها ومعنى؛ لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام في المعنى إذ قولك ما في الدار أحد هو الذي صحح إلا الحمار ولو قلت إلا الحمار على انفراده كان خطأ.
والثالث: التفصيل: فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها وإن لم يصرح به فلا لافتقارها قاله ابن الحاجب في "أماليه"). [الإتقان في علوم القرآن: 2/؟؟]
الاستثناء المنقطع
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ):
(
مسألة:

لا خلاف في التسامح بالوقف على المستثنى منه دون المستثنى إذا كان متصلا واختلف في الاستثناء المنقطع فمنهم من يجوزه مطلقا ومنهم من يمنعه مطلقا وفصل ابن الحاجب في أماليه فقال يجوز إن صرح بالخبر ولا يجوز إن لم يصرح به لأنه إذا صرح بالخبر استقلت الجملة واستغنت عما قبلها وإذا لم يصرح به كانت مفتقرة إلى ما قبلها قال ووجه من جوز مطلقا أنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه فكان مثل قولنا زيد لمن قال من أبوك ألا ترى أن تقدير المنقطع في قولك: ما في الدار أحد إلا الحارث لكن الحارث في الدار ولو قلت: لكن الحارث مبتدئا به بعد الوقوف على ما قبله لكان حسنا ألا ترى إلى جواز الوقف بالإجماع على مثل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} والابتداء بقوله: {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} فكذلك هذا ووجه من قال بالمنع ما رأى من احتياج الاستثناء المنقطع إلى ما قبله لفظا ومعنى أما اللفظ فلأنه لم يعهد استعمال إلا وما في معناها إلا متصلا بما قبلها لفظا ألا ترى أنك إذا قلت ما في الدار أحد غير حمار فوقفت على ما قبل غير وابتدأت به كان قبيحا فكذلك هذا وأما المعنى فلأن ما قبله مشعر بتمام الكلام في المعنى فإن ما في الدار أحد إلا الحمار هو الذي صحح قولك إلا الحمار ألا ترى أنك لو قلت إلا الحمار على انفراده كان خطأ). [البرهان في علوم القرآن: 1/356].


رد مع اقتباس