عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 11:38 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

(باب تفسير هذه الأسماء)

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (
حدثنا مكرم بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، قال: حدثنا إسحق بن محمد الفروي، قال: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحب الوتر».
قال الشيخ: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا» فيه إثبات هذه الأسماء المحصورة بهذا العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء؛ لأنها أشهر الأسماء، وأبينها معاني وأظهرها، وجملة قوله: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الفائدة في خبر «إن» في قوله: «ومن أحصاها دخل الجنة»، لا في قوله: «تسعة وتسعين اسمًا»، وإنما هو بمنزلة قولن: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة. وكقولك: إن لعمرو مائة ثوب من زاره خلعها عليه. وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مائة ثوب، وإنما دلالته: أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مائة ثوب، والذي يدل على صحة هذا التأويل حديث عبد الله بن مسعود، وقد ذكره محمد بن إسحق [بن خزيمة] في المأثور:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضي في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ... الخ...». فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه، ولم يظهرها لهم.وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»، دليل على أن أشهر الأسماء، وأعلاها في الذكر الله ولذلك أضيفت سائر الأسماء إليه. وقد جاء في بعض الروايات: «أن اسم الله الأعظم الله -».
وقوله: «من أحصادها دخل الجنة» : في الإحصاء أربعة أوجه:
أحدها وهو أظهرها الإحصاء الذي هو بمعنى العد، يريد: أنه يعدها ليستوفيها حفظًا، فيدعو ربه بها. كقوله سبحانه: {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28].
ويدل على صحة هذا التأويل رواية سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، حدثناه: أحمد بن إبراهيم بن مالك، قال: حدثنا: بشر بن موسى، قال: حدثنا: الحميدي، قال: حدثنا: سفيان، قال: أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من حفظها دخل الجنة، وهو وتر، يحب الوتر».
والوجه الثاني: أن يكون الإحصاء بمعنى الطاقة، كقوله سبحانه: {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20]، أي: لن تطيقوه. وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: «استقيموا، ولن تحصوا»، أي: لن تطيقا كل الاستقامة. والمعنى: أن يطيقها، يحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الرب سبحانه بها، وذلك مثل أن يقول: يا رحمن، يا رحيم، فيخطر بقلبه الرحمة, ويعتقدها صفة لله عز وجل فيرجو رحمته، ولا ييأس من مغفرته. كقوله تعالى: {لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53]. وإذا قال: (السميع البصير) علم أنه لا يخفى على الله خافية، وأنه بمرأى منه ومسمع؛ فيخافه في سره، وعلنه، ويراقبه في كافة أحواله، وإذا قال: (الرزاق) اعتقد أنه المتكلف برزقه، يسوقه إليه في وقته، فيثق بوعده، ويعلم أنه لا رازق له غيره، ولا كافي له سواه، وإذا قال: المنتقم، استشعر الخوف من نقمته، واستجار به من سخطه، وإذا قال: (الضار النافع)؛ اعتقد أن الضر والنفع من قبل الله جل وع لا شريك له، وأن أحدًا من الخلق، لا يجلب إليه خيرًا، ولا يصرف عنه شرًا، وأن لا حول لأحد، ولا قوة إلا به. وكذلك إذا قال: (القابض الباسط)، و(الخافض الرافع)، و(المعز المذل). وعلى هذا سائر هذه الأسماء.
والوجه الثالث: أن يكون الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناه أن من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، مأخوذ من الحصاة، وهي العقل. قال طرفة:
وإن لسان المرء ما لم تكن له.......حصاة على عوراته لدليل
والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل، ومعرفة بالأمور.
والوجه الرابع: أن يكون معنى الحديث أن يقرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة. فكأنه قال: من حفظ القرآن وقرأه فقد استحق دخول الجنة، وذهب إلى نحو من هذا أبو عبد الله الزبيري رحمه الله وقال: تأملت الأسماء التي جاءت في الأخبار، والآثار، فلما قابلتها بما جاء في القرآن وجدتها مائة، وثلاثة عشر اسمًا، وإنما زادت على المبلغ المذكور في الخبر؛ لأني حسبتها متكررة. كقوله: القدير، والقادر، والمقتدر، والرازق، والرزاق، والغفور والغافر، والغفار، فحذفت التكرير، فوجدتها سواء على ما وصفت لك، ثم سردت الأسماء من القرآن، سورة سورة وتركتها كراهة التطويل.
وقوله: إنه وتر يحب الوتر. فإن الوتر: الفرد. ومعنى الوتر فيصفة الله جل، وعلا الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن منهم بصفاته. فهو سبحانه وتر.
وجميع خلقه شفع، خلقوا أزواجًا. فقال سبحانه: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «يحب الوتر»، معناه والله أعلم أنه: فضل الوتر في العدد على الشفع في أسمائه؛ ليكون أدل على معنى الوحدانية في صفاته، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله: «يحب الوتر» منصرفًا إلى صفة من يعبد الله بالوحدانية والتفرد على سبيل الإخلاص، لا يشفع إليه شيئًا، ولا يشرك بعبادته أحدًا). [شأن الدعاء:23-29]


رد مع اقتباس