عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2 ربيع الأول 1434هـ/13-01-2013م, 12:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

خاتمة


نختم بها الرسالة راجيا حسن الخاتمة في ذكر نبذ من أخباري، وقدر من أحوالي اقتداء بالأئمة الأعلام حيث ذكروا تراجمهم في طبقاتهم بعد تراجم الكرام، ولما وفقني الله تعالى بتحشية الجامع الصغير، ودخلت في عداد من علق عليه، وإن لم أكن بالنسبة إلى السابقين ممن يعتمد عليه، فناسب ذكر ترجمتي عقيب تراجمهم رجاء أن أكون معهم، وإن كنت لست منهم، ولا أذكر ههنا إلا على سبيل الاختصار، وأما التطويل فمفوض إلى كتاب تراجم الحنفية الذي أنا مشتغل في هذا الأيام بجمعها.

فأقول: أنا العبد الراجي رحمة ربه القوي كنيتي أبو الحسنات، واسمي عبد الحي، تجاوز الله عن ذنبي الجلي والخفي، ابن صاحب التصانيف الكثيرة، والتآليف الشهيرة مولانا محمد عبد الحليم المتوفى سنة خمس وثمانين بعد الألف والمائتين من الهجرة، ابن مولانا أمين الله بن مولانا أكبر بن المفتي أحمد أبي الرحم، ابن المفتي محمد يعقوب بن مولانا عبد العزيز، بن مولانا محمد سعيد بن ملا قطب الدين الشهيد ،وينتهي نسبه إلى سيدنا أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) كما سقته في رسالتي حسرة العالم، وقد انتقل بعض آبائنا من المدينة الطيبة إلى هراة، ثم منها إلى دهلي، ثم منها إلى سهالي (بكسر السين) قصبة من قصبات لكنؤ، وهناك قبر القطب الشهيد، ثم انتقل أبناؤه إلى لكنؤ (بفتح اللام وسكون الكاف وفتح النون وسكون الواو وقد يزاد الهمزة المضمومة بعد النون، وقد يزاد الهاء الساكنة بعد الكاف الساكنة) بلدة عظيمة ممتازة بين البلاد الهندية، وسكنوا في محلة فيها مسماة بفرنكي محل قد وهبها لهم السلطان أورنك زيب عالمكير (نور الله مرقده) ووجه اشتهارها بفرنكي محل أنها كانت في السبق مسكنا لتاجر نصراني، ولم يزل هذه المحلة معمورة بالعلماء والأولياء والصلحاء إلى هذا الأوان، وكلهم من أولاد الأبناء الأربعة للقطب الشهيد: ملا محمد أسعد وملا محمد سعيد، وملا نظام الدين (والد ملك العلماء بحر العلوم مولانا عبد العلي) وملا محمد رضا (رحمهم الله تعالى) وهذا كله ببركة دعاء سلطان الأولياء نظام الدين (رحمه الله) المدفون بدهلي لبعض أجداد القطب: أنه لا يزال العلم في نسله، وببركة دعاء بعض الأبدال للقطب مثله.

وكانت ولادتي في بلدة معروفة بباندا في العشرة الأخيرة من ذي القعدة سنة أربع وستين بعد الألف والمائتين عن الهجرة، حين كان والدي المرحوم مدرسا بها في مدرسة النواب ذو الفقار الدولة المرحوم، ولما وصلت إلى خمس سنين اشتغلت بحفظ القرآن المجيد، وحصلت في أثنائه بعض الكتب الفارسية، وتعلمت الخط، وفرغت من الحفظ حين كان عمري عشر سنين، وصليت إماما في التراويح حسب العادة عند ذلك، وكان ذلك في جونفرز حين كان والدي المرحوم مدرسا بها بمدرسة الحاج إمام بخش المرحوم رئيس تلك البلدة، ومن بدو السنة الحادية عشر شرعت في تحصيل العلوم، ففرغت من قراءة الكتب الدراسية في الفنون الرسمية: الصرف والنحو والمعاني والبيان، والحكمة والطب والفقه وأصول الفقه، وعلم الكلام والحديث والتفسير وغير ذلك، حين كان عمري سبع عشرة سنة مع فترات وقعت في أثناء التحصيل وطفرات واقعة في أو أن التكميل، وكلما فرغت من تحصيل كتاب شرعت في تدريسه، فحصل لي الاستعداد التام في جميع العلوم بعون الحي القيوم، ولم يبق علي تعسر أي كتاب كان من أي فن كان حتى أني درست ما لم أقرأه حضرة الأستاذ: كشرح الإشارات للطوسي، والأفق المبين وقانون الطب، ورسائل العروض وغير ذلك، ورضيت من درسي طلبة العلوم إلا أن علم الرياضي لم أقرأ فيه حضرة الأستاذ إلا شيئا من التشريح، وشرح الجغميني حتى تشرفت بملازمة إمام الرياضيين مقدام المحققين خال والدي، وأستاذه مولانا محمد نعمت الله المتوفى سنة تسعين، فقرأت عليه في سنة ثمان وثمانين شرح الجغميني مع مواضع من حواشي البرجندي، وإمام الدين الرياضي والفصيح وغيرها عليه، ورسالة الأسطرلاب للطوسي، وقدرا كثيرا من شرح التذكرة للسيد، وشرحها للخفري، وشرحها للبرجندي والتحفة وزيج ألغ بيك مع شرح البرجندي، ورسائل الأكر والتسطيح وغير ذلك مع تحقيق تام بحيث كان مولانا الممدوح يثنى علي كثيرا بين أحبابه، ورأيت في المنام في تلك الأيام المحقق الطوسي، كأنه يبشرني بتكميل هذا الفن ويسر مني باشتغالي فيه.

وألقى الله في روعي من بدء التحصيل لذة التدريس والتصنيف، فصنفت الدفاتر الكثيرة في الفنون العديدة، ففي علم الصرف صنفت: متحان الطلبة في الصيغ المشكلة، وهو أول تصانيفي والتبيان في شرح الميزان صنفا في أيام الصبا، وفي علم النحو: خير الكلام في تصحيح كلام الملوك ملوك الكلام، وإزالة الحمد عن إعراب الحمد لله أكمل الحمد، وفي المنطق والحكمة: تعليقا قديما على حواشي غلام يحيى المتعلقة بالحواشي الزاهدية المتعلقة بالرسالة القطبية مسمى بهداية الورى إلى لواء الهدى، وتعليقا جديدا مسمى بمصباح الدجى في لواء الهدى، وتعليقا أجد مسمى بنور الهدى لحملة لواء الهدى، وحل المعلق في بحث المجهول المطلق، والكلام المتين في تحرير البراهين أي براهين إبطال اللاتناهي، وميسر العسير في مبحث المثناة بالتكرير، والإفادة الخطيرة في بحث نسبة سبع عرض شعيرة، والتعليق العجيب بحل حاشية الجلال على التهذيب، وتكملة حاشية الوالد المرحوم علي النفيسي، وفي علم المناظرة: الهدية المختارية شرح الرسالة العضدية، وفي علم الفقه: القول الأشرف في الفتح عن المصحف، والقول المنشور في هلال خير الشهور، وزجر أرباب الريان عن شرب الدخان، والإنصاف في حكم الاعتكاف، والإفصاح عن حكم شهادة المرأة في الرضاع، وتحفة الطلبة في حكم مسح الرقبة، وساحة الفكر في الجهر بالذكر، وأحكام القنطرة في أحكام البسملة 4، وغاية المقال فيما يتعلق بالنعال، والهسهسة بنقض الوضوء بالقهقهة، وخير الخبر بأذان خير البشر، وحسرة العالم بوفات مرجع العالم (في ترجمة الوالد المرحوم) ورفع الستر عن كيفية إدخال الميت، وتوجيهه إلى القبلة في القبر، وقوة المغتذين بفتح المقتدي، وإفادة الخير في الاستياك بسواك الغير، ومقدمة الهداية، ومذيلة الدراية لمقدمة الهداية، والتحقيق العجيب في التثويب، والكلام الجليل في ما يتعلق بالمنديل، وتحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار، وإقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة، والكلام المبرور في القول المنصور، ودافع الوسواس في أثر ابن عباس، وهداية المعتدين في فتح المقتدين هذه الرسائل الثلاثة باللسان الهندية، وهذه الرسالة التي نحن في جمعها هذه تصانيف مدونة قد طبع أكثرها، وسينطبع إنشاء الله تعالى ما بقي منها.

وأما تلعيقاتي المتفرقة فكثيرة على الكتب المتشتة: كشرح التهذيب لليزدي، وشرح التهذيب للدواني، وحواشي على شرح التهذيب، وحواشية على شرح المواقف، وحواشية على الرسالة القطبية، وشرح الصدر لهداية الحكمة، وشرح الميبذي لهداية الحكمة والشمس البازغة، وشرح المواقف، والرشيدية شرح الشريفية، والفرائض الشريفية والهداية، وشرح الوقاية والحصن الحصين، والجامع الصغير والتوضيح والتلويح، وشرح عقائد النسفي، وحواشي الخيالي وغير ذلك من الكتب المتداولة.

وأما تصانيفي التي لم تتم إلى الآن، وأنا مشتغل بجمعها وإتمامها فكثيرة منها: المعارف بما في حواشي شرح المواقف، ودفع الكلال عن طلاب تعليقات الكمال، وتعليق الحمائل على حواشي الزاهد على شرح الهياكل، وحاشية بديع الميزان، وطبقات الحنفية، وتدويرا الفلك في حصول الجماعة بالملك، ورسالة في السبحة، ورسالة في تفضيل اللغات بعضها على بعض، ورسالة في الأحكام المتعلقة باللسان الفارسية، ورسالة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، ورسالة بتبصرة البصائر في الأواخر، ورسالة في الزجر عن غيبة الناس، وشرح شرح الوقاية المسمى بالسعاية في كشف ما في شرح الوقاية، وهو أجل تصانيفي قد التزمت فيه لبسط الكلام في إثبات الأحكام بأدلتها، وإيراد المذاهب المختلفة في كل مسألة مع الأحاديث التي استندوا بها، وذكر ما يرد عليها، وما يجاب عنها مع ترجيح بعضها على بعض، وذكر الفروع المناسبة للمقام، وقد شرحت إلى هذا الحين من باب الأذان إلى فصل الجماعة، ومن كتاب الطهارة إلى باب التيمم، وبلغت الأجزاء إلى مائة أرجو من ربنا الذي وفقنا ابتداؤه أن ييسر لنا اختتامه، وهذا كله من منح (ربي) تعالى علي.

ومن منحه على أني رزقت قوة الحفظ من زمان الصبا، حتى أني أحفظ ما كان حين كان عمري خمس سنين، بل أحفظ ضربة وقعت في حين كان عمري ثلاث سنين، ومن منحه على أنه ألقى محبة العلم في قلبي، وأخرج ألفة أمور الرياسة مني حتى أن الوالد العلام (أدخله الله في دار السلام) لما توفي في حيدر آباد من مملكة الدكن، وكان ناظما للعدالة أصرمني جميع الأحباب إيثار عهدة القضاء، فتنفرت منها ظنا مني أن إيثاره مع ما فيه من خطر الحساب يعوقني عن الاشتغال بالتدريس والتصنيف، فقنعت باليسير وتركت الكثير، والله على ما نقول شهيد.

ومن منحه أني رزقت التوجه إلى فن الحديث وفقه الحديث، ولا أعتمد على مسألة ما لم يوجد أصلها من حديث أو آية، وما كان خلاف الحديث الصحيح الصريح أتركه، وأظن المجتهد فيه معذورا، بل مأجورا، ولكني لست ممن يشوش العوام الذين هم كالأنعام، بل أتكلم بالناس على قدر عقولهم.

ومن منحه أني رزقت الاشتغال بالمنقول أكثر من الاشتغال بالمعقول، وما أجد في تدريس المنقول والتصنيف فيه لا سيما في الحديث وفقه الحديث من لذة وسرور لا أجد في غيره.
ومن منحه أنه جعلني سالكا بين الإفراط والتفريط لا تأتي مسألة معركة الآراء بين يدي إلا ألهمت الطريق الوسط فيها، ولست ممن يختار طريق التقليد البحت بحيث لا يترك قول الفقهاء، وإن خالفته الأدلة الشرعية، ولا ممن يطعن عليهم ويهجر الفقه بالكلية.

ومن منحه أنه جعلني ذا رؤيا صادقة لا تقع حادثة من الحوادث إلا أخبرت في المنام بها إشارة أو صراحة، وقد تشرفت في المنام بزيارة سيدنا أبي بكر، وعمر، وابن عباس، وفاطمة وعائشة، وأم حبيبة ومعاوية (رضي الله عنهم) وبملاقات الإمام مالك، وشمس الدين السخاوي، وجلال الدين السيوطي وغيرهم من الأئمة والعلماء، واستفدت منهم أشياء على ما هو مبسوط في رسالة عليحدة.

ومن منحه أنه شرفني بحج البيت الحرام مع الوالد العلام في السنة التاسعة والسبعين، وبزيارة قبر النبي (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) في السنة الثمانين، وأجازني شيخ الشافعية بمكة السيد أحمد دخلان (لا زال في حفظ الرحمن) بجميع ما حصل له من شيوخه، ووصفني بالشاب الصالح، وأجازني والدي المرحوم قبيل وفاته بشهر بجميع ما حصل له من شيوخ الحرمين وغيرهم.

هذا نبذ من منح ربنا علينا ذكرتها تحديثا بالنعمة لا على سبيل الفخر، وأي فخر لمن لا يدري ما يمضي عليه في القبر والحشر، ولا أحصي كم من نعم أفيضت علي، وكم من فضائل ألقيت لدي فله الحمد حمدا كبيرا، وله الشكر شكرا كثيرا (اللهم يا من أفاض إلينا سجال اللطف والعناية، وأسال علينا بحار الفضل والكرامة أسألك أن تجعلني ممن يجدد الدين، ويؤيد الشرع المبين، ويقطع أعناق المبتدعين، ويملك سبيل المهتدين، وأن تجعلني مشتغلا تمام عمري بالتدريس، والتصنيف والإفتاء والتأليف مع الاطمينان التام بما ألزمت على نفسك للأنام، وأن تشهر تصانيفي في العالمين، وتنفع بها الكاملين، وأن تختتم لي بالخير كخاتمة الصالحين، وتحشرني في زمرة الأنبياء، والصديقين وتدخلني في دار السلام من غير مناقشة مع الآمنين، واغفر لنا وللمسلمين أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين).

وكان الفراغ من تحرير هذه الرسالة في يوم السبت السادس والعشرين من الجمادي الأولى من شهور السنة الحادية والتسعين بعد الألف والمائتين من هجرة سيد الثقلين عليه وعلى آله صلاة رب المشرقين حين إقامتي بالوطن حفظه الله عن شرور الزمن.

[النافع الكبير:1/60-66]


رد مع اقتباس