عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 4 شوال 1435هـ/31-07-2014م, 10:24 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزقٍ فجعلتم منه حرامًا وحلالا قل آللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون (59) وما ظنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب يوم القيامة إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس ولكنّ أكثرهم لا يشكرون (60)}
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والضّحّاك، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: نزلت إنكارًا على المشركين فيما كانوا يحرّمون ويحلّون من البحائر والسّوائب والوصايا، كقوله تعالى: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} [الأنعام: 136] الآيات.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت أبا الأحوص -وهو عوف بن [مالك بن] نضلة -يحدّث عن أبيه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا قشف الهيئة، فقال: "هل لك مالٌ؟ " قال: قلت: نعم. قال: "من أيّ المال؟ " قال: قلت: من كلّ المال، من الإبل والرّقيق والخيل والغنم. فقال إذا آتاك مالًا فلير عليك". وقال: "هل تنتج إبل قومك صحاحًا آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها، فتقول: هذه بحرٌ وتشقّها، أو تشقّ جلودهاوتقول: هذه صرم، وتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ " قال: نعم. قال: "فإنّ ما آتاك اللّه لك حلٌّ، وساعد اللّه أشدّ من ساعدك، وموسى اللّه أحدّ من موساك" وذكر تمام الحديث.
ثمّ رواه عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزّعراء عمرو بن عمرٍو، عن عمّه أبي الأحوص وعن بهز بن أسدٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن أبي الأحوص، به وهذا حديثٌ جيّدٌ قويّ الإسناد). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 275-276]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد أنكر [اللّه] تعالى على من حرّم ما أحلّ اللّه، أو أحلّ ما حرّم بمجرّد الآراء والأهواء، الّتي لا مستند لها ولا دليل عليها. ثمّ توعّدهم على ذلك يوم القيامة، فقال: {وما ظنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب يوم القيامة} أي: ما ظنّهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة.
وقوله: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس} قال ابن جريرٍ: في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدّنيا.
قلت: ويحتمل أن يكون المراد لذو فضلٍ على النّاس فيما أباح لهم ممّا خلقه من المنافع في الدّنيا، ولم يحرّم عليهم إلّا ما هو ضارٌّ لهم في دنياهم أو دينهم.
{ولكنّ أكثرهم لا يشكرون} بل يحرّمون ما أنعم اللّه [به] عليهم، ويضيّقون على أنفسهم، فيجعلون بعضًا حلالًا وبعضًا حرامًا. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم. وقال ابن أبي حاتمٍ في تفسير هذه الآية: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن أبي الحواريّ، حدّثنا رباحٌ، حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، حدّثنا موسى بن الصّبّاح في قول اللّه عزّ وجلّ: {إنّ اللّه لذو فضلٍ على النّاس} قال: إذا كان يوم القيامة، يؤتى بأهل ولاية اللّه عزّ وجلّ، فيقومون بين يدي اللّه عزّ وجلّ ثلاثة أصنافٍ قال: فيؤتى برجلٍ من الصّنف الأوّل فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: يا ربّ: خلقت الجنّة وأشجارها وثمارها وأنهارها، وحورها ونعيمها، وما أعددت لأهل طاعتك فيها، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقًا إليها. قال: فيقول اللّه تعالى: عبدي، إنّما عملت للجنّة، هذه الجنّة فادخلها، ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النّار، [ومن فضلي عليك أن أدخلك جنّتي] قال: فيدخل هو ومن معه الجنّة.
قال: ثمّ يؤتى برجلٍ من الصّنف الثّاني، قال: فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: يا ربّ، خلقت نارًا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيهافأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفًا منها. فيقول: عبدي، إنّما عملت ذلك خوفًا من ناري، فإنّي قد أعتقتك من النّار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنّتي. فيدخل هو ومن معه الجنّة.
ثمّ يؤتى برجلٍ من الصّنف الثّالث، فيقول: عبدي، لماذا عملت؟ فيقول: ربّ حبًّا لك، وشوقًا إليك، وعزّتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقًا إليك وحبًّا لك، فيقول تبارك وتعالى: عبدي، إنّما عملت حبًّا لي وشوقًا إليّ، فيتجلّى له الرّبّ جلّ جلاله، ويقول: ها أنا ذا، انظر إليّ ثمّ يقول: من فضلي عليك أن أعتقك من النّار، وأبيحك جنّتي، وأزيرك ملائكتي، وأسلّم عليك بنفسي. فيدخل هو ومن معه الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 276-277]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما تكون في شأنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلا كنّا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبينٍ (61)}
يخبر تعالى نبيّه، صلوات اللّه عليه وسلامه أنّه يعلم جميع أحواله وأحوال أمّته، وجميع الخلائق في كلّ ساعةٍ وآنٍ ولحظةٍ، وأنّه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرّةٍ في حقارتها وصغرها في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر منها ولا أكبر إلّا في كتابٍ مبينٍ، كقوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ} [الأنعام: 59]، فأخبر تعالى أنّه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدّوابّ السّارحة في قوله: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون} [الأنعام: 38]، وقال تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌّ في كتابٍ مبينٍ} [هودٍ: 6].
وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء، فكيف بعلمه بحركات المكلّفين المأمورين بالعبادة، كما قال تعالى: {وتوكّل على العزيز الرّحيم الّذي يراك حين تقوم وتقلّبك في السّاجدين} [الشّعراء: 217 -219]؛؛ ولهذا قال تعالى: {وما تكون في شأنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلا كنّا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه} أي: إذ تأخذون في ذلك الشّيء نحن مشاهدون لكم راءون سامعون، ولهذا قال، عليه السّلام لمّا سأله جبريل عن الإحسان [قال] أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 277]


رد مع اقتباس