عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:35 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (30) اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون (31)}
وهذا إغراءٌ من اللّه تعالى للمؤمنين على قتال المشركين الكفّار من اليهود والنّصارى، لمقالتهم هذه المقالة الشّنيعة، والفرية على اللّه تعالى، فأمّا اليهود فقالوا في العزير: "إنّه ابن اللّه"، تعالى [اللّه] عن ذلك علوًّا كبيرًا. وذكر السّدّيّ وغيره أنّ الشّبهة الّتي حصلت لهم في ذلك، أنّ العمالقة لمّا غلبت على بني إسرائيل، فقتلوا علماءهم وسبوا كبارهم، بقي العزير يبكي على بني إسرائيل وذهاب العلم منهم، حتّى سقطت جفون عينيه، فبينا هو ذات يومٍ إذ مرّ على جبّانةٍ، وإذ امرأةٌ تبكي عند قبرٍ وهي تقول: وامطعماه! واكاسياه! [فقال لها ويحك] من كان يطعمك قبل هذا؟ قالت: اللّه. قال: فإنّ اللّه حيٌّ لا يموت! قالت: يا عزير فمن كان يعلم العلماء قبل بني إسرائيل؟ قال: اللّه. قالت: فلم تبكي عليهم؟ فعرف أنّه شيءٌ قد وعظ به. ثمّ قيل له: اذهب إلى نهر كذا فاغتسل منه، وصلّ هناك ركعتين، فإنّك ستلقى هناك شيخًا، فما أطعمك فكله. فذهب ففعل ما أمر به، فإذا شيخٌ فقال له: افتح فمك. ففتح فمه. فألقى فيه شيئًا كهيئة الجمرة العظيمة، ثلاث مرّاتٍ، فرجع عزير وهو من أعلم النّاس بالتّوراة، فقال: يا بني إسرائيل، قد جئتكم بالتّوراة. فقالوا: يا عزير، ما كنت كذّابا. فعمد فربط على إصبعٍ من أصابعه قلمًا، وكتب التّوراة بإصبعه كلّها، فلمّا تراجع النّاس من عدوّهم ورجع العلماء، وأخبروا بشأن عزيرٍ، فاستخرجوا النّسخ الّتي كانوا أودعوها في الجبال، وقابلوها بها، فوجدوا ما جاء به صحيحًا، فقال بعض جهلتهم: إنّما صنع هذا لأنّه ابن اللّه.
وأمّا ضلال النّصارى في المسيح فظاهرٌ؛ ولهذا كذّب اللّه سبحانه الطّائفتين فقال: {ذلك قولهم بأفواههم} أي: لا مستند لهم فيما ادّعوه سوى افترائهم واختلاقهم، {يضاهئون} أي: يشابهون {قول الّذين كفروا من قبل} أي: من قبلهم من الأمم، ضلّوا كما ضلّ هؤلاء، {قاتلهم اللّه} وقال ابن عبّاسٍ: لعنهم اللّه، {أنّى يؤفكون}؟ أي: كيف يضلّون عن الحقّ، وهو ظاهرٌ، ويعدلون إلى الباطل؟). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 134]

تفسير قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ([وقوله] {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم} روى الإمام أحمد، والتّرمذيّ، وابن جريرٍ من طرقٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، رضي اللّه عنه، أنّه لمّا بلغته دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرّ إلى الشّام، وكان قد تنصّر في الجاهليّة، فأسرت أخته وجماعةٌ من قومه، ثمّ منّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أخته وأعطاها، فرجعت إلى أخيها، ورغّبته في الإسلام وفي القدوم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقدم عديّ المدينة، وكان رئيسًا في قومه طيّئٍ، وأبوه حاتمٌ الطّائيّ المشهور بالكرم، فتحدّث النّاس بقدومه، فدخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عنق عديّ صليبٌ من فضّةٍ، فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} قال: فقلت: إنّهم لم يعبدوهم. فقال: "بلى، إنّهم حرّموا عليهم الحلال، وأحلّوا لهم الحرام، فاتّبعوهم، فذلك عبادتهم إيّاهم". وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عديّ، ما تقول؟ أيفرّك أن يقال: اللّه أكبر؟ فهل تعلم شيئًا أكبر من اللّه؟ ما يفرك؟ أيفرّك أن يقال لا إله إلّا اللّه؟ فهل تعلم من إلهٍ إلّا اللّه"؟ ثمّ دعاه إلى الإسلام فأسلم، وشهد شهادة الحقّ، قال: فلقد رأيت وجهه استبشر ثمّ قال: "إنّ اليهود مغضوبٌ عليهم، والنّصارى ضالّون"
وهكذا قال حذيفة بن اليمان، وعبد اللّه بن عبّاسٍ، وغيرهما في تفسير: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه} إنّهم اتّبعوهم فيما حلّلوا وحرّموا.
وقال السّدّيّ: استنصحوا الرّجال، وتركوا كتاب اللّه وراء ظهورهم.
ولهذا قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا} أي: الّذي إذا حرّم الشّيء فهو الحرام، وما حلّله حلّ، وما شرعه اتّبع، وما حكم به نفّذ.
{لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون} أي: تعالى وتقدّس وتنزّه عن الشّركاء والنّظراء والأعوان والأضداد والأولاد، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 135]

تفسير قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون (32) هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون (33)}
يقول تعالى: يريد هؤلاء الكفّار من المشركين وأهل الكتاب {أن يطفئوا نور اللّه} أي: ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحقّ، بمجرّد جدالهم وافترائهم، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشّمس، أو نور القمر بنفخه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل اللّه به رسوله لا بدّ أن يتمّ ويظهر؛ ولهذا قال تعالى مقابلًا لهم فيما راموه وأرادوه: {ويأبى اللّه إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}
والكافر: هو الّذي يستر الشّيء ويغطّيه، ومنه سمّي اللّيل "كافرًا"؛ لأنّه يستر الأشياء، والزّارع كافرًا؛ لأنّه يغطّي الحبّ في الأرض كما قال: {أعجب الكفّار نباته} [الحديد: 20]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 135-136]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} فالهدى: هو ما جاء به من الإخبارات الصّادقة، والإيمان الصّحيح، والعلم النّافع -ودين الحقّ: هي الأعمال [الصّالحة] الصّحيحة النّافعة في الدّنيا والآخرة.
{ليظهره على الدّين كلّه} أي: على سائر الأديان، كما ثبت في الصّحيح، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ اللّه زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن محمّد بن أبي يعقوب: سمعت شقيق بن حيّان يحدّث عن مسعود بن قبيصة -أو: قبيصة بن مسعودٍ -يقول: صلّى هذا الحيّ من "محارب" الصّبح، فلمّا صلّوا قال شابٌّ منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإنّ عمّالها في النّار، إلّا من اتّقى اللّه وأدّى الأمانة"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثنا سليم بن عامرٍ، عن تميمٍ الدّاريّ، رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنّهار، ولا يترك اللّه بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله هذا الدّين، بعزّ عزيزٍ، أو بذلّ ذليلٍ، عزًّا يعزّ اللّه به الإسلام، وذلًّا يذلّ اللّه به الكفر"، فكان تميمٌ الدّاريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذّلّ والصّغار والجزية
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربّه، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثني ابن جابرٍ، سمعت سليم بن عامرٍ قال: سمعت المقداد بن الأسود يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر، إلّا أدخله اللّه كلمة الإسلام بعزّ عزيزٍ، أو بذلّ ذليلٍ، إمّا يعزّهم اللّه فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها"
وفي المسند أيضًا: حدّثنا محمّد بن أبي عديّ، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن أبي حذيفة، عن عديّ بن حاتمٍ سمعه يقول: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا عديّ، أسلم تسلم". فقلت: إنّي من أهل دينٍ. قال: "أنا أعلم بدينك منك". فقلت: أنت أعلم بديني منّي؟ قال: "نعم، ألست من الرّكوسيّة، وأنت تأكل مرباع قومك؟ ". قلت: بلى. قال: "فإنّ هذا لا يحلّ لك في دينك". قال: فلم يعد أن قالها فتواضعت لها، قال: "أما إنّي أعلم ما الّذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنّما اتّبعه ضعفة النّاس ومن لا قوّة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ " قلت: لم أرها، وقد سمعت بها. قال: "فوالّذي نفسي بيده، ليتمّنّ اللّه هذا الأمر حتّى تخرج الظّعينة من الحيرة، حتّى تطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز". قلت: كسرى بن هرمز؟. قال: "نعم، كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتّى لا يقبله أحدٌ". قال عديّ بن حاتمٍ: فهذه الظّعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت في غير جوار أحدٍ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والّذي نفسي بيده، لتكوننّ الثّالثة؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قالها.
وقال مسلمٌ: حدّثنا أبو معنٍ زيد بن يزيد الرّقاشيّ، حدّثنا خالد بن الحارث، حدّثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يذهب اللّيل والنّهار حتّى تعبد اللات والعزّى". فقلت: يا رسول اللّه، إن كنت لأظنّ حين أنزل اللّه، عزّ وجلّ: {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} إلى قوله: {ولو كره المشركون} أنّ ذلك تامٌّ، قال: "إنّه سيكون من ذلك ما شاء اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ يبعث اللّه ريحًا طيّبةً [فيتوفّى كلّ من كان في قلبه مثقال حبّة خردلٍ من إيمانٍ] فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 136-137]


رد مع اقتباس