عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 04:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}
ذكر الفعل المسند إلى النسوة لتذكير اسم الجمع. و(النسوة) جمع قلة لا واحد له من لفظه، وجمع التكثير نساء، و"نسوة" فعلة، وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد، وقد نظمها القائل ببيت شعر:
[المحرر الوجيز: 5/74]
بأفعل وأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد
ويروى أن هؤلاء النسوة كن أربعا: امرأة خباز الملك، وامرأة ساقيه، وامرأة حاجبه، وامرأة بوابه.
و "العزيز": الملك، ومنه قول الشاعر:
درة غاص عليها تاجر ... جلبت عند عزيز يوم طل
و(الفتى): الغلام: وعرفه في المملوك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم: عبدي، وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي" ولكنه قد يقال في غير المملوك، ومنه: وإذ قال موسى لفتاه، وأصل الفتى في اللغة: الشاب، ولكنه لما كان جل الخدمة شبابا استعير لهم اسم الفتى. و"شغفها" معناه: بلغ حتى صار من قلبها موضع الشغاف، وهو على أكثر القول غلاف من أغشية القلب، وقيل: الشغاف: سويداء القلب، وقيل: الشغاف: داء يصل إلى القلب.
وقرأ أبو رجاء، والأعرج، وعلي بن أبي طالب، والحسن –بخلاف- ويحيى بن يعمر، وقتادة -بخلاف- وثابت، وعوف، ومجاهد، وغيرهم: "قد شعفها" بالعين غير منقوطة، ولذلك وجهان: أحدهما أنه علا بها كل مرتبة من الحب، وذهب بها كل مذهب، فهو مأخوذ -على هذا- من شعف الجبال وهي رؤوسها وأعاليها،
[المحرر الوجيز: 5/75]
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن" والوجه الآخر أن يكون الشعف لذة بحرقة يوجد من الجراحات والجرب ونحوهما، ومنه قول امرئ القيس:
أيقتلني وقد شعفت فؤادها ... كما شعف المهنوءة الرجل الطالي
والمشعوف في اللغة: الذي أحرق الحب قلبه، ومنه قول الأعشى:
تعصي الوشاة وكان الحب آونة ... مما يزين للمشعوف ما صنعا
وروي عن ثابت البناني، وأبي رجاء أنهما قرآ: "قد شعفها" بكسر العين غير منقوطة. قال أبو حاتم: المعروف فتح العين، وهذا قد قرئ به. وقرأ ابن محيصن: "قد شغفها" أدغم الدال في الشين.
وروي أن مقالة هؤلاء النسوة إنما قصدن بها المكر بامرأة العزيز ليغضبنها حتى تعرض عليهن يوسف ليبين عذرها أو يحق لومها، وقد قال ابن زيد: الشغف في الحب والشغف في البغض، وقال الشعبي: الشغف والمشغوف بالغين منقوطة في الحب، والشعف: الجنون، والمشعوف: المجنون، وهذان القولان ضعيفان). [المحرر الوجيز: 5/76]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما سمعت بمكرهن} الآية. إنما سمي قولهن مكرا من حيث أظهرن إنكار منكر وقصدن إثارة غيظها عليهن، وقيل: مكرهن أنهن أفشين ذلك عنها وقد كانت أطلعتهن على ذلك واستكتمتهن، وهذا لا يكون مكرا إلا بأن يظهرن لها خلاف ذلك ويقصدن بالإفشاء أذاها.
ومعنى أرسلت إليهن أي ليحضرن، "وأعتدت" معناه: أعدت ويسرت، "ومتكأ": ما يتكأ عليه من فرش ووسائد، وعبر بذلك عن مجلس أعد لكرامة، ومعلوم أن هذا النوع من الكرامات لا يخلو من الطعام والشراب، فلذلك فسر مجاهد وعكرمة المتكأ بالطعام. قال ابن عباس: "متكأ" معناه: مجلسا، ذكره الزهراوي، وقال القتبي: يقال: اتكأنا عند فلان، أي أكلنا.
وقوله: {وآتت كل واحدة منهن سكينا} يقتضي أنه كان في جملة الطعام ما يقطع بالسكاكين، فقيل: كان لحما، وكانوا لا ينتهسون اللحم وإنما كانوا يأكلونه حزا بالسكاكين، وقيل: كان أترجا، وقيل: كان زماورد -وهو من نحو الأترج موجود في تلك البلاد- وقيل: هو مصنوع من سكر ولوز وأخلاط. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، والجحدري، وابن عمر، وقتادة، والضحاك، والكلبي، وأبان بن تغلب: "متكا" بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف، واختلف في معناه؛ فقيل: هو الأترج، وقيل: هو اسم يعم ما يقطع بالسكين من الفواكه كالأترج والتفاح وغيره، وأنشد الطبري:
نشرب الإثم بالصواع جهارا ... وترى المتك بيننا مستعارا
[المحرر الوجيز: 5/77]
وقرأ الجمهور: "متكئا" بشد التاء المفتوحة والهمز والقصر، وقرأ الزهري: "متكا" مشدد التاء من غير همز، وهي قراءة أبي جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، وقرأ الحسن: "متكاء" بالمد على إشباع الحركة. والسكين: تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء، ولم يعرف الأصمعي إلا التذكير.
وقوله: "اخرج" أمر ليوسف، وأطاعها بحسب الملك، وقال مكي، والمهدي: قيل: إن في الآية تقديما وتأخيرا في القصص؛ وذلك أن قصة النسوة كانت قبل فضيحتها في القميص للسيد، وباشتهار الأمر للسيد انقطع ما بينها وبين يوسف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا محتمل إلا أنه لا يلزم من ألفاظ الآية. بل يحتمل أن كانت قصة النساء بعد قصة القميص، وذلك أن العزيز كان قليل الغيرة، بل قومه أجمعون، ألا ترى أن الإنكار في وقت القميص إنما كان بأن قيل: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم؟ وهذا يدل على قلة الغيرة، ثم سكن الأمر بأن قال: يوسف أعرض عن هذا وأنت "استغفري" وهي لم تبق حينئذ إلا على إنكارها وإظهار الصحة، فلذلك تغوفل عنها بعد ذلك؛ لأن دليل القميص لم يكن قاطعا، وإنما كان أمارة ما، هذا إن لم يكن المتكلم طفلا.
وقوله: "أكبرنه" معناه: أعظمنه واستهولن جماله، هذا قول الجمهور، وقال عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده: معناه: حضن، وأنشد بعض الناس حجة لهذا التأويل:
يأتي النساء على أطهارهن ولا ... يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
[المحرر الوجيز: 5/78]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ضعيف، ومعناه منكور، والبيت مصنوع مختلق، كذلك قال الطبري وغيره من المحققين، وليس عبد الصمد من رواة العلم، رحمه الله.
وقوله تعالى: {وقطعن أيديهن} أي: أكثرن فيها حز السكاكين، وقال عكرمة: الأيدي هنا: الأكمام، وقال مجاهد: هي الجوارح وقطعنها حتى ألقينها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فظاهر هذا أنه بانت الأيدي، وذلك ضعيف من معناه، وذلك أن قطع العظم لا يكون إلا بشدة، ومحال أن يسهو أحد عنها، والقطع على المفصل لا يتهيأ إلا بتلطف لا بد أن يقصد، والذي يشبه أنهن حملن على أيديهن الحمل الذي كن يحملنه قبل المتك فكان ذلك حزا، وهذا قول الجماعة، وضوعفت الطاء في "قطعن" لكثرتهن وكثرة الحز، فربما كان مرارا.
وقرأ أبو عمرو وحده: "حاشا لله"، وقرأ أبي وابن مسعود: "حاش الله"، وقرأ سائر السبعة: "حاش لله"، وفرقة: "حشى لله"، وهي لغة، وقرأ الحسن:
[المحرر الوجيز: 5/79]
"حاش لله" بسكون الشين، وهي ضعيفة، وقرأ الحسن أيضا: "حاش الإله" محذوفا من "حاشى". فأما "حاش" فهي حيث جرت حرف معناه الاستثناء، كذا قال سيبويه، وقد ينصب به، تقول: "حاش زيد وحاش زيدا"، قال المبرد: النصب أولى إذ قد صح أنها فعل بقولهم: "حاش لزيد"، والحرف لا يحذف منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يظهر من مجموع كلام سيبويه والمبرد أن الحرف يخفض به لا غير، وأن الفعل هو الذي ينصب به، فهذه اللفظة تستعمل فعلا وحرفا، وهي في بعض المواضع فعل وزنه فاعل، وذلك في قراءة من قرأ: "حاشى لله"، معناه مأخوذ من معنى الحرف وهو إزالة الشيء عن معنى مقرون به، وهذا الفعل مأخوذ من "الحشى"، أي: هذا في حشى وهذا في حشى، ومن ذلك قول الشاعر:
يقول الذي يمشي إلى الحرز أهله ... بأي الحشى صار الخليط المباين؟
ومنه الحاشية، كأنها مباينة لسائر ما هي له، ومن المواضع التي "حاشى" فيها فعل هذه الآية، يدل على ذلك دخولها على حرف الجر، والحروف لا يدخل بعضها على بعض، ويدل على ذلك حذف الياء منها في قراءة الباقين: "حاش" على نحو حذفهم من: "لا أبال" و"لا أدر" و"لو تر"، ولا يجوز الحذف من الحروف إلا إذا كان فيها تضعيف مثل: "لعل"، فيحذف وترجع "عل"، ويعترض في هذا الشرط بـ"منذ" و"مذ" فإنه حذف دون تضعيف، فتأمله.
[المحرر الوجيز: 5/80]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن ذلك في حديث خالد يوم مؤتة: "فحاشى بالناس". فمعنى "حاش لله" هاهنا: حاش يوسف لطاعته لله، أو لمكانه من الله، أو لترفيع الله له أن يرمى بما رميته به أو يدعى إلى مثله؛ لأن تلك أفعال البشر وهو ليس منهم، إنما هو ملك، هكذا رتب أبو علي الفارسي معنى هذا الكلام على هاتين القراءتين اللتين في السبع، وأما قراءة أبي بن كعب، وابن مسعود فعلى أن "حاش" حرف استثناء، كما قال الشاعر:
حاشى أبي ثوبان إن به ... ضنا عن الملحاة والشتم
وتسكين الشين في إحدى قراءتي الحسن ضعيف؛ جمع بين ساكنين، وقراءته الثانية محذوفة الألف من "حاشى".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتشبيه بالملك هو من قبيل التشبيه بالمستعظمات، وإن كانت لا ترى. وقرأ أبو الحويرث الحنفي، والحسن: "ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم" بكسر اللام في "ملك"، وعلى هذه القراءة فالكلام فصيح، لما استعظمن حسن صورته قلن: ما يصلح أن يكون هذا عبدا بشرا، إنما يصلح أن يكون ملكا كريما. ونصب "بشرا"
[المحرر الوجيز: 5/81]
على لغة الحجاز، شبهت "ما" بـ(ليس)، وأما تميم فترفع، ولم يقرأ به.
وروي أن يوسف عليه السلام أعطي ثلث الحسن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي نصف الحسن، ففي بعض الأسانيد هو وأمه، وفي بعضها هو وسارة جدة أبيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا على جهة التمثيل، أي: لو كان الحسن مما يقسم لكان حسن يوسف يقع في نصفه، فالقصد أن يقع في نفس السامع عظم حسنه، على نحو التشبيه برؤوس الشياطين وأنياب الأغوال). [المحرر الوجيز: 5/82]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم}
قال الطبري: المعنى: فهذا الذي لمتنني فيه، أي: هذا الذي قطعتن أيديكن بسببه هو الذي جعلتنني ضالة في هواه، والضمير عائد على يوسف في "فيه"، ويجوز أن تكون الإشارة إلى حب يوسف والضمير عائد على الحب، فيكون ذلك إشارة إلى غائب على بابه.
ثم أقرت امرأة العزيز للنسوة بالمراودة، واستأمنت إليهن في ذلك؛ إذ قد علمت أنهن قد عذرنها. و"فاستعصم" معناه: طلب العصمة وتمسك بها وعصاني، ثم
[المحرر الوجيز: 5/82]
جعلت تتوعده -وهو يسمع- بقولها: {ولئن لم يفعل} إلى آخر الآية.
واللام في قوله: "ليسجنن" لام القسم، واللام الأولى هي المؤذنة بمجيء القسم، والنون هي الثقيلة والوقوف عليها بشدها، و"ليكونا" نونه هي النون الخفيفة، والوقف عليه بالألف، وهي مثل قوله تبارك وتعالى: "لنسفعا"، ومثلها قول الأعشى:
وصل على حين العشيات والضحى ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أراد: فاعبدن. وقرأت فرقة: "وليكونن" بالنون الشديدة، والصاغرون: الأذلاء الذين لحقهم الصغار). [المحرر الوجيز: 5/83]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال رب السجن أحب إلي}. روي أنه لما توعدته امرأة العزيز قال له النسوة: (أطع مولاتك، وافعل ما أمرتك به)، فلذلك قال: مما يدعونني إليه، قال نحوه الحسن. ووزن (يدعون) فى هذه الآية: يفعلن، بخلاف قولك: (الرجال يدعون).
وقرأ الجمهور: "السجن" بكسر السين، وهو الاسم. وقرأ الزهري، وابن هرمز، ويعقوب، وابن أبي إسحاق: "السجن" بفتح السين، وهي قراءة عثمان رضي الله عنه وطارق مولاه، وهو المصدر، وهو كقولك: الجدع والجدع.
وقوله: {وإلا تصرف عني ...} إلى آخر الآية، استسلام لله تبارك وتعالى، ورغبة إليه، وتوكل عليه، المعنى: وإن لم تنجني أنت هلكت، هذا مقتضى قرينة كلامه وحاله، والضمير في "إليه" عائد على الفاحشة المعنية بـ"ما" في قوله: "مما".
[المحرر الوجيز: 5/83]
و"أصب" مأخوذة من الصبوة، وهي أفعال الصبا، ومن ذلك قول الشاعر: -أنشده الطبري -:
إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبي
ومن ذلك قول دريد بن الصمة:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد
والجاهلون: هم الذين لا يراعون حدود الله تعالى ونواهيه). [المحرر الوجيز: 5/84]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فاستجاب له ربه} الآية. قول يوسف عليه السلام: {رب السجن} إلى قوله: {من الجاهلين} كلام يتضمن التشكي إلى الله عز وجل من حاله معهن، والدعاء إليه في كشف بلواه، فلذلك قال -بعد مقالة يوسف -: فاستجاب له ربه، أي: أجابه إلى إرادته، وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية، وقوله: {السميع العليم} صفتان لائقتان بقوله: "فاستجاب"). [المحرر الوجيز: 5/84]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين (35) ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين}
لما أبى يوسف المعصية ويئست منه امرأة العزيز طالبته بأن قالت لزوجها: إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس، وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب اختياره، وأنا محبوسة محجوبة، فإما أذنت لي فخرجت إلى الناس فاعتذرت
[المحرر الوجيز: 5/84]
وكذبته، وإما حبسته كما أنا محبوسة، فحينئذ بدا لهم سجنه. قال ابن عباس: فأمر به فحمل على حمار، وضرب بالطبل، ونودي عليه في أسواق مصر: إن يوسف العبراني أراد سيدته، فهذا جزاؤه أن يسجن، قال أبو صالح: ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى.
و"بدا" معناه: ظهر، والفاعل بـ"بدا" محذوف تقديره: بدو، أو رأي، وجمع الضمير في "لهم" والساجن الملك وحده من حيث كان في الأمر تشاور، و"ليسجننه" جملة دخلت عليها لام القسم، ولا يجوز أن يكون الفاعل بـ"بدا" "ليسجننه" لأن الفاعل لا يكون جملة بوجه، هذا صريح مذهب سيبويه، وقيل: الفاعل: "ليسجننه"، وهو خطأ، وإنما هو مفسر للفاعل.
و"الآيات" ذكر فيها أهل التفسير أنها قد القميص -قاله مجاهد وغيره- وخمش الوجه الذي كان مع قد القميص -قاله عكرمة - وحز النساء أيديهن، قاله السدي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومقصد الكلام إنما هو أنهم رأوا سجنه بعد بدو الآيات المبرئة له من التهمة، فهكذا يبين ظلمهم له، وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرية ليوسف، ولا تتصور تبرية إلا في خبر القميص، فإن كان المتكلم طفلا -على ما روي- فهي آية عظيمة، وإن كان رجلا فهي آية فيها استدلال ما، والعادة أنه لا يعبر بآية إلا فيما ظهوره في غاية الوضوح، وقد تقع (الآيات) أيضا على (المبينات) كانت في أي حد اتفق من الوضوح، ويحتمل أن يكون معنى قوله تعالى: {من بعد ما رأوا الآيات} أي: من بعد ما ظهر لهم من وجوه الأمر وقرائنه أن يوسف بريء، فلم يرد تعيين آية، بل قرائن جميع القصة.
و(الحين) في كلام العرب وفي هذه الآية: الوقت من الزمن غير محدود، يقع
[المحرر الوجيز: 5/85]
للقليل والكثير، وذلك بين موارده في القرآن، وقال عكرمة: الحين هنا يراد به سبعة أعوام وقيل: بل يراد بذلك سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا بحسب ما كشف الغيب في سجن يوسف - وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقرأ "عتى حين" بالعين -وهي لغة هذيل- فقال له: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب عمر إلى ابن مسعود: "إن الله أنزل القرآن عربيا بلغة قريش، فبها أقرئ الناس، ولا تقرئهم بلغة هذيل ". وروي عن ابن عباس أنه قال: "عثر يوسف عليه السلام ثلاث عثرات: هم فسجن، وقال: اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فطول سجنه، وقال: إنكم لسارقون، فروجع: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل"). [المحرر الوجيز: 5/86]

رد مع اقتباس