الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 04:00 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُ‌ونَ أَزْوَاجًا يَتَرَ‌بَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْ‌بَعَةَ أَشْهُرٍ‌ وَعَشْرً‌ا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُ‌وفِ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‌(234)}


قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] الآية
أكثر العلماء على أنّ هذه الآية ناسخةٌ لقوله جلّ وعزّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240] لأنّ النّاس أقاموا برهةً من الإسلام إذا توفّي الرّجل، وخلّف امرأته حاملًا أوصى لها زوجها بنفقة سنةٍ وبالسّكنى ما لم تخرج فتتزوّج ثمّ نسخ ذلك بأربعة أشهرٍ وعشرٍ وبالميراث
واختلف الّذين قالوا هذا القول قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر والعشر المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ، فانقضاء عدّتها إذا ولدت وقال قومٌ: آخر الأجلين
وقال قومٌ هو عامٌّ بمعنى الخاصّ أي {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] لسن حوامل يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا
وقال قومٌ ليس في هذا نسخٌ وإنّما هو نقصانٌ من الحول وقال قومٌ هما محكمتان واستدلّوا بأنّها منهيّةٌ عن المبيت في غير منزل زوجها
قال أبو جعفرٍ: ونحن نشرح هذه الأقوال ونذكر قائلي من نعرف منهم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/70]
فممّن قال: إنّ الآية ناسخةٌ وصحّ ذلك عنه عثمان بن عفّان وعبد اللّه بن الزّبير حتى قال عبد اللّه بن الزّبير:
قلت لعثمان: لم أثبت في المصحف {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240] وقد نسختها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فقال يا ابن أخي إنّي لا أغيّر شيئًا عن مكانه
فبيّن عثمان رضي اللّه عنه أنّه إنّما أثبت في المصحف ما أخذه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخذه النّبيّ عليه السّلام عن جبريل على ذلك التّأليف لم يغيّر منه شيئًا
وأخبرنا أبو جعفرٍ، قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] قال: " نسخها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] قال {متاعًا إلى الحول} [البقرة: 240] غير إخراجٍ نسختها الرّبع أو الثّمن ونسخ الحول العدّة أربعة أشهرٍ وعشرٌ "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/71]
قال أبو جعفرٍ وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا أبو صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] الآية " كانت المرأة إذا مات زوجها وتركها اعتدّت منه سنةً وينفق عليها من ماله ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد ذلك {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] إلّا أن تكون حاملًا فانقضاء عدّتها أن تضع ما في بطنها، ونزل {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم} [النساء: 12] فبيّن اللّه جلّ وعزّ الميراث وترك النّفقة والوصيّة "
قال أبو جعفرٍ: وأمّا قول من قال إنّه عامٌّ بمعنى الخاصّ فقولٌ حسنٌ لأنّه قد تبيّن ذلك بالقرآن والحديث وسنذكر ذينك
وأمّا قول من قال نسخ منها الحوامل فيحتجّ بقول ابن مسعودٍ:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/72]
من شاء لاعنته أنّ سورة النّساء القصرى نزلت بعد الطّولى
يعني أنّ قوله جلّ وعزّ {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4] نزلت بعد الّتي في البقرة
وهذا القول أعنّي أنّ {وأولات الأحمال} [الطلاق: 4] ناسخةٌ للّتي في البقرة أو مبيّنةٌ لها قول أكثر الصّحابة والتّابعين والفقهاء فمنهم عمر، وابن عمر، وابن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/73]
مسعودٍ وأبو مسعودٍ البدريّ، وأبو هريرة وسعيد بن المسيّب، والزّهريّ، ومالكٌ، والأوزاعيّ، والثّوريّ وأصحاب الرّأي، والشّافعيّ وأبو ثورٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/74]
وأمّا قول من قال آخر الأجلين فحجّته أنّه جمع بين الآيتين، وممّن قال به بلا اختلافٍ عنه عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وكان بينه وبين الصّحابة فيه منازعةٌ شديدةٌ من أجل الخلاف فيه
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، قال حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة، قال حدّثنا عبيد بن الحسن، قال حدّثنا ابن معقلٍ، قال: " شهدت عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه وقد سئل عن رجلٍ توفّي وامرأته حاملٌ فقال: تعتدّ آخر الأجلين فقيل له يا أمير المؤمنين إنّ أبا مسعودٍ البدريّ يقول لتبتغ لنفسها فقال: إنّ فرّوخًا لا يعلم شيئًا فبلغ ذلك أبا مسعودٍ فقال: بلى وأنا أعلم " وذكر الحديث
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/75]
وممّن صحّ عنه أنّه قال تعتدّ آخر الأجلين عبد اللّه بن عبّاسٍ
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرنا من قال بغير هذا من الصّحابة حتّى قال عمر:
إن وضعت حملها وزوجها على السّرير حلّت
وعلى القول الآخر لا تحلّ حتّى تمضي أربعة أشهرٍ وعشرًا ثمّ جاء التّوقيف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّها تحلّ إذا توفّي زوجها وهي حاملٌ ثمّ ولدت قبل انقضاء أربعة أشهرٍ وعشرٍ، وصحّ ذلك عنه
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ، أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ، وأبا سلمة بن عبد الرّحمن سئلا عن المرأة يتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ، فقال ابن عبّاسٍ: «آخر الأجلين» وقال أبو سلمة: «إذا ولدت فقد حلّت» فقال أبو هريرة " أنا مع ابن أخي. يعني أبا سلمة فأرسلوا كريبًا مولى ابن عبّاسٍ إلى أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء فأخبرهم أنّ أمّ سلمة قالت ولدت سبيعة الأسلميّة بعد وفاة زوجها بليالٍ فذكرت ذلك لرسول صلّى الله عليه وسلّم اللّه فقال: «قد حللت».
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/76]
وقال الحسن، والشّعبيّ: «لا تتزوّج حتّى تخرج من دم النّفاس» وكذا قال حمّاد بن أبي سليمان
قال أبو جعفرٍ: وإذا قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم شيئًا لم يلتفت إلى قولٍ غيره ولا سيّما ونصّ القرآن {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
وقد أجمع الجميع بلا خلافٍ بينهم أنّ رجلًا لو توفّي وترك امرأته حاملًا فانقضت أربعة أشهرٍ وعشرٌ أنّها لا تحلّ حتّى تلد فعلم أنّ المقصود الولادة
وأمّا قول من قال: ليس في هذا نسخٌ وإنّما هو نقصانٌ من الحول فحجّته أنّ هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى اثنتين لم يكن هذا نسخًا وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّه إذا كان حكمها أن تعتدّ سنةً إذا لم تخرج فإن خرجت لم تمنع ثمّ أزيل هذا ولزمتها العدّة أربعة أشهرٍ وعشرٌ فهذا هو
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/77]
النّسخ وليس صلاة المسافر من هذا في شيءٍ
والدّليل على ذلك أنّ عائشة رضي اللّه عنها قالت:
فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة المسافر بحالها
وهكذا يقول جماعةٌ من الفقهاء إنّ فرض المسافر ركعتان
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/78]
قال أبو جعفرٍ: وقد عورضوا في هذا بأنّ عائشة رضي اللّه عنها كانت تتمّ في السّفر فكيف تتمّ في السّفر وهي تقول فرض المسافر ركعتان فهذا متناقضٌ فأجابوا عن ذلك بأنّ هذا ليس بمتناقضٍ لأنّه قد صحّ عنها ما ذكرناه وهي أمّ المؤمنين فحيث حلّت فهي مع أولادها فليست بمسافرةٍ وحكمها حكم من كان حاضرًا فلذلك كانت تتمّ الصّلاة إن صحّ عنها الإتمام
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/79]
وممّا يدلّك على أنّ الآية منسوخةٌ
إنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن حميد بن نافعٍ، عن زينب بنت أبي سلمة، أنّها أخبرته هذه الأحاديث الثّلاثة قالت زينب: «دخلت على أمّ حبيبة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين توفّي أبوها أبو سفيان بن حربٍ فدعت أمّ حبيبة، بطيبٍ فيه صفرةٌ خلوقٌ أو غيره فدهنت منه جاريةً ثمّ مسّت بعارضيها ثمّ قالت واللّه مالي بالطّيب من حاجةٍ غير أنّي سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول» لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا "
قالت زينب: " ودخلت على زينب بنت جحشٍ، حين توفّي أخوها فدعت بطيبٍ فمسّت منه ثمّ قالت: أما واللّه ما لي بالطّيب من حاجةٍ غير أنّي سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على المنبر يقول: ((لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا))
قالت زينب وسمعت أمّ سلمة، تقول: " جاءت امرأةٌ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول اللّه إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها قد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/80]
اشتكت عينيها أفأكحلها؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا» مرّتين أو ثلاثًا، كلّ ذلك يقول: «لا» ثمّ قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وقد كانت إحداكنّ في الجاهليّة ترمي بالبعرة على رأس الحول» قال حميدٌ: فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميدٌ: فقالت زينب: «كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها دخلت حفشًا ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيّبًا ولا شيئًا حتّى تمرّ بها سنةٌ ثمّ تؤتى بدابّةٍ حمارٍ أو شاةٍ أو طائرٍ فتفتضّ به فقلّ ما تفتضّ بشيءٍ إلّا مات ثمّ تخرج فتعطى بعرةً فترمي بها ثمّ تراجع بعد ما شاءت من طيبٍ أو غيره»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/81]
وفي هذا الحديث من الفقه والمعاني واللّغة شيءٌ كثيرٌ فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزّينة والكحل على المتوفّى عنها زوجها على خلاف ما روى إسماعيل ابن عليّة عن يونس عن الحسن:
أنّه كان لا يرى بأسًا بالزّينة للمتوفّى عنها زوجها ولا يرى الإحداد شيئًا
وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ إلّا على زوجٍ))فأوجب هذا على كلّ امرأةٍ بالغةٍ كانت أو غير بالغةٍ مدخولًا بها أو غير مدخولٍ بها أمةً كانت تحت حرٍّ أو حرّةٍ كانت تحت عبدٍ أو مطلقةٍ واحدةٍ أو اثنتين لأنّها بمنزلة من لم يطلّق ودلّ هذا على أنّه لا إحداد على المبتوتة وإنّما هو على المتوفّى عنها زوجها ودلّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/82]
ظاهر الحديث على أنّه لا إحداد على كافرةٍ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((تؤمن باللّه واليوم الآخر)) ودلّ أيضًا ظاهره أنّه لا إحداد على الحامل لذكره عليه السّلام أربعة أشهرٍ وعشرًا
فأمّا معنى ترمي بالبعرة فقال فيه أهل اللّغة والعلماء بمعاني العرب: إنّهنّ كنّ يفعلن ذلك ليرينّ أنّ مقامهنّ حولًا أهون عليهنّ من تلك البعرة المرميّة
وفيه من اللّغة والغريب قوله تفتضّ وقد رواه بعض الفقهاء الجلّة تقبص وقال معناه تجعل أصابعها على الطّائر كما قرئ: فقبصت قبصةً، فخالفه أصحاب مالكٍ أجمعون فقالوا: تفتضّ وهو على تفسير مالكٍ كذا يجب
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: سمعت مالكًا، وسئل ما تفتضّ به قال: «تمسح به جلدها»
قال أبو جعفرٍ: هذا مشتقٌّ من انفضّ القوم إذا تفرّقوا وزال بعضهم عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/83]
بعضٍ قال جلّ وعزّ: {حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7] فمعنى تفتضّ به تزول به لأنّها لا تزول من مكانها إلّا بهذا فقد صارت تفتضّ به
وأمّا قول من قال الآيتان محكمتان واحتجّ بأنّ على المتوفّى عنها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/84]
زوجها ألّا تبيت إلّا في منزلها فليس بشيءٍ؛ لأنّه لو كان كما قال وجب عليها أن تقيم سنةً كما في الآية المنسوخة وأيضًا فليس مقامها في منزلها إجماعًا بل قد اختلف فيه الصّدر الأوّل ومن بعدهم
فمن قال إنّ عليها المقام عمر، وعثمان، وأمّ سلمة، وابن مسعودٍ، وابن عمر
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/85]
وتابعهم على ذلك أكثر فقهاء الأمصار فقال مالكٌ: «تزور وتقيم بعد العشاء إلى أن يهدأ النّاس ولا تبيت إلّا في منزلها»
وهذا قول اللّيث، وسفيان الثّوريّ وأبي حنيفة، والشّافعيّ وقال محمّد بن الحسن «لا تخرج المتوفّى عنها زوجها ولا المبتوتة من منزلها البتّة»
وممّن قال غير هذا وقال لها أن تخرج وتحجّ إن شاءت ولا تقيم في منزلها عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وعلى هذا صحّ عنه أنّه أخرج ابنته أمّ كلثومٍ زوجة عمر بن الخطّاب لمّا قتل عمر فضمّها إلى منزله قبل أن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/86]
تنقضي عدّتها وصحّ عن ابن عبّاسٍ مثل هذا
روى الثّوريّ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " ليس على المتوفّى عنها زوجها ولا على المبتوتة إقامةٌ في بيتها إنّما قال اللّه جلّ وعزّ {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فإنّما عليها العدّة وليس عليها مقامٌ ولا نفقة لها
«وممّن قال بهذا القول أعني أنّه ليس على المتوفّى عنها زوجها إقامةٌ عائشة وجابر بن عبد اللّه هؤلاء أربعةٌ من الصّحابة لم يوجبوا الإقامة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/87]
ومنهم من احتجّ بالآية والحجّة لمخالفهم قوله جلّ وعزّ يتربّصن بأنفسهنّ فعليهنّ أن يحبسن أنفسهنّ عن كلّ الأشياء إلّا ما خرج بدليلٍ
ومن الحجّة أيضًا توقيف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وقوله للفريعة
حين توفّي عنها زوجها» أقيمي في منزلك حتّى يبلغ الكتاب أجله " وقد قال قومٌ: إنّ قوله جلّ وعزّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] منسوخٌ بالحديث:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/88]
((لا وصيّة لوارثٍ))
وأكثر العلماء على أنّها منسوخةٌ بالآية الّتي ذكرناها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/89]
وممّا يبيّن لك أنّها منسوخةٌ اختلاف العلماء في النّفقة على المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ فأكثر العلماء يقول لا نفقة لها ولا سكنى فمن الصّحابة عبد اللّه بن عبّاسٍ وابن الزّبير، وجابرٌ ومن التّابعين سعيد بن المسيّب، والحسن، وعطاء بن أبي رباحٍ وممّن دونهم مالك بن أنسٍ وأبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمّدٌ وهو الصّحيح من قول الشّافعيّ.
وممّن قال للمتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ النّفقة من رأس المال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وابن مسعودٍ وابن عمر وهو قول شريحٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/90]
وخلاس بن عمرٍو، والشّعبيّ، والنّخعيّ وأيّوب السّختيانيّ، وحمّاد بن أبي سليمان والثّوريّ، وأبي عبيدٍ
وفيه قولٌ ثالثٌ عن قبيصة بن ذؤيبٍ قال:
«لو كنت فاعلًا لجعلتها من مال ذي بطنها»
وحجّة من قال لا نفقة للمتوفّى عنها زوجها إجماع المسلمين أنّه لا نفقة لمن كانت تجب له النّفقة على الرّجل قبل موته من أطفاله وأزواجه وآبائه الّذين تجب عليه نفقتهم بإجماعٍ إذا كانوا زمنى فقراء فكذا تجب أيضًا في الحامل المتوفّى عنها زوجها.
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/91]
قال أبو جعفرٍ: واختلفوا أيضًا في الآية السّادسة والعشرين فمنهم من قال هي محكمةٌ واجبةٌ ومنهم من قال هي مندوبٌ إليها ومنهم من قال قد أخرج منها شيءٌ ومنهم من قال هي منسوخةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/92]


قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا}.أكثر العلماء على أن الآية ناسخةٌ للآية التي بعدها، وهي قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240].
فأوجبت هذه الآية للمتوفى عنها زوجها أن ينفق عليها سنةً من مال المتوفّى، وتسكن سنةً ما لم تخرج وتتزوج.
ثم نسخت النفقة بآية المواريث في النساء، وبقوله عليه السلام: ((لا وصيّة لوارث)) ونسخ الحول بأربعة أشهرٍ وعشرًا.
وذكر ابن حبيب أن الحرّة كانت إذا توفّي عنها زوجها خيّرت إن شاءت أن تقيم في بيت زوجها وينفق عليها من ماله سنة فإن أبت إلا الخروج لم يكن لها شيءٌ من ماله فنسخ ذلك بالمواريث في النساء.
وهذا مما تقدّم الناسخ فيه على المنسوخ في رتبة التّأليف للقرآن، وحقّ الناسخ في النّظر أن يأتي بعد المنسوخ: لأن الناسخ ثانٍ أبدًا، والمنسوخ متقدمٌ أبدًا.
وإنما استغرب هذا؛ لأنه في سورةٍ واحدةٍ، ولو كان في سورتين لم ينكر أن يكون الناسخ في الترتيب قبل المنسوخ، فهو كثيرٌ من سورتين، لأن السورة لم تؤلّف في التّقديم والتأخير على النزول، ألا ترى أنّ كثيرًا من المكّيّ بعد المدني، والمكيّ نزل أولاً.
وإنّما حكم في هذا بأن الأوّل نسخ الثاني دون أن ينسخ الثاني الأول على رتبة الناسخ والمنسوخ بالإجماع على أنّ المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتدّ سنةً، وأنّ عدّتها أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: ((إنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وقد كانت إحداكنّ
في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول)). فبيّن أن الحول أمرٌ كان في الجاهليّة وأن العدّة في الإسلام أربعة أشهرٍ وعشر، والنبي عليه السلام. يبيّن القرآن فقد بيّنه، فعلم أن الأول ناسخٌ للثاني وعلم أن الأولى في التلاوة نزلت بعد الثانية ناسخةً لها.
وقد قيل: إنّ هذا ليس بنسخ؛ وإنما هو نقصانٌ من الحول لم ينسخ الحول كلّه إنما نقص منه.
ويلزم قائل هذا أن يكون قوله تعالى: {وإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} ليس بناسخٍ لما قبله إنما هو نقصانٌ مما قبله.
وكونه منسوخًا أبين في المعنى وعليه أكثر العلماء؛ لأنه إزالة حكمٍ ووضع حكمٍ آخر موضعه منفصلٍ منه. وقد قال ابن مسعود: إنّ قوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} نسخ منها الحوامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4] والذي عليه أهل النّظر أنه تخصيصٌ وبيانٌ بأنّ آية البقرة في غير الحوامل والمعنى: ويذرون أزواجًا غير حوامل يتربصن بعدهم أربعة أشهرٍ وعشرًا.
قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ}:
ذكر ابن حبيبٍ أن قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف}: منسوخٌ بقوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فصار التربّص عزيمةً لا خيار لهنّ في ذلك، وكنّ في السّنّة مخيّرات.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} الآية [البقرة: 234] قالوا: نسخ منها الحوامل بقوله عز وجل: (وأولات الحمل أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا ليس بنسخ، والآية ليست في الحوامل، يدل على ذلك قوله عز وجل: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} الآية [البقرة: 234] أي: في ابتغاء الأزواج، والحامل ليس لها ذلك.
ومن ذلك قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] قال جماعة: هي منسوخة بالتي تقدمت، وهي قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} الآية [البقرة: 234] قالوا: نسخت هذه الحول، ونسخت آية الميراث النفقة عليها إلى الحول.
وقال الربيع: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها أقامت إن شاءت حولا ولها السكنى والنفقة، فنسخ ذلك آية الميراث.
وقال عبد الملك بن حبيب: كانت الحرة المتوفى عنها زوجها تخير بين أن تقيم في بيته وينفق عليها من ماله سنة وبين أن تخرج فلا يكون لها شيء من ماله، فنسخ ذلك بآية الميراث.
وليست هذه الآية بمنسوخة بالتي قبلها؛ لأن الناسخ يتأخر نزوله عن المنسوخ، فكيف يكون نزولها متأخرا ثم توضع في التأليف قبل ما نزلت بعده، ناسخة له من غير فائدة في لفظ ولا معنى!، واحتجوا لذلك بأن المكي قد يؤخر عن المدني في السور، وليس هذا مثل ذلك، وليس في تقديم السورة وتأخيرها شيء من الإلباس بخلاف الآيات.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل، كقوله تعالى: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] مع قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144].
والذي قال: غير صحيح، بل التلاوة على ترتيب التنزيل، وقد تقدم أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] نزل بعد قولهم: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142] أي: دم على ذلك {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} الآية [البقرة: 144]، وقد قيل: إن أول ما نزل في ذلك قوله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 142]، قيل: أعلم الله نبيه ما هم قائلون، فقال: إذا قالوا ذلك فقل لهم: {ولله المشرق والمغرب} الآية [البقرة: 142].
وقد تقدم أيضا قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} الآية [البقرة: 125] فهذا يدل على ما قلناه من أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] أمر بالدوام على ما كان أمره به من اتخاذ المقام مصلى، ثم إن هذه الآيات كلها في قصة بخلاف الناسخ والمنسوخ، ولم يقل أحد من المفسرين إن قوله عز وجل: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] أنزل بعد قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فول وجهك} الآية [البقرة: 144]، وإنما وهم الزمخشري فظن أن الإخبار بما يكون بعد الشيء قبل وقوعه هو الواقع بعده، وهذا غلط بين، وإنما مثال هذا أن يقول الملك لمن يريد أن يوليه ناحية: سيطعن السفهاء في ولايتك، ثم يقول له بعد ذلك: تول ناحية كذا كذلك.
قال الله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142]، إخبارا بما سيكون بعد التولية، ثم قال سبحانه بعد ذلك: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144]، وهذا واضح جدا، وقد خفي عليه فصار إلى ما صار إليه من تقدم الآية في التلاوة وتأخرها في الإنزال، وليس بهين أن تجعل كلام الله عز وجل بهذه المثابة.
بل أقول: إن الآية غير منسوخة بالتي تقدمت، بل معناها إن المتوفى عنها زوجها كانت لها متعة كما أن للمطلقة متعة، وكانت متعة المتوفى عنها زوجها أن تخير بعد انقضاء العدة بين أن تقيم إلى تمام الحول ولها السكنى والنفقة، وبين أن تخرج، يدل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى: {متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] أي: لا تخرج إذا لم ترد، ثم قال تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234]، وأباح لها أن تخرج، ولو كانت العدة حولا لم يبح لها ذلك، ولم تكن مخيرة فيه، ومن لم يفرق بين هذا وبين قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} الآية [البقرة: 234]، ويميز بين المكث الواجب كيف جاء بهذا اللفظ، وبين المكث الراجع إلى الاختيار كيف جاء باللفظ الآخر، فقد سلب آلة التمييز، بل الآية المتأخرة دالة على تقدم الأولى بقوله عز وجل: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234] أي: فإن اخترن الخروج بعد بلوغ الأجل المذكور في الآية المتقدمة فلا حرج.
وقد قال مجاهد: إن الآية محكمة، ولها السكنى والنفقة من مال زوجها إن شاءت.
وإن قلنا: إن ذلك قد كان ثم بطل بأنه لا وصية لوارث، فذاك موافق لما عليه الجمهور، وأما أن نقول: إنها منسوخة بما تقدمها فلا.وهذا الموضع من أقبح ما ذكروه في كتاب الله عز وجل.
ثم ذكر بعد هذه المتعة الطلاق، فقال عز وجل عقيب هذه: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} الآية [البقرة: 241].
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس