الموضوع: سورة البقرة
عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م, 06:50 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {أَيَّامًۭا مَّعْدُودَٰتٍۢ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌۭ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌۭ طَعَامُ مِسْكِينٍۢ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَهُوَ خَيْرٌۭ لَّهُۥ ۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العاشرة: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [184 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [185 / البقرة] يعني فمن شهد منكم الشهر حيا بالغا صحيحا عاقلا فليصمه.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعةقال جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184]
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية أقوالٌ أصحّها أنّها منسوخةٌ، سياق الآية يدلّ على ذلك والنّظر والتّوقيف من رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكيرٍ، عن يزيد، مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع، قال: " لمّا نزلت هذه الآية {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] كان من شاء منّا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتّى نسختها الآية الّتي بعدها "
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] قال: " كان الرّجل يصبح صائمًا أو المرأة في شهر رمضان ثمّ إن شاء أفطر وأطعم مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185] " قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال السّدّيّ {وعلى الّذين يطيقونه} [البقرة: 184] كان الرّجل يصوم من رمضان ثمّ يعرض له العطاش فأطلق له الفطر وكذلك الشّيخ الكبير والمرضع يفطرون ويطعمون عن كلّ يومٍ مسكينًا {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] فأطعم مسكينين فهو خيرٌ له
وقال الزّهريّ {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] صام وأطعم مسكينًا فهو خيرٌ له
وقيل: المعنى الّذين يطيقونه على جهدٍ قال أبو جعفرٍ: الصّواب أن يقال: الآية منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185]؛ لأنّ من لم يجعلها منسوخةً جعله مجازًا وقال المعنى: يطيقونه على جهدٍ أو قال: كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغنٍ عن هذا وقد اعترض قومٌ بقراءة من قرأ «يطوّقونه»، «ويطّوّقونه»
ولا يجوز لأحدٍ أن يعترض بالشّذوذ على ما نقله جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرًا مكشوفًا وما نقل على هذه الصّورة فهو الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه جلّ وعزّ ومحظورٌ على المسلمين أن يعارضوا ما تثبت به الحجّة أنّه من عند اللّه بالظّنون والأوهام والشّذوذ، وما لا يوقف منه على حقيقةٍ
غير أنّ العلماء قد احتجّوا بهذه الآية وإن كانت منسوخةً؛ لأنّها ثابتةٌ في الخطّ وهذا لا يمتنع، فقد أجمع العلماء على أنّ قوله جلّ وعزّ: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} [النساء: 15] أنّه منسوخٌ
وثبّتوا منها شهادة أربعةٍ في الزّنا فكذا {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
وإن كانت منسوخةً ففيها غير حجّةٍ وذلك أنّه قد أجمع العلماء على أنّ المشايخ والعجائز الّذين هم لا يطيقون الصّيام أو يطيقونه على مشقّةٍ شديدةٍ فلهم الإفطار، وقال ربيعة، ومالكٌ: لا شيء عليهم إذا أفطروا غير أنّ مالكًا قال: لو أطعموا عن كلّ يومٍ مسكينًا مدًّا كان أحبّ إليّ، وقال أنس بن مالكٍ، وابن عبّاسٍ، وقيس بن السّائب، وأبو هريرة عليهم الفدية
وهو قول الشّافعيّ اتّباعًا منه لقول الصّحابة وهذا أصلٌ من أصوله
وحجّةٌ أخرى فيمن قال: عليهم الفدية: إنّ هذا ليس بمرضٍ ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
والحجّة لمن قال: لا شيء عليهم أنّه من أفطر ممّن أبيح له الفطر فإنّما عليه القضاء إذا وصل إليه وهؤلاء لا يصلون إلى القضاء، وأموال النّاس محظورةٌ إلّا بحجّةٍ يجب التّسليم لها ولم يأت ذلك
وممّا وقع فيه الاختلاف أيضًا الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما
فأفطرتا فمن النّاس من يقول: عليهما القضاء بلا كفّارةٍ هذا قول الحسن، وعطاءٍ، والضّحّاك، وإبراهيم، وهو قول أهل المدينة
وقول ابن عمر، ومجاهدٍ عليهما القضاء والكفّارة وهو قول الشّافعيّ
وقول ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة عليهما الفدية ولا قضاء عليهما
والحجّة لمن قال عليهما القضاء بلا كفّارةٍ أنّ من أفطر وهو مأذونٌ له في الفطر فإنّما عليه يومٌ يصومه كاليوم الّذي أفطره
وحجّة من قال: عليهما القضاء والكفّارة أنّهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء لتكملا العدّة وعليهما الكفّارة لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] وحجّة من قال: عليهما الفدية بغير قضاءٍ الآية أيضًا وليس في الآية قضاءٌ فاحتجّ العلماء بالآية وإن كانت منسوخةً وكان بعضهم يقول: ليست بمنسوخةٍ، والصّحيح أنّها
منسوخةٌ والآية الثّامنة ناسخةٌ بإجماعٍ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّالثة عشرة قوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} وهذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم وقد قرأت {يطوقونه} فمن قرأ {يطيقونه} أراد يطيقون صيامه ومن قرأ يطوّقونه يعني يكلفونهوكان الرجل في بدء الإسلام مخيّرا إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم مكان يومه مسكينا حتّى قال الله تعالى فمن تطوع خيرا وأطعم مسكينا بمكان يومه كان أفضل والإطعام مد من طعام على قول أهل الحجاز وعلى قول أهل العراق نصف صاع حتّى أنزل الله تعالى الآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا الظّاهر يحتاج إلى كشف ومعناه والله أعلم من شهد منكم الشّهر حاضرا عاقلا بالغا صحيحا فليصمه فصار هذا ناسخا لقوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} الآية:
الأشهر المعوّل عليه في هذه الآية أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185].
وذلك أن الله جلّ ذكره فرض صوم شهر رمضان، وكان قد أباح بهذه الآية للمقيم القادر على الصّوم أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، بقوله: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين} أي: على الذين يطيقون الصّوم ويفطرون فديةٌ، ثم بيّن الفدية، فقال: طعام مسكين يعني: عن كل يوم.
ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، أي: فمن شهده في المصر صحيحًا فليصمه فأوجب عليه الصّوم.
قال معاذ بن جبل: لما قال الله جلّ ذكره: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين}، كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا عن
كلّ يوم. قال: ثمّ أوجب الله الصّيام على الصحيح المقيم بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، وثبت الإطعام على من لا يطيق الصّوم إذا أفطر من كبرٍ - وهو قول ابن عمر وعكرمة والحسن وعطاء، وعليه جماعةٌ من العلماء -.
وقال مالك: الآية منسوخةٌ والإطعام على الكبير إذا أفطر ولم يطق الصّوم، وروي عنه أنه استحبّ الإطعام للكبيرين إذا أفطرا ولم يطيقا الصوم من غير إيجاب.
وأما الحامل تخاف على نفسها فتفطر فعليها القضاء إذا وضعت. ولا إطعام عليها لأنها مريضةٌ.
والمرضع إذا خشيت على ولدها فأفطرت فالإطعام عليها مع القضاء إيجابٌ، بخلاف الحامل والكبيرين؛ ولأنها صحيحةٌ، وإنما أفطرت من أجل ولدها.
فأما المريض فلا إطعام عليه إذا أفطر ولم يقدر على الصّوم، وعليه القضاء إذا صحّ. وكذلك المسافر لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} [البقرة: 184] أي: فعليه صوم عدّة ما أفطر من أيام أخر، لا غير.
وقد روى ابن وهب، قال، قال لي مالكٌ في الآية:
إنما ذلك في الرّجل يمرض فيفطر ثمّ يبرأ فلا يقضي ما أفطر حتّى يدركه رمضانٌ آخر من قابل، فعليه أن يبدأ برمضان الذي أدركه، ثم يقضي الذي فاته بعد ذلك، ويطعم عن كلّ يوم مدًّا من حنطة.
قال مالك: وأما رجل اتّصل به المرض إلى أن دخل عليه رمضان المقبل، فليس عليه إطعام وعليه القضاء على كلّ حال.
قال أبو محمد: وهذا التأويل يدلّ على أن الآية: محكمة عنده في هذه الرّواية، ومعنى {الّذين يطيقونه} - على هذا التأويل -: أي: يطيقون قضاء ما عليهم فلا يقضون حتى يأتي رمضانٌ آخر فعليهم صوم الداخل وقضاء الفائت بعد ذلك وإطعام مدٍّ عن كل يوم فهي محكمة على هذا التأويل وهو قول زيد بن أسلم. وقاله ابن شهاب أيضًا. وعنه أنها منسوخةٌ.
وقال قتادة: إنما كانت الرّخصة في الإفطار والإطعام للكبيرين يطيقان الصّوم، ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، قال: والرّخصة باقية للكبيرين اللّذين لا يطيقان الصوم، يفطران ويطعمان. وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس. روي عنه أنه قال: نزلت في
الكبيرين اللّذين لا يطيقان الصّوم والمريض فهي محكمةٌ غير منسوخةٍ - على هذا القول -.
قال أبو محمد: وهذا التأويل إنما يصحّ على قراءة من قرأ: {وعلى الذين يطوّقونه} بالتشديد وفتح الطاء على معنى: يكلفون الصّوم ولا يقدرون عليه فيفطرون، وهي قراءة مرويةٌ عن عائشة رضي الله عنها وبذلك قرأ ابن جبير وعطاء وعكرمة.
وقرأ مجاهد: {وعلى الذين يطّوّقونه} بفتح الياء وتشديد الطّاء والواو على معنى: يتكلفونه. أي: يتكلفون الصوم ولا يقدرون عليه.
فهي محكمةٌ غير منسوخة هاتين القراءتين. وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ: يطيّقونه - بفتح الياء الأولى وبياء مشددة مفتوحة بعد الطاء -.
وقد طعن في هذه القراءة بالياء؛ لأن الفعل عينه "واو" ومعناها كمعنى القراءتين اللّتين قبلها في أن الآية محكمةٌ في الكبيرين والمريض.
يفطرون إذا لم يقدروا على الصّوم ويطعمون، إلا أنّ المريض يقضي إذا صحّ، ولا يقضي الكبيران؛ لأنهما لا ينتقلان إلى غير الكبر إلاّ أن يكونا مريضين، أو كانا صحيحين يقدران على الصوم فيفطرن للمرض، فلا بدّ من القضاء عليهما.
وأكثر الناس على أنه لا إطعام على المريض.
وقد ذكر الأشعريّ عن الحسن في هذه الآية قولاً غريبًا قال: إن المعنى: وعلى الذين يطيقون الإطعام ويعجزون عن الصّيام طعام مساكين وقال: هذا قولٌ مروي عن السّلف وهو قول الحسن.
وذكر ذلك ابن الأنباري ولم يذكر الحسن.
قال: وذهب ذاهبون إلى أن الهاء راجعةٌ على الفداء، وقدّروه: وعلى الذين يطيقون الفداء إذا كرهوا الصّوم فديةٌ طعام مساكين فنسخ ذلك بما بعده.
قال: وبنى آخرون على أن الهاء تعود على الفداء أيضًا. والآية غير منسوخة. وقالوا: نزلت الرّخصة في الشيخ الفاني والعجوز الهرمة فالمعنى على هذا القول: وعلى الذين يطيقون الفداء، ولا يطيقون الصوم فديةٌ طعام مساكين. وهذا هو قول الأشعري الذي حكينا عنه. قال ابن الأنباري: وإنما رجعت الهاء على الفداء، وإن لم يتقدّم ذكره، كما رجعت الهاء في قوله: {فأصلح بينهم} [البقرة: 182] على غير مذكورين، يريد أن الخطاب يدلّ على صاحب الإضمار، وقد ذكرنا حكم الشيخ والعجوز وشبههما في الإفطار إذا لم يطيقوا الصوم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}.
اختلف المفسّرون في معنى الآية على قولين:
أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين الإفطار مع الإطعام، لأنّ معنى الكلام: وعلى الّذين يطيقونه ولا يصومونه فديةٌ، فعلى هذا يكون الكلام منسوخًا بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا بن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي أحمد بن حنبلٍ، قال: بنا عبد الرازق قال: بنا معمرٌ عن أيّوب عن ابن سيرين عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} قالت: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} وكانت الإطاقة أنّ الرّجل والمرأة يصبح صائمًا، ثمّ إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال: بنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدثنا وكيع، قال: بنا محمّد بن سليمٍ عن ابن سيرين عن عبيدة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها الّتي بعدها والّتي
تليها.
أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال. بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قالت أبنا عبيد اللّه موسى عن إسرائيل عن منصورٍ، عن إبراهيم عن علقمة قال: كانوا إذا أراد الرّجل أن يفطر يومًا من رمضان من غير مرضٍ أفطر وأطعم نصف صاعٍ حتّى نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ} فلم يكن إلا لهما.
قال عبد الحميد: وحدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: بنا وهيب بن خالدٍ، عن ابن شبرمة عن الشّعبيّ، قال لمّا نزلت {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}. أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصّوم على الفقراء فأنزل اللّه تعالى {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فصام الناس جميعاً.
أخبرنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ القزّاز قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا أبوعمرو بن مهديٍّ، قال: أبنا محمّد بن مخلد، قال: بنا القاسم بن عياد، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حمّاد بن زيدٍ عن سلمة ابن علقمة عن ابن سيرين أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} قال: هذه منسوخةٌ.
وروى عطيّة، وابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان في الصّوم الأوّل فديةٌ طعام مسكينٍ
فمن شاء من مسافرٍ أو مقيمٍ أن يطعم مسكينًا ويفطر، كان ذلك رخصةً له، ثمّ نسخ ذلك.
أخبرنا محمّد بن ناصرٍ، قال: أبنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا قتيبة. وأبنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو بكرٍ محمّد بن هبة اللّه الطّبريّ، قال: أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: بنا أبو محمد بن درستويه قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: بنا بكر بن مضرٍ عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ عن يزيد مولى أمّ سلمة عن سلمة بن الأكوع قال: لمّا نزلت: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} كان من أراد منّا أن يفطر ويفتدي، فعل حتّى نزلت الآية الّتي بعدها فنسختها.
وقال أنسٌ رضي اللّه عنه لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيّامٍ وكانوا قومًا لم يتعوّدوا الصّيام وكان الصّوم عليهم شديدًا وكان من لم يصم أطعم مسكينًا. وقد روى هذا المعنى: أنّه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى لقوله: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} إلى أن نزل قوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فنسخ ذلك بهذه، عن جماعةٍ منهم معاذ بن جبل وابن مسعود،
وابن عمر، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضّحّاك، والنّخعيّ، والزّهريّ رضي الله عنهم.
والقول الثّاني: أنّه محكمٌ غير منسوخٍ وأنّ فيه إضمارًا تقديره: وعلى الّذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فديةٌ، وأشير بذلك إلى الشّيخ الفاني الّذي يعجز عن الصّوم، والحامل الّتي تتأذّى بالصّوم والمرضع.
أخبرنا عبد الوهّاب قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد ابن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال: بنا عمّي الحسين بن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} وهو الشّيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شابٌّ فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه فليتصدّق على مسكينٍ واحدٍ لكلّ يومٍ أقطٌ.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال بنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا روح قال: بنا زكريا بن إسحق، قال: بنا عمرو ابن دينارٍ عن عطاءٍ أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقرأ: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: ليست بمنسوخةٍ وهو الشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كلّ يوم مسكيناً.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الرازق عن معمرٍ عن أيّوب عن عكرمة، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: لم ينسخ.
قال عبد الحميد: وأخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: بنا حمادبن سلمة عن عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هم الّذي يكلّفونه ولا يطيقونه هو الشّيخ والشّيخة.
قال عبد الحميد وأخبرنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هو الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه لكل يوم مسكين.
وقد روى قتادة عن عكرمة قال: نزلت في الحامل والمرضع وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحق بن إبراهيم بن الحسن، قال: بنا موسى بن مسعودٍ النّهديّ، قال: بنا سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ عن مجاهدٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما يقرؤها {وعلى الذين يطوقونه}. قال: الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه وبالإسناد حدّثنا سفيان عن عبد الرّحمن بن حرملة عن
سعيد بن المسيب (وعلى الذين [يطوقونه] فدية) قال: الشّيخ الكبير الّذي يصوم فيعجز والحامل إن اشتدّ عليها الصّوم يطعمان لكلّ يومٍ مسكينًا
قلت: هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه:
أحدها: أنّها شاذّةٌ خارجةٌ عمّا اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.
والثائي: أنّها تخالف ظاهر الآية، لأنّ الآية تقتضي إثبات الإطاقة لقوله: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} وهذا القراءة تقتضي نفيها.
والثّالث: إنّ الّذين يطيقون الصّوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين:
أحدهما: من يعجز لمرضٍ أو لسفرٍ، أو لشدّة جوعٍ أو عطشٍ فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة.
والثّاني: من يعجز لكبر السّنّ (فهذا يلزمه الكفّارة من غير قضاءٍ، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة)، كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، وهذا كلّه ليس بمستفادٍ من الآية إنّما المعتمد فيه على السّنّة وأقوال الصّحابة. فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يدلّ على ما قلنا قوله تعالى: في تمام الآية {وأن تصوموا خيرٌ لكم}.وغير جائزٍ أن يعود هذا الكلام إلى المرضى والمسافرين ولا إلى الشّيخ الكبير ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، لأنّ الفطر في حقّ هؤلاء أفضل من الصّوم من جهة أنّهم قد نهوا أن يعرّضوا أنفسهم للتّلف، وإنّما عاد الكلام إلى الأصحّاء المقيمين خيّروا بين الصّوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة.
قال أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ لا تكون الآية على القراءة الثانية، وهي: {يطيقونه} إلا منسوخةً.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثانية عشرة: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} في هذا مضمر تقديره وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ثم نسخت بقوله {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} .). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس