عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 29 ذو الحجة 1431هـ/5-12-2010م, 11:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 88 إلى 99]

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين...}
إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثم ضجروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة، فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة؛ فجعلهم الله منافقين، فقال الله: {فما لكم مختلفين في المنافقين}، فذلك قوله
{فئتين}.
ثم قال تصديقا لنفاقهم {ودّوا لو تكفرون كما كفروا} فنصب {فئتين} بالفعل، تقول: مالك قائما، كما قال الله تبارك وتعالى: {فما للّذين كفروا قبلك مهطعين} فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة؛ يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما. وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة؛ كما تنصب كان وأظنّ؛ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامّات، ومثل مال، ما بالك، وما شأنك.

والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير.
ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن؛ لأنهن قد كثرن، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل؛ ألا ترى أنهم قالوا: أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام.
وقوله: {والله أركسهم بما كسبوا} يقول: ردّهم إلى الكفر، وهي في قراءة عبد الله وأبيّ {واللّه ركسهم}). [معاني القرآن: 1/280-281]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والله أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم فيه).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً}
قال: {فما لكم في المنافقين فئتين} فنصب على الحال كما تقول: "مالك قائما" أي: "مالك في حال القيام"). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أركسهم}: نكسهم). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.

{واللّه أركسهم} أي: نكّسهم وردّهم في كفرهم.

وهي في قراءة عبد اللّه بن مسعود: «ركّسهم».

وهما لغتان: ركست الشيء وأركسته). [تفسير غريب القرآن: 133]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{فما لكم في المنافقين فئتين واللّه أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا }
هذا خطاب للمسلمين، وذلك أن قوما من المنافقين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد اجتوينا المدينة، فلو أذنت لنا فخرجنا إلى البدو، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فقال قوم من المسلمين:
هم كفار هم كفار، وقال قوم: هم مسلمون حتى نعلم أنهم بدّلوا، فأمر اللّه بأن يتفق المسلمون على تكفير من احتال على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخالفه فقال - عزّ وجلّ -: {فما لكم في المنافقين فئتين} أي: أيّ شيء لكم في الاختلاف في أمرهم {واللّه أركسهم بما كسبوا}
وتأويل {أركسهم} في اللغة: نكسهم وردّهم، يقال أركسه وركسه.

ومعنى {واللّه أركسهم بما كسبوا} أي: ردّهم إلى حكم الكفار.
وقوله:
{أتريدون أن تهدوا من أضلّ اللّه} أي: أتقولون أن هؤلاء مهتدون واللّه قد أضلّهم.
{ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا إلى الحجة.

وقال النحويون في نصب {فئتين} إنها منصوبة على الحال.
وقال سيبويه: إذا قلت مالك قائما، فإنما معناه; لم قمت ونصب على تأويل أي شيء يستقر لك في هذه الحال.
قال غيره إن " قائما " ههنا منصوب على جهة فعل " مال " ويجيز مالك قائما، ومالك القائم يا هذا، ومالك القائم خطأ، لأن القائم معرفة فلا يجوز أن تقع حالا، و " ما " حرف من حروف الاستفهام لا تعمل عمل كان، ولو جاز مالك القائم يا هذا، جاز أن يقول ما عندك القائم، وما بك القائم، وبالإجماع أن ما عندك القائم خطأ، فمالك القائم مثله لا فرق في ذلك). [معاني القرآن: 2/87-88]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فما لكم في المنافقين فئتين} أي: فرقتين مختلفتين.
قال زيد بن ثابت: تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فقال بعضهم: اقتلهم، وقال بعضهم: اعف عنهم فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين}.
قال مجاهد: هم قوم أسلموا ثم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (ركسهم) بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم إلى حكم الكفار). [معاني القرآن: 2/152-153]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أتريدون أن تهدوا من أضل الله} أي: أنهم قد ضلوا {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} أي: طريقا مستقيما). [معاني القرآن: 2/153-154]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{أَرْكَسَهُم} نكسهم وردهم في كفرهم، وفي قراءة عبد الله (ركسهم) وهي لغة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({أَرْكَسَهُم}: نكسهم). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولّوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا}
{فلا تتّخذوا منهم أولياء حتّى يهاجروا في سبيل اللّه} أي: لا تتخذوا من هؤلاء الذين احتالوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فارقوه أولياء، أي: لا تقولوا إنهم مؤمنون {حتى يهاجروا في سبيل اللّه}، أي: حتى يرجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم.
وقوله:
{فإن تولّوا}أي: تولوا عن أن يهاجروا، ولزموا الإقامة على ما هم عليه {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتّخذوا منهم وليّا ولا نصيرا} ). [معاني القرآن: 2/88]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ...}
يقول: إذا واثق القوم النبي صلى الله عليه وسلم ألاّ يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم، فكان رأيه في قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله، فذلك قوله
{يصلون} معناه: يتصلون بهم.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم}، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم، فذلك معنى قوله: {حصرت صدورهم} أي: ضاقت صدورهم.

وقد قرأ الحسن "حصرةً صدورهم".
والعرب تقول: أتاني ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله.
وسمع الكسائيّ بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير، فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد؛ ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت). [معاني القرآن: 1/281-282]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاقٌ}، يقول: فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم).
[مجاز القرآن: 1/136]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو جاءوكم حصرت صدورهم} من الضيق، وهي من الحصور، وقد قال الأعشى:

إذا اتصلت قالت أبكر بن وائلٍ... وبكرٌ سبتها والأنوف رواغم
أخذه من وصل، أي: انتسب.

{وألقوا إليكم السّلم} أي: المقادة، يقول: استسلموا). [مجاز القرآن: 1/136]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}
قال: {إلاّ الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم} أو {حصرت صدورهم} فـ(حصرةً) اسمٌ نصبته على الحال و{حصرت} "فعلت" وبها نقرأ). [معاني القرآن: 1/208]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({حصرت صدورهم}: ضاقت. {السلم}: المقادة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ} أي: يتصلون بقوم.

{بينكم وبينهم ميثاقٌ} أي: عهد.

ويتصلون: ينتسبون، وقال الأعشى - وذكر امرأة سبيت:
إذا اتّصلت قالت: أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم
أي: انتسبت.

وفي الحديث ((من اتصل فأعضّوه)) يريد: من ادّعى دعوى الجاهلية.
{حصرت صدورهم} أي: ضاقت.
والحصر: الضيق.
{ألقوا إليكم السّلم} أي: القادة، يريد: استسلموا لكم). [تفسير غريب القرآن:133-134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إلّا الّذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا} أي: فاقتلوهم إلا من اتصل بقوم بينكم وبينهم ميثاق.
ويروى أن: هؤلاء اتصلوا ببني مدلج وكانوا صلحا للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم} معناه: ضاقت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم.
وقال النحويون إن
{حصرت صدورهم} معناه: أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، لأن حصرت لا يكون حالا إلا بقد.

وقال بعضهم {حصرت صدورهم} خبر بعد خبر، كأنه قال: {أو جاءوكم}، ثم أخبر فقال: {حصرت صدورهم أن يقاتلوكم}
وقوله جلّ وعزّ: {ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو لقذف اللّه الرعب في صدورهم.

وقرأ بعضهم "حصرة صدورهم" على الحال). [معاني القرآن: 2/89]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل:
{إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} قال مجاهد: صاروا إلى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم حلف.

وقال غيره: كان قوم يوادعون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا.
وقال أبو عبيدة: معنى يصلون ينتسبون.
وهذا خطأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين). [معاني القرآن: 2/154-155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{أو جاءوكم حصرت صدورهم} أي: أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم
قال الكسائي: "معنى حصرت" ضاقت.

قال مجاهد: وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم.

قال أبو العباس محمد بن يزيد: المعنى على الدعاء، أي: أحصر الله صدورهم

وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون خبرا بعد خبر، فالمعنى: {أو جاؤوكم} ثم خبر بعد فقال {حصرت صدورهم} كما قال جل وعز: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} وقيل المعنى: أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن (حصرة صدورهم).

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ {إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق} و{حصرت صدورهم} فالمعنى على هذه القراءة (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) أي: قوم حصرة صدورهم، أي: ضيقة). [معاني القرآن: 2/155-157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم} أي كفوا عن قتالكم وألقوا إليكم السلم أي الانقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم في براءة).

[معاني القرآن: 2/157]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (يصلون) ينتسبون). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (حصرت صدورهم) أي: ضاقت، و(حَصِرَةْ صُدُورُهُمْ) أي: ضيقة صدورهم). [ياقوتة الصراط: 201]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ} أي: يتصلون بهم، أي: ينتسبون.

و{حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: ضاقت.
{السَّلَمَ} الاستسلام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{حَصِرَتْ}: ضاقت.
{السَّلمَ}: المقادة والطاعة). [العمدة في غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم...} معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا). [معاني القرآن: 1/282]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم} هؤلاء منافقون يعطون المسلمين الرضا ليأمنوهم، ويعطون قومهم الرضي ليأمنوهم). [تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفّوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} ستجدون من يظهر لكم الصلح ليأمنكم، وإذا سنحت فتنة كانوا مع أهلها عليكم.
وقوله:
{كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها} أي: انتكسوا عن عهدهم الذي عقدوه.
وقوله:
{فإن لم يعتزلوكم} أي: فإن لم يعتزلوا قتالكم ولم يعاونوا عليكم.
{ويلقوا إليكم السّلم} أي: المقادة والاستسلام.
{ويكفّوا أيديهم} أي: عن الحرب.
{فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة، لا يفون بما يفارقونكم عليه من الهدنة والصلح). [معاني القرآن: 2/89-90]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها} قال مجاهد: هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى الكفار فيرتكسون في الأوثان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم}

ومعنى {ثقفتموهم}: وجدتموهم واحد {وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا} أي: حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة). [معاني القرآن: 2/158]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ...}
مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة.

والمؤمنة: المصلّية المدركة.، فإن لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.
وقوله: {فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ} كان الرجل يسلم في قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام، وذلك إذا لم
يكن بين قومه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فإن كان عهد جرى مجرى المسلم). [معاني القرآن: 1/282-283]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطئاً}، هذا كلام تستثنى العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حالٍ إلاّ أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطئا فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: {الّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمم} واللّمم: ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلمّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ... على الأرض إلا ذيل مرطٍ مرحّل
المرحّل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:

وبلدةٍ ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
يقول: إلاّ أن يكون بها. وقال أبو خراش الهذليّ:
أمسى سقام خلاءً لا أنيس به... إلا السّباع ومرّ الريح بالغرف
سقام: وادٍ لهذيل؛ الغرف: شجرٌ تعمل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك). [مجاز القرآن: 1/136-138]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله إلاّ أن يصّدّقوا فإن كان من قومٍ عدوٍّ لّكم وهو مؤمنٌ فتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم مّيثاقٌ فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةٍ فمن لّم يجد فصيام شهرين متتابعين توبةً مّن اللّه وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {فديةٌ مّسلّمةٌ إلى أهله وتحرير رقبةٍ مّؤمنةً}.

وقال: {فصيام شهرين} أي: فعليه ذلك.

وقال: {إلاّ أن يصّدّقوا}: فعليكم ذلك إلاّ أن يصّدّقوا). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلّا أن يصّدّقوا} أي: يتصدقوا عليهم بالدّية، فأدغمت التاء في الصاد).
[تفسير غريب القرآن: 134]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله
: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله إلّا أن يصّدّقوا فإن كان من قوم عدوّ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه وكان اللّه عليما حكيما} المعنى: ما كان لمؤمن ألبتّة.
و
{إلّا خطأ} استثناء ليس من الأول، المعنى: إلا أن يخطئ المؤمن فكفارة خطئه ما ذكر بعد.
وقال بعض أهل العلم:
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ} على معنى: أن دم المسلم إنما يصفح عن أن يؤخذ به القاتل في الخطأ فقد عفي له عن قتل الخطأ، إلا أن الله جل ثناؤه فرض في كتابه على القاتل خطأ تحرير رقبة ودية مسلمة إلى أولياء المقتول، وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية الخطأ على العاقلة، وعلى القاتل أن يؤدّي في ذلك لقوله عزّ وجلّ: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من اللّه}.
ويحتمل أن يكون الصّيام بدلا من الرقبة وبدلا مما ينبغي أن يؤدّى في الدّية.
فإن قتل المؤمن خطأ رجلا مؤمنا من قوم كفرة فعليه تحرير رقبة، ولا مال للكفار الذين هم حرب، لأن الدية في الخطأ إنما جعلت - واللّه أعلم - ليحذر الناس حذرا شديدا من أن يخطئوا خطأ يؤدي إلى القتل، لتذهب الضغائن بينهم..
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة} وإن كان من قوم بينهم وبين المسلمين عهد فتحرير رقبة وتسليم الدية إلى ذوي الميثاق لئلا تقع ضغينة بين أهل الميثاق والمؤمنين.
ونصب {توبة من اللّه} على جهة نصب فعلت ذلك حذار الشر.

المعنى: فعليه صيام شهرين وعليه دية إذا وجد توبة من اللّه، أي: فعل ذلك توبة من اللّه.

فأمّا قتل النفس فجزاؤه: كما قال اللّه - عزّ وجلّ - النّفس بالنّفس في الدنيا، وفي الآخرة جهنم). [معاني القرآن: 2/90-91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} فهذا استثناء ليس من الأول.
قال أبو إسحاق المعنى {ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا} ألبتة ثم قال {إلا خطأ} أي: لكن إن قتله خطأ ومن قال أن إلا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين:
إحداهما: أنه لا يعرف أن تكون إلا بمعنى حرف عاطف.

والجهة الأخرى: أن الخطأ لا يحصر لأنه ليس بشيء يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن إلا تأتي بمعنى لكن كثير وأنشد:
من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت
إلا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت
وكان سبب نزول هذه الآية: فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله).
[معاني القرآن: 2/158-160]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} وإنما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل، والمعنى: إلا أن يتصدقوا عليكم بالدية.

وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (إلا أن يتصدقوا).
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (إلا أن تصدقوا) والمعنى: إلا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد، ويجوز على هذه القراءة: إلا أن تصدقوا بحذف إحدى التاءين). [معاني القرآن: 2/161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} معنى {عدو}: كمعنى أعداء
وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وإن كان مؤمنا وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة .
فمعنى هذا: إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب.

وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال: كان الرجل يجيء يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت: {وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} قال: وليس له دية، فمعنى هذا: أن يقتل في دار الحرب خاصة.
وقال قوم: وإن قتل في دار الإسلام فحكمه حكم المسلمين). [معاني القرآن: 2/161-162]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}
قال الزهري: الميثاق العهد، فالمعنى: إن كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا صدورهم). [معاني القرآن: 2/162-163]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} أي: فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا توبة من الله، أي: فعل هذا ليتوبوا توبة).
[معاني القرآن: 2/163]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ:
{ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما} وهذا وعيد شديد في القتل حظر اللّه عزّ وجلّ به الدّماء). [معاني القرآن: 2/91]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال: أمرني ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا} فسألته فقال: ما نسخها شيء.

وروي عن زيد بن ثابت: نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم بعد التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} إلى قوله جل وعز: {إلا من تاب}
وذهب قوم إلى: أن هذا على المجازاة إن جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة
، وهذا لا يحتاج أن يقال فيه إن جازاه، ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فإن تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب} فهذا لا يخرج عنه شيء). [معاني القرآن: 2/163-166]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا...}
(فتثبّتوا - قراءة عبد الله بن مسعود وأصحابه، وكذلك التي في الحجرات، ويقرأ أن: فتثبّتوا) وهما متقاربتان في المعنى، تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.
وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً} ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل.

وقرأه العامة: السلم.
والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده). [معاني القرآن: 1/283]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرةٌ كذلك كنتم مّن قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيراً}
قال: {إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا} وقال بعضهم {فتثبّتوا} وكلّ صواب لأنك تقول "تبيّن حال القوم" و"تثبّت"، و"لا تقدم حتّى تتبيّن" و"حتّى تتثبّت"). [معاني القرآن: 1/209]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإسلام: هو الدخول في السّلم، أي: في الانقياد والمتابعة.

قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} أي: انقاد لكم وتابعكم.

والاستسلام مثله، يقال: سلّم فلان لأمرك واستسلم وأسلم، أي: دخل في السّلم.

كما تقول: أشتى الرجل: إذا دخل في الشتاء، وأربع: دخل في الربيع، وأقحط: دخل في القحط.

فمن الإسلام: متابعة وانقياد باللّسان دون القلب.

ومنه قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: أنقذنا من خوف السيف.

وكذلك قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أي: انقاد له وأقرّ به المؤمن والكافر.

ومن الإسلام: متابعة وانقياد باللسان والقلب، ومنه قوله حكاية عن إبراهيم: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} أي: انقدت لله بلساني وعقدي.
والوجه زيادة، كما قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، يريد: إلا هو، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، أي: لله. قال زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية:

أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
أي: انقادت له المزن). [تأويل مشكل القرآن:479-480] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (والضرب: المسير، قال الله تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}). [تأويل مشكل القرآن: 497]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{يا أيّها الّذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل اللّه فتبيّنوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا فعند اللّه مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا}
و(فتثبّتوا) بالثاء والتاء.
ومعنى {ضربتم}: سرتم في الأرض وغزوتم.

وقوله:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلام لست مؤمنا}.
قرئت السلام بالألف، وقرئت السّلم. فأما السلام: فيجوز أن يكون من التسليم، ويجوز أن يكون بمعنى: السّلم، وهو: الاستسلام، وإلقاء المقادة إلى إرادة المسلمين.

ويروى في التفسير: أن سبب هذا أن رجلا انحاز وأظهر الإسلام فقتله رجل من المسلمين وأخذ سلبه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن حق من ألقى السلم أن يتبين أمره.
ومن قرأ (فتثبتوا) فحقه أن يتثبّت في أمره، وأعلم الله - جلّ وعزّ – أن كل من أسلم ممن كان كافرا فبمنزلة الذي تعوذ بالإسلام، فقال عزّ وجلّ:
{كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم} أي: منّ عليكم بالإسلام، وبأن قبل ذلك منكم على ما أظهرتم ثم كرر الأمر بالتبيين فقال عزّ وجلّ: {فتبيّنوا إنّ اللّه كان بما تعملون خبيرا} ). [معاني القرآن: 2/91-92]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} وتقرأ (فتثبتوا).

قال أبو عبيد: وإحداهما قريبة من الأخرى.
وقال غيره: قد يتثبت ولا يتبين، فالاختيار: فتبينوا.
ومعنى {ضربتم}: سافرتم). [معاني القرآن: 2/166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}
وقرأ ابن عباس
{لمن ألقى إليكم السلام} فمن قرأ (السلم) فمعناه: عنده الانقياد والاستسلام.

ومن قرأ (السلام) فتحتمل قراءته معنيين:
أحدهما: أن يكون بمعنى السلم.
والآخر: أن يكون من التسليم.
وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال: السلام عليكم، فقالوا: إنما تعوذ، فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا}
قال ابن عباس:
يعني الغنيمة.

وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن). [معاني القرآن: 2/166-168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم} قال سعيد بن جبير: أي كذلك كنتم تخفون إيمانكم {فمن الله عليكم} أي فمن الله عليكم بالغزو وإظهار الدين .
واختار أبو عبيد القاسم بن سلام: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}، وخالفه أهل النظر فقالوا: "السلم ههنا" أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء}). [معاني القرآن: 2/168-169]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( {عرض الحياة الدنيا} أي: متاع الحياة الدنيا).
[ياقوتة الصراط: 201]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر...}
يرفع
{غير} لتكون كالنعت للقاعدين؛ كما قال: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب} وكما قال {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} وقد ذكر أن {غير} نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب، إلا أنّ اقتران {غير} بالقاعدين يكاد يوجب الرفع؛ لأن الاستثناء ينبغي أن يكون بعد التمام، فتقول في الكلام: لا يستوي المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا، وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلّي الصيد} ولو قرئت خفضا لكان وجها: تجعل من صفة المؤمنين).
[معاني القرآن: 1/283-284]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير أولى الضّرر}: مصدر، ويقال ضرير بين الضرر). [مجاز القرآن: 1/138]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاًّ وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً}
قال:
{لاّ يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر} مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإن جررته فعلى "المؤمنين"، وإن شئت: نصبته إذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا أنها أنزلت من بعد قوله: {لاّ يستوي القاعدون} ولم تنزل معها، وإنما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال: {والمجاهدون} يعطفه على القاعدين لأن المعنى {لاّ يستوي القاعدون} {والمجاهدون}.

وقال: {وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} {درجاتٍ مّنه} يقول فعل ذلك درجات منه.
وقال: {أجراً عظيماً} لأنه قال: "فضّلهم" فقد أخبر أنه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك: "أما واللّه لأضربنك إيجاعاً شديداً" لأنّ معناه: لأوجعنّك). [معاني القرآن: 1/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({أولي الضرر}: الزمانة والعلة). [غريب القرآن وتفسيره: 123]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({غير أولي الضّرر} أي: الزّمانة، يقال: ضرير بيّن الضّرر). [تفسير غريب القرآن: 134]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.
قال زيد بن ثابت: كنت أكتب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد الله ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول الله إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب:
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول الله عز وجل:
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي.

وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} شيئا بعد شيء، فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}
يريد: إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل الله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.

قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان). [تأويل مشكل القرآن:237-238]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
قرئت
{غير أولي الضّرر} بالرفع و {غير} بالنصب، فأما الرفع فمن جهتين:
إحداهما: أن يكون " غير " صفة للقاعدين، وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة، المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولى الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين.

ويجوز أن يكون: " غير " رفعا على جهة الاستثناء.
المعنى: لا يستوي القاعدون والمجاهدون إلّا أولو الضرر، فإنهم يساوون المجاهدين، لأن الذي أقعدهم عن الجهاد الضرر، والضرر أن يكون ضريرا أو أعمى أو زمنا أو مريضا.
ويروى أن ابن أم مكتوم قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -:: أعل جهاد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(({انفروا خفافا وثقالا}، فإما أن تكون من الخفاف أو من الثقال)) فأنزل اللّه: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}
وقوله جلّ وعزّ:
{فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلّا وعد اللّه الحسنى} أي: وعد الجنّة.
{وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}
ويجوز أن يكون
{غير أولي الضرر}: نصبا على الاستثناء من {القاعدين المعنى: لا يستوي القاعدون إلّا أولي الضرر.
على أصل الاستثناء النّصب.
ويجوز أن يكون :" غير " منصوبا على الحال، المعنى: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم والمجاهدون.

كما تقول: جاءني زيد غير مريض، أي: جاءني زيد صحيحا.

ويجوز: جرّ " غير " على الصفة للمؤمنين، أي: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون.
أما الرفع والنصب فالقراءة بهما كثيرة.
والجرّ وجه جيد إلا أن أهل الأمصار لم يقرأوا به وإن كان وجها.
لأن القراءة سنة متبعة). [معاني القرآن: 2/92-93]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها). [معاني القرآن: 2/169]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {غير أولي الضرر} الضرر: الزمانة

وتقرأ
{غير} رفعا ونصبا، قال أبو إسحاق: ويجوز الخفض.
فمن رفع، فالمعنى: لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر، أي: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر، والمعنى: لا يستوي القاعدون الأصحاء.

ومن قرأ غير نصبا فهو
يحتمل معنيين:
أحدهما: الاستثناء ويكون المعنى إلا أولي الضرر فإنهم
يستوون مع المجاهدين.
والمعنى الآخر: أن يكون غير في موضع الحال، أي: لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لأنه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت: {غير أولي الضرر}، فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض، فالمعنى عنده: من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر، أي: من المؤمنين الأصحاء). [معاني القرآن: 2/170-171]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وكلا وعد الله الحسنى} المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير: يعني بالحسنى الجنة). [معاني القرآن: 2/171-172]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {وفضل الله المجاهدين على القاعدين} الذين ليس لهم ضرر {أجرا عظيما} درجات، منه وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة).
[معاني القرآن: 2/172]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الضَّرَرِ}: العلة). [العمدة في غريب القرآن: 114]


تفسير قوله تعالى: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{درجات منه ومغفرة ورحمة وكان اللّه غفورا رحيما}
{درجات} في موضع نصب بدلا من قوله..{ أجرا عظيما} وهو مفسّر للآخر.
المعنى: فضّل اللّه المجاهدين درجات ومغفرة ورحمة.

وجائز أن يكون: منصوبا على التوكيد لـ
{أجرا عظيما} لأن الأجر العظيم هو رفع الدرجات من اللّه جلّ وعزّ والمغفرة والرحمة، كما تقول لك على ألف درهم، لأن قولك على ألف درهم هو اعتراف فكأنك قلت أعرفها عرفا، وكأنه قيل: غفر اللّه لهم مغفرة، وأجرهم أجرا عظيما، لأن قوله {أجرا عظيما} فيه معنى غفر ورحم وفضّل.
ويجوز: الرفع في قوله
{درجات منه ومغفرة ورحمة}، ولو قيل: {درجات منه ومغفرة ورحمة}
كان جائز جائزا على إضمار تلك درجات منه ومغفرة كما قال جل ثناؤه:
{لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار بلاغ} أي: ذلك بلاغ). [معاني القرآن: 2/93-94]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة...}
إن شئت: جعلت
{توفّاهم} في موضع نصب، ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله: {إن البقر تشابه علينا}.

وإن شئت: جعلتها رفعا؛ تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة.
وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما؛ مثل قوله: {لعلكم تذكرون} ومثل قوله: {فإن تولّوا فقد أبلغتكم}). [معاني القرآن: 1/284]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً}
[و] قال: {أولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً} {إلاّ المستضعفين} لأنه استثناهم منهم كما تقول: "أولئك أصحابك إلاّ زيداً" و: "كلّهم أصحابك إلاّ زيداً". وهو خارج من أول الكلام). [معاني القرآن: 1/210]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله:
{إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} يعنى به: المشركون الذين تخلفوا عن الهجرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فـ
{توفاهم}، إن شئت: كان لفظها ماضيا، على معنى: إن الذين توفتهم الملائكة، وذكّر الفعل لأنه فعل صحيح.

ويجوز أن يكون: على معنى الاستقبال، على معنى: أن الذين تتوفاهم الملائكة، وحذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين، وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.
وقوله:
{ظالمي أنفسهم}: نصب على الحال، المعنى: تتوفاهم في حال ظلمهم أنفسهم، والأصل: ظالمين أنفسهم إلا أن النون حذفت استخفافا.
والمعنى معنى ثبوتها، كما قال جلّ وعزّ
{هديا بالغ الكعبة}.
والمعنى معنى ثبوت التنوين، معنى بالغا الكعبة.
وقوله:
{قالوا فيم كنتم} هذه الواو للملائكة، أي: قال الملائكة للمشركين {فيم كنتم} أي: أكنتم في المشركين أم في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا سؤال توبيخ قد مر نظراؤه مما قد استقصينا شرحه.
وقوله:
{كنّا مستضعفين في الأرض}فأعلم اللّه أنهم كانوا مستضعفين عن الهجرة، فقالت لهم الملائكة: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا * إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان} ). [معاني القرآن: 2/94-95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر {إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}).
[معاني القرآن: 2/173-174] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}، وقرأ عيسى وهو ابن عمر
{إن الذين يتوفاهم الملائكة} هذا على تذكير الجمع.
ومن قرأ
{توفاهم} فهو يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون فعلا ماضيا، ويكون على تذكير الجمع أيضا.
والآخر: أن يكون مستقبلا، ويكون على تأنيث الجماعة، والمعنى: تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين.
قال عكرمة والضحاك: هؤلاء قوم أظهروا الإسلام ثم لم يهاجروا إلى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين، هذا سؤال توبيخ). [معاني القرآن: 2/172-173]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ المستضعفين من الرّجال والنّساء...}
في موضع نصب على الاستثناء من {مأواهم جهنم}). [معاني القرآن: 1/284]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرا} إلّا المستضعفين من الرّجال والنّساء والولدان)
{المستضعفين} نصب على الاستثناء من قوله: {مأواهم جهنّم... إلّا المستضعفين}، أي: إلا من صدق أنّه مستضعف غير مستطيع حيلة ولا مهتد سبيلا، فأعلم الله أن هؤلاء راجون العفو، كما يرجو المؤمنون فقال: {فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}). [معاني القرآن: 2/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
قال مجاهد: هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الإسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}، و{عسى} ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شيء فهو واجب كذلك الظن به). [معاني القرآن: 2/173-174]


تفسير قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (
{فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم وكان اللّه عفوّا غفورا}
و {عسى} ترج، وما أمر اللّه به أن يرجى من رحمته فبمنزلة الواقع كذلك الظن بأرحم الراحمين.

وقوله:
{وكان اللّه عفوّا غفورا}.
تأويل {كان} في هذا الموضع قد اختلف فيه الناس
:
- فقال الحسن البصري: كان غفورا لعباده، عن عباده قبل أن يخلقهم.
- وقال النحويون البصريون: كأنّ القوم شاهدوا من الله رحمة فأعلموا أن ذلك ليس بحادث، وأنّ الله لم يزل كذلك.
- وقال قوم " من النحويين:.. " كان " و" فعل " من اللّه بمنزلة ما في الحال، فالمعنى - والله أعلم - والله عفو غفور.
والذي قاله الحسن وغيره أدخل في اللغة، وأشبه بكلام العرب.
- وأما القول الثالث، فمعناه: يؤول إلى ما قاله الحسن وسيبويه، إلا أن يكون الماضي بمعنى الحال يقل.
وصاحب هذا القول له من الحجة قولنا " غفر الله لفلان " بمعنى ليغفر اللّه له فلما كان في الحال دليل على الاستقبال وقع الماضي مؤديا عنها استخفافا، لأن اختلاف ألفاظ الأفعال إنما وقع لاختلاف الأوقات، فإذا أعلمت الأحوال والأوقات استغني بلفظ بعض الأفعال عن لفظ بعض، الدليل على ذلك: قوله جلّ وعزّ
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}
وقوله:
{ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى اللّه متابا} معناه: من يتب ومن يجئ بالحسنة يعط عشر أمثالها). [معاني القرآن: 2/95-96]


رد مع اقتباس