عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:25 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ولم يتّخذوا من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً واللّه خبيرٌ بما تعملون (16) ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النّار هم خالدون (17)
أم في هذه الآية ليست المعادلة، وإنما هي المتوسطة في الكلام، وهي عند سيبويه التي تتضمن إضرابا عن اللفظ لا عن معناه، واستفهاما فهي تسد مسد بل وألف الاستفهام، وهي التي في قولهم: «إنها لإبل أم شاء» التقدير بل أهي شاء، وقوله أن تتركوا يسد عند سيبويه مسد مفعولي «حسب»، وقال المبرد: «أن» وما بعدها مفعول أول والثاني محذوف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كان تقديره مهملين أو سدى ونحو ذلك، وقوله ولمّا هي دخلت على لم وفيها مبالغة، ومعنى الآية أظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان؟ ف لمّا في هذه الآية بمنزلة قول الشاعر [الفرزدق]: [الطويل]
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم = ولم تكثر القتلى بها حين سلّت
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمراد بقوله ولمّا يعلم لما يعلم ذلك موجودا كما علمه أزلا بشرط الوجود ولما يظهر فعلكم واكتسابكم الذي يقع عليه الثواب والعقاب ففي العبارة تجوز وإلا فحتم أنه قد علم الله في الأزل الذين وصفهم بهذه الصفة مشروطا وجودهم، وليس يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك، ووليجةً معناه بطانة ودخيلة، وقال عبادة بن صفوان الغنوي: [الطويل]
ولائجهم في كل مبدى ومحضر = إلى كل من يرجى ومن يتخوف
وهو مأخوذ من الولوج، فالمعنى أمرا باطنا مما ينكره الحق، وهذه الآية مخاطبة للمؤمنين معناها أنه لا بد من اختبارهم فهي كقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم [البقرة: 214] وكقوله الم أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون [العنكبوت: 1- 2] وفي هذه الآية طعن على المنافقين الذين اتخذوا الولائج لا سيما عند ما فرض القتال، وقرأ جمهور الناس «والله خبير بما تعملون» بالتاء على المخاطبة، وقرأ الحسن ويعقوب في رواية رويس وسلام بالياء على الحكاية عن الغائب). [المحرر الوجيز: 4/ 274-275]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى ما كان للمشركين الآية، معناه ما كان للمشركين بحق الواجب أن يعمروا، وهذا هو الذي نفى الله عز وجل وإلا فقد عمروا مساجده قديما وحديثا وتغلبا وظلما، وقرأ حماد بن أبي سلمة عن ابن كثير والجحدري «مسجد الله» بالإفراد في الموضعين، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والأعرج وشيبة وأبو جعفر ومجاهد وقتادة وغيرهم «مساجد» بالجمع في الموضعين، وقرأ ابن كثير أيضا وأبو عمرو «مسجد» بالإفراد في هذا الموضع الأول و «مساجد» بالجمع في الثاني، كأنه ذكر أولا فيه النازلة ذلك الوقت، ثم عمت المساجد ثانيا في الحكم الثابت ما بقيت الدنيا، ولفظ الجمع يقتضي عموم المساجد كلها، ويحتمل أن يراد به المسجد الحرام في الموضعين وحده على أن يقدر كل موضع سجود فيه مسجدا ثم يجمع، ولفظ الإفراد في الموضعين يقتضي خصوص المسجد الحرام وحده، ويحتمل أن يراد به الجنس فيعم المساجد كلها ولا يمنع من ذلك إضافته كما ذهب إليه من لا بصر له، وقال أبو علي الثاني في هذه القراءة يراد به الأول وسائر المساجد كلها حكمها حكم المسجد الحرام، وقوله شاهدين على أنفسهم بالكفر إشارة إلى حالهم إذ أقوالهم وأفعالهم تقتضي الإقرار بالكفر والتحلي به، وقيل الإشارة إلى قولهم في التلبية إلا شريك هو لك ونحو ذلك، وحكى الطبري عن السدي أنه قال: الإشارة إلى أن النصراني كان يقول أنا نصراني واليهودي كذلك والوثني يقول أنا مشرك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا لم يحفظ، ثم حكم الله تعالى عليهم بأن أعمالهم حبطت أي بطلت ولا أحفظها تستعمل إلا في السعي والعمل، ويشبه أن يكون من الحبط وهو داء قاتل يأخذ السائمة إذا رعت وبيلا وهو الذي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم» الحديث). [المحرر الوجيز: 4/ 276-277]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين (18) أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (19)
المعنى في هذه الآية إنّما يعمر مساجد اللّه بالحق لهم والواجب، ولفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد، وقد قال بعض السلف إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن، وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا عليه بالإيمان» وقد تقدم القول في قراءة مسجد، وقوله واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة يتضمن الإيمان بالرسول إذ لا يتلقى ذلك إلا منه، وقوله ولم يخش إلّا اللّه حذفت الألف من «يخشى» للجزم، قال سيبويه: واعلم أن الأخير إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع، ويريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، وهذه المرتبة العدل بين الناس، ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير الدنياوية وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه، و «عسى» من الله واجبة حيثما وقعت في القرآن، ولم يرج الله بالاهتداء إلا من حصل في هذه المرتبة العظيمة من العدالة، ففي هذا حض بليغ على التقوى). [المحرر الوجيز: 4/ 277-278]


رد مع اقتباس