عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 07:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرًا فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ (200) ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار (201) أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب (202)}
يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها.
وقوله: {كذكركم آباءكم} اختلفوا في معناه، فقال ابن جريج، عن عطاءٍ: «هو كقول الصّبيّ: "أبه أمّه"، يعني: كما يلهج الصّبيّ بذكر أبيه وأمّه، فكذلك أنتم، فالهجوا بذكر اللّه بعد قضاء النّسك». وكذا قال الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ. وروى ابن جريرٍ من طريق العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ -نحوه.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: «كان أهل الجاهليّة يقفون في الموسم فيقول الرّجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الدّيات. ليس لهم ذكرٌ غير فعال آبائهم. فأنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرًا}».
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن أنس بن مالكٍ، وأبي وائلٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ في أحد قوليه، وسعيد بن جبير، وعكرمة في إحدى رواياته، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة، ومحمّد بن كعبٍ، ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك. وهكذا حكاه ابن جريرٍ أيضًا عن جماعةٍ، واللّه أعلم.
والمقصود منه الحثّ على كثرة الذّكر للّه عزّ وجلّ؛ ولهذا كان انتصاب قوله: {أو أشدّ ذكرًا} على التّمييز، تقديره كذكركم آباءكم أو أشدّ منه ذكرًا. و"أو" هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر، كقوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} [البقرة: 74]، وقوله: {يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً} [النساء: 77]، {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} [الصّافّات: 147]، {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النّجم: 9]. فليست هاهنا للشّكّ قطعًا، وإنّما هي لتحقيق الخبر عنه بأنّه كذلك أو أزيد منه. ثمّ إنّه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره، فإنّه مظنّة الإجابة، وذمّ من لا يسأله إلّا في أمر دنياه، وهو معرضٌ عن أخراه، فقال: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} أي: من نصيب ولا حظٍّ. وتضمّن هذا الذّمّ التّنفير عن التّشبّه بمن هو كذلك. قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 557-558]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} فأنزل اللّه: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} ولهذا مدح من يسأله للدّنيا والأخرى، فقال: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}» فجمعت هذه الدعوة كلّ خيرٍ في الدّنيا، وصرفت كلّ شرٍّ فإنّ الحسنة في الدّنيا تشمل كلّ مطلوبٍ دنيويٍّ، من عافيةٍ، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ورزقٍ واسعٍ، وعلمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، ومركبٍ هنيءٍ، وثناءٍ جميلٍ، إلى غير ذلك ممّا اشتملت عليه عبارات المفسّرين، ولا منافاة بينها، فإنّها كلّها مندرجةٌ في الحسنة في الدّنيا. وأمّا الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنّة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحٍة، وأمّا النّجاة من النّار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدّنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشّبهات والحرام.
وقال القاسم بن عبد الرّحمن: «من أعطي قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا صابرًا، فقد أوتي في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، ووقي عذاب النّار».
ولهذا وردت السّنّة بالتّرغيب في هذا الدّعاء. فقال البخاريّ: حدّثنا أبو معمرٍ، حدّثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس بن مالكٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول:«اللّهم ربّنا، آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ قال: كان أكثر دعوةٍ يدعو بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «اللّهمّ ربّنا، آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار».
وكان أنسٌ إذا أراد أن يدعو بدعوةٍ دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاءٍ دعا بها فيه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا عبد السّلام بن شدّادٍ -يعني أبا طالوت -قال: كنت عند أنس بن مالكٍ، فقال له ثابتٌ: «إنّ إخوانك يحبّون أن تدعو لهم». فقال: «اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار». وتحدّثوا ساعةً حتّى إذا أرادوا القيام، قال: «يا أبا حمزة، إنّ إخوانك يريدون القيام فادع لهم» فقال: «تريدون أن أشقق لكم الأمور، إذا آتاكم اللّه في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، ووقاكم عذاب النّار فقد آتاكم الخير كلّه».
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن حميدٍ، وعبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، حدّثنا حميدٌ عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هل تدعو اللّه بشيءٍ أو تسأله إيّاه؟ » قال: نعم، كنت أقول: اللّهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سبحان اللّه! لا تطيقه -أو لا تستطيعه -فهلّا قلت: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}». قال: فدعا اللّه، فشفاه». انفرد بإخراجه مسلمٌ، فرواه من حديث ابن أبي عديٍّ -به.
وقال الإمام الشّافعيّ: أخبرنا سعيد بن سالمٍ القدّاح، عن ابن جريجٍ، عن يحيى بن عبيدٍ -مولى السّائب -عن أبيه، عن عبد اللّه بن السّائب: أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول فيما بين الرّكن اليمانيّ والرّكن الأسود: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}. ورواه الثّوريّ عن ابن جريجٍ كذلك.
وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحو ذلك. وفي سنده ضعفٌ واللّه أعلم.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساورٍ، حدّثنا سعيد بن سليمان، عن إبراهيم بن سليمان، عن عبد اللّه بن هرمز، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما مررت على الرّكن إلّا رأيت عليه ملكًا يقول: آمين. فإذا مررتم عليه فقولوا: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 558-559]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} فأنزل اللّه: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} ولهذا مدح من يسأله للدّنيا والأخرى، فقال: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 558] (م)

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال الحاكم في مستدركه: أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، حدّثنا محمّد بن عبد السّلام، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبيرٍ قال: «جاء رجل إلى ابن عبّاسٍ فقال: «إنّي أجّرت نفسي من قومٍ على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحجّ معهم، أفيجزي ذلك؟» فقال: «أنت من الّذين قال اللّه فيهم: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب}». ثمّ قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه). [تفسير ابن كثير: 1/ 560]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون (203)}
قال ابن عبّاسٍ: {الأيّام المعدودات} أيّام التّشريق، و{الأيّام المعلومات} أيّام العشر. وقال عكرمة:« {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ} يعني: التّكبير أيام التّشريق بعد الصّلوات المكتوبات: اللّه أكبر، اللّه أكبر».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا موسى بن عليٍّ، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«يوم عرفة ويوم النّحر وأيّام التّشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيّام أكلٍ وشربٍ».
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا هشيم، أخبرنا خالدٌ، عن أبي المليح، عن نبيشة الهذليّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّام التّشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه». رواه مسلمٌ أيضًا وتقدّم حديث جبير بن مطعمٍ: «عرفة كلّها موقفٌ، وأيّام التّشريق كلّها ذبحٌ». وتقدّم أيضًا حديث عبد الرّحمن بن يعمر الدّيلي «وأيّام منًى ثلاثةٌ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه».
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم، قالا حدّثنا هشيم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «أيّام التّشريق أيّام طعم وذكرٍ».
وحدّثنا خلّاد بن أسلم، حدّثنا روح، حدّثنا صالحٍ، حدّثني ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث عبد اللّه بن حذافة يطوف في منًى: «لا تصوموا هذه الأيّام، فإنّها أيّام أكلٍ وشربٍ، وذكر اللّه، عز وجل».
وحدّثنا يعقوب، حدّثنا هشيم، عن سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن حذافة، فنادى في أيّام التّشريق فقال: «إنّ هذه الأيّام أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه، إلّا من كان عليه صوم من هدي».
زيادةٌ حسنةٌ ولكن مرسلةٌ. وبه قال هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينارٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث بشر بن سحيمٍ، فنادى في أيّام التّشريق فقال: «إنّ هذه الأيّام أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه».
وقال هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عائشة قالت: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صوم أيّام التّشريق، قال: «هي أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه».
وقال محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيمٍ، عن مسعود بن الحاكم الزّرقي، عن أمّه قالت: «لكأنيٍّ أنظر إلى عليٍّ على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم البيضاء، حتّى وقف على شعب الأنصار وهو يقول: يا أيّها النّاس، إنّها ليست بأيّام صيامٍ، إنّما هي أيّام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ».
وقال مقسم عن ابن عبّاسٍ: «{الأيّام المعدودات}: أيّام التّشريق، أربعة أيّامٍ: يوم النّحر، وثلاثة أيّامٍ بعده»، وروي عن ابن عمر، وابن الزّبير، وأبي موسى، وعطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد ابن جبير، وأبي مالكٍ، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن أبي كثيرٍ والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، والزّهريّ، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وعطاءٍ الخراسانيّ، ومالك بن أنسٍ، وغيرهم -مثل ذلك.
وقال عليّ بن أبي طالبٍ:«هي ثلاثةٌ، يوم النّحر ويومان بعده، اذبح في أيّهنّ شئت، وأفضلها أوّلها».
والقول الأوّل هو المشهور وعليه دلّ ظاهر الآية الكريمة، حيث قال: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} فدلّ على ثلاثةٍ بعد النّحر.
ويتعلّق بقوله: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ} ذكر اللّه على الأضاحيّ، وقد تقدّم، وأنّ الرّاجح في ذلك مذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، وهو أنّ وقت الأضحيّة من يوم النّحر إلى آخر أيّام التّشريق. ويتعلّق به أيضًا الذّكر المؤقّت خلف الصّلوات، والمطلق في سائر الأحوال. وفي وقته أقوالٌ للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنّه من صلاة الصّبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيّام التّشريق، وهو آخر النّفر الآخر. وقد جاء فيه حديثٌ رواه الدّارقطنيّ، ولكن لا يصحّ مرفوعًا واللّه أعلم. وقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان يكبّر في قبّته، فيكبّر أهل السوق بتكبيره، حتّى ترتجّ منًى تكبيرًا.
ويتعلّق بذلك أيضًا التكبير وذكر اللّه عند رمي الجمرات كلّ يومٍ من أيّام التّشريق. وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: «إنّما جعل الطّواف بالبيت، والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر اللّه عزّ وجلّ».
ولمّا ذكر اللّه تعالى النّفر الأوّل والثّاني، وهو تفرّق النّاس من موسم الحجّ إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف، قال: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون} أي: تجتمعون يوم القيامة، كما قال: {وهو الّذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} [المؤمنون: 79] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 560-562]


رد مع اقتباس