عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} الآية، قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي: «المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب: التوراة والإنجيل»، والضمير في به عائد على الكتاب، ويحتمل أن يعود على ما وهو جزء من الكتاب، فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب، ويحتمل أن يعود على الكتمان، والثمن القليل: الدنيا والمكاسب، ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده، وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك لسبب دنيا يصيبها.
وذكرت البطون في أكلهم المؤدي إلى النار دلالة على حقيقة الأكل، إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه، وفي ذكر البطن أيضا تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له، وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم، وقال الربيع وغيره:«سمي مأكولهم نارا لأنه يؤول بهم إلى النار»، وقيل: معنى الآية: أن الله تعالى يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة، وقوله تعالى: {ولا يكلّمهم} قيل: هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضى عنهم، إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين، كقوله: {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108]، ونحوه، فتكون هذه الآية بمنزلة قولك: «فلان لا يكلمه السلطان ولا يلتفت إليه» وأنت إنما تعبر عن انحطاط منزلته لديه، وقال الطبري وغيره: «المعنى ولا يكلمهم بما يحبون»، وقيل: «المعنى لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية»، {ولا يزكّيهم} معناه: لا يطهرهم من موجبات العذاب، وقيل: المعنى لا يسميهم أزكياء، وأليمٌ اسم فاعل بمعنى مؤلم). [المحرر الوجيز: 1/ 415-416]


تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار (175) ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ (176) ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}
لما تركوا الهدى وأعرضوا عنه ولازموا الضلالة وتكسبوها مع أن الهدى ممكن لهم ميسر كان ذلك كبيع وشراء، وقد تقدم إيعاب هذا المعنى، ولما كان العذاب تابعا للضلالة التي اشتروها وكانت المغفرة تابعة للهدى الذي اطرحوه أدخلا في تجوز الشراء.
وقوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار}، قال جمهور المفسرين: «ما» تعجب، وهو في حيز المخاطبين، أي هم أهل أن تعجبوا منهم، ومما يطول مكثهم في النار، وفي التنزيل: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17]،{وأسمع بهم وأبصر} [مريم: 38]، وبهذا المعنى صدر أبو علي، وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع: «أظهر التعجب من صبرهم على النار لما عملوا عمل من وطن نفسه عليها»، وتقديره: ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يودي إليها، وقيل: «ما» استفهام معناه أي شيء أصبرهم على النار، ذهب إلى ذلك معمر بن المثنى، والأول أظهر، ومعنى أصبرهم في اللغة أمرهم بالصبر، ومعناه أيضا جعلهم ذوي صبر، وكلا المعنيين متجه في الآية على القول بالاستفهام، وذهب المبرد في باب التعجب من المقتضب إلى أن هذه الآية تقرير واستفهام لا تعجب، وأن لفظة «أصبر» بمعنى اضطر وحبس، كما تقول أصبرت زيدا على القتل، ومنه نهي النبي عليه السلام أن يصبر الروح، قال: ومثله قول الشاعر:
قلت لها أصبرها دائبا ....... أمثال بسطام بن قيس قليل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «الضبط عند المبرد بضم الهمزة وكسر الباء»، ورد عليه في ذلك كله بأنه لا يعرف في اللغة أصبر بمعنى صبر وإنما البيت أصبرها بفتح الهمزة وضم الباء ماضيه صبر، ومنه المصبورة، وإنما يرد قول أبي العباس على معنى اجعلها ذات صبر). [المحرر الوجيز: 1/ 416-418]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} الآية، المعنى ذلك الأمر أو الأمر ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به، والإشارة على هذا إلى وجوب النار لهم، ويحتمل أن يقدر فعلنا ذلك، ويحتمل أن يقدر وجب ذلك، ويكون الكتاب جملة القرآن على هذه التقديرات: وقيل: إن الإشارة ب الكتاب إلى قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم} [البقرة: 6]، أي وجبت لهم النار بما قد نزله الله في الكتاب من الخبر به، والإشارة بذلك على هذا إلى اشترائهم الضلالة بالهدى، أي ذلك بما سبق لهم في علم الله وورود إخباره به، و «الحق» معناه بالواجب، ويحتمل أن يراد بالأخبار الحق: أي الصادقة.
{والّذين اختلفوا في الكتاب}، قال السدي: «هم اليهود والنصارى لأن هؤلاء في شق وهؤلاء في شق».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويظهر أن الشقاق سميت به المشارّة والمقاتلة ونحوه، لأن كل واحد يشق الوصل الذي بينه وبين مشاقّه».، وقيل: إن المراد ب الّذين اختلفوا كفار العرب لقول بعضهم هو سحر، وبعضهم هو أساطير، وبعضهم هو مفترى، إلى غير ذلك، وشقاق هذه الطوائف إنما هو مع الإسلام وأهله، وبعيدٍ هنا معناه من الحق والاستقامة). [المحرر الوجيز: 1/ 418-419]


رد مع اقتباس