عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 05:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أنداداً يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبًّا للّه ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعاً وأنّ اللّه شديد العذاب (165) إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّؤا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}
ذكر الله تعالى الوحدانية ثم الآيات الدالة على الصانع الذي لا يمكن أن يكون إلا واحدا، ثم ذكر في هذه الآية الجاحدين الضالين معجبا من سوء ضلالهم مع الآيات، لأن المعنى أن في هذه الأمور لآيات بينة، ومن الناس مع ذلك البيان من يتخذ، وخرج يتّخذ موحدا على لفظ من والمعنى جمعه، ومن دون لفظ يعطي غيبة ما تضاف إليه دون عن القضية التي فيها الكلام، وتفسير دون بسوى أو بغير لا يطرد، والند النظير والمقاوم والموازي كان ضدا أو خلافا أو مثلا، إذا قاوم من جهة فهو منها ند، وقال مجاهد وقتادة: «المراد بالأنداد الأوثان»، وجاء ضميرها في يحبّونهم ضمير من يعقل لما أنزلت بالعبادة منزلة من يعقل، وقال ابن عباس والسدي: «المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون يطيعونهم في معاصي الله تعالى»، ويحبّونهم في موضع نصب نعت للأنداد، أو على الحال من المضمر في يتّخذ، أو يكون في موضع رفع نعت ل من وهذا على أن تكون من نكرة والكاف من كحبّ في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، و «حب» مصدر مضاف إلى المفعول في اللفظ وهو على التقدير مضاف إلى الفاعل المضمر، تقديره كحبكم الله أو كحبهم الله حسبما قدر كل وجه منها فرقة، ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان.
ثم أخبر أن المؤمنين أشدّ حبًّا للّه لإخلاصهم وتيقنهم الحق.
وقوله تعالى: {ولو ترى الذين ظلموا} قرأ نافع وابن عامر «ترى» بالتاء من فوق، و «أن» بفتح الألف، و «أن» الأخرى كذلك عطف على الأولى، وتقدير ذلك: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله، فالجواب مضمر على هذا النحو من المعنى، وهو العامل في «أن»، وتقدير آخر: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ولكن خوطب والمراد أمته، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا، وتقدير ثالث: ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ولاستعظمت ما حل بهم، فاللام مضمرة قبل «أن»، فهي مفعول من أجله، والجواب محذوف مقدر بعد ذلك، وقد حذف جواب لو مبالغة، لأنك تدع السامع يسمو به تخيله، ولو شرحت له لوطنت نفسه إلى ما شرحت، وقرأ الحسن وقتادة وشيبة وأبو جعفر ترى بالتاء من فوق وكسر الهمزة من «إن»، وتأويل ذلك: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لاستعظمت ما حل بهم، ثم ابتدأ الخبر بقوله: {إن القوة لله}، وتأويل آخر: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب يقولون إن القوة لله جميعا لاستعظمت حالهم. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن كثير «يرى» بالياء من أسفل، وفتح الألف من «أن»، تأويله: ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله جميعا، وتأويل آخر روي عن المبرد والأخفش: ولو يرى بمعنى يعلم الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا لاستعظموا ما حل بهم، ف «يرى» عامل في «أن» وسدت مسد المفعولين.
وقال أبو علي: «الرؤية في هذه الآية رؤية البصر»، والتقدير في قراءة الياء: {ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله جميعا}، وحذف جواب لو للمبالغة، ويعمل في «أن» الفعل الظاهر وهو أرجح من أن يكون العامل فيها مقدرا، ودخلت إذ وهي لما مضى في أثناء هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه، كما يقع الماضي موقع المستقبل في قوله تعالى: {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة} [الأعراف: 50]، {وأتى أمر اللّه} [النحل: 1]، ومنه قول الأشتر النخعي:
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ....... ولقيت أضيافي بوجه عبوس
وقرأت طائفة «يرى» بالياء من أسفل وكسر الألف من «إن»، وذلك إما على حذف الجواب وابتداء الخبر، وإما على تقدير لقالوا إن القوة لله جميعا، وقرأ ابن عامر وحده «يرون» بضم الياء والباقون بفتحها.
وثبتت بنص هذه الآية القوة لله بخلاف قول المعتزلة في نفيهم معاني الصفات القديمة). [المحرر الوجيز: 1/ 401-404]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقالت طائفة: الّذين اتّبعوا: كل من عبد من دون الله، وقال قتادة: «هم الشياطين المضلون»، وقال الربيع وعطاء: «هم رؤساؤهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ولفظ الآية يعم هذا كله»، وإذ يحتمل أن تكون متعلقة ب شديد العذاب، ويحتمل أن يكون العامل فيها: اذكر، والّذين اتّبعوا بفتح الباء هم العبدة لغير الله، والضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين، وتبريرهم هو بأن قالوا إنّا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم، وتعلق العقاب على المتبعين بكفرهم ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على المضلين، وقرأ مجاهد بتقديم الفعل المسند إلى المتبعين للرؤساء وتأخير المسند إلى المتبعين.
والسبب في اللغة: الحبل الرابط الموصل، فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين، وقال ابن عباس: «الأسباب هنا الأرحام»، وقال مجاهد: «هي العهود»، وقيل: المودات، وقيل: المنازل التي كانت لهم في الدنيا، وقال ابن زيد والسدي: هي الأعمال، إذ أعمال المؤمنين كالسبب في تنعيمهم فتقطعت بالظالمين أعمالهم). [المحرر الوجيز: 1/ 404-405]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقال الّذين اتّبعوا} الآية، المعنى وقال الأتباع الذين تبرئ منهم: لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم، والكرة: العودة إلى حال قد كانت، ومنه قول جرير:
ولقد عطفن على فزارة عطفة ....... كر المنيح وجلن ثم مجالا
والمنيح هنا: أحد الأغفال من سهام الميسر، وذلك أنه إذا خرج من الربابة رد لفوره لأنه لا فرض فيه ولا حكم عنه، والكاف من قوله كما في موضع نصب على النعت إما لمصدر أو لحال تقديرها متبرئين كما، والكاف من قوله كذلك يريهم قيل: هي في موضع رفع على خبر ابتداء تقديره الأمر كذلك، وقيل: هي كاف تشبيه مجردة، والإشارة بذلك إلى حالهم وقت تمنيهم الكرة.
والرؤية في الآية هي من رؤية البصر، ويحتمل أن تكون من رؤية القلب، وأعمالهم قال الربيع وابن زيد المعنى: «الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار»، وقال ابن مسعود والسدي المعنى: «الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة»، ورويت في هذا القول أحاديث، وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها، وأما إضافة الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها، وحسراتٍ حال على أن تكون الرؤية بصرية، ومفعول على أن تكون قلبية، والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات، وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته كالبعير والبصر، وقيل هي من حسر إذا كشف، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحسر الفرات عن جبل من ذهب»). [المحرر الوجيز: 1/ 405-406]


رد مع اقتباس