عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 05:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلّا هو} الآية، إعلام بالوحدانية، وواحدٌ في صفة الله تعالى معناه نفي المثيل والنظير والند، وقال أبو المعالي: هو نفي التبعيض والانقسام، وقال عطاء: «لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة: ما الدليل على هذا؟ وما آيته وعلامته؟» وقال سعيد بن المسيب: «قالوا: إن كان هذا يا محمد فائتنا بآية من عنده تكون علامة الصدق، حتى قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا، فقيل لهم: ذلك لكم، ولكن إن كفرتم بعد ذلك عذبتم، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «دعني أدعهم يوما بيوم»، فنزل عند ذلك قوله تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض}»الآية). [المحرر الوجيز: 1/ 397] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلّا هو} الآية، إعلام بالوحدانية، وواحدٌ في صفة الله تعالى معناه نفي المثيل والنظير والند، وقال أبو المعالي: «هو نفي التبعيض والانقسام»، وقال عطاء: «لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة: ما الدليل على هذا؟ وما آيته وعلامته؟» وقال سعيد بن المسيب: «قالوا: إن كان هذا يا محمد فائتنا بآية من عنده تكون علامة الصدق، حتى قالوا: اجعل لنا الصفا ذهبا، فقيل لهم: ذلك لكم، ولكن إن كفرتم بعد ذلك عذبتم، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «دعني أدعهم يوما بيوم»، فنزل عند ذلك قوله تعالى: {إنّ في خلق السّماوات والأرض}الآية »، ومعنى في خلق السّماوات في اختراعها وإنشائها، وقيل: المعنى أن في خلقه أي هيئة السموات والأرض، واختلاف اللّيل والنّهار معناه أن هذا يخلف هذا وهذا يخلف هذا فهما خلفة، كما قال تعالى: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً} [الفرقان: 62]، وكما قال زهير:

بها العين والأرآم يمسين خلفة ....... وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجثم


وقال الآخر:

ولها بالماطرون إذا ....... أكل النّمل الذي جمعا
خلفة حتّى إذا ارتبعت ....... سكنت من جلّق بيعا

ويحتمل أيضا الاختلاف في هذه الآية أن يراد به اختلاف الأوصاف، واللّيل جمع ليلة وتجمع ليالي، وزيدت فيها الياء كما زيدت في كراهية وفراهية، والنّهار يجمع نهرا وأنهرة، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يقضي بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: «إنما هو بياض النهار وسواد الليل»، وهذا هو مقتضى الفقه في الإيمان ونحوها، فأما على ظاهر اللغة وأخذه من السعة فهو من وقت الإسفار إذا اتسع وقت النهار كما قال:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ....... يرى قائم من دونها ما وراءها

وقال الزجاج في كتاب الأنواء: «أول النهار ذرور الشمس» قال: «وزعم النضر بن شميل أن أول النهار ابتداء طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار».

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو الحكم، والفلك السفن»، وإفراده وجمعه بلفظ واحد، وليست الحركات تلك بأعيانها، بل كأنه بني الجمع بناء آخر، يدل على ذلك توسط التثنية في قولهم فلكان، والفلك المفرد مذكر، قال الله تعالى: {في الفلك المشحون} [الشعراء: 119].

{وما ينفع الناس} هي التجارات وسائر المآرب التي يركب لها البحر من غزو وحج، والنعمة بالفلك هي إذا انتفع بها، فلذلك خص ذكر الانتفاع إذ قد تجري بما يضر، {وما أنزل اللّه من السّماء من ماءٍ} يعني به الأمطار التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والأرزاق، {وبثّ} معناه فرق وبسط، {ودابّةٍ} تجمع الحيوان كله، وقد أخرج بعض الناس الطير من الدواب، وهذا مردود، وقال الأعشى:

... ... ... ... ....... دبيب قطا البطحاء في كلّ منهل

وقال علقمة بن عبدة:

... ... ... ... ....... صواعقها لطيرهنّ دبيب

{وتصريف الرّياح} إرسالها عقيما ومقحة وصرا ونصرا وهلاكا، ومنه إرسالها جنوبا وشمالا وغير ذلك، والرّياح جمع ريح، وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب، إلا في يونس في قوله تعالى: {وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ} [يونس: 22]، وهذا أغلب وقوعها في الكلام، وفي الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح يقول: اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا».

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وذلك لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد، وريح الرحمة لينة متقطعة فلذلك هي رياح وهو معنى {نشرا} »، وأفردت مع الفلك لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة، ثم وصفت بالطيب فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب، وهي لفظة من ذوات الواو، يقال ريح وأرواح، ولا يقال أرياح، وإنما قيل رياح من جهة الكسرة وطلب تناسب الياء معها، وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير، فاستعمل الأرياح في شعره ولحن في ذلك، وقال له أبو حاتم: «إن الأرياح لا تجوز»، فقال: «أما تسمع قولهم رياح؟»، فقال أبو حاتم: «هذا خلاف ذلك»، فقال: صدقت ورجع»، وأما القراء السبعة فاختلفوا فقرأ نافع الرّياح في اثني عشر موضعا: هنا وفي الأعراف {يرسل الرّياح} [الآية: 57]، وفي إبراهيم {اشتدت به الرياح}[الآية: 8]، {وفي الحجر الرّياح لواقح} [الآية: 22]، وفي الكهف {تذروه الرّياح}، وفي الفرقان {أرسل الرّياح} [الآية: 22]، وفي النمل {ومن يرسل الرّياح }[الآية: 63]، وفي الروم} [الآيتان: 46، 48] في موضعين، وفي فاطر [الآية: 9] وفي الجاثية [الآية: 5] وفي حم عسق {يسكن الرياح} [الآية: 33]، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر موضعين من هذه بالإفراد: في إبراهيم وفي حم عسق، وقرؤوا سائرها كقراءة نافع، وقرأ ابن كثير بالجمع في خمسة مواضع: هنا وفي الحجر وفي الكهف وفي الروم الحرف الأول وفي الجاثية وتصريف الرّياح وباقي ما في القرآن بالإفراد، وقرأ حمزة بالجمع في موضعين: في الفرقان وفي الروم الحرف الأول وأفرد سائر ما في القرآن، وقرأ الكسائي كحمزة وزاد عليه في الحجر الرّياح لواقح [الآية: 22]، ولم يختلفوا في توحيد ما ليس فيه ألف ولام، والسّحاب جمع سحابة، سمي بذلك لأنه ينسحب، كما قالوا حبا لأنه يحبو، قاله أبو علي الفارسي، وتسخيره بعثه من مكان إلى آخر، فهذه آيات أن الصانع موجود. والدليل العقلي يقوم أن الصانع للعالم لا يمكن أن يكون إلا واحدا لجواز اختلاف الاثنين فصاعدا).[المحرر الوجيز: 1/ 397-401]


رد مع اقتباس